أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر حسين سويري - الملحمة الحسينية بين الرواية وخشبة المسرح














المزيد.....

الملحمة الحسينية بين الرواية وخشبة المسرح


حيدر حسين سويري

الحوار المتمدن-العدد: 4616 - 2014 / 10 / 27 - 08:37
المحور: الادب والفن
    


الملحمة الحسينية بين الرواية وخشبة المسرح
حيدر حسين سويري

بعد سقوط النظام العبثي الدكتاتوري في العراق، ظهرت لدي المجتمع العراقي أو (بتعبير آخر) أُعيدت إلى الحياة ظاهرة العرض المسرحي القديم.
في محرم الحرام من كل عام، وتحديداً في يوم عاشوراء، التي أصبحت تعرف بعاشوراء الحسين(عليه السلام)، تشهد الساحات والملاعب الرياضية، ظاهرة قديمة، هي العرض المسرحي للملحمة الحسينية – كربلاء – أو ما تُعرف بوقعة الطف الأليمة، حيث يقوم أُناس من محبي هذه الشخصية العظيمة بتجسيد أدوار جيشي المعركة، ويرتبون ديكور الساحة – المسرح – ويلبسون الملابس العسكرية القديمة، من الدروع الجلدية والأسلحة القديمة، ثم يبدء العرض الصامت.
يجلسُ على مقربةٍ منهم شيخ (مله)، يقوم بقراءة الملحمة، كأنهُ مخرجاً للعرض المسرحي، فالممثلون يتحركون وفق قراءته لدور الشخصية، أما الجمهور، فيكون على شكل منحني مغلق حول المسرح(ساحة العرض)، وبالرغم من كثافة الجمهور، وعدم تنظيم جلوسه، لكنه ينتظم بمجموعتين كبيرتين، واحدة للنساء واخرى للرجال، وبصورة متقابلة تقريبا.
في أحدى تلك العروض، حيثُ كنتُ حاضراً، إتخذتُ مكاناً يطلُ على الممثلين والجمهور معاً، وأراقب ما يحدث؛ بدء العرض، وبدء (المله) بقراءة الملحمة، وبدء أصحاب أدوار صحابة الإمام بالنزول إلى ساحة العرض(المعركة)، فقد أتقنوا أدوارهم جيداً، تساقطوا شهداءً الواحد تلو الآخر، وكنتُ أنظر إلى الجمهور، كان بعضٌ منهم قد سالت عيناه دمعاً، لكنَّهُ رابط الجأش، ولم يشرع بالعويل والبكاء بعد، حتى بدء نزول أصحاب أدوار أهل بيت الحسين(عليه السلام).
بدأ الجمهور يزداد حماساً وإنتباها، وبدأت الرقاب ترتفع، فأخذ بعض الجمهور بلطم صدره بيده، حتى لم يبقَ من جيش الحسين(عليه السلام) سوى أخيه العباس الملقب بـ(حامل اللواء) و(ساقي عطاشا كربلاء)، وما أن تحرك الممثل، الذي ركب حصاناً أبيضاً، وتوشحَ باللون الاخضر، وهو صاحب شكل جميل وجذاب، متجهاً صوب الماء(المشرعة)، حتى صاحت إحدى نساء الجمهور، وبصوت عال (فزع عباس طشر خيل الأعده)، وصاحت بقية النسوة مرددةً وراءها وكأنهن يشجعنه، فأخذ الممثل يميل بحصانهِ، ويغيرُ على الجيوش، كأنه نسي الدور بالذهاب إلى المشرعة، فأنتبه إليه (المله)، وأخذ يردد (وإتجهَ العباس صوب المشرعة)، فإنتبه الممثل وعاد إلى المشرعة، فإحتوشتهُ الجيوش حتى سقط صريعاً، في مشهدٍ بطوليٍ لأحد أنواع المقاومة الشرسة، من أجل الوصول إلى الهدف، وهو جلب الماء إلى خيام أولاد النبي.
عندها وقف الحسين(عليه السلام)، وحيداً فريداً، صاحت نفس المرأة، وبصوت عال:(عباس إنهض يابو الغيرة)، فضج الجمهور بالعويل والبكاء، وهم يرددون عبارة تلك المرأة، كأنهم يرونه لازال حيا، يرقبوه للنهوض ونصرة الحسين(عليه السلام)، لكنَّ المذهل بالامر، حين بدء (المله) يصيحُ مردداً: فدنت الجيوش وأحاطت بالحسين(عليه السلام) مكرراً العبارة، لم يستطيع ممثلوا أدوار الجيش الأموي من الإقتراب، بل ألقوا بإسلحتهم، وأخذوا يلطمون الصدور، ويضربون الرؤوس، ويبكون وينحبون، وكذلك كان حال الجمهور، ولم ينفع كلام(المله) المتكرر، وأمرهُ بإنهاء المشهد، حتى قال: (أكملو بارك الله فيكم، أكملوا عظم الله أجوركم)، فدنى من تشبيه الحسين(عليه السلام) بعض الجنود، فصاح(المله) وهو يريد إنهاء المشهد: فسقط الحسين صريعاً، وبعدُ لم يسقط الممثل، حتى هجم الجمهور متجها صوب تشبيه الحسين(عليه السلام)، وهو يظنه الحسين(عليه السلام) بلحمه ودمه، وهم ينادون: لبيك ياحسين، وكادت أن تعم الفوضى المكان إلا أن(المله) كان ذكياً، ومسيطراً على أعصابه، أراد أن يحافظ على سلامة الجمهور، وتنبيهم، فبدء بقراءة إحدى القصائد الشعرية الرثائية(اللطمية)، بعد أن صلى على النبي وآله، فإستفاق الممثلون والجمهور، ورتبوا أنفسهم على شكل دوائر وبدأوا بالترديد واللطم على الصدور.
والصراحة أقول: لقد إحترت في تفسير ما حصل! فلطالما قرأنا وسمعنا قصة مقتل الحسين(عليه السلام) وكان أشد من يتاثر فيها، تسيل عيناه دمعاً، فلماذا حصل هذا ياترى!؟
فسرت ذلك، بأن للصورة المتحركة والمسرح بالخصوص، الذي يجسد المأساة تاثيراً في النفوس، أكثر وأعمق من بقية صور الدراما، كذلك وإن إقتراب الشخصية من واقع الممثلين والمشاهدين، تثير وتدفع إلى إندماج كامل في الملحمة، لذلك سعى الناس إلى أن لا يروا الحسين(عليه السلام) مقتولاً، فلم ينتظروا سقوط الممثل، لأنهم لا يريدون ذلك البتة.
هناك رأي جميل لابد من ذكره :
يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي ــ شارحاً لأرسطو ــ بأن: «للمأساة [التراجيديا] غاية واضحة، هي تطهير النفس، من الانفعالات العنيفة: إذ المحاكاة في المأساة ترمي إلى إثارة الرحمة والخوف، وبهذه الإثارة تخلص النفس من آثار الانفعالات السيئة، وفقاً لقاعدة: وداوني بالتي كانت هي الداءُ».
ويحدث التطهير، في التراجيديا ــ رغم أن النهاية في الغالب تكون غير سعيدة ــ حين يتماهى الممثل في الشخصية؛ ويندمج المشاهد في المسرحية، فتنهار خشبة المسرح، وتزول من الوعي، ويقتنع كل من الممثل والمشاهد بأنهما أمام حدث حقيقي. فيتوحدان بالشخصية، ويتألمان بألمها. لكن المسرحية لا بد أن تنتهي آخر الأمر، فيخرج المشاهد والممثل وقد تنفس كل منهما الصعداء، لاكتشافهما أن ما استثارهما كان غير حقيقي. ويقول علم النفس إن السبب في هذه الاستثارة ــ التي حدثت للمشاهد أو للممثل ــ راجع إلى كون الحدث الذي دار على المسرح، إنما هو يشبه، أو يقارب، مواقف قد حدثت له فعلاً. ومن ثم فإن هذا الحدث يستثير لديه ذكريات انفعالية معينة سابقة. أي أن المقصود هنا، هو أن الدراما لا تخلق بعض المحن أو الكروب الانفعالية الجديدة، بل إنها تعيد إلى الحياة، أو تجدد، ظهور بعض الكرب أو المحن القديمة، ولكن في ظل ظروف آمنة نسبياً.(مقال لخضر محجز – الحوار المتمدن-العدد: 4372 - 2014 / 2 / 21 محور الادب والفن)



