|
الأصولى وتوقف النمو العقلى
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4622 - 2014 / 11 / 2 - 00:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دأب الأصوليون أتباع الديانة العربية بشعبها الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) على مُهاجمة كل من يختلف مع مرجعيتهم الدينية ، حتى لو كانت تلك المرجعية ضد العقل وضد وقائع التاريخ ، رغم أنّ تلك الوقائع دوّنها مؤرخون ينتمون تلك الديانة العبرية. وقد تلاحظ أنّ أتباع الشعبة الثالثة من تلك الديانة العبرية ، عندما يقرأون دراسة تتناول وضع الكنيسة ورجال الكهنوت المسيحى ، فيها انتقاد لذلك الكهنوت ، فإنهم يتغافلون عما فى تلك الدراسة ، وبدلا من التفاعل مع ما جاء فى الدراسة ، وتعميق ما فيها من وقائع ، أو من وجهات نظر (سواء بالاتفاق أو بالاختلاف) فإذا بهم ينتقدون الديانة المسيحية ، رغم أنّ الدراسة لم تتعرّض للدين المسيحى ، وإنما لسيطرة الكهنوت المسيحى ، وهم يفعلون ذلك فى تجاهل تام (بل وفى تناقض) منهم لأنّ الديانة المسيحية هى الشعبة الثانية من الديانة العبرية. حدث ذلك معى بعد سلسلة مقالاتى عن (محاكمة الحيوانات والحشرات) فى (محاكم) كانت تـُعقد لمحاكمة تلك الكائنات غير العاقلة فى أوروبا واستمرّتْ حتى القرن الثامن عشر الميلادى ، فإذا بأحد الأصوليين من أتباع الشعبة الثالثة من الديانة العبرية (الإسلام) يكتب مهاجمًا الدين المسيحى ، ويستشهد ببعض الآيات الواردة فى العهد الجديد عن الموقف العدائى للحيوانات ، وهو بهذا ارتكب جريمة أخلاقية فى حق أى بحث علمى لأنه 1- تعرّض لمعتقد الآخر بالهجوم والتجريح 2- تجاهل أنّ الديانة المسيحية معترف بها فى كتابه المؤمن به (القرآن) وأنّ القرآن به العديد من الآيات التى تؤكد على أنّ مُنـزل التوراة والإنجيل هو نفسه مـُنـزل القرآن مثل ((جاءكم رسول مصدق لما معكم)) (آل عمران/ 81) و((آمنوا بما أنزلتُ مصدقــًا لما معكم)) (البقرة/ 41، 89، 91، 101، 136) والنساء/47 وفاطر/31 والأحقاف/ 30 والأعراف/ 157. أما الآية التى حسمتْ أى خلاف وأى تشكيك فى أنّ القرآن جاء مُــطابقــًا لما قبله من الشعبتين الأولى والثانية من الديانة العبرية فهى ((إنّ هذا (= القرآن) لفى الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى)) (الأعلى/ 19) أما عن التوراة فكان القرآن شديد الوضوح عندما جاء به ((إنــّا نزلنا التوارة فيها هدى ونور)) (المائدة/44) بل إنّ الزبور كتبه من كتب القرآن بنص الآية ((ولقد كتبنا فى الزبور)) (الأنبياء/ 105) وهكذا يتأكد لدى العقل الحر أنّ العقل الأصولى (فى أى ديانة) تجمّد وتوقف نموه ورسمتْ له أوهامه أنّ مهمته الأولى والأساسية هى مهاجمة معتقد الآخر، حتى ولو كان هذا المعتقد جاء فى شعبة من شعب ديانته العبرية المؤمن بها ، ولأنّ عقل الأصولى الإسلامى تجمّد وتوقف نموه لم يُلاحظ ما جاء فى الكتاب الوحيد (القرآن) المُـعتمد لديه. أى لم يُلاحظ أنّ القرآن مُــتطابق مع التوراة والإنجيل ، لأنّ منزل القرآن هو نفسه منزل التوارة والإنجيل . وإذا تحجـّج بالمقولة الشائعة : أنه تم تحريف التوراة والإنجليل ، فإنّ السؤال : لماذا سمح (الله) بهذا التحريف وهو الذى أنزلهما ؟ وإذا كان ذاك الأصولى الإسلامى استشهد ببعض آيات فى الأناجيل عن ازدراء الحيوانات ، فإنّ (نبى) العرب محمد الذى أتى بالإسلام ، لم يكتف بازدراء الحيوان (الكائن الحى غير العاقل) وإنما أمر بقتله ، فقال فى حديث عنه ((اقتلوا البهيمة ومن أتاها)) (الأحكام السلطانية والولايات الدينية- لأبى الحسن على بن محمد بن حبيب البصرى البغدادى الماوردى- مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر- الطبعة الثالثة- عام 1973- ص224) وما ذكره الماوردى تأكد فى كتاب (الإقناع فى حل ألفاظ إبى شجاع) المُـقرّر على تلاميذ المعاهد الأزهرية الثانوية بمصر. وذاك الكتاب من تأليف شمس الدين محمد أحمد الشربينى الشافعى ، أحد أعيان الشافعية فى القرن العاشر الهجرى. وجاء فى الكتاب المُـقرّر على تلاميذ الصف الثالث الثانوى الأزهرى للعام الدراسى 1997/ 98 فى باب الحدود : القتل : قال الرسول ((من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه)) روا الحاكم وصح اسناده (ص219) ولكن المؤلف أضاف ((وأظهرها لا حدّ فيه، بل يُعزر. وفى النسائى