|
ملحمة كربلاء والفن الملحمي
بتول قاسم ناصر
الحوار المتمدن-العدد: 4613 - 2014 / 10 / 24 - 14:33
المحور:
الادب والفن
مقدمة: يحاول هذا البحث أن يؤكد أن الأدب العربي لا يخلو من فن الملحمة، بعد أن مضت الدراسات التي تناولت تاريخ هذا الفن الأدبي على تأكيد عدم وجوده في أدبنا، ووجوده في الأدب الغربي في مراحله التاريخية القديمة. وأشهر نماذجه ملحمتا هوميروس (الألياذة) و (الأوديسة) لدى اليونانيين، ثم تطور هذا الفن تاريخياً لدى أمم أخرى حتى ضعف في مراحل تالية وانتهى في العصر الحديث. أما أدبنـا فقد قيـل إنـه لم يشـهد ولادة هذا الفن الأدبي ـ كما ذكرنـا ـ والمعروف أن الأدب العربي اقتصر قديماً على الشعر وغلب عليه الشعر الغنائي، فلم يعرف قديماً الفنون الأدبية التي عرفها الأدب العالمي. وقد وجدت في الأدب العربي في العصر الحديث الفنون الأدبية التي لم يعرفها في عهوده القديمة، وذلك باتصاله بالأدب العالمي في العصر الحديث. الا إن الملحمة لم تكن من هذه الفنون التي وجدت فيه حديثاً، ذلك لأن العصر الحديث ليس مناسباً لولادتها فقد اختفت بتأثير الحداثة حتى في الأدب الغربي. وقد حاول الدارسون أن يبرهنوا على وجود ملامح من فنون أدبية كالقصة والمسرحية والملحمة وغيرها في الشعر العربي في عصوره المختلفة. وحاولت بعض الدراسات أن تعود إلى أدبنا القديم لتفتش في ثناياه عن وجود لهذه الفنون. وبالنسبة إلى فن الملحمة ذهبت إلى أن أدبنا عرف ما سمته بالملاحم الشعبية التي تحدثت عن سير بعض الأبطال كما تصورتهم ذهنية الشعوب. وعرف بعض القصائد التي عبرت عن معاني ومفردات البطولة والشجاعة الفائقة والحماسة والفخر بالأمجاد لكن ليس لها البناء الفني الذي عرفت به الملاحم المعروفة. وبالنسبة إلى بحثنا هذا، فإنه يذهب إلى أن أدبنا العربي عرف فن الملحمة متمثلة بملحمة كربلاء، إلا أنها ملحمة واقعية مع أن الواقع التحم فيها بما وراء الواقع، وارتقت فيها الأحداث وأبطالها إلى مستوى الأسطورة. وقد تختلف ملحمة كربلاء مع الملاحم العالمية القديمة في بعض العناصر، ولكنها تشترك معها في الكثير من هذه العناصر مما لم تستطع هذه الأعمال التي ذُكرت نماذج منها أن تحققه.
1- الملحمة الملحمة : ((الوقعة العظيمة القتل. وقيل موضع القتال. وألحمت القوم إذا قتلتهم حتى صاروا لحماً. وألحم الرجل إلحاماً واستلحم استلحاماً إذا نشب في الحرب فلم يجد مخلصاً.. والجمع الملاحم مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمة الثوب بالسدى. وقيل هو من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيها .. والملحمة الحرب ذات القتل الشديد .. والوقعة العظيمة في الفتنة))(1) أما مصطلح الملحمة بما يعنيه من فن أدبي له أوصافه المحددة، فقد عرفوه بأنه: ((نوع خاص من الشعر القصصي البطولي الذي لم تعرف العربية شبيهاً له من حيث البناء القصصي المكتمل، ومن حيث الحجم العددي للأبيات الشعرية التي تبلغ الآلاف، ومن حيث الشخصيات التي تسمو فوق المستوى العادي للناس الأسوياء. وتتصف بما هو من سمات الأبطال الأسطوريين. ومن سمات الآلهة أو أنصاف الآلهة في المعتقدات الوثنية البدائية، ومن حيث الأحداث والوقائع الخارقة التي تتخللها، ومن حيث الوقائع الحربية التي يخوض الأبطال الملحميون غمارها والمآثر الخارقة التي يحققونها والتي تدخل في صميم الصراع الوطني والقومي دفاعاً عن حق مغتصب وفي سبيل أن تحيا الأمة التي يمثلونها بحرية وكرامة وهناء.))(2) ولقد تميزت الملحمة بوصفها جنساً أدبياً بسمات فنية وموضوعية التقت عليها أو اختلفت فيها كثير من الدراسات وأقدم هذه الدراسات دراسة أرسطو في كتابه في الشعر وهو الكتاب الذي لايمثل قيمة تأريخية فقط، إنما قيمة فكرية، فما زالت الموضوعات التي تناولها والمسائل والأفكار التي أثارها موضع جدل وتمحيص وتفكير لدى الدارسين. ولقد تحدث في هذا الكتاب عن الفنون ومنها الملحمة والتراجيديا والكوميديا. وبيّن أنها تشترك فيما بينها في كونها محاكاة وتختلف فيما بينها في ما يحاكى به وما يحاكى وطريقة المحاكاة. وعرف موضوعها وصورتها، فهي تتخذ صورتين إما محاكاة بالرواية السردية أو محاكاة بالتمثيل المسرحي. وعلى أساس هذا التقسيم يميز بين الملحمة والمسرحية، إذ المسرحية تحاكي الفعل بالفعل نفسه، أما الملحمة فتحاكي الفعل بالرواية عنه وإنها تجري على طريقة القصص. وهو ينسب الملحمة إلى الشعر الجدي الرصين وهو ما تنتسب إليه التراجيديا ـ التي يعرفها بأنها محاكاة لفعل جليل كامل عظيم وتتضمن الرحمة والخوف تطهيراً للمشاعر والإنفعالات ـ لذلك فإنه يجد نسباً بين الملحمة والتراجيديا. ويلتمس بعد ذلك أوجه الشبه بين الملحمة والتراجيديا في كونهما محاكاة للأخيار في كلام موزون وإنهما يحاكيان الأفعال الشريفة السامية بشعر فيه الفخامة والجزالة. ولكن الملحمة تمتاز من التراجيديا في أنها ذات عروض واحد. ولقد أثبت الوزن السداسي ـ أو الملحمي ـ صلاحه بحكم التجربة لنظم الملاحم ولذلك لم تنظم قط قصيدة على شئ من الطول في وزن غير الوزن السداسي فإن الطبيعة نفسها تعلم الناس إختيار الشئ المناسب. وتختلف الملحمة كذلك عن التراجيديا في الطول، فالتراجيديا تحاول جاهدة أن تقع تحت دورة شمسية واحدة (يوم واحد) ولاتتجاوز ذلك إلا قليلاً. أما الملحمة فهي غير محدودة في الزمان، وتمتاز بقبولها لأن تمتد أبعادها، وسبب ذلك إنه لايستطاع في التراجيديا محاكاة أجزاء كثيرة فعلت في وقت واحد بل يجب أن يوقف عند الجزء الذي يجري على المسرح وبين الممثلين. وفي الملحمة يمكن بفضل إسلوبها الروائي السردي أن يؤتى فيها بأجزاء كثيرة تفعل في وقت واحد، وهذه الأجزاء إذا أحكم ربطها بالموضوع زادت القصيدة بهاء. وامتياز الملحمة في هذه الناحية يفضي الى امتيازها بروعة التأثير والتنقل بالسامع وتخفيف القصة بلواحق مختلفة فإن التشابه سرعان ما يحدث السأم ويؤدي بالتراجيديات إلى السقوط. إن اختلاف الملحمة عن التراجيديا في الطول جعلهما يختلفان في الفعل الذي تختاره كل منهما لتصوره، فلا بأس في الملحمة أن يكون الفعل المختار تأريخاً مديداً ومن هنا تنشأ الضرورة لقيد آخر يقيد التراجيديا ولايقيد الملحمة، فبالاضافة الى (وحدة الزمن) التي هي يوم واحد، تلزم أيضاً (وحدة الحدث) أو (وحدة الفعل). ووحدة الزمن ووحدة الفعل معاً تلزم عنهما وحدة ثالثة هي (وحدة المكان) فما دام الفعل أو الحدث واحداً فلا بد أن يكون مكانه واحداً، كذلك فإنه لايعقل أن يقع فعل أو حدث محدد في مكانين مختلفين في آن واحد. وهذا ما تختلف به الملحمة معها، فهي غير مقيدة في زمانها ولا في طولها وفي مكان حوادثها كما تتقيد التراجيديا. ومما تمتاز به الملحمة عن التراجيديا قبولها لغير المعقول والمخالف للعقل وهذا ما يعتمد عليه عنصر الروعة. والأمر العجيب يثير اللذة ويسر السامعين. وأما من حيث الأجزاء الداخلية لكل منهما فمن هذه ما يوجد بعينه في كل منهما ومنها ما هو خاص بالتراجيديات، فمن عرف الجيد والردئ في التراجيديات عرف مثل ذلك في الملاحم لأن ما يوجد في الملحمة يوجد في التراجيديا. أما ما يوجد في التراجيديا فليس كله موجوداً في الملحمة فالأجزاء هي بعينها أجزاء التراجيديا ماخلا المنظر والغناء، فالتراجيديا تضيف عنصر النغم الى عنصري الملحمة، الوزن أو الأيقاع واللفظ، وهذا فارق بينهما. وللشعر الملحمي مثل ما للتراجيديات من الأنواع فيكون منها ما هو بسيط أو معقد أو أخلاقي أو إنفعالي. أما عن العبارة والفكر فينبغي أن تكون العبارة والفكر في الملحمة وفي التراجيديا جميلين. وقد امتدح أرسطو هوميروس بأن العبارة والفكر لديه لايباريان. وقد امتدحه بأنه أول من عبر عن كل هذه الخصائص التي ذكرها للملحمة ووفاها حقها في الشعر. وذكر أنه مع استحقاقه للثناء في نواح كثيرة إلا أنه يستحقه بصورة خاصة بكونه الوحيد من بين الشعراء الذي يعرف ما ينبغي أن يكون دوره وأن لايتكلم كثيراً عن نفسه بل يتكلم بلسان نفسه أقل ما يمكن. وهو الذي علم الشعراء الآخرين أن يتقنوا من أساليب صنعة الملحمة ما لم يعرفوا، فكان خير صانع لها وخير معلم.