أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العجوز الحلقة الثالثة والعِشرون















المزيد.....

العجوز الحلقة الثالثة والعِشرون


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4620 - 2014 / 10 / 31 - 12:18
المحور: الادب والفن
    



جلست العجائز الاثنتا عشرة حول أكبرهن سنًا في ساحة المعدمين بالرصاص، وهن بين الخوف والشك، الخوف الحقيقي والشك الموجع، المعذب، المنتزع من الروح حرية رؤية الأشياء بوضوح. بدأن الكلام من النهاية، نهايتهن، تلكن الممقوتات. في نهاية المطاف، طردهن الحاكم كلهن. كان من اللازم أن يقع هذا يومًا، حتى الماكينات الأكثر متانة، يبدلها المرء بعد مضي بعض الوقت. كن أقل متانة من الماكينات، ومع ذلك. ماذا كان باستطاعته أن يجعل منهن أكثر، الحاكم، يا رب السماء! قردات؟ خنزيرات؟ ضفدعات؟ جعل منهن حشرات طفيلية، هذا يكفي! ورغم ذلك، وعد بإبقائهن في خدمته ما زالت قوة فيهن، ولم تزل فيهن قوة! لنقل البقية الباقية، فهن عملن كالثورات، كالأرواح الحيوانية، كالعبدات، إلى حد العُقْر، وهن كددن كالملعونات! لو ترك لهن بعض الأكل كل يوم لهان الأمر، أمر البطش لا أمر العيش في منفاهن داخل بلدهن. أخذت العجوز ذات دموع الملح تبكي، والأخريات:

لا تبكي، يا جدتي، لا تبكي
أنت تحرقين لي قلبي
أنت لا تقدرين على شيء، يا الغريبة، في بلدك

كن حمقاوات، فصدقنه، هذا كل ما هنالك! لو كن يعرفن ما ستؤول إليه حالهن لكن لجأن إلى الحيلة، الأريبات الصغيرات، نعم، إلى الحيلة، إلى حيلة جِدّ صغيرة، تمكنهن من استعادة حريتهن قبل هذا الزمن بكثير، قبل الكثير من السنين: لكسبن كل تلك السنين التي أضعنها. إلا أن أزلام الحاكم لن يكونوا أغبياء كيلا يكتشفوهن ويعاقبوهن، وذلك بإلقائهن في جحيم سيدهم، جحيم وقودها الناس والحجارة. كل وجودهن تم ابتلاعه، تمت إبادته! فليذقن أشد العذاب بعيدًا عن جنة لا يموت المرء فيها ولا يحيا!
لا ريب أن كل واحد فقد شيئًا ما في حياته، جميلة، زينب، إيمان، صهباء، الجندي الشاب، ساذجة منذ لحظة، غواص الجميل، أما تلكن المنحلات، تلكن العجائز المنبعجات، فهن فقدن الحياة. لهذا، لم يكن يبحثن عن أنفسهن، وبقين غريبات في أبدانهن. لهذا، لأنهن كن غريبات في أبدانهن، كن قادرات على القيام بأي شيء، حتى أكثرها عبثية. لأنهن غريبات في أبدانهن، لأنهن ضعيفات أمام جَذّارهن، لأنهن بكل بساطة مغتربات. من السهل على مغترب أن يبدي العَداء لشخص مختلف، فقط إثباتًا لنفسه في العبث، برهانًا على وجوده في التفاهة، على كونه قادرًا على القيام بشيء فيما وراء لا قدرتِهِ، وَهَنِهِ. إذن ماذا سيفعلن غير التخلص من العجوز، النبيهة، آكلة الرجال، المدعية –هذا على الأقل ما تفكر فيه ضحايا شكهن-، وبالتالي المختلفة، المذنبة، المنتمية إلى نوع آخر من البشر، نوع آخر من الأجناس... غدون ذئبات.
- ذئبات، رمت العجوز، أنتن ذئبات!
- أي نعم، أكدت العجوز ذات مخالب الصقر، وهي تخدش، ذئبات أقوى من كل الشياطين!
- ذئبات في احتفال، نعقت العجوز ذات أمارات الحجر، سيكون احتفالك، كابوسك على الأرض!
- استعدي للاحتفال بموتك، زايدت العجوز ذات دموع الملح، لذرف دموع الدم، عليك أن تدفعي الثمن عنا جميعًا!
لم يكن الموت يخيفها، العجوز، بل على العكس، عندما تفكر أن منقذها قد تأخر، قد أضاع الطريق، عندما تفكر فيما قاله غواص عما ينتظرها من موت خارق... سمعت نفسها تقول: "أيا منقذي! أيا منقذي!"
العجائز معًا:

لم يعد منقذ هناك
كل الأبطال ماتوا
البارحة...