عن ابن عباس ((ليس على الذى أتى البهيمة حد)) أى أنّ مؤلف كتاب الإقناع فى حل ألفاظ إبى شجاع وكذلك ابن عباس تجاوزا حديث الرسول وتغاضا عنه (وأنا لا أهتم بحكاية هل الحديث قاله محمد أم لا، بمراعاة أنّ مجرد ورود أى حديث فى كتب التراث العربى/ الإسلامى ، هو دليل على (العقلية العربية/ الإسلامية) بغض النظر عن اسم قائل الحديث . والآن يحق للعقل الحر أنْ يتأمل ذلك الحديث الذى أورده الماوردى ((اقتلوا البهيمة ومن أتاها)) إنّ فعل اتيان البهيمة قام به طرفان : فاعل ومفعول به. فإذا كان الفاعل هو المجرم الذى يستحق العقاب (بغض النظر عن قسوة العقوبة – أى القتل) فما ذنب المفعول به؟ خاصة لو كان هذا المفعول به كائن حى غير عاقل ؟ وبالتالى ما ذنب البهيمة (بقرة أو جاموسة الخ) لتـُــقتل ؟ وما ذنب صاحبها الذى سيفقد رأسماله ؟ والنتيجة أنّ العقل الحر يتوقف أمام عقلية العرب / المسلمين الذين أباحوا قتل إنسان لمجرد أنه عاشر بهيمة ، بدلا من توفير المناخ الاجتماعى/ الثقافى/ الاقتصادى الذى يساعد على الزواج الشرعى وإقامة علاقات إنسانية تـُحقق الرغبة العاطفية والجنسية. أما الكارثة فهى توقيع عقوبة القتل على البهيمة التى لا ذنب لها بما فعله فيها إنسان عديم الأخلاق. وإذا كان الأصولى الإسلامى الذى دأب على ازدراء الديانة المسيحية ، لم ينتبه إلى أنّ المسيحية هى الشعبة الثانية من ديانته العبرية ، فإنّ مؤلف كتاب (الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع) كتب ((قال النسفى أنّ الكتب المُـنزلة من السماء إلى الدنيا مائة وأربعة : صحف شيت ستون ، صحف إبراهيم ثلاثون ، وصحف موسى قبل التوراة عشر، والتوراة ، والزبور والإنجيل والفرقان ، ومعانى كل الكتب مجموعة فى القرآن ، ومعانى القرآن مجموعة فى الفاتحة ، ومعانى الفاتحة مجموعة فى البسملة ، ومعانى البسملة مجموعة فى بائها ، ومعناها : بى كان ما كان وبى يكون ما يكون ، وزاد بعضهم : ومعانى الباء فى نقطتها)) (من مقدمة الجزء الأول المُـقرّر على تلاميذ الصف الأول الثانوى الأزهرى – عن العام الدراسى 1997/98 ، والعام الدراسى 2002/ 2003- ص 8) وهكذا يتم إغراق أبناء شعبنا المصرى فى الميتافيزيقا ، وتكون النتيجة أنْ ينتشر التلاميذ فى القرى والنجوع لينشروا تلك الميتافيزيقا المُعادية للعقل (قتل البهيمة) والكارثة أنّ عدد تلاميذ المعاهد الأزهرية (ابتدائى وإعدادى وثانوى) خلال عام دراسى واحد (94/ 95) وصل إلى مليون وستين ألف تلميذ حسب إحصاء الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء (نقلا عن علاء قاعود – نحو إصلاح علوم الدين – مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان – عام 2000- ص68، 73) وهذا الرقم يمكن ضربه × 10 وهم أصدقاء وجيران التلميذ الواحد . وبالتالى فإنّ هذا التعليم عبارة عن معامل تفريخ (بشر) بلا عقول ، أو بشر بعقول تمّ تجميدها وتوقف نموها عند مرحلة عصر الكهوف ، وأنّ (كل) أسلحة يمتلكها أى إنسان تعلــّم تلك (المناهج) هى الهجوم على معتقدات الآخرين ، حتى ولو كانت معتقدات شعبة من شعب ديانته العبرية ، كما فعل الأصولى الإسلامى الذى دأب على ذلك فى الرد على مقالاتى بموقع الحوار المتمدن والذى لا أعرف جنسيته ، بينما هو أسير ذلك التعليم وذلك التراث الذى جمّد عقله أوقف نمو تفكيره . ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشر يحاكمون الحيوانات والحشرات (3)
-
بشر يُحاكمون الحيوانات والحشرات (2)
-
بشر يُحاكمون الحيوانات والحشرات (1)
-
دراما حياة ومقتل عثمان بن عفان
-
الجمل وصفين وبحور الدم
-
القرآن والأحاديث والسيرة والغزو
-
هامش على أحاديث وسيرة (نبى) العرب (3)
-
أحاديث (نبى) العرب محمد (2)
-
قراءة فى أحاديث (نبى) العرب محمد (1)
-
مغزى تعدد أسماء الآلهة
-
الجسد بين الإنسان والوطن إبداعيًا
-
العلاقة بين الواقعى والغرائبى فى (ماكينة الأحلام)
-
حنان الشيخ وروايتها البديعة مسك الغزال
-
ذيح الابن فى تراث الشعوب القديمة
-
الأدب الإسرائيلى ومجابهة الصهيونية
-
الخيال والواقع فى الأسطورة الأوزيرية
-
القومية العربية والقومية المصرية : نقيضان
-
الهجرة والعودة للوطن الأم
-
الوحدة العربية والوحدة الأوروبية : مفارقات
-
الجوائز الدولية والأغراض السياسية
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|