|
هلوساتٌ في حوض ماءٍ ساخن
زين اليوسف
مُدوِّنة عربية
(Zeina Al-omar)
الحوار المتمدن-العدد: 4624 - 2014 / 11 / 4 - 09:27
المحور:
الادب والفن
نعم قررت أن أكتب لكِ اليوم من داخل هذا الحوض..بل لأقل أن ما سأقوم به هو بثٌ مباشر لكل ما سأشعر به و لكل ما اقترفته في الأيام القليلة الماضية و ظننت أني تمكنت من إخفائه بذكاءٍ بين ثنايا النسيان..سأكتب ما سيخطر ببالي و لن أكترث كثيراً أو قليلاً لتماسك أفكاري..فهنا -في هذا الحوض- حيث تداعب جسدي قطرات الماء الساخن ستبدأ هلوساتي و لن تنتهي.
و لكن أتعلمين لعل سبب ازدياد هوسي بكِ كفكرة -أكثر منكِ كشخص- هو أنك تركتني مُعلقةً بين السماء و الأرض أمتطي تحتي كلمة "لماذا؟؟" و التي تجمح بي دوماً فتفقدني اتزاني فأسقط دون الوصول إلى القاع لأننا دائماً نستيقظ قبل الوصول إليه..و ثقِ بي في علاقتنا الإنسانية لا تُعتبر "لماذا؟؟" الرفيق المثالي لنا ليؤنس وحدتنا..هكذا ستجدين أن عملية الفصل بينكِ و بين "لماذا؟؟" باتت تشبه عملية الفصل بين التوائم السيامية قد تحتاج ساعاتٍ طويلة للقيام بها فقط لنكتشف في نهاية الأمر أننا لم نتمكن "حقيقةً" من فصلهما عن بعضهما البعض.
أكاد أجن و أنا أبحث عن إجابات..أية إجابات..فقط ليخرس ذلك الصوت الذي يهمس في أُذنيَّ بإصرارٍ غريب بأن الأمر برُمته كان حلماً تعاطيته كما أتعاطى أدوية اكتئابي المقيم بشكلٍ مزمن في ثنايا روحي و الغير راغب في منح مكان إقامته لأمراضٍ نفسية أخرى أقل وطأةٍ منه..لا لو سمحتِ لن أعتبر أن جنون الارتياب و الأكروفوبيا ينافسان الاكتئاب في قياس مدى التدهور النفسي رغم أننا كنا نختلف دوماً حول هذه النقطة..أتعلمين يبدو أني بحاجةٍ إلى أرض أو بمعنى آخر إلى شخصٍ يعيد إليَّ حالة شبه الاتزان التي كنت أتصف بها..حسناً لم أتصف بها يوماً و لكن لا بأس من الكذب قليلاً و الادعاء بأني يوماً ما كنت أتصف بها.
هل كان حلماً؟؟..هل لم تتواجدي قط إلا في مخيلتي؟؟..لا أملك أي أمرٍ يثبت لي تواجدكِ المادي حقيقةً لا وهماً إلا بضعة صور أحرص على مشاهدتها بين وقتٍ و آخر فقط لأقنع نفسي أنكِ كما غيرك لم تكوني جزءاً من هلوساتي المستمرة التدفق..أفكر أحياناً أن أعرض تلك الصور على أي شخصٍ آخر سواي ليخبرني ماذا يرى فيها؟؟..هل يراكِ أم أني أنا فقط من يراكِ و لكني لا أمتلك ذلك القدر من الشجاعة التي قد تودي بآخر ما أملكه من تماسكٍ نفسي.
قبل فترة قرأت في أحد مواقع التواصل الاجتماعي تحويراً شديد السوقية كتبه أحدهم فخوراً لمقطعٍ من قصيدة أمل دُنقل "لا تصالح"..كان التحوير لمقطع "هل ترى..هي أشياءٌ لا تُشترى"..عندما قرأت التحوير السوقي غضبتُ كثيراً و حزنت أكثر و لكن ما كاد يقتلني غضباً كما حزناً هو أن حول صاحب ذلك التحوير كان هناك جمعٌ من المستمتعين بهذه السوقية..شعرت حينها أن كل ما حولي و أحبه يُسلب مني علانية و بأني لم أعد أملك حتى الطاقة النفسية الكافية لمواجهة عمليات السلب العلنية تلك..و المثير للجنون أنك عندما تبدين تبرماً تجاه هذا الأمر أو سواه يخبرك الآخرون بأنك قد فقدتِ روح الدعابة!!.