(3) ولقد اعتمدت دراسة أرسطو أساساً لصياغة نظرية الملحمة لكل الدراسات والبحوث التي تأخرت عنها. وتأتي دراسة الفيلسوف الألماني هيجل للأنواع الأدبية في قمة الدرس النظري لهذه الأنواع وذلك لخطر هذا الفيلسوف الكبير ولعمق ماكتبه من بحث نظري ولاتساعه وغزارة معرفته بكل ما كتب في هذا الأنواع الأدبية وعلى إمتداد تاريخها. وبالنسبة إلى الملحمة بيّن أن الشعر الملحمي من قسمة الشعوب قاطبة، لأن الملحمة تعبر عن النواة الجوهرية للمضمون القومي. وقد تتنوع من شعب إلى آخر ومن عصر إلى آخر. وبالرغم من هذا التنوع إلا ان هناك سمات أساسية تميز النوع الملحمي الذي مر بمراحل إلى أن أخلى مكانه للرواية وانتهى في الأزمنة الحديثة. ويقول إن شئنا العثور في هذه الأزمنة على آثار ملحمية حقاً فعلينا أن نبحث عنها في دائرة أخرى غير دائرة الملحمة بحصر المعنى. وقد اعتمد هيجل في تحديد سمات المراحل التي مرت بها الملحمة على أهم الآثار الملحمية وأشهرها. من أهم سمات الملحمة التي هي رواية شعرية لأحداث بطولية قومية ـ كما سبق أن عرفنا عنها ـ إنها تروي وتصور تصويراً ملحمياً ذلك العالم الذي اختفى وزال بأبطاله ومغامراتهم وأفعالهم الباهرة وحملاتهم البحرية والبرية ومعاركهم المكللة بالظفر ومصيرهم، كما تحكي مآثر الآلهة وميلادها وغروب شمسها فتربط بين مصائر البشر ومصائر الآلهة. وتربط مغامرات الأشخاص بوقائع عظمى تاريخية وإسطورية، فهي عرض لكبريات الأحداث التي تخص أمة من الأمم، فما يميز الملحمة تمثيلها للتاريخ القومي وللروح القومية وحفاظها على المضمون القومي الجوهري وعلى نغمة قومية ترددها من أولها إلى آخرها. فما هو قومي صرف وخاص يجب أن يظهر بجلاء كاف ويجب أن يؤلف الجانب القومي النواة الصلبة لمضمون الشعر الملحمي لأن الملحمة تمثل كل ماهية الأمة وكل ماتفعله، ولهذا فقد الشعر الملحمي طابعه عندما تخلى عن الأحداث القومية الكبرى ولاذ بدائرة أضيق وأكثر محدودية، هي دائرة الحياة البيتية والحياة الخاصة، فليست هذه هي موضوع العمل الملحمي، بل الأحداث الكبرى في تظاهراتها التي لا تفنى ولا تبيد وفي دوائرها التي لاتتحول ولاتتبدل والتي فيها يغرق العالم الحي للنشاطات الإنسانية بحيث تتلاشى جميع إهتمامات البشر وغاياتهم الخاصة أمام عظمة الأهداف النهائية والغايات الكبرى التي تسعى إليها الأمم. وهي ترتبط فيما بعد بالغايات المطلقة النهائية للأشياء، إنها تعانق كلية الحياة الموضوعية الدائمة التي لاتبيد. إن الكلية والشمولية من اهم سمات الملحمة، ففيها يذوب الوعي الفردي في الواحد وفي الكل، ولهذا لاتمثل هذا النوع الإبداعات الشعرية الخاصة التي تعبر عن الإستقلال الفردي للشخصيات وللمنازعات والصراع مما نجده في الأنواع الخرى. ولكن الحرص على الكلية والشمولية ينبغي أن لايخنق فردية الشخصيات والأهداف والأحداث، ولهذا يمتدح هيجل عالم القصائد الهوميرية بأنه يبدو وكأنه يسعى إلى إيجاد تقارب بين الأسس العامة للحياة والأخلاق العالية والواجبات التي تفرضها الدولة والعقيدة الدينية من جهة وبين الخصوصية الفردية للشخصيات من جهة أخرى. وفي هذه القصائد يتحقق توازن بديع بين الأساس القومي للمشاريع ومقاصد الأفعال الفردية. وعلى حين يبدو الأبطال في حركاتهم الفردية والحرة والحية وكأنهم هم الذين يضطلعون بالدور الغالب، فإن وضوح الأهداف وتدخل الأقدار يعملان على تعديل هذه الحركات والتخفيف من اندفاعها بحيث يغدو العرض أسمى إبداع للروح الملحمي ومصدراً لأنقى المتع لعقلنا البشري. غير أن الشعراء التاريخيين الذين جاؤوا بعد هوميروس إبتعدوا أكثر فأكثر عن هذا الهدف الملحمي لصالح عرض الشخصيات والأحداث الخاصة آخذين بنزعة تاريخية جعلت شعرهم يقترب أكثر فأكثر من فن المؤرخين الشعري، وبهذا فككوا كلية الرؤية القومية للعالم إلى دوائرها وتشعباتها الخاصة، أو نجدهم تخلوا من جهة أخرى عن محدودية العمل الفردي لصالح العرض الكامل للأحداث من بدايتها إلى نهايتها. إن أحداث هذا التوازن الذي أيده هيجل يقضي بعدم التخلي عن محدودية العمل الفردي لصالح العرض الكامل للأحداث وعدم التخلي عن الوحدة الكلية والرؤية القومية الكلية للعالم. إن أحداث هذا التوازن يؤثر على طبيعة الشخصيات في الملحمة، فهي تمتاز بفردية إنسانية عميقة مشبعة بتمامها بالروح القومي أو الكلي. كما يؤثر على طبيعة فعل هذه الشخصيات، فيكون لنشاطها طابع شبه إلهي وشبه بشري، إنه مزيج بين الآلهة والبشر. إن الأفعال البشرية الباهرة والخرافية تستدعي تضخيم جميع الشخصيات ومعها أفعالها الفردية تضخيماً لامتناهياً فتكون بمستوى أعمال تنجزها آلهة متجسدة. وكما ان الشخصيات لاتعبر عن أفعالها البشرية المحدودة والخاصة كذلك الأحداث فهي ليست هذه الأحداث الخاصة بل الغايات المطلقة، وما يعبر عن هذه الغايات. فالملحمة تعبر عن الأحداث الكبرى في تظاهراتها التي لاتفنى ولاتبيد وفي دوائرها التي لاتتحول ولاتتبدل. وفيها يغرق العالم الحي للنشاطات الإنسانية وللأفعال والمصائر الفردية في تلك الكينونة اللامتغيرة، بحيث تتلاشى جميع إهتمامات البشر وغاياتهم الخاصة أمام العظمة المطلقة لهذه الغايات. ومن السمات الفنية التي بيّن هيجل وجوب توفرها في الملحمة اكتمالها في أجزائها بحيث لايمكن لكل جزء من هذه الأجزاء أن يبدو وكأنه مستقل عن بقية الأجزاء، فلقد ركز على وحدة وتلاحم العمل الملحمي، وأن يكون محكم البناء في تفاصيله كافة. وركز على ترتيب المادة الملحمية والطريقة التي يعالج بها الموضوع، وضرورة أن لايشوبه التكلف. ومن سماتها الفنية الأخرى جمال اللغة والشكل على أن لاتبدو وكأنها أثر مصطنع همه الأول هذا الجمال الشكلي والحرص على أن لايضر هذا الجمال ضرراً يجاوز الحد الطابع الملحمي لهذه اللغة ولهذا الشكل. إن لغة الملحمة هي اللغة الشعرية وهي بعيدة عن التصنع. الملحمة روح شعرية بعيدة عن الروح النثرية، لذا فإن القصيدة التعليمية مثلاً ليست من الشعر الملحمي، فهي أقرب إلى العلم والنثرية وهي من أنواع أخرى تشكو إطراداً في نقص الطلاوة والسذاجة والعفوية الحية المميزة للنوع