- لا تصرخن، تكلمن بصوت منخفض وعن الغد.
غدًا سيكون الجوع قدرهن! غدًا سيأكلن لحم بعضهن خارج الأصفاد! غدًا سيجبرن أنفسهن على جبل الطين! ما العمل؟ هذا "الغد" الهالك يطرح عليهن سؤال الحياة، أو الموت لو شئنا، موت على موت، الأساسي، لما نعرف أين وصلت بهن الحال. ما العمل إذن، نعم، ما العمل؟ ولكن الأمر من البساطة الشيء الكثير، ستقول العجوز، يجب عدم التفكر في الأمس، هكذا لن يجعن، عجائز اليوم، عند التفكير في الغد.
- ما تقوله حق، غواص الكهل، قالت بصوت منخفض، أمس لم يعد ملكنا، أمس ملك الملائكة! أمس الجميل للملائكة الجميلة، وأمس الدميم للملائكة الدميمة. لنكون جميلين كالآخرين، أولئك المغضوب عليهم، بإمكانهم اقتسامه، ذلك الشطر الجميل من أمسنا. كأحفادنا، الجميلين والأقل جمالاً، مع المستقبل الجميل لباسل، حفيدي. ما تقوله حق، يا صغيري غواص، كل الحق، يا جميلي!
فزعقن، وزعقن...
- ازعقن ما شاء لكن! تابعت العجوز. بعد قليل، سيترككن اليأس بلا صوت، ولن يكون لكن من وسيلة أخرى غير الصيام لتخدعوا جوعكم...
رسمت بيدها دائرة:
- ... وهذه الأرض الخَراب اليَباب حتى آخر الأزمان!
ثم حاولت إقناعهن:
- ما يهلكنا، نحن العجائز، التفكير في الأمس على الدوام، ولكن، في الواقع، في الطُّرُقِ التي تسمح لنا بالحصول على الطعام غدًا، حتى وإن كنا لا نأكل كثيرًا. لدينا معدات كبيرة بقدر قبضات اليد، ناشفة وهزيلة، وبحصر المعنى ليس من الضروري أن نأكل. ونحن نخطئ، نحن اللواتي عشن عيش ثلاثة أجيال أو أربعة، في بحثنا الدائم عن الغذاء، ونحن نخطئ في حمل الرمل إلى الرمل، ونحن نخطئ في ألا نتعلم من الاعتدال قليلاً! لو تسمع كل واحدة منكن كلامي، وتحرم نفسها من الأكل، تحقق نصرها ونصرنا كلنا.

ما النصر نصرها؟ نصرنا؟ منذ العاصفة الكبيرة، لم نكابد إلا الجوع، كابدنا كل مرارة، وبعد ستة أيام من الطوفان، اجتاح المطر الأرض، ثم لا شيء، لا قطرة واحدة، ما عدا طوفان الدموع!

الحكيمة:
- لو تصوم الواحدة منا في هذا العُمْرِ عُمْرِنَا، كل يوم، وإلى يوم الدين، تتحدى الجلاد، ولكن الشيخوخة أيضًا، هذا ما أعتبره نصرًا.
هُزْءٌ وتهكمٌ وسخريةٌ، شكلٌ ساخرٌ من أشكال الشك.

تعيد كلمة نصر وتتكلم عن التحدي! أي تحدٍ لشجرةِ سنديانٍ عجوزٍ تَعِجُّ تحتَ جلدِهَا أَرْجَالٌ مِنَ الجرادِ الجائع؟ صحيح ما يقال: عندما يشيخ الشيطان، يجعل من نفسه ناسكًا!

العجوز:
- اسمعن! هذا ما تريده الحكمة، أما الباقي، فسيدور عليكن! ولتتذكر كل منكن هذا: نهايتنا قريبة، ومصيرنا معروف، وإذا لم نقاتل الجلاد بسلاح الصوم وشر الشيخوخة الجميلة، كانت كالكلبات ميتتنا، سيرموننا في جوف البحر طعامًا للأسماك، ويطعمون من لو يشاء الله أطعمه!
استقامت كل العجائز دفعة واحدة و، هن يتقدن من الحنق، سقطن على العجوز، ورحن بها ضربًا. سيلبسن لها جلد النمر! سيجعلنها تنفق مثل كلبة! سيتخلصن منها في الوقت الذي يتخلصن فيه من... لا شيء، لا شيء على الإطلاق، لأن الوَهَن، حتى الوَهَن، تخلى عنهن، للوَهَن، للنَّهَك، هكذا لن يعدن يفكرن في الغد، ولن يعدن يشعرن بالسَّغَب!
ابتسمت العجوز للموت، لما فجأة رشقتهن زينب بدلو ماء قذر.

يا لنا من غبيات! لنتركها للحياة! نرى جيدًا كيفها سعيدة للرحيل! لنتراجع! لنبتعد! لنأخذ تُرْسَ عَتَهِنا ولنهرب! لنغرق في المياه الواسعة لليل!

تسللن، وهن ينطنطن، وتركن الساحة في الليلة الظلماء.


يتبع الحلقة الرابعة والعِشرون



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العجوز الحلقة الثانية والعِشرون
- العجوز الحلقة الحادية والعِشرون
- العجوز الحلقة العِشرون
- العجوز الحلقة التاسعة عشرة
- العجوز الحلقة الثامنة عشرة
- العجوز الحلقة السابعة عشرة
- العجوز الحلقة السادسة عشرة
- العجوز الحلقة الخامسة عشرة
- العجوز الحلقة الرابعة عشرة
- العجوز الحلقة الثالثة عشرة
- العجوز الحلقة الثانية عشرة
- العجوز الحلقة الحادية عشرة
- العجوز الحلقة العاشرة
- العجوز الحلقة التاسعة
- العجوز الحلقة الثامنة
- العجوز الحلقة السابعة
- العجوز الحلقة السادسة
- العجوز الحلقة الخامسة
- العجوز الحلقة الرابعة
- العجوز الحلقة الثالثة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العجوز الحلقة الثالثة والعِشرون