نعم حاولت مرتين أن أقاوم عملية السلب تلك و في كلتيهما فشلت بطريقةٍ مثيرةٍ للشفقة..لم أكن أبحث حينها -و من خلال محاولاتي تلك- عن الحب و لكن عن قليلٍ من الاتزان النفسي المفقود و لكن رغم انخفاض سقف مطالبي فشلت..و لعل فشلي في المرة الثانية كان أخف وطأة على الروح من الأولى لأني سارعت نحوه مهرولةً قبل أن يسارع هو إليَّ..لا أعلم لم شعرت بالخوف!!..لعل السبب هو وجود ذلك اليقين اللعين بأني لن أستطيع أن أكون على حقيقتي كما على طبيعتي دون أن أقوم بإفساد الأمر برُمته..نعم فعلاقاتنا تفسد كثيراً عندما نقرر أن نكون نحن و لكنها تستمر بمعجزةٍ ما عندما نقرر أن نكون ما يُراد لنا أن نكونه!!.
قبل عدة أشهر أخبرني شخصٌ ما على أحد مواقع التواصل الاجتماعي أنه يتعاطى الحشيش أحياناً ليحصل على لذةٍ روحية ما..و لكني و دون أية أسبابٍ مفهومة هاجمته بقسوة و بمبرراتٍ لذلك الهجوم أشد قسوة فقط لأشعر أن جميع من هم حولي -و لو في العالمٍ الافتراضي- يتمرغون في وحل اللذة الذي أفتقد الانغماس فيه كما أفتقدكِ..و لهذا و لأنه نجح فيما فشلت فيه نصبت له مشنقتي الأخلاقية كما النفسية..و لكن -بعيداً عن إحالتي لحياة من هم حولي إلى جحيمٍ مقيم- ألا نسعى دوماً للحصول على لذتنا الخاصة كُلاً على طريقته؟؟..أليس غوصي الآن في حوضٍ من الماء الساخن هو الآخر نوعٌ من أنواع أقراص الحشيش المخدرة التي أرغب في الحصول من خلالها على قليلٍ من اللذة؟؟.
قرأت مرة أن سارتر وصف الجحيم بأنه الآخرون..قد يكون ذلك صحيحاً و لكنه جحيم أعتبره كمدخلٍ رئيسي تجاه صالة كبار الزوار و التي هي حقيقةً ستكون الجحيم الحقيقي..فلعلنا حقيقةً نحن هو الجحيم لا الآخرون..أليس الآخرون نحن؟؟..ألا نستمتع كثيراً بتمزيق الآخرين بينما نسكن نحن بيوتاً أوهن من بيوت العنكبوت؟؟..تباً لقد عدت لهلوستي و منطقي الثعباني الذي يلتهم بعضه بعضاً.
هل أخبرتك يوماً أني أخشى الماء؟؟..بالطبع لا أخشى الاستحمام به و لكني أخشى فكرة الغرق كثيراً..أخشى فكرة البحث باستماتةٍ عن الهواء فلا أجده..لعلي أخشى فكرة الفقد و لهذا السبب أجد أن الهواء كما الحب كما الجنس أمورٌ لا يمكنك السيطرة على فكرة امتلاكها بديمومةٍ أنت تقرر وجودها من عدمه و كم يثير جنوني ذلك الأمر..و لكني و بالرغم من خوفي العتيد ذك أصبحت أحاول كثيراً الغوص في حوضٍ من الماء الساخن لأنسى كل شيء بلذةٍ جنسية ذاتية الخلق..فهكذا سأرى الصور تتساقط من ذاكرتي فأنسى "لماذا؟؟" اللعينة و عبثهم بقصيدة "لا تصالح" و ربما لو تماديت قليلاً في عبثي بداخله قد أتمكن من نسيان مقولة "الجحيم هو الآخرون" و التي باتت واقعاً لا أستطيع الفرار منه مهما ازدادت سخونة الماء الذي يحيط بي.
#زين_اليوسف (هاشتاغ)
Zeina_Al-omar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القطعة الناقصة
-
سيارة للدعارة
-
خطأ إملائي
-
-سيلفي- إسلامي
-
اعتراف
-
تصويت
-
صداع الجمعة
-
على الكنبة
-
حج مسعور
-
محمد بين الأقدام
-
أوجاعٌ جنسية
-
لوط
-
فتاة سيئة السمعة
-
عصا موسى
-
مكتبٌ حكومي
-
أسد السنة
-
حفل تخرج
-
20 ريال
-
تعاطفٌ مشروط
-
الله هو شرشبيل؟؟
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|