الملحمي الأصلي. إن الملحمة تعبر عن رؤية كلية، لذا فإنها أقرب الى الشعر الذي هو أقرب إلى الفلسفة منها إلى النثر الذي هو أقرب الى التاريخ والعلم والواقع. إن الروح الذي انبثقت عنه الأشعار الملحمية العظيمة لاينم فقط على خيال سبق الثقافة النثرية، بل كذلك على عقلية كانت مغلقة دون التصور النثري للعالم، وأقصى ما في قدرتها أن تعطي التصور الكامل للعالم شكلاً شعرياً بدائياً. أما القصائد القديمة التي جمعت على نحو جاف ونثري جملة الأساطير القديمة فإنها تشبه آثار الشعراء التاريخيين الإغريق الذين جاؤوا بعد هوميروس ولاتشبه الشعر الملحمي. وفي هذا الشعر تتحطم النواة الملحمية للأساطير القديمة وتتبدد فلا يبقى منها سوى الشكل الشعري الخارجي الذي يغدو على هذا النحو مجرد حلية وزخرف. ثم عرض هيجل لتطور الفنون وبين أنها تتعاقب في مراحل ثلاث، وهي المراحل التي يمر بها كل شئ في منهجه الجدلي. وفي حديثه عن الشعر الملحمي يبين أنه يتشعب إلى أنواع وضروب شتى ويتنوع من شعب إلى آخر ومن عصر إلى آخر، وعلى هذا يميز ثلاث مراحل رئيسة في التطور التاريخي للشعر الملحمي في جملته وهي : 1- الشعر الملحمي الشرقي : وهو يتسم بطابع أكثر بدائية لأنه أقرب إلى الدرس الجوهري وإلى ذوبان الوعي الفردي في الواحد وفي الكل. وخير ما يمثل هذا الشعر الملاحم التي وجدت لشعبي الهند وفارس حيث تتخذ لدى هذين الشعبين أبعاداً هائلة. وأشهر هذه الملاحم في الإطلاق : الرامايانا والمهابهاراتا اللتان تتضمنان عرضاً للرؤية الهندوسية للعالم، والشاهنامة التي ترجع بمادتها الى ماضي فارس السحيق فتنقل أساطيره وخرافاته، وتمتد بأحداثها من العصر البطولي إلى آخر أيام الساسانيين. وفي عداد الشعوب الشرقية التي أبدعت شعراً ملحمياً يدرج كذلك العبريين والعرب الذين دللوا منذ البداية على أنهم شعب ذو طبيعة شعرية رفيعة. وهو يجد في (المعلقات) و (أشعار الحماسة) و (ديوان الهذليين) وغيرها طابعاً ملحمياً بطولياً. أما الصينيون فلا يملكون ملحمة قومية وذلك بسبب النثرية التي كانت منذ بدايات تاريخهم الأولى هي طابع تصورهم للعالم وللحياة وكذلك بسبب أفكارهم الدينية التي ما كانت تصلح للتعبير الفني عنها، وهذان السببان نصبا عقبة كأداء مستديمة أمام وجود هذا النوع الشعري الرفيع لديهم. 2- الملحمة الكلاسيكية لدى الإغريق والرومان : وهي التي تدخلنا إلى عالم الفن الملحمي الحقيقي. وأول الملاحم التي بوئت ذروة الشعر الملحمي، الملاحم الهوميرية، فهي على درجة من الكمال والنجاز وتؤلف وحدة متكاملة ومتناسقة وتتميز بحفاظها على النغمة القومية وسعيها الى إيجاد توازن بين الأسس العامة للحياة والخصوصية الفردية الشخصية، وهو الأمر الذي امتدحه فيها هيجل كما ذكرنا. أما الرومان فتبقى (الانياذة) أجمل أمثلة القصائد الملحمية لديهم. 3- القصيدة الملحمية الرومانسية : وهي التي نفخت روحاً جديدة في الشعر الملحمي عبر العقيدة والرؤية الدينية للعالم ومن خلال أفعال شعوب جديدة ومصائرها تمثلت بالجرمان سواء في فترة وثنيتهم البدائية أم بعد تنصرهم، وبالشعوب المترومنة (وهي الشعوب الناطقة بلغات مشتقة من اللاتينية وأهمها الفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية، الخ) التي كان تأثيرها يتعاظم ويقوى بقدر ما تكثر فروعها وتشعباتها وبقدر ما يتبدى مبدأ المسيحية في رؤيتها للعالم والواقع. ومن أهم الأعمال الملحمية التي تمثلها (الملهاة الإلهية) لدانتي وهي أكمل الآثار في هذا المضمار وأغناها مضموناً، وهي الملحمة الفنية الحقيقية للعصر الوسيط المسيحي والكاثوليكي. أما في العصر الحديث فإن التحولات التي طرأت على الشروط الفعلية للدول والشعوب ماتزال أحدث عهداً من أن تصلح للشكل الفني الملحمي، ثم ان حالة العصر الحديث هي بالفعل عبارة عن نثرية راسخة تقابل بالإنكار المطلق الشروط التي ينبغي في رأي هيجل أن تتوفر في الشعر الملحمي الحقيقي(4) . أما باختين فقد حلل الملحمة من خلال مقارنته بينها وبين الرواية وذلك عندما حاول تحديد التعارض بين الرواية والأنواع الأدبية الكبرى كالشعر الغنائي والملحمة والدراما. وقد كرس معظم إهتمامه للتمييز بين الملحمة والرواية بنص يحمل ذلك الإسم، ولم يسبغ أية خصوصية على الملحمة في مقدمة ذلك العمل. وقد عرف الرواية محاولاً الوصول الى المظاهر البنيوية الأساسية لهذا النوع التي حددت إتجاهات تحولاتها الخاصة وكذلك اتجاهات عملها وتأثيرها في بقية أنواع الأدب. وبيّن نزوعها لإعادة إنتاج تعددية من اللغات والخطابات والأصوات. ولقد ظهرت هذه الخصيصة في التعارض بين الرواية والشعر الغنائي. ويحظى التعارض بين الرواية والملحمة بمزيد من التعريف والتوضيح في أعمال باختين، وهو يبين أن الماضي القومي في الملحمة يعمل موضوعاً لها، وتكون السير الشعبية وليست التجربة الشخصية والإبتداع الحر الذي ينشأ عنها مصدراً لها. ويذكر أن هناك مسافة ملحمية مطلقة تفصل عالم الملحمة عن الواقع المعاصر. وهي الزمن الذي يحيا فيه المغني والمؤلف وجمهوره. وهناك نسيج كامل من الخصائص الأخرى التي تميز بين الرواية والملحمة مما يذكره باختين، ففي الرواية يصبح تمثيل المؤلف ممكناً. وهي تتطلب بداية ونهاية محددتين تماماً في حين تستطيع الملحمة أن تمضي بدونهما. في الرواية تثبت ثنائية المعرفة والإفتقار إلى المعرفة، وإذ تقوم الملحمة على الوحدة تقوم الرواية على التنوع، وغير ذلك من الخصائص التي تميز بينهما. ويعرض باختين لتعريف هيجل للملحمة ولما يميزها، فالمضمون وكذلك تمثيل مايرويه الشاعر الملحمي يظهران وكأنهما بعيدان نائيان عنه بوصفه ذاتاً وبوصف مايروى واقعاً مغلقاً على نفسه. ولايسمح للشاعر أن يدخل في علاقة توحد ذاتي كامل مع هذا الواقع المغلق سواء أكان الأمر متعلقاً بالذات الموضوعية أم متعلقاً بعملية التقديم نفسها. وفي نص لباختين يعود إلى المرحلة نفسها لايظل النوعان الروائي والملحمي في علاقة تعارض إذ يظهر أحدهما كأنه جنس من أجناس الآخر، فالرواية شكل من أشكال الملحمة الكبرى. وبعد عشرين سنة من كتابة النص السابق يبدو باختين وكأنه غير موقفه وقام بعكسه. فالملحمة هي التي يعدها مظهراً مفرداً من مظاهر النوع الروائي عندما أرجع جذور النوع الروائي إلى ثلاثة جذور أساسية هي : الملحمة والنوع البلاغي والنوع الإحتفالي(5) ومن الباحثين الذين درسوا الملحمة ضمن دراساته الأدبية ((جورج لوكاتش)) الناقد المعروف صاحب الفكر الموسوعي والناقد الكبير، الذي كان يتمتع برؤية موضوعية للتاريخ الأدبي، وقد انطلق في صياغة أفكاره الأساسية في نظرية الأنواع الأدبية من الفلسفة الماركسية ومن المعرفة المادية الجدلية التي تفسر الظاهرات الأدبية بالتطور التاريخي الذي يستند إلى العلل الإقتصادية والواقعية، ولهذا نجده يمتدح بعض تفسيرات هيجل ـ الذي تأثرت الفلسفة الماركسية بمنهجه الجدلي وأنكرت عليه طابعه المثالي ـ إذ يجده بالرغم من تفسيره المثالي لتأريخ الفنون يعلل ظهور بعض الأنواع الأدبية بالواقع الإجتماعي والتاريخي، وهذا ما عبر عنه لوكاتش بالفضل الدائم لعلم الجمال الكلاسيكي