|
منزلنا الريفي (65)
عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 4620 - 2014 / 10 / 31 - 18:59
المحور:
الادب والفن
- أهدي هذه القصة إلى أرض كرزاز، وإلى ربوع العالم القروي المهمش. - أهدي هذه القصة إلى كل المهمشين والكادحين والفقراء والمظلومين .
الفاميلة الزينة (2)
أمسى شعيبة يملك أرضا في بلاد كرزاز، لا أحد يجرؤ على منعه من الرعي، لم يعد قنا، بل أصبح خماسا، يحرث قطعته الأرضية الصغيرة، ويحرث أرض الإقطاعيين الكرزازيين، ويرعى حتى أغنامهم، لكن شعيبة لم يعد كما كان، بل صار أحد أبنائه فقيها يقرأ على الموتى بعض المتون القرآنية، أما ابنه سحلوت كحل الجرية الماكر فسيلتحق بالجندية، لكن سيحصل كل هذا بعد تلاشي شعيبة في التراب. مات شعيبة في ذلك اليوم الخريفي، هب الكرزازيون لكي يقوموا بتعزيتهم الماكرة، لقد عاش خسيسا بينهم، هذا هو مصير البراني، فقدر الأجنبي هو أن يهمش ويستبعد خاصة إذا كان فقيرا كادحا، أما إذا كان غنيا، فلا خيار أمامه سوى أن يعبده الكرزازيون، أجل لقد كانوا يعبدون زبانية الجامعي، فيدعون أفرادها في الأفراح، ويقدمون إليهم الهدايا والصكوك... من يعرف ذلك الشخص الذي كان يلقبه الكرزازيون بالحاج مع العلم أنه لم يزر الحج يوما ؟ كان شخصا ضالعا في السن، قيل أنه شارك في حرب الهند-الصينية، واشتغل كمراقب غابوي في الأرض الذي اشتراها الجامعي من الكرزازيين، لكن حين بدأ استصلاح هذه الأرض، هب الشبان الكرزازيون لكي يشتغلوا كأقنان، فلم يتوان المدعو الحاج في استعبادهم وسط الحفر وهم يشقون الأرض، يا لها من لعبة ماكرة، اشترى الجامعي الأرض بثمن بخس، وراح يستعبد من باعوا الأرض، أما الأجنبي الذي يريد أن يشتري أرضا لكي يعيش السراء والضراء مع أصحاب الأرض مصيره الإبعاد، كم الكرزازيون حقراء !! يعبدون الجامعي لأنه يعطيهم الدقيق في كل مناسبة، لكنهم يهاجمون سحلوت حينما شيد خيمة لكي يدافع عن الذرة التي زرعها في حقلهم، فكاد أن يقتل أحد المهاجمين، فما كان من الجماعة إلا أن هددت شعيبة، وراح يعتذر لهم، مع العلم أن سحلوت مظلوم، فأحس بحنق كبير نظرا لكلبية والده، فهدده بالانتحار قاذفا نفسه من قنطرة وادي النفيفيخ، فلينتحر اليوم أو غدا، فهو يعتبره قنا، مثلما يعتبر نفسه قنا بين الكرزازيين، إن هذه المسرحية الهزلية تذكرني بقولة لمارتن لوثر كينغ يقول فيها : (إذا لم تحن ظهرك، فلا أحد سيتسلقه)، شعيبة بغل بري، والكرزازيون خنازير متوحشة، هذه هي الحقيقة، وإلا لماذا هاجم شبان كرزازيون منزل شعيبة، فكسروا الأبواب، وحطموا الجدران، وعبثوا بالأثاث، وحرقوا النوادر (رزم التبن)، ألا يعبر هذا عن احتقار الأجنبي؟؟ لماذا لم يجرؤ على مقاضاتهم ؟ شعيبة كلب يريد أن يسالم الكلاب، لكن متى كانت الكلاب تسالم الكلاب ؟ كان الأجدر به أن يستفيد من كلبته لويزة، ففي كل خريف تحج نحوها الكلاب من كل الأصقاع، وهذا ما يحصل له مع الكرزازيين، ففي كل مناسبة عليه أن يزردهم، مع العلم أنهم يكنون له كل الحقد، حتى نعاله الممزقة يحسدونه عليها، لكن كل تصرفاته الخرقاء تنم عن كلبية تفوق كلبيتهم، لقد اشترى منهم الأرض، ورعى أغنامهم، واستطاع أن يتصاهر معهم، صحيح أن إحدى بناته طلقت، فعاشت مرمية في هوامش الرباط، غير أن آخر ما يفكر فيه شعيبة هو بناته، لقد أجبرهن على الزواج، تحكي إحداهن المدعوة عبوش : (رفضت أن أتزوج بذلك الرجل، إنني لا أعرفه، كما كان يكبرني في السن، ناهيك عن كونه سكيرا)، هربت عبوش إلى منزل جدتها، لكن شعيبة امتطى حماره، واقتلعها من كوخ جدتها الرابض قرب مزبلة بوراقي، أبرحها ضربا، علقها في السقف، إنه يريد أن يضمن له مكانا بين الكرزازيين، ومن ثمة تكون عبوش هي قربان لهم، فالحب لا مكان له في هذا المجتمع، بل إن الإنسان يتحول إلى صنم، فهو مجرد أداة لتكثير النسل وتبادل الصفقات، لذا ليس هناك أي تخطيط في العلاقات بين الأشخاص، فهذه الأخت الصغرى لعبوش، اسمها الزايرة، كانت تبلغ 12 سنة عام 1969، رفضت رفضا بطوليا أن تتزوج من شخص لا تعرفه، قيل لها فيما بعد أنه من هؤلاء الذين هاجموا منزل والدها، كيف تتزوج لصا ؟؟ حينما علمت بأن أبيها يريد أن يزوجها فرت عند جدتها، جاء والدها، فأبت الرجوع، وفي الأخير أجبرت على ذلك، غير أنها فرت في منتصف الطريق، وعاشت شهورا طويلة بعيدا عن المنزل، كانت تنتقل من دوار إلى آخر متسولة الخبز، بحث شعيبة عنها في كل مكان، إلا أن عثر عليها في منزل أخوالها بدوار البيض، فأرسل أولاده لاقتيادها، فأخذت إلى أرض كرزاز، وعاشت الويلات ....يا لها من طفولة مهدورة، زهرة متفتحة تحرم من مباهج الحياة، وتقذف في أرض متصحرة تكتنفها الموت !!! كيف يمكن أن تكون زايرة امرأة وهي مازالت طفلة؟؟ كيف لمن حرم من الطفولة أن يحترم طفولة أطفاله ؟ كيف ستتعامل مع الزوج ؟ هل تعلمت في أسرتها الحب ؟؟ كلا ! إن الزايرة تلك الطفلة الشقراء الجميلة المرحة لم تعرف ذاتها بعد، فما بالك بالآخر الزوج ؟ إن حلمها هو أن تلعب، أن تعرف الحياة، أن تدرس، هي غير مؤهلة لكي تقوم بتربية أبناء سيكونون معوقين مثلما هي معوقة اجتماعيا، فالذي لا يعرف القراءة والكتابة هو معوق اجتماعيا، وسيعيش عالة على مجتمعه، غير أن شعيبة لا يهمه سوى الصفقات، يمكن أن يكون الفقر هو الذي دفعه إلى ذلك، ولكن ما الداعي إلى تكثير النسل؟ يبدو القرويون أكثر براغماتية في تعاملهم مع أبنائهم، إنهم يكثرون منهم لاستخدامهم كأدوات أو مشاريع، فشعيبة كثر من النسل من أجل أن يذودوا عليه في الحياة، وهذا ما فعل، لقد كان يأخذهم إلى المزارع لحرث أرض الأسياد، أو يقصون الزرع، أو يرعون المواشي، لذا فهم مجرد أقنان، ولم يراهن على تدريسهم، فباستثناء الشويطين الذي درس في المسيد، والدكالي الذي درس في المدرسة، فالبقية لم تدرس، حتى سحلوت اللعين، وإن كان يتمتم بعض الحروف، فإنه تعلم ذلك في الثكنة العسكرية، سحلوت قبل أن يلتحق بالجيش كان قد تعلم القنانة، قيل أنه في الجفاف الذي ضرب أرض كرزاز عام 1962، أصيب بنوبة جوع حادة، فلم يعد يميز بين الخبز ونعاله الممزقة، في ذلك الوقت تعلم كيف يقبل الأحذية، فعندما يقل الشيء يكثر الطلب عليه، وإذا انتفى في الواقع فإنه يحضر في الخيال، لهذا لم تفارق النعال فم سحلوت، وظل تقبيل الأحذية يلازمه حتى الآن...أصبح سحلوت غنيا، فصار يملك منزلا فخما، ودكانا، وأراضي واسعة، لكن حادثة 62 مازالت تطارده، فحياته الوضيعة لم تتغير، فما يهمه هو تكديس المال، ذات مرة اشترى دراجة نارية، ولما شعر أنها تستهلك البنزين باعها، واشترى محلها دراجة هوائية، سرعان ما باعها لابنه، وظل سحلوت يذهب من حين لآخر إلى البادية مشيا على القدمين، حينما كان سحلوت في الجيش، كان يغيب سنوات طويلة، فهمل زوجته وأولاده، وتركهم في العراء والجوع، فاشتكت زوجته إلى قائده فعاقبه، فما كان من سحلوت إلا أن قبل رجليه، ففي مثل هذه المواقف تغيب الكرامة، فمتى كانت لسحلوت كرامة ؟ فعوض أن يقوم بمهمته المنوطة به في الجيش، راح يغسل المراحيض لأسياده، ويصبن ملابسهم مقابل الفتات، يمكن لسحلوت أن يعطيك كل شيء إلا المال، فليس بعيدا أن يعطيك مؤخرته، لقد قال محمد شكري ذات يوم : (بالمال تنكح العالم)، فبالمال تنكح سحلوت. يعد سحلوت أنانيا، أرغم ابنه البالغ من العمر 10 سنوات على مغادرة المدرسة من أجل أن يشتغل في الدكان، ولكن ما هو المقابل ؟ درهم واحد في اليوم وإلا يطرد من المنزل ؟؟؟ إن القنانة لها تاريخ !!! هههه
عبد الله عنتار / واد زم – وسط المغرب/ 01 نونبر 2014
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منزلنا الريفي (64)
-
منزلنا الريفي (63)
-
حلمة الأثر
-
منزلنا الريفي (62)
-
منزلنا الريفي (61)
-
منزلنا الريفي (60)
-
شمس الخريف
-
كئيب الروح والحياة
-
منزلنا الريفي (59)
-
زهرة الناي
-
منزلنا الريفي (58)
-
منزلنا الريفي (57)
-
رحلة إلى فضالات ...غبن يرتدي معطف الاستحمار
-
منزلنا الريفي (56)
-
رحلة إلى بوزنيقة ...رحلة بين أحضان الرعاع
-
على شاطئ الموت
-
دموعي من دموع غايا *
-
أحلامي المقصوصة - قصيدة شاعر كرزازي مجهول
-
منزلنا الريفي (55)
-
رحلة بطعم الهدر
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|