احسان العسكري
الحوار المتمدن-العدد: 4615 - 2014 / 10 / 26 - 22:31
المحور:
الادب والفن
مهرجان المربد الشعري الحادي عشر (احدى عشرة وقفة مع الجمال) ومثلها مع البصرة وجمالها
كأن الاسماء كانت ترسم خطوات التسارع نحو المجد والتألق .. هكذا وجد الشعراء والمفكرون اقدامهم تسحبهم بشغف نحو ثغر العراق الباسم (البصرة) حين ستعانق كلماتهم خطوب التحدي لارهاب الكلمة واضطهاد الفكر الذي يمارّسُ على الحرية الحقيقية التي تجعل الانسان واقفاً في المكان الصحيح في بلاد الحضارات ارض العراق حيث انشق القمر للوهلة الاولى عندما استل جلجامش سيفه باحثاً عن الخلود الابدي .
مهرجان المربد الحادي عشر في البصرة هذا العام طار بجناحين حلقت بهما الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة التي وسمت دورته الحادية عشرة وبجدارة تليق بالمربد الشعري وبها ..
لم تكن مسافات التنقل من والى البصرة ذات متعة اكثر مما هي عليه الا لمن قدم عبر فضاء العراق ربما الا ان جميعنا كنا نترقب المتعة الاسمى والاجل وهي ان نلتقي باحبتنا هناك ونحن نستنشق عبير شط العرب الحامل لرونق وجمال النخيل وشموخه ولم تأخذ (عدم كفاءة) اماكن الاقامة الا القليل من هذه المتعة لان وقع اللقاء كان اكبر من سرير مكسور او شرشفٍ بائس او صاحب فندق (جاهل) .
اجود مجبل الشاعر (الولد) السومري المحتشد بالوطن (العظيم) كان اول من صادفني عند بوابة القاعة في المنتدى الثقافي النفطي حيث تعقد الجلسة الاولى للمهرجان وانا اتجول بين لوحات من ابداع في معرضين تشكليلين وآخر للكتاب زينت واجهة القاعة ومدخلها وكان استقبال صديقي هيثم جبار عباس الشاعر البصري جميل ممتليء بالابتسامة البصرية الملحقة بكلمة (حبوبي) التي يشارك فيها الكبير عبد السادة البصري الشاعر (الحبوب) تلك القاعة التي يلفت انتباهك حين تدخلها للوهلة الاولى صورة لميعة عباس عمارة وعلى يمينها اغنية بغداد الشعرية (عمر السراي) لم استطع ان اركز في مكان المنصة لان زميلي مراسل قناة الفرات كان اسرع من النظر حيث سألني ما رأيك في المربد هذا العام – نحن على الهواء استاذ ولم ابارح مكاني وانا اجيبه وهو يتنقل من امامي الى اليمين تارة والى اليسار تارة تخرى والابتسامة تملأ وجهه ..ها هي المنصة تعج بـ (لوغات) الفضائيات اعتلاها عمر السراي مطلقا الاذن المباشر بافتتاح فعاليات المهرجان وكأن الشهداء امامه يكلمونه ويقولون له لا تنسانا يا عمر فيشارك الذين تمتليء بهم القاعة ندائهم بقراءة الفاتحة ترحما على ارواحهم وتنطلق الفعاليات فكلمات المسؤولين وصاحب الدعوة الشاعر كريم جخيور وحين طالت وقفة الناقد الاستاذ فاظل ثامر على المنصة وخروجي لاحاكي رغبتي في التدخين خرج خلفي الشاعر خضر خميس مسرعاً بالعودة الى مدينته تاركاً لي ارثاً اشكره عليه (ابق مكاني واستمر في حضور المهرجان ولاتعود هذا اليوم فانا لن اعود لامرٍ طاريء وحين دخلت القاعة كان الشاعر المصري أحمد آدم (يتلاعب مع الفوضى بيأسٍ كامل ) اعقبته نجاة عبدالله بعدها رايت كاظم الحجاج الشاعر الكبير قد بدأ بقراءة قصيدتيه وكعادته كاظم الحجاج وهو يدوزن وجع البصريين عازفاً وجعه لفراقهم (يا فلان ويا فلان ويا فلان يا احمد المظفر يا حسين عبد اللطيف لمَ انقصتم عددنا ونحن اقلية اصلاً)
*الضيوف الذين حضروا من خارج العراق كانوا يشكلون لوحة الجمال الاولى في هذا المهرجان فمن ايران الاسلامية كان الشاعر موسى بيدج يقود هذه القافلة نحو المنصة .
لم تكن السعادة ذات جدوى وسط كل هذا الوجع المضني الذي يحمله الشعراء في اوراقهم وهم يغرسون على منصة المربد ازاهير التحلي بالشعر فما انفكت غبطة الحاضرين بعظمة هذا الموقف تغازل جمال الكلم ووقع تأثير افيون الكلام الرائع الا ان (غرناطتان للحزن) اعلن استقلالهما عن الذات الشاعر الكبير اجود مجبل في قصيدته اعادت الينا واقعنا فنحن في النهاية في العراق – اجود مجبل كعادته عندما يقرأ الشعر يضيف شيئاً جديداً له وها هي الـلافتات تنكس الصبح بعد ان احتضنت الخائبات جراحهن ..