الألماني على النظرية الأدبية والذي يتمثل باكتشاف الصلة العميقة التي تربط بين الأنواع الأدبية والمجتمعات التي ظهرت فيها. لكن صواب طرح علم الجمال المثالي للمسائل لايتحقق دائماً، فالمعرفة الشاملة والدقيقة بالمجتمع وبمسار تطوره وتخطيه لحدوده بقوة الفعل التاريخي، لم تكن في متناول علم جمال المثالية الألمانية الكلاسيكية، فحتى هيجل الذي كان يملك دون سائر معاصريه الخاملي الذكر ـ كما يقول لوكاتش ـ القدرة الأكثر أصالة على هذه المعرفة والفهم لم يستطع أن يفلت من أسار تناقضات لاحد لها، وعلى هذا تتحول ملاحظاته الصائبة حول علاقة الفن بالمجتمع إلى نظرية مغلوطة ـ كما يبين لوكاتش ـ تقول بنهاية الفن وبتحليق (الروح) إلى ماوراء طور الفن، إذ تتجاوزه إلى طور الدين ثم إلى طور الفلسفة في سلسلة تطور الروح وخلقها للعالم الموضوعي أو تجليها فيه. وبالرغم من هذا التفسير الروحي لتاريخ الفن الذي لايجد قبولاً لدى الماركسيين يجد لوكاتش لديه أفكاراً أخرى تلتقي مع تفسيرهم التاريخي الواقعي. فلقد أدرك هيجل في تفسيره لتأريخ الملحمة أنها مرتبطة تأريخياً بطور بدائي في التطور الإنساني وبحقبة الأبطال أي بحقبة لم تكن قد هيمنت فيها بعد على حياة المجتمع القوى الإجتماعية التي حازت على المجد الدنيوي وانفصلت عن سائر بني البشر، أي إنها حقبة لم تكن تتميز بوجود تناقض بين طبقاتها الإجتماعية فكان أفراد هذا المجتمع كل متشابه. ويرتكز شعر العصر البطولي الذي كانت الملاحم الهوميرية تظاهرته النموذجية على ذلك السؤدد الذاتي وإلى ذلك النشاط العفوي للبشر، الأمر الذي يعني في آن معاً ـ كما يقول هيجل ـ أن ((الفرد البطولي لاينفصل عن الكل المعنوي الذي إليه انتماؤه، ولكن من دون أن يتمتع بوعي لذاته الا من حيث أنه وحدة جوهرية مع ذلك الكل)) ويرى هيجل أن نثر العهد البرجوازي الحديث مجبول من الإلغاء الضروري لذلك النشاط العفوي ولتلك الوحدة الجوهرية مع المجتمع، أي إن هذا النثر يرتبط بحقبة تاريخية تميزت بالتناقض الداخلي وظهور الطبقة البرجوازية التي تتميز بنشاطها الإقتصادي المتطور وقيام المجتمع الرأسمالي الذي وقف فيه الفرد معارضاً للكل إذ هيمنت القوى المنتجة البرجوازية على حياة المجتمع وانفصلت طبقياً عن سائر أفراد المجتمع. ولذلك يسمي هيجل الأدب الذي عبر عن ظهور هذه الطبقة وسيادتها ـ والذي تمثل بالرواية أكثر ماتمثل ـ بملحمة العصر البرجوازي، لأن الرواية نظير الملحمة في الماضي قادرة على إعطاء صورة كاملة عن العالم والعصر الذي نتجت عنه. وهكذا يبين علم الجمال المثالي الملامح المشتركة والفروق النوعية بين الملحمة والرواية، ويكتشف الفرق التاريخي بينهما، ومن ثم يُعرف الرواية بأنها النوع الفني النموذجي للحداثة. ولقد تأثر لوكاتش بفهم هيجل وبتسميته للرواية بملحمة برجوازية في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه. وهكذا أمكن العثور على أساس تصور مادي جدلي للشكل الروائي يستند إلى التصور الهيجلي المثالي الذي يجده يعمد إلى التعليل التاريخي أحياناً وهو التعليل الذي تعتمده الفلسفة الماركسية. ولهذا نجد لوكاتش لايكتب عن الرواية بوصفها نوعاً أدبياً قائماً بذاته ولايرصد تطورها على إمتداد أربعة قرون حسب، بل يقوم بعملية تحقيب لها، أي تحديد المراحل الأساسية لتطورها شكلاً ومضموناً بالتوازي والتضامن مع المراحل الأساسية لتطور البرجوازية. فالرواية هي في رأيه وبالتعريف النوع الأدبي النموذجي للمجتمع البرجوازي وبولادته رأت النور ومع تطوره تطورت وبزواله وبقيام المجتمع الإشتراكي تعود إلى منابعها البطولية الأولى وقد اغتنت إغتناء عظيماً وتستعيد أبعادها الملحمية مع كبرى الإنجازات الروائية للواقعية الإشتراكية كرواية (الأم) لمكسيم غوركي و (الدون الهادئ) لشولوخوف. ومع إننا ذكرنا عن لوكاتش بأنه كان موضوعيا ًفي تفكيره وإنه يتمتع بعقلية خلاقة إلا إنه كان إبن عصره وأسيره، ولقد كان بوجه خاص أسير التجربة الستالينية، فلقد تراءى له أن ثورة (1917) وضعت نهاية للتناقض في التاريخ، ومن هنا أباح لنفسه الحديث عن عودة الفن الروائي تحت لواء الواقعية الإشتراكية كما تحددت بالتجربة الستالينية في الثلاثينيات من القرن العشرين إلى منابعها الملحمية الأولى. فكما إن الملحمة فن تلك المرحلة من تطور البشرية التي لم يكن فيها تناقض جوهري بين الفرد والمجتمع، فكذلك الرواية ممثلة بروايات الواقعية الإشتراكية تمثل تعبيراً عن مجتمع استطاع أن ينتصر على التناقض. وهذه التناقضات التي لم يرها في حينه لوكاتش هي التي جعلت الحديث عن الواقعية الإشتراكية الملحمية ضرباً من المثالية غير النقدية. لقد كان عصر اكتوبر عصراً بطولياً بالمعنى الهوميري للكلمة ولكنه ما كان يعني بحال من الأحوال نهاية للتناقض في التاريخ، ورغم كل بطولاته وإنجازاته فقد فجر نوعاً جديداُ من التناقضات التي لم يرها في حينه لوكاتش. ولأن لوكاتش يصدر عن فهم أن الفنون ترتبط بطبيعة التقدم الذي عليه المرحلة التاريخية لذلك يبرر فشل المحاولات التي جرت في القرنين السابع عشر والثامن عشر لتأسيس ملحمة حديثة نظرياً وعملياً. ومنها محاولة فولتير وليس من قبيل المصادفة أن يعارض ماركس في معرض كلامه تخصيصاً عن نفور العصر الحديث من الشعر والملحمة هنرياذة فولتير، فعدم مناسبتها للعصر هو سبب ضعفها أو موتها. وبعد حديث لوكاتش عن تاريخ الملحمة ونشأتها تحدث عن سماتها الفنية وهو يقارن بينها وبين الرواية كما قارن بين نشأتها ونشأة الرواية. وهو يعرض في ذلك لما قرره كتاب وباحثون غيره. فمن سمات التركيب الملحمي أن يبدأ من لب الموضوع ولا يروي سيرة حياة البطل من البداية، وهذا ماتتعارض به الملحمة مع الرواية التي تروي سيرة حياة البطل من البداية ولاتتناول الموضوع وهو في القمة دون أساسيات، فنظراً إلى أن الملحمة تتعامل مع بطل ترعرع وكبر بكامل سيكولوجيته بلا مشكلات في وسط المجتمع الذي يحيا بين ظهرانيه لايكون التشخيص الملحمي بحاجة إلى أي نوع من التعليل التكويني أو الوراثي، ومن ثم يسعه أن يجعل نقطة إنطلاقه النقطة التي يرى أنها هي الأنسب لمجرى الأحداث الملحمية، وسرد وقائع الماضي لايخدم في هذه الحال سوى مصالح القضية ولايفيد إلا في توضيح صورة العالم وتشديد التوتر الملحمي الخ، وليس الغرض منه تعليل طباع البطل وعلاقته بالمجتمع، أما في الرواية فكل ذلك معكوس تماماً، فالماضي ضروري مطلق الضرورة لتفسير الحاضر والتطور اللاحق تكوينياً ووراثياً(6). وقد عرض تودوروف لمعنى جديد للملحمة فيه تطوير لعناصر الملحمة من خلال كتابة أديبين يجد في ما كانا يكتبانه علىهامش ممارساتهما الأدبية عنصراً يثير إهتمامه، وهي تبريرات نظرية للدفاع عن هذه الممارسة والإرتقاء بها. وهذان الكاتبان هما : الفرد دوبلن وبريشت اللذان طالبا بإطلاق تسمية (الملحمي) على الرواية والدراما. يستعمل الفرد دوبلن كلمة (الملحمي) بمعنى محدد جداً منذ العام 1928 في إحدى محاضراته، وهو معنى طريف معجمياً مع إنه لايطمس المعنى التقليدي للفظ نهائياً، إذ يبقي منه حتماً بعض الشئ في ذاكرة دوبلن كما