حمزة مفيد عرار
الحوار المتمدن-العدد: 4623 - 2014 / 11 / 3 - 17:55
المحور:
سيرة ذاتية
كأنني لم اسمع إسمي رغم أني على كرسيِّ الأنتظار ، فَكرَّرَتهُ حتى أيقظتني من رحلةٍ كنت فيها أُحاول أن أحرك عوالقاً في زوايا ذاكرتي ، كأجراسٍ قد تكاثرَ الغبار والصدأ عليها، ما بين المتناقضات والمترادفات في ربعِ قرنٍ الّا عام ، بين أحلام ما زالت تستقر في خباياي ، وبين إنجازات وإخفاقات سجلت بأوراق عمري ، قمتُ وأشرت برأسي أني أنا حمزة مفيد ، فوضعت بيدي قلماً وقالت :ضع لي توقيعكَ هنا ، وقرأت أني أُقر بإستلامي لشهاداتي بتاريخِ اليوم ، وتلهفتُ لألقاء النظرةِ الأولى عليها ، كأنني أنتظر لأن يوضعَ بين يديَّ مولوديَ الجديد ، لأبصرَ معالم وجهه ، وأجعله يمسكُ إصبعي ، وأتلوا الآذان بِمسمعيه، لكنها ورقةٌ بفضلِ الله وُفِقتُ أن أضع إسمي بجانبِ إسمكَ فيها ، ولم أستطع إلا أنَّه وقع من عينيَّ دمعتينِ أو أكثر على إسمكَ يا والدي الشهيد ...
ما زلت أذكر يومَ أن رحلتَ وترَكتَنا ثمانيةً وأمهم ، وكأنها صدفةٌ أن عدد الرصاصات الغادرت التي إستقرت بِقلبكَ هي تِسعُ رصاصات ، بكلِ رصاصةٍ يُتمٌ لواحدٍ منا ، والتاسعةُ لتجعل أمي أرملةً ثكلى ، فغدونا بمركبٍ تائهٍ تلاطمه كلٌّ الأمواج بليلٍ مظلمٍ تَنعقُ فوقنا كل الغرابيبِ والبوم ، لكنه الله الجليلٌ الأجل ، قدّرَ علينا بأن فجَّر في أمنا طاقة لتتقدم وتغدوا ربانُ القاربِ البائس ، ورغمَ كل الأمطار والبرقِ والرعد ، وكلما تضاعفت كانت ضرباتُ المجاديفِ بيدِ أمي تتضاعفُ أكثر ولم تُسقط من يَديها سُنبلة القمحِ المقطوفةِ قبل أوانها ، وليس فيها الإ ثمانِ حباتٍ ، جفت سريعاً رغم كل المطر الهادر في كانون الثاني ، وبيدين عاريتين ، نحيلتين ، بارديتن ، بدأت تَنحتُ بالصخرِ لتجعلَ من هذه الحباتِ زرعاً ، سقتهُ بالدمعِ والعرقِ والدم ، حتى بدت تورقُ الحبات ، ووقفت تحميَ زرعها من كل ريح ، ومازالت على عهد عاهدتكَ إياهُ فوقَ رأسك ، متتوغلةً في السنة العشرين من رحيلكَ وعلى عتباتِ الستينَ من عمرها، وأوصلتنا لبر الأمانِ وما زالت ترياقُ حياتنا.
#حمزة_مفيد_عرار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