#حيدر_حسين_سويري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ال............، إلا عندنا!
- مَنْ يَحكُمُ مَنْ!؟
- يا أنتَ ... أينك مني!؟
- حوار السياسة في برلمان(الكيا)
- الْكَذَّابُ الْأَشِرُ
- المرأة والإبتزاز الأخلاقي
- مقالة إعلامية أم إستحمارية!؟
- الفتلاوي... ماذا تريد؟
- داعش وجند السماء
- الخوف والرجاء
- لماذا الشيعة وإيران؟!
- داعش والأزياء
- مَنْ أرسلَ مَنْ؟!
- طنين الذبابة
- - فلسفة الحقيقةPhilosophy of truth -
- ما لم تفعلهُ داعش!
- عيد الغدير، والإنحراف الإسلامي الخطير؟
- - إنتباه: ممنوع التصوير!! -
- بائعة الخضار
- - الأحمق والسكين -


المزيد.....




- ترامب يأمر بفرض رسوم على الأفلام غير الأمريكية بنسبة 100 في ...
- ترامب يُشعل جبهة جديدة: رسوم جمركية بنسبة 100% على الأفلام ا ...
- سحب الثقة من نقيب الفنانين السوريين والناطور يؤكد بطلان القر ...
- الدبلوماسية الثقافية هي المفتاح لتحسين العلاقات الايرانية-ال ...
- السر المقدّس: لماذا اختار المصري القديم الشكل الهرمي تحديدًا ...
- أزمة التمثيل في منظمة التحرير بين التعدد والاحتكار
- خُرم سلطان: من هي الجارية التي أغوت السلطان وكتبت التاريخ بد ...
- فيلم -لي ميلر- : قصة الصحفية الحربية وحمّام أدولف هتلر الشخص ...
- النظام الإيراني يتربص بالفنانات لمنعهن من الغناء
- ترامب يوعز بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على المنتجات السينمائ ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر حسين سويري - الملحمة الحسينية بين الرواية وخشبة المسرح