في ذاكرة قارئه. وهذا التجاذب القائم بين الإستعمال الشائع للفظ وبين إستعماله الجديد يتطلب تفسيراً، وهي المهمة التي تصدى لها دوبلن في السنة اللاحقة (1929) في دراسته التي بعنوان (بنية الأعمال الملحمية) فقدم تصوراً عن الرواية الملحمية الحديثة التي تستمد من عناصر الملحمة القديمة لأنها تريد أن تعبر عن مرحلة غير المرحلة التي عبرت عنها الرواية الحديثة التي وصفت بأنها ملحمة البورجوازية إذ عبرت عن تطلعات المرحلة التي سادتها الطبقة البورجوازية. وفي سبيل تقديم أفكاره يعمد دوبلن إلى المقارنة بين خصائص الرواية الحديثة والملحمة القديمة التي يريد أن يستمد من عناصرها لبناء الرواية الملحمية الحديثة. يبين دوبلن أن الرواية تتآلف ـ كما وجدت عليه في خلال القرون الثلاثة الأخيرة ـ مع الآيديولوجية الفردوية التي تطورت في تواز مع المجتمع البورجوازي الحديث إلا إن أفكاراً جماعية بدأت بلعب دور متنام في الحياة المعاصرة وشهد المجتمع كثيراً من التحولات الإجتماعية التي يلاحظها قربه كما بعيداً عنه. وقد تتجانس الأفكار الجماعية الجديدة بشكل أفضل مع الأدب الجديد الذي يتحدث عنه دوبلن ويخصه بتسمية (الملحمي). وهذا التصور قريب من تصور لوكاتش لمفهوم الأدب الجديد. ويعترض دوبلن على الجماليات الفردوية التي عبرت عنها الرواية الحديثة في نقطة محددة جداً، فهي تصور الإنسان بخصوصيته الفردية وما يريده دوبلن من الأدب هو أن يمثل أوضاعاً وشخصيات نموذجية كما في الأدب الملحمي تكون عوضاً عن تلك المتفردة لأنه لايؤمن بتفرد الفرد وبالإختلاف غير القابل للإختزال الذي يفصله عن سواه من الأفراد الآخرين. ويستند هذا التصور إلى الإيمان بالإجتماعية المكونة للإنسان. ويقارن دوبلن وهو ينتقد التقليد الحرفي للواقع بين طريقة نقل الواقع الخارجي في العمل الملحمي وفي الرواية الحديثة، فهنالك فرق في طبيعة المادة المقدمة هنا وهناك وفي الطريقة التي تقدم بها. فحين تصور الرواية (البورجوازية) أوضاعاً أو شخصيات خاصة يسعى العمل الملحمي إلى (النموذجية) في المادة كما في الطريقة، فلا يكتفي المؤلف الملحمي بمراقبة ونقل الواقع، إذ عليه أن يخترقه وأن يتخطاه ليجد الأوضاع الأساسية والأولية المميزة للإنسانية أكثر مما هي مميزة لأشخاص الأفراد وللحقائق اليومية التي تهتم الرواية الأوربية الحديثة بتحليلها وبأضفاء القيمة عليها. وان رفض خيارات الرواية الأوربية وهو ميزة المرحلة اللاحقة أعطى الشرعية للعودة إلى إستعمال (الملحمي). والسمة الثانية للملحمة الحديثة هي إن المؤلف الملحمي ليس مسؤولاً وحده عن عمله، فجمهوره مسؤول كذلك بقدر ما يكون المؤلف على إتصال مباشر به وبقدر ما يرتبط ثوابه برضى هذا الجمهور. فاتجاه العمل الأدبي يتحول نحو المستمعين وليس المؤلف إلا الناطق الفردي بما هو صوت جماعي. وقد أقامت الكتابة ثم الطباعة حاجزاً بين منتج الكتاب ومستهلكيه، فلم تعد الشخصيات في الرواية الحديثة وحدها المصابة بعقم الفردية بل المؤلف كذلك. ولخروج الرواية من مأزقها هذا عمدت إلى إستعادة الموقف الملحمي، وإلى استبطان صوت المستمعين المحتملين والسماح له بالتعبير دون أن يختفي مع ذلك الصوت الفردي للمؤلف كما كان لدى الشاعر الملحمي الكلاسيكي الذي لم يكن يطلق غير صوت مجموع الشعب حيث كان يضيع صوته الخاص فيه. إن الملحمة الجديدة هي الأولى التي تطلق صوتين متزامنين : صوت الشاعر وصوت الآخرين المستبطن، إنه حوار داخلي، وهكذا لم يعد الكاتب ـ كما يقول دوبلن ـ وحده فهو يحمل من الآن فصاعداً الشعب في داخله. ليس المؤلف فرداً منعزلاً وإنما فرد ينقل أصواتاً متعددة بشكل متزامن، صوته وصوت الآخرين، أو بدقة أكبر صوت جمهوره، أي نوعاً من إجماع عصره. وهكذا يرى دوبلن إن على النوع الملحمي الجديد أن يكون حواراً واعياً بين المؤلف الفردي وهذا الإجماع الجماعي. وينبغي تلافي الوقوع في فخي الجماعية الصرفة والفردوية الصرفة المتماثلتي الخطورة. فمن التوهم السعي إلى الإمتزاج كلياً مع صوت المجتمع على طريقة الشاعر الجوال في المجتمعات القديمة إلا إنه من الضار أيضاً تخيل الذات في وحدة مطلقة وينبغي الحفاظ على تفاعل الموقفين. وهنالك موضع ثالث تتجلى فيه خصوصية الملحمة الجديدة وهو الموقف الذي يتخذه المؤلف من اللغة، إذ لم تعد لديه الأقوال معتبرة في علاقتها بالوقائع التي تشير إليها حصراً وإنما أيضاً بوصفها حاملة للأصوات. فالعبارات لاتحتفظ في داخلها بالمعاني فقط وإنما بأصداء تعابير سابقة ولن يسمع عبرها الصوت الفردي لشخص معين، وستضحي اللغة بالنسبة إلى المؤلف مجال تفاعل لأصوات متعددة ومميزة لمجتمع ما. وإذا أحسن الإنصات إلى هذه الأصوات فإن هذه الأخيرة ستتولى أمر إنتاج النص بدل المؤلف الذي يعتقد أنه يتكلم وهو متكَلَم، ويعتقد أنه يكتب وهو مكتوب. وفضلاً عن أفكار دوبلن عن (الرواية الملحمية) يعرض تودوروف فكرة بريشت عن (المسرح الملحمي)، فهو يقدم مفهوماً جديداً للفن الملحمي من خلال مسرحه المعروف بالملحمي الذي يتفق فيه كثيراً مع مفهوم (الرواية الملحمية) عند دوبلن، لكن المعنى الذي يعطيه بريشت للفظ (ملحمي) ليس فقط ذلك المعنى الذي يعطيه إياه دوبلن. إن أحد المظاهر المعروفة أفضل من سواها في مذهب بريشت نقده للتماهي. فبريشت يأخذ على المسرح القديم غير الملحمي (الأرسطي) واقع أن المشاهد مدعو للتماهي مع الشخصية المسرحية. كما أن هناك سعياً لإبقاء المشاهد في وهم أن مايشاهده هو جزء من الحياة وليس عرضاً مسرحياً، وهذا ماينتقده بريشت ويستنبط جماليات المسرح الملحمي الجديدة إنطلاقاً من هذا النقد، إذ ينبغي للمشاهد أن يبقى واعياً متحكماً بملكته النقدية ولهذا السبب عليه أن لايستسلم لإغراء التماهي. وواجب الكاتب المسرحي والمخرج المسرحي المنخرطين في تجربة المسرح الملحمي هو مساعدة هذا المشاهد في سعيه. وفيما يتعلق بمؤلف النص فهو يمارس شكلاً من تقديم للعالم يقوم بدلاً من نقل الأشياء كما اعتدنا إدراكها على جعلها بالعكس غريبة، غير مألوفة، وعلى جعلنا نشعر بالإغتراب. ويعتمد بريشت هذا المنهج الذي عبر عنه بكلمة تبعيد أو تغريب. ويذكر وسائل العمل على النص التي تؤدي إلى مفعول التبعيد أو التغريب، وهي متعددة، منها العمل على كسر الأعراف الأدبية والإحتفاظ ببعض عناصر التعابير الجاهزة وتبديل عناصر أخرى فيها، وهذا يؤدي إلى الحؤول دون الإدراك الآلي. ومن وسائله أن يبين الممثل عدم التطابق بينه وبين الشخصية، ويقوم بإسماع صوتين في آن معاً، وهذا مايمنع المشاهد من التماهي مع هذه الشخصية. ولا يحدث مفعول التبعيد إذا ما قام الممثل الذي يجعل لنفسه وجهاً غريباً بمحو وجهه الحقيقي تماماً، فما ينبغي له القيام به هو أن يظهر تراكب الوجهين. إن على الممثل أن يجعل الشخصية التي يعرفها كشخص غريب، وألا يصل إلى حد التقمص الكامل للشخصية التي يعرضها، إن عليه أن يعمل حسب العبارة التي تقول : ((على كل واحد الإبتعاد عن نفسه)). ويمكن للمخرج أيضاً أن يتدخل مستعملاً وسائط أخرى غير النص. ولا يكون هدفه أن يجعلها جميعاً تساهم في سبيل مفعول وحيد هو أن يقودها إلى