أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - بشر يحاكمون الحيوانات والحشرات (3)















المزيد.....

بشر يحاكمون الحيوانات والحشرات (3)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4619 - 2014 / 10 / 30 - 10:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


استمرّتْ الخرافات مُسيطرة على عقول بعض البشر ، حتى بعد ازدهار الحضارات ، كما حدث فى مصر القديمة واليونان القديمة. فقد لاحظ علماء الأنثروبولوجيا أنّ بعض الشعوب كانت تـُخصص محاكم لمحاكمة الحيوانات والحشرات فى القرن الثامن عشر الميلادى ، وعن تلك المحاكمات خصّص لها العالم جيمس فريزر فصلا فى كتابه (الفولكلور فى العهد القديم – ترجمة د. نبيلة إبراهيم – عام 1998.
ففى عام 1733م أحدثتْ الفئران التخريب فى قرية (يوارنتون) وأغارتْ على الحقول والحدائق ، فأقام أصحاب المزارع دعوى قضائية ضد الفئران. وكانت المحكمة برئاسة القاضى (لويس جوبلان) وتحدّد لنظرها يوم 17سبتمبر1733. وقد مثل الإدعاء مدير الأعمال المالية (أصحاب الحقول) ومثل المدعى عليهم (الفئران) رجل اسمه (نيقولا جوبلان) الذى توسل لهيئة المحكمة نيابة عن عملائه (الفئران) التى ((خلقها الرب كما خلق الإنسان)) وبالتالى فهى لها الحق فى الحياة . فردّ ممثل الإدعاء عليه وقال إنه لا يرغب فى وضع العقبات فى سبيل حياة هذه الحيوانات ، وأنه مستعد على العكس أنْ يحدد لها مكانــًا تسكن فيه.
استغل الدفاع هذا الكلام فطلب من القاضى منح الفئران مهلة ثلاثة أيام لتتدبر أمرها.
بعد أنْ استمع القاضى للطرفيْن أصدر حكمه الذى جاء به ((أنه بعد النظر فى التخريب الذى أحدثته هذه الحيوانات ، حكمنا عليها بأنْ تترك البيوت والمزارع ومخازن الحبوب وحدائق الكروم فى (بورانتون) وهى حرة بعد ذلك فى أنْ تسكن الصحراء والأراضى غير المزروعة والطرق العامة. وإذا تعرّضتْ المزارع والمخازن للأذى ، ستضطر المحكمة إلى التماس العون من الرب عن طريق الكنيسة فيحكم على الفئران بالحرمان من رحمتها)) وتمّ تدوين هذا الحكم الموقع من القاضى لويس جوبلان وبخط يده.
وفى قضية أخرى تعود إلى عام 1457م حدث أنّ أنثى خنزير وأولادها الستة كانوا ملكــًا للسيد (جان بابى) فى منطقة (سافينى) وأنّ أنثى الخنزير تمّ اتهامها بقتل ابن الرجل البالغ من العمر خمس سنوات . وبعد فحص دقيق لأوراق الدعوى حكم القاضى بتنفيذ أقصى عقوبة فى القانون وهى تعليق أنثى الخنزير من رجليها الخلفيتيْن فى شجرة منحنية بسبب ما ارتكبته من جريمة القتل . وقد تمّ تنفيذ الحكم بالفعل فى أنثى الخنزير. وأكد فريزر أنه اطلع على سجل هذه المحاكمة وجاء فى السجل بالحرف ((نحن نيقولا كارويون القاضى المذكور آنفـًا . يعلم الجميع أنه بعد المحاكمة سالفة الذكر، قد سلمنا أنثى الخنزير المعنية للسيد (أتيين بوانسو) وكيل القضاء الأعلى لكى يُـنفذ فيها الحكم وفقــًا لما حكمنا به. وبعد أنْ سلمنا أنثى الخنزير هذه ، أحضر السيد (أتيين) عربة ليحمل الحيوان فيها إلى ساحة تنفيذ العقوبة. ثمّ تمّ تعليق أنثى الخنزير من رجليها الخلفيتيْن فى شجرة محنية ، منفذا بذلك حكمنا فى شكله وفحواه . أما بالنسبة للخنازير الستة الصغار، فعلى الرغم من أنّ دم القتيل قد لوثها ، إلاّ أنه حيث لم تثبت تهمة القتل ضد هذه الخنازير، فإنّ المحكمة تؤجل محاكمتها ، على أنْ يُـقــدّم مالكها كفالة لذلك ، فإذا ثبت بعد ذلك من الشهادة أنها قد ساعدتْ أمها القاتلة فى التهام الصغير (جان مارتان) أعيدتْ محاكمتها . وحيث أنه لم يثبت هذا عند محاكمتها مرة أخرى ، وحيث أنّ صاحبها رفض أنْ يكون مسئولا عن سلوكها فيما بعد ، فقد حكم القاضى بأنْ تؤول ملكية هذه الخنازير الصغيرة بوصفها ملكية مهجورة إلى مدام (دى سافينى) ونحن نمنح إياها حكمًا قضائيــًا وفقــًا لما به عادة بلادنا وتقاليدها وأحكامها))
