أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم قلواز - المحددات التاريخية لعلاقات شرق غرب في حوض البحر الابيض المتوسط















المزيد.....



المحددات التاريخية لعلاقات شرق غرب في حوض البحر الابيض المتوسط


ابراهيم قلواز

الحوار المتمدن-العدد: 4619 - 2014 / 10 / 30 - 22:06
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    




الملخص:

تتميز العلاقات الاروبية بشمال إفريقيا بميزة خاصة طبعت المسار التاريخي لهذه العلاقة والممتدة عبر مراحل الإنتاج الفكري والسياسي والواقعي للإنسانية منذ مهد التاريخ والحضارات القديمة وتشكل العالم القديم في البحر المتوسط ,وهي بذلك تشير إلى علاقة الشعوب الأساسية من الضفتين ونعني بها الإغريق والرومان والبيزنطيين والو ندال من الضفة الاروبية والفينيقيين والامازيغ والعرب من الضفة الجنوبية للمتوسط,كما نعني بهذه العلاقة علاقة الإسلام بالمسيحية وعلاقة القبائل الكبرى وتشكل الحضارات وامتداد وتواصل الإرث الإنساني في المتوسط كما نعني بها أيضا بناء الإمبراطوريات وصعود القوى الكبرى لتشكل لنا هذه العلاقة أنموذجا عن محور العلاقات الكونية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب من العالم القديم إلى العالم الحديث و تكوين الرؤى المستقبلية نحو عالم اليوم وعالم الغد.
الكلمات الدالة:
البحر الأبيض المتوسط,ا وروبا,شمال إفريقيا,الامازيغ, الرومان
مقدمة :
ساهمت الكثير من القبائل والشعوب في وسم المراحل التاريخية الكبرى لحضارات العالم القديم وعالم البحر المتوسط عبر علاقات ممتدة لقرون بين طابع الصراع وطابع التنافس وفترات أخرى شكلت الاستثناء الإنساني والتاريخي للحوار والتعاون المتوسطي في العالم القديم ,فمن الإغريق إلى الفينيقيين والرومان ثم والامازيغ والبيزنطيين والعرب تعددت الرؤى والثقافات واتسعت معها دائرة التفاعل بين هذه الشعوب خصوصا مع مجيء الديانتين المسيحية والإسلامية وتنوع التيارات المسيحية والفرق الإسلامية حيث اكتست العلاقة طابعا دينيا لازالت تأثيراته إلى اليوم تصبغ رؤية كل طرف نحو الآخر وهكذا يمكننا فهم هذه العلاقات من زاويتين :الأولى تركز على موضوعية العلاقات وتفسيرها وفق منظور تاريخي بينما الثانية تطورية تحاول فهم التعبيرات السياسية والحضارية والاقتصادية لهذه العلاقة خصوصا في ظل تطور مناهج البحث التاريخية وظهور علوم جديدة مساعدة كعلم الانتروبولوجيا ,دفعت المؤرخين إلى إعادة تسليط الضوء على نوعية العلاقة التي تكونت على مر التاريخ بين الضفتين وهنا يطرح التساؤل :ماط بيعة العلاقات التي تشكلت عبر مراحل التاريخ المختلفة بين ضفتي المتوسط ؟وماهي العوامل المؤثرة في صياغة رؤية كل طرف عن الطرف الآخر؟
الفرضيات :
-المحددات التي تشكلت في إطارها العلاقات الاروبية الشمال إفريقيا هي التي صاغت طبيعة العلاقات بين الطرفين.
-يعتبر الدين والثقافة والحركات الفكرية من ابرز المتغيرات التي أثرت على تكوين رؤية كل طرف نحو الآخر .
محاور الدراسة :
1-محددات العلاقات الاروبية مع شمال إفريقيا .
2-المسار التاريخي للعلاقات الأوروبية مع شمال إفريقيا.
3-العوامل والمتغيرات المؤثرة في تكوين رؤية كل طرف :الأنا وصناعة الآخر.
4-صورة الإسلام لدى اروبا وصورة الاروبي لدى المسلمين.
5-رؤية مستقبلية لعلاقة الشرق بالغرب.
