|
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-2
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4623 - 2014 / 11 / 3 - 08:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وبخلاف تياري الباشوية- رجال الدين والتجار ، انبثق تيار ثالث أطلق علي نفسه " التيار التقدمي". وقد تألف هذا التيار في غالبه من الشباب المتأثرين بالأفكار الوطنية الديمقراطية والمتطلعين إلي تحقيق حرية الشعب الأرمني واستقلاله علي أيدي روسيا. انعقد الاجتماع التأسيسي لجمعية التيار التقدمي في 4 أبريل 1886 بالقاهرة . وقد انضوي تحت لوائها شباب من الوافدين الجدد من أرمينية العثمانية. وفي هذا الاجتماع ، استعرض الخطباء الحالة السيئة للأرمن العثمانيين ودعوا إلي التكاتف من أجل تحقيق الهدف السامي.. وفي أواخر هذا العام ، أسس هؤلاء التقدميون أيضا جمعية " الإنقاذ" بالإسكندرية ، والتي غيرت اسمها فيما بعد إلي "أرمينية " ، وسارت علي نهج جمعية القاهرة . بلغ عدد المنتمين إلي هذا التيار "83 " عضوا بالقاهرة بين عامي 1886 -1887 ، و"100" عضوا في الإسكندرية . ورغم عدم وجود إحصاءات عن عدد الأعضاء بين أرمن المناطق الأخرى ، إلا أن إجمالي عدد أعضاء جمعية التقدميين قد تراوح بين (250-300) عضو . وتجدر الإشارة إلي أن معظم قطاعات أرمن مصر قد استقبلوا هذه الجمعية بحماس ملحوظ كما اتضح إبان الحملات التبرعية التي نظموها لإغاثة الأرمن العثمانيين. أقلقت الشعبية المتزايدة للجمعية التقدمية أبناء الصفوة الأرمنية الذين ما انفكوا يشتكونها للسلطات المصرية ، والتي قامت بإنذار وتهديد بعض رؤساء الجمعية. ثم زادت الصفوة من تضييق الخناق علي الجمعية عندما طالبت الأخيرة روسيا سميا بتنفيذ المادة "61" . ففي أواخر عام 1888 ، زار مصر بعض كبار المسئولين الروس مما أتاح للمتقدمين فرصة الإعراب عن تأييدهم للسياسة الروسية وتطلعهم إلي حل القضية الأرمنية عن طريقها. وفي أواخر عام 1890 ، سلم الأرمن التقدميون إلي الأمير نيقولا – أثناء زيارته للقاهرة – وثيقة تحوي مائتين من أرمن مصر راجين أن يتوسط لدن أبيه القيصر إسكندر الثالث (1881-1894) كي يتدخل فعليا من أجل تنفيذ المادة "61" . وقد بلغ نشاط الأرمن التقدميين ذروته في عام 1889 عندما أصدر غيفونث بابازيان جريدة " نيغوص" ( النيل ) الأسبوعية بالإسكندرية . ولما كان توجه هذه الجريدة مطابقا لأهداف جمعية التقدميين ، فقد تعمقت العلاقة بين الجمعية والجريدة حتي أضحت الأخيرة لسان حال التقدميين وبوق الدعاية لأفكارهم. انتقدت نيغوص أعيان أرمن مصر والمجلس الملي الأرمني بالأستانة لانتهاجهم سياسة الحكومة العثمانية بحذافيرها . ولهذا ، شكل الأعيان الأرمن تكتلا معاديا ضد الجريدة والجمعية ، ونجحوا في محاربة غيفونث بابازيان عندما تسببوا في أن يتلقي خطابا من ازمرليان- مطران أرمن مصر (1885-1890) – يأمره فيه بالعودة إلي الأستانة. ورغم أن مؤيدي نيغوص قدموا شكاوي ودعاوي إلي السلطات الحكومية المصرية ضد هذا المطلب، إلا أن نظارة الداخلية قد رحلت بابازيان إلي الأستانة في حراسة الشرطة علي متن سفينة مصرية. أثار طر بابازيان ضجة في أوساط التقدميين وانقلب اجتماعهم بمطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة والمناهض للأرمن القادمين من أزمير إلي مشاجرة تدخلت فيها الشرطة وقد قبضت علي نشطاء التقدميين بموجب بلاغ من وجهاء الأرمن. وبعد هذا الحادث ، أخذ التيار التقدمي يضعف شيئا فشيئا حتي انحل نهائيا بسبب ضغوط الشرطة المستمرة ، ناهيك عن حدوث انشقاقات به. وهكذا ، يلاحظ أن أرمن مصر قد اهتموا بالقضية الأرمنية منذ تدويلها في مؤتمر برلين 1878 وتبلورها في المادة "61" . ولكن، حتي منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر ، تباينت رؤية كل طبقة منهم عن الأخرى بخصوص تنفيذ المادة "61" . فبينما اعتمدت الصفوة علي المؤسسة العثمانية الرسمية الحاكمة في تنفيذها ، تطلع التجار والتقدميون إلي التدخل البريطاني والروسي لتنفيذها. وقتذاك، لم يتمكن أرمن مصر من الضغط لا علي أوربا ولا علي الباب العالي من أجل حل القضية الأرمنية بتنفيذ المادة آنفة الذكر. ولهذا سعي التيار الثوري الأرمني إلي كسب أراض بين أرمن مصر لصالح القضية. تمتعت المنظمات الثورية الأرمنية بحرية نسبية في مصر. وتعلق جريدة " بيوزنطيون" علي هذه الحرية بقولها :" كان في استطاعة السلطان عبد الحميد أن يطارد الشباب التركي حتي لو كانوا في باريس ، إلا أن الشرطة العثمانية قلما قبضت علي شاب تركي أو أرمني هارب من الأستانة ولاجيء من القاهرة. ففي بداية عام 1890 ظهرت فلول حزب الهنشاك في مصر واستغلوا الحرية المتاحة بها حتي نجحوا خلال فترة وجيزة في اكتساب أعضاء وتكوين خلايا لحزبهم. وجدير بالذكر أن أول مؤتمر رسمي لحزب الهنشاك قد انعقد بلندن عام 1896 ، وبدأ خلاله أول شرخ يظهر في الحزب. ففي هذا المؤتمر ، طالبت الأغلبية بطرح فكرة الاشتراكية جانبا من أهداف الحزب واستبدالها بسياسة قومية صرفة.