باسم الهيجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 1298 - 2005 / 8 / 26 - 10:31
المحور:
الادب والفن
كانت تكتب سيرتها قبل النوم .. وتعد عصافيرها في عشه .. تجمّل بها ذات صباح .. حين وقف في طابور المدرسة .. فداهمته الغربان ..
ـ أنقذيني يا أمي .. أصابعي تكسّرت .. وأشرعتي من دخان .. والغرباء الذين قتلوا الوردة على شباكنا الصغير .. سرقوا في الفجر نهارنا الجميل .. فاكتساني دمي ..
ركضت اليه حين تقافز قلبها .. قرأت له من سيرة الحب والحرب والحزب الحاكم .. فقالت الزهرة الحالمة لجدول صغير يمر عبر المكان ..
ـ تعال إليّ ..
تناثرت أوراق صفصافة قديمة .. حين هبت العاصفة .. فامتلأ الروض بالحساسين .. ورأت عنب البساتين يتدلى في واحة نائمة ..
قالت :
ـ تعال إليّ
تراكض النبع من أول الرؤيا .. الى اشتعال الجفاف بأخضرها الملتهب
صفقت الحساسين في آخر الليل .. لارتفاع الصوت في انكسار الوحدة الباردة ..
فتح الطفل يديه لرائحة الحواكير .. وزقزقات الطيور وهي تتسلل الى غلة البيدر .. صرخ بملء دمه ..
ـ تسقط المسافة بين الشمال والجنوب .. يسقط الحاجز الأخير .. بين العطش ومنابع النهر ..
وحين اقتربت الساعة من موعدها .. عرفت أنه كان على موعد آخر .. وانتظرته بكل تفاصيلها .. لكنه جاء على غير موعده .. وفي وقت كان له .. قرأ فيه ما اشتهى الحقل في السنابل .. وما اشتهى النهر في عشب جوانبه .. لكنها كانت معه .. هناك .. قريباً من مرمى الانبهار .. والنهر حين اكتظ شوقاً حالماً .. فاض بما فيه .. فأغرق المشتهى بين يديه .. وسار الى مصبه الأخير حيث اشتهى ..
سمعت صوته .. يفيض آخر الليل ..
ـ دقت الساعة يا أمي .. فهاتي وردك الدامي وقومي زيّنيني .. ربما أرجع بعد قليل ..كي ينبت الاخضر المنتظر .. وانطري حقل السنابل ..كي يظل في ذاكرتي وذاكرتك .. لكي لا أقول وداعا ..
لكنها كانت تكتب سيرتها قبل النوم .. وتحلم بصوره المعلقة على الجدران ..
#باسم_الهيجاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