|
فيلم السقوط.. الساعات الاخيرة من حياة هتلر والرايخ الثالث.
حسين علوان علي
(Hussain Alwan)
الحوار المتمدن-العدد: 4624 - 2014 / 11 / 4 - 07:35
المحور:
الادب والفن
هذا فلم يصعب ان يفارق الذاكرة.. ليس للأهمية الوثائقية والتأريخية التي تنطوي عليها القصة فحسب، بل للحرفية العالية التي تم التعامل بها مع الموضوع من نواحي الاخراج والتمثيل وبقية العمليات الفنية المكملة للعمل الفني ووحدتها المتميزة وقوة الايحاء الباهرة في ثناياها. في هذا الفلم.. اول لقطة من سماء مضيئة تظهر في أخر الدقائق منه..بينما ترزح بقية دقائقه في أجواء خارجية معتمة ومتربة.. أو في القبو الأرضي السري الذي كان يختبأ فيه هتلر في الايام الاخيرة التي سبقت انتحاره وسبقت سقوط اسطورة الرايخ الثالث المرعبة.. الجيش المهول الذي تلاشى كالدخان أمام زحف القوات المتحالفة على برلين وسقط سقوطا مريعا وذليلا بينما كانت قد امتدت جحافله الى مشارق الارض ومغاربها مشيعة الدمار والقتل والاستعباد.
يعتمد الفلم على مذكرات (ترودل جانج) التي تم تصويرها وتوثيقها تلفزيونيا قبل وفاتها بقليل، وهي امرأة المانية عملت عام 1945 سكريترة لهتلر تدون على الطابعة اوامره وبياناته التي كان يملّيها عليها في مخبأه السري، ولقد اتاح لها ذلك ان تعيش معه ومع كبار ضباطه لحظات السقوط تلك بكل حذافيرها وتفاصيلها المريعة وهي لمّا تزل بعد شابة غرة قليلة الخبرة في الحياة وغير واعية بجسامة المهنة التي امتهنتها.
لعل اكثر ما يلفت الانتباه في مسار الفلم التأريخي ان هتلر حين سمع أصوات أول قذائف المدفعية الروسية وهي تضرب برلين لم يكن يعرف ابدا ان القوات الروسية قد اصبحت عند مشارف عاصمة الرايخ، وأن أحدا من ضباطه وجنرالاته الكبار لم يجروء على كشف تلك الحقيقة امامه، وهذه واقعة تأريخية طالما تكررت في تأريخ الشعوب التي ابتليت بحكام طغاة في انهم قبل سقوطهم المجلجل لم يكونوا على دراية بالوقائع الحقيقية لسير العمليات القتالية، لقد بقي هتلر حتى يومه الاخير يحرك جيوشه فوق الخارطة للاحاطة بجحافل الجيش الروسي، بينما لم يكن لتلك الجيوش الالمانية أية وجود في الواقع اذ انها تفككت كلها وتفرقت في الانحاء او استسلمت او أبيدت في معارك لم يكن هتلر قائد الرايخ يعلم بها مطلقا، وهذا هو التجسيد الحقيقي لكلمة (سقوط) التي تم اختيارها عنوانا للفلم.
تتناقص كل الخيارات امام الزعيم النازي في مخبأه المحصن بينما تتجمع حوله فصائل المقدمة من الجيش الاحمر في احياء برلين وأزقتها، يترك لضباطه الصغار خيار المغادرة، بينما يأمر بضعة من جنرالاته وضباط المخابرات على المقاومة والصمود حتى الموت، ويقرر هو مصيره بتناول السم مع عشيقته إيفا براون التي يتزوجها قبل الانتحار، ثم ينتحران باطلاقات من مسدسه ويطلب من حارسه الشخصي أن يحرق جثتيهما لكي لاتقع بيد الجيوش المنتصرة، انه يسمم حتى كلبه اللصيق به الذي لم يشأ ان يقع بدوره بيد اعدائه، وهو يحسب نفسه في ذلك منتصرا على الرغم من هزيمته الساحقة ودمار بلاده، وتلك صورة بعيدة الاثر في تصوير حالة الانفصام التي كان يعيشها ذلك الزعيم الموهوم الذي حسب انه يمكن ان يجعل العالم برمته يركع عند قدميه.
فلم لايدع مجالا لالتقاط الانفاس قبل ان تنتهي آخر مشاهده المأساوية من التراقص على الشاشة، وهو يبرهن على قدرة فن السينما على اعادة رسم اللحظات الحاسمة في مسار التأريخ بطريقة قد تكون أكثر توقدا من الحقيقة نفسها بما ينطوي عليه هذا الفن النبيل من قدرة على التكثيف والشد والبناء المحكم، وما يتمتع به من جماليات فنية وقوة ايحائية بالغة التأثير والمطاولة.
في هذه القطعة الفنية السينمائية المتقنة تبرز لنا شخصية طاغية سايكوباثي يعتقد انه يمتلك حق التحكم بمصير الملايين من افراد الشعب الالماني اذ يقرر استخدام سياسة اللارض المحروقة في مواجهة جيوش الحلفاء، وذلك بحرق برلين وتفريغها من الغذاء والدواء لكي لايتم استخدامها من قبل الروس، وحين يعترض احد مساعديه بان ذلك سيبيد المدنيين الالمان في مدينتهم، يرد عليه بان الشعب الالماني لم يعد يستحق الحياة لانه خان زعيمه.. وان في تفاصيل حرب مثل هذه لاينبغي الالتفات الى مصير المدنيين..ثم يمضي على الفور ليعامل النساء في مخبأه السري المحصن بكل رقة وأدب مثلما يفعل دائما.. ويحن على الصغار ويعتني بكلبه الأليف.
فريق العمل: ------------ المخرج: أوليفير هيرشبيجيل النص : بيرند آيتشينجير ، جواكيم فيست أدولف هتلر: برونو غانز ترودل جانج: أليكساندرا ماريا لارا ماجدا غويبيلس: كورينا هارفوتش جوزف غويبيلس: أولريك ماتهيس إيفا براون: جوليان كوهلير ألبرت سبير: هينو فرتش الدّكتور شينك: كريستيان بيركيل ويرنر هاس: ماثياس هابيتش هينريتش هيملير: أولريك نويذين الوقت: 178 الانتاج : 2004 أول عرض للفلم: ألمانيا - 16 September 2004 -------------------------------------------------------- 24/11/2011
#حسين_علوان_علي (هاشتاغ)
Hussain_Alwan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا وجود
-
أصل الشر!
-
مسرحية فان كوخ - الطريق إلى الشمس
-
السومري الدائن في زاهي الكتابة.
-
حين تقع في غرام مدينة
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|