أما الأقلية فقد أيدت الاشتراكية ، ولذا ، انقسم الحزب علي نفسه ، ومن ثم ، اجتمعت الأغلبية برئاسة الكاتب الصحفي والأديب آربيار آربياريان (1852-1908) في قاعة أخري واختاروا مجلسا جديدا وطالبوا بتسليم متعلقات الحزب إليهم. ثم أعلنت الأغلبية الهنشاكية في عام 1897 أنهم أسسوا حزبا جديدا يسمي " الهنشاك" المعاد تكوينه واتخذوا مصر مقرا له. اعتبر الهنشاكيون الجدد المادة "61" من مؤتمر برلين 1878 خطوة أولية نحو تحرير أرمن الدولة العثمانية . وفي هذا الخصوص، كتب آربياريان ما يلي:" تعد المادة (61) من أقوي الحجج لدينا لأنها جعلت المسألة الأرمنية قضية أوربية دولية، وليست قضية عثمانية داخلية ". وكان الهنشاكيون الجدد يعقدون اجتماعات وينظمون مظاهرات كي يذكروا الحكومات الأوربية بمآسي الشعب الأرمني ويطالبونها بتنفيذ المادة "61" . ولكن هذه الحكومات لم تلتفت إليها بتاتا. ورغم هذا ن مضي الهنشاكيون الجدد في سياستهم المنحازة لأوربا . ففي عام 1904 ازدادت اضطهادات عبد الحميد للأرمن ن ولذا ، دعا الجاثليق مجرديتش الأول (خريميان)( 1892-1907) كل الأرمن ومؤسساتهم لمناشدة الحكومة الأوربية إحياء المادة "61" . عندئذ ، لبي الهنشاكيون الجدد نداء الجاثليق ، وعقدوا اجتماعا شعبيا في 2 مايو 1904 بمسرح "فاربيت " بالقاهرة لشجب المذابح . وجدير بالذكر أن هذا الاجتماع الذي حضره حوالي "2000" شخص لم يقتصر علي الأرمن وحدهم ، بل حضره ممثلون عن السوريين وغيرهم. وأسفر هذا الاجتماع عن بيان موحد ، قرروا فيه إبلاغ معاناة الأرمن العثمانيين إلي حكومات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية ومناشدتهم التوسط باسم الإنسانية كي تكف الحكومة العثمانية عن مذابحها واضطهاداتها ضد الأرمن. ولكن هذا البيان لم يحرك ساكنا لدي الحكومات المرسل إليها. ........................................................
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرمن المصريون والقضية الأرمنية-1
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-5
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-4
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-3
-
الأرمن في مصر ( 1896- 1961 )
-
الجمعيات الأرمنية في مصر-2
-
الجمعيات الأرمنية في مصر
-
ضبابية الموقف الأمريكي إزاء الإبادة الأرمنية
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر - 3
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر-2
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر-ألكسندر صاروخان-2
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر-ألكسندر صاروخان
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- المبدعات الأرمنيات وخصائص الف
...
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- أونيج آفيديسيان والأرمن السكن
...
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- بوزانت جوجامانيان وسيمون سامس
...
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- فهرام مانفليان وديران جرابيدي
...
-
الأرمن والفنون الجميلة في مصر- يرفانت دميرجيان
-
النشاط الموسيقي والغنائي للأرمن في مصر-3
-
النشاط الموسيقي والغنائي للأرمن في مصر-2
المزيد.....
-
نجاة طيار بعد تحطم طائرته المقاتلة إف-35 في ألاسكا.. وقائده:
...
-
مسؤول أمريكي يجري أول زيارة إلى غزة منذ 15 عامًا
-
تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا للجمهورية العربية السورية بش
...
-
الجزائر.. تبون يلتقي باتروشيف
-
إسرائيل تستعد للإفراج عن 110 أسرى فلسطينيين مقابل ثلاثة محتج
...
-
كوريا الجنوبية: حريق في طائرة إيرباص قبل الإقلاع ونجاة الركا
...
-
ماذا حدث في مهرجان -كومبه ميلا- الديني الهندوسي في الهند؟
-
هل تهدد خطط ترامب حول قطاع غزة استقرار دول الجوار؟
-
الشرع يلقي خطابا هاما ينتظره ملايين السوريين
-
غرينلاد.. توجس أوروبي من نوايا واشنطن
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|