اسماعيل خليل الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 1298 - 2005 / 8 / 26 - 07:50
المحور:
كتابات ساخرة
لم نكد نتعوّد على مفهوم الاستئصال حتى داهمنا مفهوم الاجتثاث, فالطامة الكبرى, و الداهية الخنفقيق, أن تعيش في واحد من اثنين : جاثّا أو مجتثا, وهنالك أنواع كثيرة, اجتثاث أفكار أو أشخاص أو أحزاب أو تاريخ, و هنالك ما يمكن اجتثاثه بسهولة كالفضائل المدّعاة, حين يلصق ذو السطوة بنفسه ما هو ليس أهلا له, فأن يغدق معزّ الدولة البويهي العطايا على أبي الطيب ليجتثّ أثر سيف الدولة في نفسه دون جدوى , حيث يميز الرجل الخبير
في صفات الرجال, بين ما هو سخاء و ما هو تساخٍ, كالبون بين الجميل و المتجمّل.
لا يستطيع ابن بشر اجتثاث شعب, و لا اجتثاث فكرة أصيلة تعيش في وجدان النّاس, وقد يصبح الشخص الذي وقع عليه الاجتثاث, بطلا أو رجلا عظيما, فلا يمكن اجتثاث فضيلة متحكّمة بسجاياه, أما الفأر الذي ادعى كونه هرّا, فسيعود إلى مشيئته الأولى, فأرا مطاردا من الهررة.
لقد مات نيرون و بقيت روما, ومات هولاكو, و بقيت بغداد, و مات جميع الطغاة, وبقيت البلاد جميعا, و رفع الناس صور أبطالهم عاليا, و نطقوا بأسماء ما كانوا يجرؤون على ذكرها, أمّا الطواويس التي أعجبتها زينتها وما هي فيه من أبّهة و خيلاء, فقد تصبح مثار الشفقة أو الشماتة حين تُنزع عنها حلية الزهوّ و الغطرسة.
يخيل إلي أنّ أول ما يتعلمه الوليد أفعال السحق و الزجر و التحكم, فلو قيّض لي لألغيت من القواميس كل لفظ يدلّ على سحق الآخر أو ينفيه, لتنمو ثقافة الاحترام المتبادل بين البشر, لأنّ عدم احترام الإنسان, يفضي إلى الاستهانة بالأوطان, التي ستصبح لقمة سائغة للطامعين, حيث إنّ الخطر يبدأ من اللغة التي نتعلّمها, فتغيير البنية لا يؤدّي أوتوماتيكيا إلى تغيير المفاهيم و المصطلحات و العادات اللغويّة, فلا بد من الفعل على الصعيدين.
من موضوعات الاجتثاث, الاتهام بالعمالة و التخوين و التآمر, وهي تهم خطيرة قد تودي بمن ألصقت به إلى الموت أو السجن الطويل, فلا بد من سحبها من التداول السياسي, فلقد استمرأ أولو العصبة من مثقفي الحكام الشموليين, اطلاقها ذات اليمين و ذات الشمال, حتى أصبح الذهن يميل إلى الشك في أمر المتّهمين الحقيقيين تحوّطا من حدوث ظلامة ما, حين يكون الظلم شيمة أهل الحل و العقد.
و عن يحيى البرمكي إنّه قال في محبسه لغلام له, مجيبا على سؤال الغلام, لم آلت أمورهم إلى هذه الحال, قتلا و صلبا و حبسا: (يا بنيّ انها دعوة مظلوم سرت ذات ليل, سمعها الله و غفلنا عنها ) فهل من متعظ؟.
#اسماعيل_خليل_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