أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 27















المزيد.....

سيرَة حارَة 27


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4616 - 2014 / 10 / 27 - 15:33
المحور: الادب والفن
    


1
الثأر؛ كان من تقاليد مجتمع حارتنا، حتى ليجوز القول بأنه ما من عائلة فيها لم تتورط به. وما عزز هذا التقليد، ليس فقط الطبع الناريّ لبني جلدتنا، بل وأيضاً افتخارهم بالمثل المأثور: " كردي بلا سلاح، هو كردي بلا شرف "....!
كان من أشهر وقائع الثأر، ذلك الذي جرى بمفتتح الثمانينات بين آل " جونو ظاظا "، من حارة الكيكية، وبين آل " قواص دقوري "، المقيمين في حارة المختار ( سَري حاري ). وقد بدأت الواقعة في إحدى المقامر، عندما طلب " شوكت ظاظا " مبلغاً من المال من " حيدو ". فلما امتنع هذا عن اعطائه، فإن الآخر انتزع من رقبته سلسالاً ذهبياً ثم غادر المكان. وبما أن المقمرة كانت بإشراف " صلاح قواص "، فإنه عبّر عن انزعاجه بأن سحب مسدسه طالباً من حيدو أن يلحق بغريمه وينتقم لكرامته. في صباح اليوم التالي، وبينما كان ابن قواص في محل بيع الخمور، الذي يترزق منه، إذا برصاصات مسدس إبن جونو تباغته على غرة وترديه قتيلاً....!
" أبو جومرد "، شقيق شوكت الأكبر، قتل بنفس الطريقة الغادرة من قبل طالبي الثأر. كان رجلاً وجيهاً ذا شخصية وسيمة شبيهة بممثلين السينما الكلاسيكية، علاوة على شهرته بالشجاعة والشهامة. إذ فاجأ أهل القتيل، عندما مضى بمفرده إلى منزلهم لحضور التعزية معلناً على الملأ تبرؤه من فعلة شقيقه المتهوّر. هذا الأخير، كان قد تمكن من مغادرة البلد والوصول بطريقةٍ ما إلى برلين الغربية، ليعاد من هناك بعد أقل من شهر لدمشق وبرفقة رجال الأمن الألمان. فما أن مضى عام آخر، حتى سقط صهر آل قواص قتيلاً بيد الشقيق الأصغر لشوكت الموجود بالسجن. ذات مساء، أطل أبو جومرد من باب منزله ليرحب بشابين اعتادا على زيارته في تلك الآونة. كان أحدهما هو " رامان "، ابن القتيل صلاح قواص، والذي ما لبث أن أشهر مسدسه وأطلق النار ببرودة أعصاب..

2
" أكرم عرب "؛ كان من زكَرتية الحارة، يقع منزل عائلته بأسفل زقاقنا وكان من الكبر أن مدخله يطل على جادة أسد الدين وجداره الجنوبي يشرف على نهر يزيد. إنّ كرم الصبار، المعروف بـ " رزي آني "، كان على اسم جدة آل عرب، الديركية؛ والتي كنا في صغرنا نهاب من طيفها ليلاً ( الزيارة: Pirebok )....!
كان أكرم عرب شاباً شجاعاً، شهماً، يحب أولاد حارته ويدافع عنهم في الملمات. إلا أن اندفاعه في المغامرة، كلفه حياته وهوَ في عز أعوام عمره. كنا نعرف أنه قد تطوع عدة مرات في العمل الفدائي، ولكننا دهشنا حقاً حينما نعته حركة " فتح " في نهاية السبعينات كأحد أبطالها بالحربين اللتين خاضتهما في الأردن ولبنان. ويقال، أن مقتله كان على يد الكتائب في بيروت الشرقية، التي تسلل إليها ذات ليلة كي يلتقي بامرأة كانت على علاقة به. حينما رحل هذا الرجل عن الدنيا، ترك طفلاً وحيداً؛ لأن الأم سبق أن انهت حياتها انتحاراً....!
عندما تزوج أكرم عرب وفتح من ثمّ دكاناً للجزارة، فإن كثيرين بالحارة اعتقدوا أن روحه المتوثبة قد هدأت وسيبتعد عن المشاكل. ولكن، ما ان مضت بضعة أشهر، حتى كانت الجادة مسرحاً لواقعة عنيفة بين أكرم و الرجل المدعو " البرزاوي ". هذا الأخير، كان من قبضايات رأس الحارة ( سري حاري )، وكنا غالباً ما نراه بصحبة أكرم في البساتين أو بالرزي آني. وها هما الآن في صراعٍ محتدم، استخدم فيه أحدهما ساطور اللحم فيما الآخر شهَرَ سيفاً شركسياً قصيراً ( كَامة ). انتهت المعركة بتدخل رجال الحارة، فانسحب البرزاوي بعدما نفّسَ غلّه بمحتويات محل غريمه تكسيراً وتحطيماً. هذا المحل، ارتبط في ذاكرتي بحادثة طريفة عندما كنت صغيراً. إذ أرسلتني خالتي إليه ذات يوم، كي أجلب لها لحمة للغداء. عندما عدت وسلمتها لفة اللحمة، فإنها راحت تشمها وهي تغمغم راضيةً. في المرة التالية، وبعدما لفّ أكرم عرب لي اللحمة، فإنني تذاكيتُ عندئذٍ فرحت أشمّها. وإذا به يثور فجأة: " شو خالي؟ نحنا عم نبيع فطيسة أو لحمة؟! "، قالها ثم انتزع اللفة من يدي ورماها في حاوية القمامة: " اي هه، بطلنا نبيع خالي "!