1-محددات العلاقات الاروبية مع شمال إفريقيا :
تعتبر المحددات الجغرافية والاقتصادية والدينية عوامل حاسمة في فهم وتحديد طبيعة العلاقة التاريخية بين الشعوب فلطالما حددت معطيات أولية كالأرض أو الحاجة إلى الموارد أو مجرد الرغبة الروحية, المنطلق والدافع للتفاعل مع الآخر سلبا أو إيجابا وهو ما تنحوه العلاقات التاريخية بين شعوب المتوسط.
ا-المحددات الجغرافية للعلاقات الاروبية مع شمال إفريقيا :
يرى الكثير من المؤرخين ان دروس التاريخ تقدم لنا دوما حلولا لمشاكل العصر الحاضر ومفاتيح للرؤى المستقبلية والتاريخ هو نتاج البنيات المركزية الكبرى للجغرافيا بتعبير فيرنا ند بروديل, فلطالما حددت المعطيات الجغرافية سلوك الشعوب والدول اتجاه الجماعات الأخرى في محيطها"1". .حيث تتقاسم اروبا وشمال إفريقيا الكثير من المعطيات الجغرافية المتداخلة والمتشابكة باعتبارهما منطقتين متقاربتين وتشكلان القسم الأكبر والاهم لضفاف المتوسط
يشمل الإطار الجغرافي للمنطقة الارومتوسطية القسم الأكبر تقريبا للعالم القديم ,حيث يمتد الشمال الإفريقي من طرابلس إلى المغرب الأقصى على طول الساحل والتل الإفريقي وتشكل الصحراء الإفريقية الكبر ى العمق الجغرافي للبوابة الإفريقية من ناحية البحر الأبيض المتوسط"2" ,بينما تمتد المنطقة الاروبية جغرافيا عبر البطن الكبرى لامتداد الإمبراطورية الرومانية الى حدود المناطق المكتشفة والمناطق المفتوحة ما يمثل في مجمله جغرافية العالم القديم تقريبا ,فاروبا هي الواجهة الكبرى والمفتوحة على عالم الإمبراطوريات بالنسبة لشمال إفريقيا ويمثل هذا الأخير الخلفية الجغرافية والبوابة الأولية للجسر الاروبي نحو أدغال إفريقيا وهكذا وجدت أوروبا وشمال إفريقيا نفسيهما على الدوام وجها لوجه وجعلت منهما الجغرافيا عالما متداخلا يستحيل فصل تفاعلاته المتبادلة ,فالصراع بين القبائل الامازيغية في شمال إفريقيا حدد وبصورة كبيرة نوعية العلاقة التي كان على الإمبراطورية الرومانية ان تقيمها مع ممالك شمال إفريقيا ,كما ان صراع روما مع القبائل الجرمانية حفز الممالك في شمال إفريقيا على انتهاج علاقات أكثر ندية مع هذه الإمبراطورية والخروج عن اطر الحكم الذاتي للمركز الروماني"3" .
ب-المحددات الاقتصادية:
يلعب المحدد الاقتصادي دورا بارزا في صياغة العلاقات وتفعيلها على نحو تعاوني تنافسي أو منطلق للصرع والاحتلال وعلاقة التبعية ومما لاشك فيه أن الحاجات الغذائية للإغريق وروما والبيزنطيين من جهة وثراء الأراضي في شمال إفريقيا كان دافعا نحو نشوء علاقات اقتصادية وتجارية بين ارويا وشمال إفريقيا فتكثيف النشاط الزراعي أدى إلى تكثيف التجارة وهو ما ساعد على نشوء صناعات وحرف وبناء موانئ ومراكز للتبادل التجاري ما أسس في الأخير لعلاقات اقتصادية أوروبية شمال افريقية"4".
تميز القطاع الاقتصادي في شمال إفريقيا بتنوعه بين قطاعات متعددة وغزارةانتاجه فقد عرفت شمال إفريقيا بأنها مخزن روما للقمح والشعير وشكلت المنقذ للإمبراطورية الرومانية في الكثير من الأزمات الاقتصادية بالإضافة إلى اتساع زراعة الكروم التي شكلت الأساس الأولي لصناعة الخمور في روما ومعاصر الزيتون المنتشرة عبر كامل المستعمرات الرومانية في ولاية شمال إفريقيا ,كما لعبت الثروة الحيوانية خزانا آخر لدعم نمط الرفاه الغذائي والاجتماعي الذي ميز حياة الإغريق والرومان خصوصا وان سكان شمال إفريقيا كانوا يمارسون حرفة الرعي كأول المهن الممتدة لقرون مع ما يتناسب من الأراضي الرعوية في مناطق التل الإفريقي"5".