*اللوحة الثانية كانت هذه المرة فارسية رسمتها امرأة فارسية قُدّر لها ان تترجم الجمال بما تملك من جمال كانت قصيدة متنقلة تتجول بين الحضور بتلك السحنة التي تشبه كثراً سمار البصرة المعجون بعطر الشرق .حيث كان (حافظ موسوي) يرتل اشياء لم ندرك ما تعني فتأتي مريم الشاعرة ذات اللغتين لتنقلنا لعالم اجمل مما تخيلنا .واشترك بها كاظم مرشد السلوم في فيلمه الوثائقي عن صاحبة الامتياز حاملة وسام المربد الحادي عشر لميعة عباس عمارة
*لوحة ثالثة اكتحلت بارقى رسوم الجمال العراقي الاخاذ .. حين اكتشف الشاعر علي مجبل مؤامرة الجند (الناهبون) الذين اجهزوا على بريد الكوفة وجرفوا الالوان والرايات ,الا ان الشاعر د.حسين القاصد يرى انهم ماتوا ومافرحت بهم كلماتهم . لكن نجاح العرسان – يريبه في الغابرين خريفهم ..عين الذبول على ربيع بقاءِ(ه), محمد الاسدي سولت له نفسه الامارة بالشعر وهي تدعو الى النار ,وكان للشاعر الكبير يحيى السماوي يوماً له (ليلان متصلان) ,(كثيرون مروا من يديه وافلتوا ... ولبوا حصى في الروح حتى تفتتوا )هكذا يرى الشاعر المبدع د.عارف الساعدي طريق العمر العراقي ,ومن قال يا د.عمار المسعودي انك ستبدو على الورقة البيضاء وحيدا وصامتاً وانت ديوان شعر ينثر عبق المحبة كما ينثر النخيل رطبه ؟ فأنت تشبه كثيراً طيبة وكرم الشاعر جمال جاسم أمين وحنية وهدوء وثورة هادي الناصر وسماحة ورفعة روح عبد السادة البصري وثقافة طه زرباطي الفريدة وابداعه وعطاءه الانساني , معن غالب سباح ، رعد زامل , مازن المعموري ,ابراهيم الجنابي , علي الاسكندري , عدنان الفضلي , وغيرهم من الاسماء الكبيرة (وليعذرني من فاتني ذكر اسمه ) التي اثرت المهرجان وجلساته بما جادت به اقلامهم المبدعة من اساطير العشق العراقي والجمال السومري الممتد من اقاصي الجنوب لاعالي القمم في كردستان المحبة وهي تلتقي بعفوية و جمال ورقة ومرح روح الاستاذ عكَاب سالم الطاهر
*لوحة الشعراء الشباب الكبار (ان جاز لي تسميتهم هكذا) كانت هي الاجدر بان تكون لوحة المربد الشعري الرابعة حين بدا مهدي النهيري بعزل المفردات عن المفردات ويكتبُ اندهاشه مثلي ومثل الشاعر المبدع خالد الحسن من حكاية مرتضى الحمامي الشاعر النجفي العجيبة (مثلما قد طفلةٍ غاصبوها .... فاح من جسم طفلها عطر مصحف) كان عطر المصحف يملأ القاعة حينها وحين كنا نصفق كانت الوراق تتطاير ثم تعود لتستقر على افئدتنا كما تستقر الطمأنينة بعد الصلاة (انا وانت كعهدٍ ظل ينقضه .. عهدٌ جديدٌ يواري قبح من نكثوا) كانت هذه انشودة الشاعر سراج محمد المبدع كعادته الممتليء بالروح الجنوبية العظيمة الوجود .مؤيد نجرس كان يعني ما يقول (واشمُّ رائحة الدخان وصوتهم ...احنا مشينا للحرب للفاقرة ) (وفي الليل موالٌ يقول لموعدي ...على الف ناي يبن جرحي تُصبحُ) هذا كان موعد الشاعر ياس السعيدي ,اما اسماعيل الحسيني الشاعر الذي قال عن نفسه (حين افتقرت العمر بعت طفولتي ...ولذاك صار الجرحُ اكبر مني) فدنا لنا الحلم البعيد وظمنا .. يا شفيع مرتضى ايها الشاعر البصري كيف يظمنا الحلم البعيد ونحن في واقع امر من كابوس مرعب الا انك علمت ان يكمن الفرح فافقته بإيقافنا على رأسه وان كان حلماً .. القائمة تطول لو اتيتُ على ذكرهم جميعا هنا فـ قاسم الشمري كان بينهم وغيره من الاسماء الكبيرة التي اغنت مربد الشعر بما حملته من ابداع ثر وعطاء اجمل مافيه هو ملامسته لمكامن السعادة في نفوسنا الممتلئة بالاسى
*اما الوحة الخامسة فكانت للرقة والجمال حيث اجتمعنَ بكل عذوبة الفراتين وكأن شط العرب كان ملتقى للنعومة ايضاً ,شاعرات العراق المبدعات اللائي شاطرن الشاعرات العربيات حلم الابداع الشعري حين تكتحل امسية شعرية باشراقة افياء الاسدي وتكتحل المنصة بـ سمرقند الجابري ويغرد صوت كانه هدير راق كانت الشاعرة د.راوية الشاعر تشنف به اسماع الحضور لتتولى غرام الربيعي وهنادي المالكي وغيرهن من مبدعات العرب والعراق مسؤولية رسم هذه اللوحة التي اعدها شخصياً ركنا اساسياً من اركان انجاح اي عمل ثقافي او غيره .