الإندماج الكامل، ولكن أن يستعمل كلاً منها لتبعيد الآخر، تنافر الحركة مع النص مثلاً، مما يؤدي إلى جعل المشاهد يتنبه إلى هذا وتلك، وهذا ما يحصل بالنسبة إلى إدخال الموسيقى والسينما والأقنعة والديكورات نفسها إلى المسرح. وعن ضرورة المسرح الملحمي، يجيب بريشت بأن كل معرفة تتطلب فصلاً بين الذات والموضوع، تبعيداً، ومن ثم فإن المسرح الملحمي ليس فقط الشكل المناسب تاريخياً، ولكنه أفضل وسيلة لبلوغ الحقيقة. إن الإبتعاد ضروري لكي يتيح لنا الفهم. أليس إعتبار أن شيئاً ما ((يفهم وحده)) هو بكل بساطة تخلياً عن الفهم؟. ومع إنه يُرد على تفسير بريشت هذا لوظيفة المسرح الملحمي بأن المعرفة والحقيقة ليستا غاية الفن القصوى، إلا إنه ليس هناك من شك في أن العلم والعقل والحقيقة هي قيم عليا، وإن بعد الحقيقة غير غريب عن الأدب. إن التفسير التاريخي لبريشت هو الآتي : لقد كانت جماليات التماهي على اتفاق مع الأيديولوجية الفردية الظافرة. إلا أن الفرد في العصر الراهن أخذ يفقد دوره المسيطر. ولم تعد وجهة النظر الفردية تسمح بفهم السيرورات الحاسمة في زمننا ولم يعد بإمكان الأفراد التأثير فيها. وبدل الفرد أصبحت عناصر المحيط والأوضاع والمصالح الجماعية هي التي تلعب الدور الأول، لذا ينبغي للشخصيات الفردية في المسرح الملحمي أن تتحول إلى كائنات نموذجية وهذا ما يذكر بطرح الفرد دوبلن. لقد قطع بريشت علاقته بالفردوية، وهو يضفي ـ كما يفعل دوبلن ـ قيمة أكبر على وجود أكثر من صوت في نفس الذات الواحدة، ولكنه على خلاف دوبلن لايحدد طبيعة هذا الصوت الآخر، فهو لم يعد صوت التوافق الإجتماعي، فالتبعيد يفعل فعله في كل الإتجاهات، وبالنسبة إلى بريشت فأن صوتين هما دائماً أفضل من صوت واحد مهما كانت طبيعتهما ((على كل واحد أن يبتعد عن نفسه)) ويبدو أن اتجاه الحركة غير مهم(7). مما سبق إستعراضه من دراسات يتبين ان الملحمة تنطوي على جملة من الخصائص والسمات البنائية والموضوعية لعل اهمها: 1. تنهض الملحمة على حدث كبير ومهم له مرجعية تاريخية فملحمة كلكامش انطلقت اساساً من مرحلة حكم كلكامش لمدينة الوركاء وبنائه لهذه المدينة بحثاً عن الخلود. أما الأوديسة والالياذة فقد نهضتا على حرب طروادة التاريخية. لقد اعادت هذه الملاحم إنتاج الأحداث التاريخية بشكل فني واضح حتى بات الحدث يعد البطل الرئيس في الملحمة. 2. تنطوي الملحمة على الحس العجائبي والاسطوري حتى قيل ان الملاحم استطالات للأساطير وتنطوي كذلك على المبالغات الساحرة والتصور الساذج ويكون ولاء الشاعر (شاعر الملحمة) الاول للاساطير. ومن ملامح التفكير الأسطوري التي نجدها في بعض الأعمال الأدبية ـ المتأخرة عن زمن الملحمة القديمة ـ والتي تنزع نزوعاً ملحمياً، إضفاء الصفات الإسطورية على البشر والإيمان بالسحر والدروشة، وتفسير بعض ظواهر الطبيعة بأنها غضب الرب أو رضاه، واستثمار بعض الأساطير القديمة لاسيما الإله المخلص أو الفادي أو غيرها، والقدرية حيث يكون القدر هو الزمن أو الطبيعة البيولوجية للإنسان أو سلطة معينة وغيرها. 3. بعد أن تكتمل مادة الملحمة لدى الشاعر من حدث تاريخي واساطير وحكايات شعبية يقوم الشاعر بتنظيم هذه الاحداث ومحاكاتها بشكل موضوعي ولا يتدخل ابداً في مجرى الاحداث والافعال وما تنطوي عليه من صراع كبير ولا الدخول في نفسية الشخصيات. 4. تبدأ الملحمة ـ بعد الابتهال الى ربة الشعر ـ من نقطة في سير الاحداث قد تكون من الوسط او من نقطة تعد نقطة الحضيض بالنسبة الى بطل الملحمة. ففي الالياذة تبدأ عند لحظة اليأس في المعسكر اليوناني وفي الاوديسة يكون أوديسيوس و بنيلوبي أبعد ما يكونان عن بعضهما، وبعد ذلك يتحرك الحدث صعوداً وهبوطاً. ففي الالياذة يتحرك الحدث من اليونان الى حصار طروادة في السنوات العشر، كذلك يتحرك في الاوديسة بين رحلة أوديسيوس في البحر وبين مدينته حيث تدور احداث أخر. 5. تنطوي الملحمة على مجتمعين أساسيين هما مجتمع البشر الذي يتصارع بعض منهم مع بعضهم الاخر ومجتمع الالهة الذي يتكون من شخصيات لا تختلف عن البشر الا ان سائلاً يجري في دماءها يضمن لها الخلود وما عدا ذلك فهي تحب وتبغض وتكيد بعضها بعضاً، بل تصل بها شهواتها لأن تتخذ من تشاء من الرجال والنساء عشاقاً وخليلات، ويعد هذا التصور تطوراً لرؤية الانسان للكون والآلهة فقد جعلها مجتمعاً قريباً منه ويمكنه التعامل معها ليتوازى التسبيب الميثولوجي مع التسبيب الانساني في سير احداث الملحمة. 6. ترتبط احداث الملحمة بوحدة فنية شاملة على الرغم من ان الملحمة تتكون من عدد هائل من الاشخاص ومواقع الاحداث غير انها تنطوي على عالم متناسق وهو تناسق ينبع من الفكرة الفنية الواحدة المتشبعة بشخصية المبدع، اذ ان الصلة بين مكونات الملحمة هي من القوة والانسجام بحيث لو حذف اي جزء منها لتهدم العمل. 7. البطولة الشخصية: يتميز الادب الملحمي عن الاسطورة الكونية والحكاية الشعبية والحكاية الخرافية في نوع البطل الذي يحقق هدفه بالدرجة الاولى استناداً الى خصائص فردية وشخصية تتسم بالقوة والبسالة. وبعد ان كان البطل في الاساطير إلهاً اصبح في الملاحم انساناً ملكاً او قائداً. وهنا تكمن أهمية الأدب الملحمي بوصفه فناً ينشد تطوير صورة الانسان ويبرز ماله من طبع متفرد ويكون على وفاق بين إرادته وإرادة الآلهة. 8. تتسم القصيدة الملحمية بالسعة والشمول والطول السردي وذلك لما تسرده من مغامرات لشخصيات مرموقة فقد تبلغ من الطول آلاف الابيات وتعرض الحياة في مجموعها وكليتها فضلاً عن التحولات الملحمية للاشياء. 9. ينتظم الملحمة نوعان من الصراع الاول صراع شعبي قوي كبير بين ثقافتين. والاخر صراع مع القدر والالهة، ينطلق اساساً من تأزم باطني ناشىء عن تناقض جذري بين ارادة البطل وطموحاته وارادة الالهة غير القابلة للرد. 10. تكشف لغة الملحمة عن تطور الطابع الثقافي للأمم والشعوب، ففي الملاحم الإغريقية مثلاً نجد ان ابطال هذه الملاحم اعطوا للعقل مكاناً اعلى من العاطفة او حتى من القدر ويمكن القول ان ملحمة الاوديسة تعد ملحمة بطولة العقل والذكاء في مقابل بطولة السيف والرمح في الالياذة. 11. تسيطر على الملحمة فكرة الضرورة القدرية حتى انها تسير احداثها. 12. تكثر في الملحمة الاشارة الى العادات المتكررة وضرورة الحفاظ عليها مما يسبب كثرة التكرار الفني فيها. 13. تتميز الملحمة بملمح فني مهم هو الاستطراد والاستطالة في الوصف. 14. يستند البناء الفني للملحمة إلى ما يأتي : أ- الراوي: فالملحمة تروى بوساطة راوٍ تلقى المعلومات من مصادر أخرى ونهض بمهمة تنظيمها وسردها. ب- الحدث: ويبنى الحدث الملحمي على أساس حلقي فهو مكون من عدة حلقات مترابطة. ت- الشخصية: وتتسم الشخصية الملحمية بعدة سمات من أهمها: البطولة النادرة التي تجعل البطل شبه اله، والتحدي وعدم التخاذل، والقدرة على قيادة الجماعة وتمثيلها والتعبير عنها. والتضحية بأجيال حاضرة في سبيل أجيال لم تولد بعد، وهذا ما يُعبر عنه بالنزعة المستقبلية. ث- الزمن: وفي الملاحم يكون زمناً تاريخياً يعتمد السرد التاريخي على وفق وحدات زمنية مستقلة تشكل الأحداث المهمة في الملحمة. إن الملحمة ارتبطت بنوع من الحضارة البشرية ورؤية للكون محددة. ومن ثم فأن شكل الملحمة وبناءها قد يتغيران مع تطور الحضارة الانسانية، لكن المرتكزات الاساسية والتقاليد الملحمية تظل راسخة الجذور على الرغم من هذا التطور الحضاري، فلم تعد الآلهة طرفاً في الصراع في الأعمال المعاصرة لكنها تعوض باستخدام التفكير الإسطوري وتوظيف الأساطير والحكايات والمأثورات الشعبية والميثولوجيا الدينية توظيفاً يعمق مفهومنا للواقع ولا يبعدنا عنه، وكذلك فإن الحتمية القدرية نراها بأشكال أخرى.