ونتيجة تطور حركة التجارة والتواصل البحري انتشرت الكثير من الحرف الصناعية في شمال إفريقيا خصوصا صناعة النسيج ودباغة الجلود والصباغة الأرجوانية وسك العملة والصناعات النحاسية ولأجل الاستغلال الأمثل لكل هذه الخيرات والثروات والتحكم في المنطقة وإنتاجها وتوجيهه وفق ما يخدم الإمبراطورية عملت روما على وجه الخصوص على تهيأت طرق المواصلات وبناء المستودعات وتوسيع الموانئ لتسهيل عملية التصدير إلى روما"6".
رؤية أخرى لتدعيم أسس هذا المحدد كمتغير أساسي لتفاعل العلاقة بين الشمال الأوروبي والجنوب المتوسطي الإفريقي تتمثل في الآثار الغير مباشرة لفتوحات روما وحملاتها الاستعمارية في المناطق الأخرى وعلى أساس من ذلك عملت على استثمار ثروات الفتوحات في الأراضي والزراعات الشمال افريقية ,ويدعم ذلك سبب آخر رجح كفة الاستثمار الشمال إفريقي عن غيره من المناطق للعمل على تراكم احتياطات زراعية آمنة عن الصراعات مع القبائل الجرمانية واستثمار اليد العاملة في إفريقيا لهذا الغرض.
ج-المحدد الديني والحضاري للعلاقات الأوروبية مع شمال إفريقيا:
المكانة المرموقة والمتميزة لشمال إفريقيا عند الإغريق والرومان والبيزنطيين ليس كذلك عندما يتعلق الأمر بالعامل الثقافي والمحدد الحضاري لهذه العلاقات إذ ينظر الأوروبيين باستعلاء لحضارتهم بينما يشيرون إلى الأصل البربري لشعوب شمال إفريقيا كوصف لحالة الفوضى وطبيعة اللاتمدن لهذه الشعوب ويتقاسم هذه النظرة كل من الإغريق والرومان والبيزنطيين فقد توارث الرومان هذا الوصف للشعوب المغاربية عن الإغريق واستمر البيزنطيون على نحو السلف الروماني ولم تتزعزع تلك النظرة العنصرية"7".
د-المحددات الجيوبوليتيكية والإستراتيجية للعلاقات الأوروبية مع شمال إفريقيا:
يعتبرا لبحر الأبيض المتوسط مسرح عالمي مفتوح على التاريخ والجغرافيا والاقتصاد,فهو موئل الديانات السماوية الثلاث ,وهو مصنع الحضارات الكبرى ومنشأ الإمبراطوريات الأقوى على مر العصور و أرشيف التاريخ الإنساني لذلك اكتسى طابعا استراتيجيا جد مهم لربط قارات العالم القديم كمركز للتواصل والعبور نحو المحيطات من خلال مضيق جبل طارق نحو المحيط الأطلسي وعبر قناة السويس نحو البحر الأحمر ومنه إلى المحيط الهندي وعبر المضايق التركية "البوسفور والدردنيل "نحو بحر ايجة والبحر الأسود"8" .
هذه المؤهلات الإستراتيجية للمنطقة أضافت محددا آخر لنوعية العلاقات بين الضفتين خصوصا بعد عبور حنبعل جبال الألب نحو روما واستخدام الو ندال لشبه الجزيرة الأيبيرية عبر مضيق جبل طارق لدخول شمال إفريقيا والالتفاف حول الإمبراطورية الرومانية من الضفة الجنوبية للمتوسط بعد أن عجزوا عن تطويقها من الجهة الأوروبية"9" ,ويأتي استخدام المسلمين للجزر المتوسطية والمناطق الجنوبية لأوروبا كقواعد دفاع متقدمة لمراكز العالم الإسلامي منذ فتح الأندلس لتؤكد أهمية هذا المحدد في صياغة العلاقات الأوروبية مع شمال إفريقيا لتصل إلى المعادلة الجيوبوليتيكية التي ترى انه من يسيطر على شمال إفريقيا يمكنه أن يتحكم في العمق الإفريقي ومن يتحكم في العمق الإفريقي وشمال إفريقيا يمكنه أن يسيطر على البحر الأبيض المتوسط والتحكم في مركز التواصل الرئيسي لقارات العالم القديم"10".
