عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4623 - 2014 / 11 / 3 - 08:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كما أن الإنسان هو الوسيلة التي تنقل الدين من الله إلى الإنسان ليكون منتفعا بما في هذه الرحمة من غائية وهدفية تتعلق بوجوده أولا ولا تتعلق بالوجود الرباني فهو في حالة أستغناء عنها{وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً }النساء131,فليس لله حاجة في الدين إلا ما ذكرنا من كونه في المجمل في مقام المنفعة والمصلحة للإنسان بالنقاط التالية:.
• {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النساء26.
• {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ...يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ... وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185.
• {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً }النساء28.
• {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ .... مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة6.
• {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص83.
• {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ }غافر31.
الفعل الأرادي لله المتوجه بمقاصده وغاياته ومن خلال الدين تتعلق جميعها بالمصلحة والمنفعة الحياتية وضرورة ضبطها وفق محددات الله الذي هو خالق الناس وهو أعلم بهم من أنفسهم,فكيف يمكن لنا أن نفصل الوجود عن مصدر قوته وأنتظامه,أستبدال ما هو ثابت وواحد ومنتظم بما هو متفاوت ومتعدد وغير معلوم حقيقته ولا ممتحنة صدقية في الواقع المعاش؟.
الأرادة الربانية تستهدف بقوانيها تحقيق العدل القائم على الأستحقاق التحصيلي بموجب العمل الكسبي{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} فصلت46,في حين أن قواعد العدل الوضعي تسير بغير هذا الأتجاه المعبر عنه(العدالة تطبيق القانون بظروفه) (والقانون لا يحمي المغفلين) (والعقد شريعة المتعاقدين) وغيرها من القوانين التي تجعل من الإنسان طرفا في التحايل على العدالة وربما الأفلات من قبضتها بالثغرات التي تعطي للظروف والمعطيات الميدانية دور في روية العدالة وتحديد وجهتها.
كما في الظروف المخففة وقواعد الحيلة القانونية وأستغلال الثغرات القانونية,وهذا ما لم يكن ولن يكون في تطبيقات العدالة السماوية التي يريدها الله لأنها تنطلق من عدم الظلم لأي أحد,ولكن في العدل الإنساني قد تتحق العدالة بصورتها المجردة مع وجود الظلم لأنها أي العدالة تتحق عندهم بمجرد تطبيق القانون ولو كان ذاك القانون ظالم بالأساس.
كما أن الدين من مقاصده الأساسية منع العلو والفساد والأفساد في الأرض على قاعدة الأصلاح الشامل والتغير نحو الأفضل وقاعدته الفكرية أن البقاء للأصلح والأنفع بينما القاعدة الوضعية المعتمدة في مفاهيم العلمانية هي البقاء للأجدر حتى لو كان الأجدر متعسفا وغير صالح أو كان غاشما متعديا على ما لا يمكن أن يكون بمكانه وفق القواعد الربانية ومنها القواعد الدينية,بل أن العلمانية نشأت في ظل هذا النمط المنحرف والمتخلي عن المثل السماوية مقابل الأفتنان بما هو خادع وزائف ولكنه يبدو للناظر جميل.
لقد نادت العلمانية بفصل الدين عن الحياة مدعية السبب هو حرصها على أعطاء الحرية الإنسانية دورا قياديا ومحوريا في قيادة الحياة,ولكن حتى في هذا المفهوم العائم الضبابي قد تحدت بذاتها مطلبها بالحرية من خلال فرض رؤاها الخاصة على المجتمع بالقسرية التي تطبق بها العلمانية في الواقع السياسي والأجتماعي وعزل القوة الدينية وتحجيم دورها بالقانون مرة وبالأضطهاد الديني والتكميم مرة أخرى,فهذا التناقض ليس خيارا وجوديا طبيعيا فرضته معطيات التجربة الحياتية ولكن فرضته قوة قاهرة لتعلن من خلال موقفها هذا وتناقضها مع الذات وكأنها في فصام شخصي مع ما تدعي.
أليس الحرية التي جاء بها الأسلام أكثر أنسانية وأقرب للتطبيق العملي من أسس الحرية العلمانية بقول الله تعالى{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46, قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ{4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ{6}سورة الكافرون,{وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} الأنعام52,{وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}الأنعام107,{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} الكهف29.
هذه النصوص غير السيرة النبوية التي لا تجد فيها حالة واحدة من الجبر والأكراه على الدخول في الدين أو منع الأخر من دينه أو معتقده,فحتى عتاة قريش في مكة وما أذوا به الرسول صل الله عليه وأله وسلم وتابعيه من المؤمنين من أذى لا يتصور,ففي فتح مكه وما تلاها من أجداث لم يمارس التسلط والترهيب المقابل لعدوانيتهم وأذاهم وهو قادر عليهم بالجزاء الماثل,حيث أطلق صيحته الشهيرة (من دخل داره فهو أمن) فلم يقتل أحدا ولم يجبر أحدا ولم ينازع أحد حقا له ولكن تشرع بما شرع الله له(لا أكراه في الدين).
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