|
بايعوا الرئيس مبارك ... أميرا للمؤمنين !! .
كريم عامر
الحوار المتمدن-العدد: 1297 - 2005 / 8 / 25 - 10:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
يشكل التحالف القائم منذ قديم الأزل بين السلطة السياسية ورجال الدين الصورة المثلى للإستبداد المستند أساسا على فكرة التفويض الإلهى والذى يعد الدعامة الرئيسية لنظم الحكم الثيوقراطية على مر العصور . فمنذ أن آمن الإنسان بفكرة وجود إله ما ، وهو يستغل صلته بهذا الكائن الوهمى لتبرير بعض التصرفات والأفعال إستنادا الى فكرة التفويض الإلهى الممنوح له بوصفه ممثلا للإله على الأرض . فالملوك الفراعنة ( القدامى ) - على سبيل المثال - إستغلوا صلتهم الوهمية بالإله لممارسة الإستبداد على محكوميهم ، فالحاكم هو المفوض من قبل الإله بالإشراف على شئون الخلق ، وبالتالى فإن التفويض الإلهى يخوله حرية التصرف بإستباحة أموال الناس ودمائهم وأعراضهم ، فهو مندوب الإله الذى لا يسأل عما يفعل ، وبالتالى فإن مايقوم به هو بالتأكيد ماتطلبه الآلهة ، ومن ثم فإن من يبدى إعتراضا على هذا الأمر فإنه يضع نفسه فى مواجهة غير متكافئة مع ممثلى القوى الكبرى القاهرة التى لاقبل لأحد بها ( الآلهة ) ولذا فإن الموت يعد العقاب المناسب لمن يتمردون على أحكام ممثلى الآلهة !! . وعندما أدرك البعض ممن بدأوا يفكرون بعقولهم المجردة إستحالة وجود صلة بين القوى الكبرى القاهرة ( الآلهة ) وبين رجال السلطة السياسية ، وبدأوا يدركون آدمية الحاكم ، وأنه مجرد فرد عادى لا يختلف بحال من الأحوال عنهم ، وأن الصدفة البحتة وسعادة الحظ هما وحدهما اللذين قاداه لتملك زمام الأمور ، عندها بدأ الناس فى الثورة على هذه النظم الثيوقراطية مطالبين بفصل الدين عن السلطة السياسية ، وأن ينأى الحاكم بنفسه عن إدعاء الألوهية أو التمثيل الإلهى ، وأن يبتعد رجال الدين عن المجال السياسى ، وبالطبع سالت دماء كثيرة وقامت ثورات عديدة إنتهت بالإستجابة لتلك المطالب وقصر الممارسات الدينية على دور العبادة ، وتحقيق الفصل ( الظاهرى ) بين الدين والسياسة . ولكن صلة الحاكم برجل الدين لم تنقطع ، فلقد شعر الحكام أن فقدانهم لإلصاق فكرة التفويض الإلهى بذواتهم قد إنتقص كثيرا من صلاحياتهم التى كانت فى وقت سابق مطلقة ، ولم يعودوا يتمتعون بهالات التقديس التى كانت تحوطهم فى سالف عهدهم مما حدا بهم إلى خلق علاقة نفعية محضة بينهم وبين رجال الدين . فرجل الدين يقوم بـ( تلميع ) الحاكم وإظهاره أمام عامة الناس على أنه الإمام العادل الذى تجب عليهم طاعته والإئتمار بأوامره والإبتعاد عن زواجره ، حتى وإن كانت تلحقه كافة الصفات التى من شانها أن تحط من مكانته أو تنقص من قدره وقيمته ، وفى المقابل يمنح رجال الدين بعض الصلاحيات بالتسلط على البشر ( بإسم التفويض الإلهى ) بالحد من حرياتهم وإلهائهم بتوافه الأمور حتى ينشغلوا بها عن التدخل فى نظام الحكم او إنتقاد سياسة الحاكم . وعندما نحاول المقارنة بين هذه الصورة المجردة وبين واقعنا الحالى ستصادفنا مواقف شتى تؤكد بما لا يدع مجالا للشك تطابق الصورة مع الواقع السياسى المصرى . فبالأمس القريب طالعتنا إحدى الصحف بنبأ مفاده أن جماعة تطلق على نفسها " انصار السنة " بمدينة دمنهور تبايع الرئيس مبارك ... أميرا للمؤمنين ، وليت الأمر إقتصر عند هذا الحد ، بل إنها ذهبت إلى تأثيم جميع المرشحين المنافسين له مستندة إلى بعض الأدلة الشرعية التى فسرتها على انها تحرم معارضة الحاكم ومنافسته فى الإنتخابات !! . ومنذ عدة أسابيع وبعد محاولا منه مضنية ، فشل الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ مايسمى بالجامع الأزهر فى إستصدار وثيقة مبايعة للرئيس مبارك من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية الذين أصروا وبشدة على أن ينأوا بأنفسهم عن إقحام الدين فى مثل هذه الأمور ، ولكن صاحب السلطة الدينية والذى تربطه - بالطبع - علاقة حميمة برأس النظام السياسى لم يرق له هذا الموقف وهاجم بشدة أعضاء مجمع البحوث الإسلامية الذين نجحوا فى منع خطته الدنيئة لتسييس الدين . ومنذ عدة أيام أصدرت جماعة الجهاد الإسلامية المصرية بيانا من خلف أسوار السجن بايعت فيه الرئيس مبارك ... أميرا للمؤمنين ، مؤكدة وجوب السمع والطاعة للإمام وتأثيم من يعارضه ويخالفه . ولا تزال جماعة