على ضوء هذه المحددات ونظرا لما تزخر به المنطقة الإفريقية في الشمال من خيرات زراعية وحيوانية وثروات طبيعية فقد باتت هذه المنطقة رقعة جغرافية جذابة لمختلف القوى والأجناس التي تهافتت وتسابقت على دخول المنطقة بالقوة والحرب والصراع أو عبر علاقات التعاون والتجارة والتواصل البشري .
2-مسار العلاقات التاريخية الأوروبية مع شمال إفريقيا:

ا-العلاقات الإغريقية مع شمال إفريقيا:
يعتبر الإغريق أول من أقام علاقات مع سكان شمال إفريقيا وبالتحديد مع القبائل الامازيغية وركزت هذه العلاقات على توسيع شبكة العلاقات التجارية في حوض البحر الأبيض المتوسط قبل "1250م"وبالاتفاق بين الدويلات اليونانية الراغبة في توسيع دائرة تجارتها الخارجية والقبائل الامازيغية الراغبة في تحييد القوى الأجنبية والإمبراطوريات الكبرى عن دائرة الصراع معها نشأت علاقات تجارية وصفت على أنها أول تجربة للتعايش السلمي والتعاون الإقليمي والاحتكاك الثقافي بين ثقافات مختلفة"11".
ب-العلاقات الرومانية مع شمال إفريقيا :
تعتبر فترة الاحتلال الروماني لشمال إفريقيا أكثر المراحل التاريخية ثراء من حيث العلاقات التجارية والسياسية والتنظيم الإداري والعسكري في علاقة روما بشمال إفريقيا حيث تواجدت في المنطقة الإفريقية في هذه الفترة خليط من الأجناس والقبائل أقامت كل منها نظام خاص وعلاقة مميزة من علاقات روما بالشعوب المستعمرة ويمكن تحديد هذه القبائل على النحو التالي:
-الخريطة البشرية لشمال إفريقيا في العهد الروماني :
تنقسم الخارطة البشرية لشمال إفريقيا الى قسمين :شرقي وغربي ,حيث تضم المجموعة الغربية كل من قبائل البوار وقبائل الباقواط وقبائل الموريين في كل من موريتانيا الطنجية وموريتانيا السطايفية وانتشرت هذه القبائل في سهول واد ملوية والتل الوهراني وسطيف وموريتانيا القيصرية وجبال البابور وارتبطت هذه القبائل بروما من خلال التنظيم السياسي والإداري الذي خصته الإمبراطورية بموريتانيا القيصرية"12".
إما المجموعة الوسطى والشرقية فقد ضمت قبائل نوميديا والجيتو ليين و الموز ولامي وانتشرت في ليبيا وفزان وشرق الاوراس واشتهرت هذه القبائل بمقاومتها الشديدة للرومان وكانت وراء تأسيس الكثير من التكتلات القبلية والأحلاف كحلف القبائل الخماسي ضد روما"13".

بدأ أول تدخل للرومان في إفريقيا خلال الحروب البونيقية. و قامت روما بمحاولة فاشلة لاحتلال شمال إفريقيا خلال الحرب البونيقية الأولى، لكنها لم تتمكن من التغلب على قرطاج نهائيا إلا خلال الحرب البونيقية الثالثة، و التي أدت في العام 146 قبل الميلاد إلى التدمير الكلي لقرطاج و سكانها، فيما سماه بعض المؤرخون "إبادة جماعية" خلال العصر القديم"14".
بتدمير قرطاج أخيرا، استولى الرومان على الجزء الشمالي من تونس الحالية و سموها إفريقيا القنصلية ، لأنها كانت منطقة تتم إدارتها من طرف قنصل روماني. و بما أن قرطاج دمرت عن آخرها، قام الرومان باختيار مدينة فينيقية كبيرة أخرى كعاصمة لإفريقيا القنصلية: أوتيكا. و احتفظ عدد من المدن الفينيقية المتبقية في شمال إفريقيا و المملكات مثل مملكة نوميديا، على استقلال صوري خلال عهد الجمهورية الرومانية"15".