3
" عبده كَوشي "؛ كان جارنا وقريب والدنا من ناحية الأم. هذا العجوز، فقد أولاده الذكور الواحد تلو الآخر ولم يبق له سوى ابنة وحيدة. ربما أن ذلك هو ما جعله أسود القلب، لئيماً، وخصوصاً في تعامله مع أطفال الزقاق....!
ذات ظهيرة، كنت ألعب كالعادة مع أصدقائي من أولاد " كري عيشة "، حينما فتخ باب منزل جارهم عبده كَوتشي. أطل هذا برأسه المعمم بقبعة دانتيل بيضاء، ثم لم يلبث أن اتجه نحونا ووجهه المتغضن يفصح عن التودد. فما أن صار بالقرب منا، حتى هاجمنا كالتيس الهائج وصار يصفع من يصادفه. على الأثر، قررنا أن ننتقم من الرجل اللئيم. وبما أنه شديد البخل، وثمار أشجار منزله عزيزة على قلبه، فقد قررنا نهبَ شجرة الليمون المطلة على سطح منزل أصدقائنا من آل كري عيشة. في اليوم التالي، وبينما كنا جالسين على عتبة بيت أولئك الأصدقاء، رأينا عجوز النحس يخرج ويأتي باتجاهنا: " نادي أبوك، يا ولد! "، قال لإبن كري عيشة الذي تعهّد البارحة سلخ شجرة الليمون. تساءل صديقنا " أبي؟ "، فردّ عليه العجوز بلهجة متوعّدة وهو يكشر عن أسنانه المتفحمة: " اي أبوك "....!
" هوري "؛ هي شقيقة عبده كَوشي الوحيدة. كانت أرملة، علاوة على أنها فقدت جميع أولادها بالأمراض والحوادث المأسوية. إلا أن هذه المرأة، التي تعيش في زقاق آله رشي المجاور، كانت طيبة القلب وطريفة الطبع. وبما أنها قريبة لوالدي من ناحية الأم، كما أسلفنا، فقد اعتادت مخاطبته بـ " بخالتي "؛ أي ابن خالتي. ولأن الأب كان صديقاً حميماً للدكتور نبيه رشيدات ( الشخصية الشيوعية المعروفة )، فإن هوري كانت تلجأ له كي تشكو من هذا " الدختور! ". إذ كانت موسوسة، مداومة على عيادة الطبيب. ذات مرة، غابت شهراً عن العيادة، فما أن عادت واقتحمت حجرة الطبيب مع ملاءتها السوداء، حتى هتف بها في لهجة تعجب: " أنتِ؟! اعتقدت أن الله أخذ أمانته وخلصني منكِ! ". في مساء اليوم نفسه، حضرت هوري لمنزلنا لكي تقص على مسمع " بخالتها " ما جرى في عيادة صديقه، فقالت وهي تشرق بدمعتها: " ويذكر الله على لسانه، هذا الشيعي الكافر "!!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (2)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 26
- نساء و أدباء
- سيرَة حارَة 25
- سيرَة حارَة 24
- سيرَة حارَة 23
- سيرَة حارَة 22
- سيرَة حارَة 21
- سيرَة حارَة 20
- الرواية: الفصل الرابع / 2
- الرواية: مستهل الفصل الرابع
- سيرَة حارَة 19
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5
- سيرَة حارَة 17
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 4
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3
- تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2
- تاجرُ موغادور: مستهل الفصل الثالث
- تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6


المزيد.....




- مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عب ...
- أضواء مليانة”: تظاهرة سينمائية تحتفي بالذاكرة
- إقبال على الكتاب الفلسطيني في المعرض الدولي للكتاب بالرباط
- قضية اتهام جديدة لحسين الجسمي في مصر
- ساندرا بولوك ونيكول كيدمان مجددًا في فيلم -Practical Magic 2 ...
- -الذراري الحمر- للطفي عاشور: فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية هزت وج ...
- الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة بوليتزر للتعليق الصحفي ع ...
- رسوم ترامب على الأفلام -غير الأميركية-.. هل تكتب نهاية هوليو ...
- السفير الفلسطيني.. بين التمثيل الرسمي وحمل الذاكرة الوطنية
- 72 فنانا يطالبون باستبعاد إسرائيل من -يوروفيجن 2025- بسبب جر ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 27