*سفينة السلام كانت وبجدارة مطلقة تستحق ان تكون لوحتنا السادسة في هذا الكرنفال البهي .. والتي اقيمت على قاعتها اجمل اصبوحة شعرية فنية ثقافية شهدتها .كان حسن البحار يلامس البحر الذي يجري ماؤه بدمه كملامسة العازف لاوتار عوده ,هنا حيث تألق هادي الناصر وغرام الربيعي في تقديم هذه الجلسة التي تزينت وتعطرت بقصائد من الشعر الشعبي وبعض الترانيم الغنائية العذبة
* لوحة المربد السابعة كانت شيء لايوصف حيث تسابقت الدموع من معزوفات الموسيقى وتلك اللوحة التي كان الرسام البديع لكلماتها الشاعر الدكتور علي الامارة في اوبريت قل ما نشاهد له شبيهاً في ايامنا هذه ابكى العيون واثلج الصدور في آن واحد .
*في حين عرضت اللوحة الثامنة على حدائق متنزه الحرية في بصرة الخير وتلك الجلسة المسائية الرائعة التي تسابقت فيها الشاعرات مع الشعراء في رسم الوان الجمال فكانت الجلسة الاكثر صراحة وجرأة بين الجلسات
*السينما كانت لوحتنا التاسعة وثلاثية عرض سينمائية جميلة كانت تحاكي وجع العراق بفلمٍ قصير واخرين اقصر تجمع حولها كل من مر من هناك وعدد كبير ممن كان حاضراً في متنزه الحرية في البصرة الجميلة وكان رسالة ما اراد اهالي البصرة ان يوصلوها للعالم انهم هنا يشعرون بما لم يشعر به غيرهم ويشاطرون مثقفيهم ما حملوه معهم .
*كان لابد ان تكون للجلسات الاخرى لوحتها الخاصة فجلسات النقد التي كانت تتخل الجلسات الشعرية في المهرجان حيث كان للنقاد الكبار صولات وجولات في ساحات الادب بكل اشكاله وتوالت الاوراق النقدية الواحدة تلو الاخرى موضحة ما لم يك في حسبان البعض ناقدات ونقاد وقراء اثروا هذه الجلسات بما حملوه معهم من قراءات في اشكال واسرار وخفايا الاعمال الادبية
* كانت اللوحة الحادية عشرة للشعر الشعبي ومدرسته الكبيرة عريان السيد خلف .. نعم انه شعر الشعب الذي يداهم القلوب ويجعل من صمتها ارجوحة تتمايل كتمايل الاغصان في نسمة ريح عابرة لتستقر بين الازهار برهة وتخرج حاملة العطر السومري الاخاذ لتنشره في ارجاء الثقافة والحياة بكافة مفاصلها .
تحية لشباب التجمع الثقافي في سوق الشيوخ يرتدون قمصانهم البيضاء المزركشة بشعار وكالتهم الاخبارية منتشرين داخل القاعة يحملون معدات التصوير ناقلين للحدث على صفحات التواصل الاجتماعي .يشكلون لوحة فريدة من نوعها في هكذا محافل فهم ينتشرون هنا وهناك ,يدخلون ويخرجون يتفرقون ثم يجتمعون حول الاستاذ علي الحمدي رئيس التجمع الثقافي في سوق الشيوخ
لا يملك الفرد رغم ما يعده بعضنا اخفاقات في الاستضافة الا ان العذر هنا مباح لما يمر به البلد من محنة وما يعيشه الانسان العراقي من واقع مرير ..نقول شكراً لكل من اسهم بالقول او بالفعل في اقامة مربد الشعر الحادي عشر ..شكرتً لكريم جخيور وعبد السادة البصرة ومحمد الاسدي وعلي الامارة وحبيب السامر وشفيع مرتضى وهيثم جبار عباس وكل من كان يعمل خلف الكواليس و عذرا لمن فاتني ان اذكر اسمه فليس بالهين على ذاكرة ما ان تستوعب ثلاث مئة مبدع دفعة واحدة .
#احسان_العسكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