لكن، و خلال فترة الحروب الأهلية التي أدت إلى زوال الجمهورية و إنشاء الإمبراطورية الرومانية، وقفت مملكة نوميديا إلى جانب الأوبتيماتيس الجمهوريين ضد يوليوس قيصر. و لقد أدى هذا بالأباطرة الرومان إلى أخذ زمام الأمور في حكم إفريقيا.قام يوليوس قيصر بإضافة سيرتا و جزء كبير من نوميديا إلى إفريقيا القنصلية، و قام الإمبراطور تيبريوس بإضافة طرابلس (ليبيا الحالية). و بحلول فترة الأربعينات بعد ميلاد المسيح، كانت كل سواحل إفريقيا المطلة على المتوسط خاضعة للحكم الروماني. و في العام 42 بعد الميلاد، قام الإمبراطور كلوديوس بتقسيم المنطقة في غرب إفريقيا القنصلية إلى منطقتين جديدتين عرفتا بموريتانية القيصرية و موريتانية الطنجية.
ليتم بعد ذلك تقسيم إفريقيا الرومانية إلى عدة مناطق أخرى. في العام 193 بعد الميلاد، جعل سيبتموس سيويروس المنطقة النوميدية في غرب إفريقيا القنصلية منطقة جديدة.
و خلال عهد الإمبراطور ديوكلتيانوس ، طرأ تقليص كبير في مساحة بعض من أكبر الجهات الخاضعة لروما، و ذلك للتقليل من قوة الحكام المحليين. و هكذا أصبح عدد المقاطعات في شمال غرب إفريقيا ثمانية بدل أربع"16"."
ويمكن القول على العموم إن العلاقات الرومانية بشمال إفريقيا تأثرت بثلاث عوامل رئيسية وسمت طبيعة هذه العلاقة وهي:
-عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تعرضت له الإمبراطورية الرومانية باستمرار وهو ما فتح باب الاضطرابات داخل مستعمراتها في شمال إفريقيا والانشقاق عن الإدارة الرومانية وتنظيماتها الإدارية كما أن الاضطراب الاقتصادي قابله زيادة روما للضرائب اتجاه السكان المحليين في إفريقيا وهو مازاد من تأجيج وتوسيع دائرة الاضطراب عبر كامل أرجاء الإمبراطورية.
-قصور الوثنية وعدم قدرتها على ملأ حاجات الناس الدينية الروحية والنفسية خصوصا مع انفصال الكنيسة الشرقية عن روما.
-الهجمات المتتالية للقبائل الجرمانية والفرس .
ج-الو ندال في شمال إفريقيا:
نتيجة الأوضاع التي كانت تعيشها روما منذ بداية القرن الخامس ميلادي وتوالي الهزات والاغتيالات الداخلية واستمرار الهجمات الخارجية استغل الو ندال هذا الوضع وعبروا شمال إفريقيا سنة"430م"بقيادة القائد جنسريق ولم تمر سوى سنة واحدة حتى وصلوا إلى حدود قرطاج خصوصا بعد تحالفهم مع حاكم ولاية شمال إفريقيا الروماني "بونيفاس"واستمر الوجود الوندالي في شمال إفريقيا نحو قرن من الزمن "430-533""17"لم يرسخ خلاله الو ندال أي تقاليد سياسية أو ثقافية ولم يخلف تواجدهم أي تنظيم سياسي أو إداري ,لقد كان هدفهم المباشر والأساسي التوجه نحو روما غير إن الوضع لم يستتب لهم حتى في شمال إفريقيا سرعان ما بدأت حركة الفتوحات البيزنطية والتي قضت على التواجد الوندالي بالمنطقة"
د-الفتوحات البيزنطية في شمال إفريقيا:
صمم البيزنطيون على استرجاع ممتلكات روما وإعادة السيطرة على كافة الأقاليم التي كانت تحت حكم الإمبراطورية الرومانية وبدأت حملة الفتوحات البيزنطية مع أولى الحملات العسكرية بقيادة "جوستينان"لاسترجاع"قرطاج نوميديا "بداية من عام 544م والتوجه نحو المدن الساحلية لهيبوا وشر شال وتنس غير أن وضع البيزنطيين في شمال إفريقيا لم يكن بأحسن من حال الو ندال أو أسلافهم الرومان فقد جوبهوا بحملات القبائل الامازيغية ما جعل البيزنطيين يتراجعون وينحصر تواجدهم في المدن السياحية ومراقبة المراكز المهمة وترك بقية الأقاليم الداخلية لحكم الكو نفدراليات القبلية المحلية إلى غاية بداية الدعوة الإسلامية ومجيء الفاتحين المسلمين إلى شمال إفريقيا لنشر الدعوة الإسلامية"18" .