وفى عام 1386م حدث أنْ مزقت أنثى خنزير وجه صبى وذراعه فى منطقة ضمن حدود (نورماندى) وفى تلك الدعوى أصرّ ممثل الإدعاء على تطبيق آلية (العين بالعين) كما وردتْ فى الديانة العبرية. فقد تمّ الاقتصاص من أنثى الخنزير بالمثل . ولكن الحكم لم يكتف بذلك وإنما حكم بإعدام المتهمة (الخنزيرة) وبالفعل سيقتْ إلى مكان الإعدام وهى ترتدى صدرية وجوارب وسرواليْن وعلى وجهها قناع لوجه إنسان حتى تكون شبيهة بالإنسان القاتل تمامًا. كما أنّ المحكمة دفعتْ نقودًا للجلاد وأحضرتْ له الملابس والجوارب حتى لا يُـلوث نفسه بدم المجرمة (الخنزيرة)
وفى عام 1389 صدر الحكم على فرس بالشنق نتيجة بلاغ من وكيل قضاء (مونتبار) لأنّ الفرس قتل رجلا . ومرة أخرى نفذ رؤساء دير (كيستريسيان) حكمًا بإعدام ثور فى مقاطعة (كاوروى) التابعة للدير. وفى مناسبة أخرى سمح فلاح فى (موزى) عام 1413 لثور هائج أنْ يهرب ، فضرب الثور بقرنيه رجلا ضربًا موجعًا أفضى به إلى الموت. ولما سمع (تشارلز كونت دى فالو) بهذا الحادث أمر بالقبض على الثور. وجمع وكلاء الكونت كل المعلومات المطلوبة ، كما جمعوا الشهود وأثبتوا التهمة ضد الثور، فتمّ إعدامه. ولكن ثار اعتراض ضد هذا الحكم وتمّ تقديم شكوى لمجلس الأمة ، الذى رفض عريضة المعارضة. وقرّر مجلس الأمة أنّ الثور لقى جزاءه بالفعل ، رغم أنّ الكونت (فالو الذى أقام الدعوى ضد الثور) قد تجاوز مجال حقوقه لأنه تدخل فى أمر لا يعنيه. وفى عام 1697م تمّ حرق فرس آخر بناءً على قرار مجلس أمة منطقة (أيكس)
وفى (بالى) صدر حكم على ديك عام 1474م بتهمة أنه ((باض بيضة. ثم أثبتَ مجمع الإدعاء أنّ بيضة الديك ليست لها قيمة لأنها تختلط باستعدادات سحرية معينة. فأولى للساحر أنْ يمتلك بيضة ديك من أنْ يكون مالكــًا لحجر فيلسوف)) وجاء أيضًا فى عريضة الدعوى أنه ((فى أرض الكفر استخدم الشيطان السحرة لفقس مثل هذا البيض الذى كانت تخرج منه حيوانات تـُسيىء للمسيحيين كل الإساءة)) وتساءل ممثل الدفاع عن الديك ((ما الشر الذى يمكن أنْ يُـنسب للديك بسبب البيضة ؟ وما الأذى الذى أحدثه بالإنسان أو الحيوان من جراء ذلك؟ وأنّ وضع البيضة فعل غير إرادى ومن ثمّ فإنّ القانون لا يُعاقب عليه)) أما عن تهمة السحر، إذا كان من الممكن أنْ تـُنسب لموكله (الديك) فقد أنكرها المحامى وتحدى المحكمة فى أنْ يـُدلى ممثل الإدعاء بحالة واحدة تحالف فيها الشيطان مع هذا المخلوق (الديك) فردّ عليه ممثل الإدعاء أنه على الرغم من أنّ الشيطان لم يتحالف مع ((هذه المخلوقات البهيمية)) إلاّ أنه (الشيطان) يسكنها فى بعض الأحيان . ثم دعّم رأيه بتلاوة حادثة خنزير (جارادينى) الشهيرة مشيرًا إلى أنّ الشيطان رغم تملكه لهذه الحيوانات ، فهى تـُعد وكلاء له ومسلوبة الإرادة تمامًا. وأثرتْ الإشارة إلى تلك الحادثة على (هيئة المحلفين) ومع ذلك حوكم الديك وصدر الحكم عليه بالموت ، لا بوصفه ديكــًا عاديًا وإنما بوصفه ساحرًا أو شيطانـًا متقمصًا شكل طائر. وتمّ تنفيذ الحكم بحرق الديك والبيضة. وذكر فريزر أنّ حيثيات تلك القضية تملأ مجلدات.