الإخوان المسلمين المحظورة حائرة بين المرشحين العشرة لرئاسة الجمهورية والذين راحوا يغازلونها منذ بدء حملاتهم الإنتخابية لإستجلاب أصوات أنصارها لصالحهم غير عابئين بما قد يجلبه تقديم التنازلات لهذه الفئة الإجرامية من كوارث ومصائب لا يعلم مقدارها إلا من عن قرب عايشها ، وإن كنت أتكهن بأن موقف الجماعة لن يختلف كثيرا عن موقف التيارات الإسلامية الأخرى وأنه سيكون مؤيدا للرئيس مبارك . إذن .. فالتحالف الدينى - السلطوى موجود منذ فترات طويلة ، ولا تخدعنا الخلافات المفتعلة بين بعض التيارات الدينية من ناحية وبين السلطة من ناحية أخرى والتى تتخذ كواجهة لإخفاء مظاهر التحالف المقيت مع المرتزقة من رجال الدين الذين لا تحركهم سوى مصالحهم الخاصة والمبررة بفكرة التفويض الممنوح لهم من قبل الآلهة . لقد بات التحالف بين رجال الدين ورجال السياسة أمرا واقعا ، فعلى الرغم من أن رجال السياسة قد يختلفون فى توجهاتهم مع رجال الدين إلا أنهم لا يمكنهم -بحال من الأحوال - الإستغناء عن مساندتهم ، فالحاكم المستبد يستمد نفوذه وقوته أساسا من مساندة رجال الدين له وقد يؤيد قولنا هذا أن الحكام الإستبداديين الذين يتبنون الفكر الإلحادى يسهل الإطاحة بهم ( وهذا واقع تاريخى يدل عليه سرعة إنهيار النظم الشيوعية ) لإفتقارهم إلى مساندة رجال الدين الذين هم من ألد خصومهم ، بعكس الإستبداديين المتمسحين فى الدين الذين يصعب القضاء عليهم وخلعهم . فلا غرابة إذن أن نرى هذه التحالفات قائمة بين الرئيس مبارك وبين رجال الدين على إختلاف إتجاهاتهم ومذاهبهم ، بل وإختلاف إنتماءاتهم الدينية ، فهل تعد هذه التحالفات إعلانا صريحا بأننا دولة ( ثيوقراطية ) وأن حاكمنا يعد ( أميرا للمؤمنين ) ومفوضا للحكم على الأرض من قبل الإله رب العالمين ؟؟!! . إذا كان الأمر كذالك ، وسادت موضة النفاق السياسى والتمسح فى الدين لتأييد الحاكم فإننى أنأى بنفسى عن السباحة ضد التيار وأبتعد عن الوقوف فى وجه القطار وأدعوكم إلى مبايعة حسنى مبارك ... اميرا للمؤمنين !! . وحتى تكتمل فصول هذه المسرحية الهزلية وتتناسب شعاراتنا مع متطلبات المرحلة المقبلة ، فما علينا سوى تعديلها بعض الشىء كى نتحدث بصراحة عن أحلامنا وطموحاتنا ورغباتنا وتطلعاتنا نحو المستقبل فى ظل حكم أمير المؤمنين .. ونصير المتقين .. وإمام الدنيا والدين .. الزعيم الذى ليس له فى الدنيا شبيه ولا نظير ولا مثيل !! . ولتكن شعاراتنا هى : - " لمذيد من الثيوقراطية ... لمذيد من الفساد ... لمذيد من الإستبداد ... لمذيد من الخضوع ... لمذيد من الركوع ... لفتح المذيد من المعتقلات ... للوقوف فى وجه الحريات ... لمذيد من القهر ... لمذيد من الظلم ... من اجل تحقيق كل هذا ... بايعوا معى مندوب الإله وخليفته على أرض مصر - قاهر العباد - ورمز الإستبداد : حسنى مبارك ... أميرا للمؤمنين - وليذهب الى الجحيم بقية المرشحين - وليورث الحكم فى ذريته إلى أبد الآبدين - ولتعش مصر جنة للمنوفيين المخلصين - وسجنا كبيرا لبقية المصريين ... " !! . وسلم لى على الديموقراطية !! . عبدالكريم نبيل سليمان 24 / 8 / 2005 الإسكندرية / مصر
#كريم_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة الى السيد الرئيس
-
إنطبعات متظاهر
-
الدفاع عن المرأة ... دفاع عن الذات
-
تعليم الإناث وأثره فى إنهيار الفكر الذكورى .
-
فتش عن القاعدة
-
النظام الأسرى بين المساواة والقوامة .
-
من واقع رسالة طالب أزهرى : الأزهر والقاعدة ... وجهان لعملة و
...
-
إعدام الشريف إعلان حرب ضد مصر
-
صيفى ... ولكن حافظى على حجابك !
-
الزواج والبغاء ، إطلاقات متباينة لسلوك واحد !
-
ثورة العبيد .... ضد الحرية !
-
حركة كفاية ... ومواجهة الإستبداد
-
عفوا أختى الفاضلة ... لقد غيبوا وعيك
-
هل نحن ولدنا أحرار ؟؟!!
-
شبكة الإنترنت .... وتحطيم الأبواب المغلقة للمجتمع الذكورى ال
...
-
الصحف المصرية الصفراء تتهكم على رموز المجتمع المصرى - صحيفة
...
-
هند الحناوى : الفتاة التى أسقطت هيبة الذكور
-
فى يومها العالمى : تحية الى رمز النضال النسوى المصرى - د / ن
...
-
عزيزتى المرأة : قليل من العتاب - دعوة لتكوين جبهة عربية لموا
...
-
الباحثات عن الحرية : إيناس الدغيدى وعمل إبداعى بكل المقاييس
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|