لقد تزامن عزم الإمبراطورية البيزنطية على استرجاع ممتلكات روما مع رغبة معاوية بن ابي سفيان بتوسيع الدعوة الإسلامية نحو ضفاف البحر الأبيض المتوسط والتوجه بالفتوحات الإسلامية نحو ارويا وكانت هنا أولى نقاط التماس بين الطرفين البيزنطي المسيحي والطرف الإسلامي بمختلف مكوناته لتأخذ العلاقة بين الشمال والجنوب صبغة جديدة صبغة دينية قوامها علاقة المسيحيين بالمسلمين وتتحول العلاقة بذلك من شمال جنوب إلى علاقة الشرق الإسلامي بالغرب المسيحي"19" .
3- العوامل والمتغيرات المؤثرة في تكوين رؤية كل طرف :الأنا وصناعة الآخر
-المسيحية وانفصال الكنيسة الشرقية .
-انتشار أفكار اللاهوت المسيحي في أوروبا
-انتشار الدعوة الإسلامية والفتوحات في أوروبا والأندلس على وجه الخصوص .
-ظهور الفرق الشيعية وانتشار أفكارها وتأسيس بعض الحركات الشيعية وصراعاتها على السلطة.
-حركة الاستشراق والاستغراب ورحلة اكتشاف الآخر.
-الترجمة ,التجارة ,ورحلات المسلمين في البلدان الغربية.
-حركة الحجاج المسيحيين والحروب الصليبية.
هذه هي ابرز المتغيرات والعوامل التي ساهمت بشكل أو آخر في صياغة صورة كل طرف عن الطرف الآخر"20".
4- صورة الإسلام لدى ارويا وصورة الاروبي لدى المسلمين:
نتيجة العوامل والمتغيرات السابقة الذكر بدأت تتشكل ملامح الصورة النمطية لكل طرف نحو الآخر وكانت صورة الأوروبي البيزنطي على وجه الخصوص صورة تركيبية لتفاعل مختلف العناصر الأساسية التي كونت تاريخ أوروبا وهي القبائل الجرمانية ,الإمبراطورية الرومانية ,والديانة المسيحية .واكتملت تلك الصورة بتبني قسط نطين المسيحية ونقل العاصمة إلى القسطنطينية"21" ولم تتغير هذه الصورة كثيرا حتى مع انفصال الكنيسة الشرقية .بينما صورة الإسلام لدى الأوروبيين جسدتها أراء اللاهوتيين بداية من يوحنا الدمشقي "676-749"من خلال كتاباته "محاورات مع مسلم, إرشادات النصارى في جدل المسلمين "وبداية التثليث"الثالوث المقدس""22".
حاول علماء اللاهوت في الغرب نقل صورة الاروبيين عن الإسلام من شاكلة الهرطقات المانوية والمسيحية وتم تسويق صورة عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على انه المسيح الدجال ,على أن ظهور الفرق الشيعية اثر وبشكل كبير على تكوين الصورة الأكثر سلبية عن الإسلام لدى الغرب وعلى العلاقات الاروبية مع شمال إفريقيا"23" ,خصوصا في الأندلس ومصر وتطورت أكثر في ظل الدولة العبيدية مع الاضطهاد الذي تعرض له مسيحيو الشرق وأقباط مصر على يد الشيعة .
وكان لحركة الاستشراق الدور الكبير في إتمام حلقة هذه الصورة مع أول ترجمة للقرآن الكريم على يد روبرت اكتون "1143"برعاية بطرس المبجل وأول سيرة للنبي صلى الله عليه وسلم على يد غبرت تونغنت المشككة في وحدانية الدين وصحة النبوة وهذا ما أجج كافة النواقض وفجر كل الاختلافات بين الشرق والغرب على العموم"24" .