(8) وتعد الالياذة والاوديسة لهوميروس اقدم ملحمتين في الادب اليوناني والأدب الغربي. في الإلياذة تناول هوميروس أياماً قليلة من السنة العاشرة لحصار (إليون)عاصمة طروادة التي هي أشهر الممالك اليونانية. وكان بينها وبين الممالك الأخرى كأثينا واسبارطة وغيرها صلات تجارية وغيرها. وتتحدث الملحمة عن هرب (فاريس بن فريام) ملك طروادة مع زوجة ملك اسبارطة الجميلة (هيلانة) بعد أن كان زائراً لاسبارطة في غياب ملكها. وقد حاول الإغريق الذين هزهم النبأ استرداد هيلانة ولما عجزوا عزموا على ذلك من خلال الحرب وتقدموا بجيش عظيم فخربوا المدن وقتلوا الرجال وسبوا النساء وغنموا الغنائم ثم حاصروا (إليون) ودام حصارها عشر سنوات حتى ساءت حال الفريقين ونفدت المؤن ومات كثير منهم. وأوشك الإغريق أن يرجعوا إلى بلادهم لو لم يبادر أحد كبرائهم (أوذيس) لوضع خدعة الحصان الخشبي وقد أدخلوا إلى جوفه عدداً من المقاتلين وتظاهروا بالإنسحاب فأخذه الطرواديون غنيمة حرب وأدخلوه إلى داخل الأسوار ظانين أن الإغريق تركوه يئساً من الإنتصار وراحوا يحتفلون بهزيمة عدوهم ويحتسون الخمر حتى ثملوا. وهنا خرج المقاتلون من الحصان وفتحوا لجيشهم أبواب الأسوار ودخلوا طروادة وأبادوا أعدائهم. ثم تمضي الملحمة تصور الحرب السجال بين الإغريق وأهل طروادة والهزيمة والنصر والكر والفر من خلال التصوير الشعري الأخاذ واللغة والفن العاليين مما دفع أرسطو إلى الإشادة بهوميروس. ولقد بلغ عدد أبيات الإلياذة ستة عشر ألف بيت(9). أما الأوذيسة وهي إحدى الملحمتين الخالدتين المنسوبتين إلى هوميروس فهي وصف لرحلات أوذيس (أوعوليس) كما يسميه البعض ملك إيثاكا. تلك الرحلات التي دامت عشر سنوات واكتنفتها الأخطار والمشاق في طريق رجوعه إلى بلاده بعد سقوط طروادة. وأوذيس في الأساطير الإغريقية هو (إبن ليرت وأمه انتكليا) وهو بطل مشهور يصح أن يعد ممثلاً لخصائص الشعب الإغريقي. وقد خلده هوميروس بأنه خير أبطال الإغريق وأشجعهم والحبيب المفضل عند الآلهة أثينا. ولقد تزوج بنيلوب، ولم يمض على زواجه غير قليل حتى دعي إلى حرب طروادة. وكان متفوقاً على الأقران وهو حكيم الإغريق ومشيرهم وصاحب الرأي الفصل عند الملمات حتى إن سقوط طروادة لم يكن بشجاعة أخيل ولابصبر الإغريق على القتال ولكن بتدبير أوذيس حيلة الحصان الخشبي حتى عده مواطنوه أعظم من ساهم في إحراز النصر في محاربتهم لأعدائهم، فقضوا بتسليمه سلاح أخيل بعد وفاته. ولما استولى الإغريق على طروادة أبحر أوذيس قاصداً إيثاكا فعاندته الرياح حتى قذفت به إلى شواطئ أفريقيا. وبعد أن لاقى من الأهوال مالاقى وصل إلى بلده فوجد حشداً من الخطاب قد اغتنموا فرصة غيابه وصغر سن ولده فأخذوا يبذرون أمواله ويحاولون أن يكرهوا زوجته على الزواج بأحدهم. وملحمة الأوذيسة تروي لنا كل ما حل بأوذيس في سفره من عذاب بطريقة مشوقة ومطولة وتتحدث عن الخطط والخدع التي وضعها ونفذها بمساعدة نفر من أصدقائه الأوفياء حتى تمكن من الفتك بخطاب امرأته والقضاء عليهم. والأوذيسة تصف لنا وصفاً رائعاً جذاباً عادات الإغريق في تلك الأيام وتتناول طرق عيشهم وآداب سلوكهم وتعاملهم في أيام سلمهم كما وصفت لنا حالتهم في أيام حربهم وقتالهم(10). وقد انتقل هذا الجنس الأدبي وخصائصه وطابعه المعروف من الادب اليوناني الى الادب اللاتيني. ولقد حاكى الرومانيون اليونانيين في الأجناس الادبية التي بها نما ادبهم وازدهر. وبهذا الطابع في البطولة والاساطير وعجائبها الوثنية الفطرية تأثر شاعر اللاتين (فرجيل) في ملحمته التي عنوانها (الانياذة) ولقد نظمها الشاعر في السنين العشر الاخيرة من حياته، أي بعد ان استقر سلطان الامبراطور الروماني (اغسطس) على اثر موقعة (اكتيوم) وهي ملحمة وطنية غايتها الاشادة بأصل الامبراطورية الرومانية على حسب الاسطورة القائلة بأن (اينياس) بعد سقوط طروادة ـ وهو من اصل طروادي ـ يخرج منها مع بعض اتباعه ليؤسس الامبراطورية الرومانية في روما في القرن الثامن قبل الميلاد. وفرجيل في ملحمته السابقة لا يرتفع الى مستوى (هوميروس) في ملحمتيه الخالدتين السابقتي الذكر, لا من حيث الوحدة ولا من حيث ترتيب الأفعال وتقديم الحدث، ولا من حيث قوة التعبير وحرارة الصياغة، اذ ان (هوميروس) في هذه المجالات سيد شعراء الملاحم الاقدمين غير منازع. وعلى الرغم من ذلك فأن المشاعر التي يصفها (فرجيل) في شخصياته ارقُ واقل قسوة وسذاجة من الصفات التي يصور بها (هوميروس) شخصياته. والديانة في ملحمة (فرجيل) اكثر روحية وسموا. ثم ان عجائب العالم الاخر والرحلة اليه ـ مما امتاز بها (فرجيل) اكثـر من (هوميروس) ـ اقرب الى عجائب العالم المسيحي الاخروي. وقد ترجمت ملحمة الانياذة ترجمات مختلفة في اوربا طيلة العصور الوسطى المسيحية. وكانت هذه الملحمة اساساً لتطور جنس الملاحم فنشأت الملحمة الدينية ذات الطابع الرمزي الانساني ممثلة في (الكوميديا الإلهية) للشاعر الايطالي الخالد (دانتي) (1265ـ1331) وهي فريدة في نوعها وتخالف ملحمتي (هوميروس) مخالفة تكاد تكون تامة في موضوعها وفي رمزيتها، فهي دينية الطابع وموضوعها الرحلة الى العالم الاخر. ويصف (دانتي) فيها ما لا يرى، ولكن (دانتي) يقرب ذلك العالم من عالمنا في الشخصيات التي تسكنه وفي وصف اخلاقها. اذ يرى فيه سابقيه ومعاصريه من الناس وخاصة من مواطنيه الذين يعرفهم، في فضائلهم ورذائلهم. ولذلك نرى للملحمة ـ على الرغم من طابعها الغيبي ـ طابعاً واقعياً يصف فيه (دانتي) عالم العصور الوسطى، حروبه وعقائده، واخطاءه. يسود ذلك كله طابع ذاتي في وصف بغض الشاعر للنقائص والرذائل الاجتماعية وحبه للفضائل وسمو الخلق، ويظهر ذلك فيما يكيل من سباب او يصوغ من تمجيد. وكان (دانتي) يقصد من وراء هذه الملحمة الى غايات رمزية اشار اليها في اهدائه هذه الملحمة الى احد اصدقاءه اكد فيها بعض هذه الحقائق وهي: جحيم هذا العالم الذي نجوبه كأننا مسافرون مع ما لدينا من قدرة بها نستحق الخير او نحرمه. فموضوع هذا العمل الادبي اذن هو الانسان، بما فيه من فضائل أو رذائل، بوصفه خاضعاً للعدل الالهي المثيب او المعاقب. وفي ضوء هذا القول طالما اجهد شراح (الكوميديا الالهية) انفسهم في استخراج رموزها. وعلى الرغم من اقتفاء (دانتي) اثر شاعر اللاتين (فرجيل) في ملحمة (الانياذة) في جنس الملحمة عامة، وخاصة في نمط وصفه الرحلة الى الدار الاخرة واتخاذه (فرجيل) هادياً له في رحلته في ملحمة (الكوميديا الالهية) وعلى الرغم من اصالة (دانتي) في