وفى (نيو إنجلند) انتشرتْ قصة كلب تم تجويعه. والسبب (كما تداولتْ الخرافة) أنّ أحد رجال القضاء كان يركب الكلب دون أنْ يراه (أى أنّ الكلب لم يكن مرئيًا) وقد اختفى هذا الرجل بينما صدر الحكم على الكلب بالشنق.
ومن القضايا شديدة الغرابة فى خرافتها الحكم على جرس كنيسة بروتستانتية. وكان ذلك عام 1685، إذْ صدر الحكم فى البداية بأنْ تـُمحى الكنيسة من الوجود مع استثناء جرسها بسبب قيمته التاريخية. ولكن بعد صدور الحكم صدر حكم آخر ضد الجرس ، تكفيرًا عما كان يُبديه ((من هرطقة فى دقه للمصلين)) وكان الحكم بأنْ يُضرب الجرس أولا بالسوط ثم يُدفن ويُنتشل من التراب مرة أخرى رمزًا لميلاده الجديد ويتمْ تسليمه لأيدى كاثوليكية. وأنْ تـُتلى عليه الصلوات الدينية الكاثوليكية. وعلى الجرس أنْ يُعلن أنه تخلى عن عقيدته القديمة وأنه لن يعود إلى ((هذا الإثم من جديد)) وبعد أنْ أعلن الجرس (توبته) تمّ بيعه إلى أبرشية القديس (برسكوميو) ولكن عندما أرسل الحاكم إيصال بيع الجرس إلى أولى الأمر فى الأبرشية ، رفضوا سداد الثمن بحجة أنّ الجرس (نظرًا لأنه اعتنق المذهب الكاثوليكى حديثــًا) فإنه يرغب فى أنْ يتمتع بمميزات القانون الذى أصدره الملك مؤخرًا ويسمح للمعتنقين لمذهب مخالف لمذهبهم القديم أنْ يتأخروا فى سداد الديون مدة ثلاث سنوات.
اختتم فريزر هذا الفصل بقوله ((لم يقض التشريع على هذه البربرية البدائية نهائيًا إلاّ فى عام 1846م وقد كانت هذه العادة طوال مدة ممارستها فى ساحة القضاء حجر عثرة لرجال القانون الذين حاولوا أنْ يرسوا دعائم القانون الإنجليزى على الأسس الأولية للمنطق الطبيعى، وعلى العدالة دون ما حاجة إلى الفوضى فى قرارات الجهل اللا نهائية والهمجية والخزعبلات. وقد رأى الباحثون فى تطور الجنس البشرى ، أنه من المحتمل أنّ الميل الطبيعى فى مراحل طفولة البشر لتشخيص الأشياء الخارجية (حية أم جمادًا) أنّ هذا الميل سببه رغبة الإنسان فى أنْ يُضفى على هذه الأشياء الصفات الإنسانية. وكان من السهل– فى حالة ظلام العقل البشرى – أنْ ترتبط الدوافع التى تـُحرك العقل المفكر، بالدوافع التى تـُحرك الحيوان . ومن خلال هذا التفكير المختلط أباح البدائيون لأنفسهم الانتقام من الحيوانات والأشياء التى تـُسيىء إليهم أو تصيبهم بأذى . وقد ظلّ هذا الضباب الفكرى الذى كان مناسبًا لتلك المعتقدات ، يعمى أعين المُـشرعين البدائيين الذين قـدّسوا هذا النظام الجزائى البربرى فى ظل أشكال القانون والعدالة فى مختلف العصور ومختلف البلاد))
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بشر يُحاكمون الحيوانات والحشرات (2)
- بشر يُحاكمون الحيوانات والحشرات (1)
- دراما حياة ومقتل عثمان بن عفان
- الجمل وصفين وبحور الدم
- القرآن والأحاديث والسيرة والغزو
- هامش على أحاديث وسيرة (نبى) العرب (3)
- أحاديث (نبى) العرب محمد (2)
- قراءة فى أحاديث (نبى) العرب محمد (1)
- مغزى تعدد أسماء الآلهة
- الجسد بين الإنسان والوطن إبداعيًا
- العلاقة بين الواقعى والغرائبى فى (ماكينة الأحلام)
- حنان الشيخ وروايتها البديعة مسك الغزال
- ذيح الابن فى تراث الشعوب القديمة
- الأدب الإسرائيلى ومجابهة الصهيونية
- الخيال والواقع فى الأسطورة الأوزيرية
- القومية العربية والقومية المصرية : نقيضان
- الهجرة والعودة للوطن الأم
- الوحدة العربية والوحدة الأوروبية : مفارقات
- الجوائز الدولية والأغراض السياسية
- اعتذار وتوضيح


المزيد.....




- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - بشر يحاكمون الحيوانات والحشرات (3)