لكي نفهم خلفية هذه الصورة المنقولة لابد وان نعلم أن اللاهوتيين كانوا يعيشون في اسر العالم القديم فهو زادهم الثقافي الوحيد تقريبا حتى ذلك الحين.ففي ظل البيئة الفكرية المتدنية المستوى كانت الحصيلة التاريخية للعهد القديم هي الإطار التي توضع فيه الظواهر المرئية ويجري تفسيرها على أساس منه"25" .
في مقابل الاستشراق ظهرت في العالم حركة الاستغراب وحركة الترجمة إلى العربية للتعرف على الآخر الغربي في محاولة لفهم الشخصية الاوروربية ونقل صورة أخرى عن المسلم إلى ارويا أي التعريف بالأنا بواسطة الأنا نفسه ,إلا أن المسلمين اصطدموا بواقع مختلف تماما من الصعب إن لم يكن من المستحيل تغيير الرؤى التي أسستها حركة الاستشراق عن الإسلام في ارويا"26" .الواقع أن متغير الاستشراق كان ولازال يشكل جزءا لايتجزا من قضية الصراع الحضاري بين العالم الإسلامي والعالم الغربي فهو يمثل الخلفية الفكرية لعلاقة الشرق بالغرب ,حيث اثر ولازال يسم تلك العلاقة بمزاجية المستشرق المطلع على الخبايا الأولية والفعلية لعالم المسلم الحقيقي والمختلف عن الذي يحاول المسلمين تقديمه عن أنفسهم"27",وهذا ما اثر بشكل واضح في تشكيل مواقف الغرب إزاء الإسلام والمسلمين رغم بعض المحاولات المهمة من بعض المستشرقين الطامحين لإصلاح علاقة التعايش بين الشرق والغرب .
إلا أن الهوة كبيرة بين الطرفين لهذه الصورة النمطية والتي تبقي على المسلم في ادنى مرتبة حضارية من سلم التطور .وتصورهم كمهددين للحضارة وتبقي على المسيحية كمحور للتطور التاريخي للبشرية ,ولهذا فان تجسير الهوة وتغيير هذه الصورة عن علاقة الشرق بالغرب يتطلب الأمر أكثر من مجرد نقد ومراجعة للذات.
5-رؤية مستقبلية لعلاقة الشرق بالغرب:
في حقبة يكثر فيها الحديث عن صراع الحضارات يقدم الحوار المتوسطي بأنموذجه الإنساني للحضارات المتعاقبة نموذجا مصغرا للتفاعلات الكونية ومختبرا للصراعات الكبرى وما خلفته لكي نستطيع تقديم مقاربة واقعية وفعلية لعلاقات الشرق بالغرب وفق منظور براغماتي يتجاوز طوباوية البحث في إشكاليات السلام العبثي فالعالم تطور تلازما مع ثنائية الصراع والسلام والحرب والتعاون ومن هذا المنطلق فعلاقة الشرق بالغرب يجب أن تستهدف في المقام الأول البحث في نفعية الحوار والتعدد الثقافي بما يخدم إنسانية العولمة وتجاوز قيود الايدولوجيا وحاجز الدين.

الخاتمة:
ماجمعته جغرافية العالم القديم وتاريخ الإنسانية لا يمكن أن يستثنيه سجل العالم الجديد فالجغرافيا المتوسطية المتميزة بمواردها وكياناتها من الضفتين شكلت مركز جذب استثنائي لشعوب وأجناس حركت هذه الجغرافيا وفق رؤى إستراتيجية مختلفة وراء رغبات وحاجات اقتصادية ودينية وعسكرية أفضت في الأخير إلى تسجيل هذا الإرث الكبير الذي نسميه العلاقات الأوروبية الشمال افريقية من الإغريق إلى الفينيقيين مرورا بروما وبيزنطيا وقبائل الامازيغ وفتوحات العرب وحضارة المسلمين في العالم المتوسطي المفتوح على التاريخ والحضارة كسجل للإنسانية عبر مساراتها المستقيمة والمتعرجة والمتأرجحة بين السلام والصراع كثنائية أبدية لعلاقة جدلية للتطور التاريخي بين الشعوب.