الصور الفنية الرائعة وفي وصف عالم العصور الوسطى الذي عاش فيه وفي رمزيته العميقة المتعددة النواحي، على الرغم من ذلك كله فقد تأثر (دانتي) في (الكوميديا الالهية) بمصادر عربية وهذه ناحية تهمنا في الدراسة المقارنة، وطالما كانت موضوع بحوث مستفيضة في اوربا وامريكا. ان طابع ملحمة (الكوميديا الالهية) قد يمثل طابع الملاحم الدينية وهي النوع الثاني من الملاحم الى جانب الملاحم الشعبية الوطنية كما هي في ملاحم (هوميروس) و (فرجيل) السابقة الذكر. وهذان النوعان من الملاحم: الشعبي والديني تندرج تحتهما اشهر الملاحم العالمية. على ان من الملاحم الدينية ما انحرف عن روح الدين، كما في ملحمة (الفردوس المفقود) للشاعر الانكليزي (ميلتون) (1608ـ1674) وقد نشرت في العام 1667 في اثني عشر نشيداً. وهي تحكي خروج آدم من الجنة على أثر الاغواء ولكن الشخصية الاولى فيها هي شخصية الشيطان في تمرده. ويحكي المؤلف كثيراً من آرائه على لسان الشيطان. ويشعر القارىء ان تمرد الشيطان كانت فيه كبرياء غير ممقوتة في كل جوانبها، وكان هذا الاتجاه في وصف الشيطان جديداً زاد فيه الرومانتيكيون ـ فيما بعد ـ في تمردهم الميتافيزيقي. والى جانب العجائب الطبيعية او الغيبية في الملاحم السابقة ونظائرها ظهرت عناصر واقعية او رمزية على نحو ما اشرنا اليه، فأخذت الملاحم تفقد كثيراً من عناصرها الاصيلة. ثم وجدت ـ بعد ذلك ـ بعض الملاحم النثرية كما في (مغامرات تليماك) للكاتب الفرنسي (فينلون) (1651ـ1715) وقد ظهرت لأول مرة في باريس في العام 1699، وهي محاكاة للأجزاء الاربعة الاولى من ملحمة (اوديسا) هوميروس، ولكنها ذات طابع تعليمي في معانيها ورموزها ثم هي نثرية. وكانت نزعة الملحمة نحو الرمز او الواقع ونحو عناصر أخرى غير ملحمية ايذاناً بنهايتها. ولم يعد من الممكن بعث الملاحم الآن، لأن عهود الانسانية الأولى ـ وهي التي مهدت لوجود هذا الجنس الادبي ـ لم يعد لها وجود. فالمدينة الحاضرة وتقدم العقل البشري والنظم الديمقراطية لن تسمح بقيام الملاحم في عصرنا. لقد شهد عصر ازدهار نظام الدولة ونضجه تقهقر الأدب الملحمي البطولي إلى المواقع الخلفية. ولكن هذا لايعني قطعاً أن الأدب الملحمي اختفى تماماً، كل ما في الأمر إنه لم يعد يستطيع الظهور في ذلك الشكل الكلاسيكي الخاص به الذي جعل منه نوعاً أدبياً سامياً. لقد جرى ومنذ القرن الخامس عشر وحتى السابع عشر وبعد ذلك أيضاً تأليف مجموعة من الأعمال الملحمية التي قد تعرف بأنها (أدب ملحمي مصطنع) وهذه الأعمال لايمكن مقارنتها بنماذج الأدب الملحمي الأساسية لأن ملحميتها لاتتسم بتعدد الوجوه ولا بالسعة الشاملة، إذ تركزت حول جو من الحياة محدد تماماً وله أطر محددة. والعمل الأدبي لكي يكون ملحمياً ـ وكما عرفه هيجل ـ ينبغي له أن يعبر عن كل ما يمثل الأمة وهو بالضبط ما تجلى في ملاحم هوميروس. وهكذا لم يبرز الأدب الملحمي في خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر من خلال شكله التقليدي، فتقهقر إلى الخطوط الخلفية مخلياً المكان أمام الدراما وأمام الأشكال القصصية التي بدأت تتخلق لتوها. إن هذا الأدب الملحمي لم يعد كذلك ملحمياً بطولياً فلقد خرق (البعد الملحمي) فيه جزئياً، فطبيعة الروح البطولية التي تدخل في هذا الأدب بوصفها واحدة من سماته الأساسية لم تعد السمة البارزة له. وهكذا عجزت جميع الأشكال التي أريد لها أن تكون أدباً ملحمياً عن الوقوف جنباً إلى جنب مع الأدب الملحمي الكلاسيكي الذي يبقى ظاهرة قائمة بذاتها لن تتكرر ومحافظة على أهمية المعيار والنموذج الذي لايدرك(11). ومع اختفاء الأدب الملحمي بالمعيار الكلاسيكي من الأدب إلا ان تأثير الملاحم ما زال في العصر الحديث. فمن المسرحيات والقصص ما تستعير موضوعاتها من أساطير ملاحم (هوميروس) وغيره من الأقدمين ولكن مؤلفيها يصوغون هذه الموضوعات في قصة او مسرحية، وكلاهما جنس ادبي حي ثم يتصرفون في الاسطورة حتى تصير رمزية وبحيث لا يكون للرمز من معنى سوى أنه قالب ايحائي عام. هذا وتبين الدراسات أن العرب لم يعرفوا هذه الملاحم في لغتهم الادبية ولكن وجدت في سيرة أبطالهم، وصيغت هذه السيرة بالصيغة العامية في العصور الوسطى، وهذا النوع من الملاحم لم يرق عندنا الى المكانة الادبية، على الرغم مما له من قيمة اجتماعية ودلالة شعبية(12) . ــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش (1) لسان العرب، ج12ص254 .
(2)المعجم المفصل في اللغة والأدب ج2ص1191 . (3) ينظر: كتاب أرسطوطاليس في الشعر / نقل أبي بشر متى ين يونس القنائي من السرياني إلى العربي / حققه الدكتور شكري محمد عياد / الناشر دار الكاتب العربي للطباعة والنشر / القاهرة، 1387هـ-1967م / ص 140،138،136،134،48،46،40 (4) ينظر: فن الشعر، هيغل، ص205-228 . (5) ينظر: المبدأ الحواري، دراسة في فكر ميخائيل باختين / تزفيتان تودوروف، ترجمة فخري صالح / طبع دار الشؤون الثقافية العامة / العراق – بغداد / الطبعة الأولى، 1992. ص114-117. (6) ينظر: الرواية كملحمة بورجوازية / جورج لوكاش / ترجمة جورج طرابيشي / دار الطليعة / بيروت – لبنان / الطبعة الأولى، 1979، ص29-37 (7) ينظر: نقد النقد / تزفيتان تودوروف / ترجمة سامي سويدان / منشورات مركز الإنماء القومي / لبنان – بيروت / الطبعة الأولى، 1986، ص 39-50 (8) ينظر: الملحمية في الرواية العربية المعاصرة، ص 25-28، 238-239 (9) ينظر: الإلياذة، هوميروس، ترجمة أمين سلامة. (10) ينظر: الأوذيسة، هوميروس، ترجمة عنبرة سلام. (11) موسوعة نظرية الأدب ـ إضاءة تأريخية على قضايا الشكل ـ القسم الثاني ـ الرواية ملحمة العصر الحديث / ف.ف.كوزينوف/ ترجمة الدكتور جميل نصيف التكريتي/ دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد، الطبعة الثانية، 1986. ص 5-9، 15 (12) ينظر: الأدب المقارن، الدكتور محمد غنيمي هلال، ص 144 ـ 152، 157 ـ 159.
#بتول_قاسم_ناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الأسس الفلسفية للسميولوجيا جدل المربع والدائرة
-
السرطان : جدل الوجود بالقوة والوجود بالفعل
-
ثورة الرابع عشر من تموز ، إرادة شعب وإنجاز بطل
-
الحياة الخلوية : أي المركبات العضوية فيها أسبق في الوجود
-
المرأة : سر ظهور الخلق
-
الحزب الشيوعي والانتخابات
-
دعوة متكررة الى مشروع ثقافي لإنقاذ العراق
-
من ذكريات 8شباط الأسود - جارتنا أم عباس -
-
تداخل الأجناس الأدبية في (المقاصة) / أبو هريرة وكوجكا - انمو
...
-
مع الفلاسفة الإلهيين في استنباط القانون المطلق
-
دفاع عن هيجل
-
دور المرأة في تحقيق الوفاق والتلاحم الوطني
-
الفلسفة التربوية وأهدافها ومناهجها - رأي في بعض ما يكتب فيها
...
-
التشريعات الثقافية
-
منظمات المجتمع المدني والسيادة الوطنية
-
الفدرالية ومخاوف التقسيم ..
-
نحو فهم صحيح للدين : اعرف الدين تعرف أهله ..
-
الحوار المتمدن ..
-
حول موقف الشيوعي من قضية الدين - الموقف الرائد
-
الشيوعية والدين _ دعوة الى المراجعة النظرية _
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|