المراجع:
1-خالد معمري جندلي,التنظير في الدراسات الأمنية لفترة مابعد الحرب الباردة,دراسة في الخطاب الامني الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001,مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية تخصص علاقات دولية ودراسات إستراتيجية ,جامعة الجزائر ,2008 ,ص 127.
2-شارل أندري جوليان ,تاريخ شمال إفريقيا,ترجمة محمد مزالي وبشير سلامة,دار توالت الثقافية,2011ص ص13-16.
3-سعيد عبد الفتاح عاشور,تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب في القرون الوسطى,بيروت:دار النهضة العربية,2005,ص 7-9.
4-محمد الهادي حارش، التاريخ المغاربي القديم السياسي والحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح الإسلامي، ص204.
5-العود محمد صالح ,التحولات الحضارية في شمال إفريقيا في الفترة الوندالية ,مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ القديم ,جامعة قسنطينة ,2010,ص13.
6-المرجع نفسه, ص ص14-15.
7-رومنقتن,تاريخ ولايات شمال إفريقيا الرومانية,ترجمة عبد الحفيظ الميار,طرابلس:1994,ص159.
8-البحر الأبيض المتوسط,ويكيبيديا الموسوعة الحرة العالمية.
9-العود محمد صالح,مرجع سابق,ص ص 133-134.
10-لعجال اعجال محمد الأمين ,إستراتيجية الاتحاد الأوروبي اتجاه دول المغرب العربي,رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية فرع التنظيمات السياسية والإدارية,الجزائر,2007,ص ص 52-55.
11-أندري جوليان,مرجع سابق,ص ص60-62.
12-العود محمد صالح ,مرجع سابق,ص ص4-5
13-المرجع نفسه,ص ص 6 -7.
14-شارل أندري جوليان,مرجع سابق,ص ص 72-75.
15-المرجع نفسه ,ص ص 76-79.
16-احمد غانم حافظ,الإمبراطورية الرومانية من النشأة إلى الانهيار,الإسكندرية:دار المعرفة الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع,2008,ص ص90-92.
17-شارل أندري جوليان ,مرجع سابق,ص ص 322-325.
18-خطار أبو ادياب,البعد المتوسطي في تعزيز حوار الحضارات,مجلة الكويت العربي,الكويت:العدد611,اكتوبر2009.
19-المرجع نفسه.
20-ريتشارد سوذرن,صورة الإسلام في اروبا في القرون الوسطى ,ترجمة رضوان السيد,بيروت:دار المدار الإسلامي,2006,ص ص20-28.
21-احمد غانم حافظ,مرجع سابق,ص ص108-110.
22-محمود حمدي زقزوق,الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري,القاهرة:دار المعارف,1990,ص19.
23-ريتشارد سوذرن,مرجع سابق ص ص13-14.
24-المرجع نفسه,ص80.
25-المرجع نفسه,ص16.
26-طيب تيزيني,من الاستشراق الغربي الى الاستغراب المغربي,سوريا:دار الذاكرة ودار المجد,1996.
27-محمود حمدي زقزوق,مرجع سابق ص11.



#ابراهيم_قلواز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدور المتنامي للمؤسسة العسكرية في الجزائر وعلاقتها بمسار ال ...
- الصحوة المدنية وبناء الدولة المدنية في تونس
- الدروس المستخلصة عربيا من مسار التحول الديمقراطي عالميا-مع ا ...
- ماذا تحقق من ديمقراطية الثورة في عيدها الستين
- الجزائر:نحو مقاربة امنية جديدة لتعزيز الاستقرار والامن الوطن ...


المزيد.....




- زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح ...
- الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد ...
- طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
- موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
- بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
- تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
- هونغ كونغ تحتفل بـ100 يوم على ولادة أول توأم باندا في تاريخه ...
- حزب -البديل- فرع بافاريا يتبنى قرارًا بترحيل الأجانب من ألما ...
- هل تسعى إسرائيل لتدمير لبنان؟
- زيلينسكي يلوم حلفاءه على النقص في عديد جيشه


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم قلواز - المحددات التاريخية لعلاقات شرق غرب في حوض البحر الابيض المتوسط