محمد إبراهيم حجازي
الحوار المتمدن-العدد: 4608 - 2014 / 10 / 19 - 13:09
المحور:
القضية الفلسطينية
الكارثة في غزة تلقي بثقلها على الجميع
محمد إبراهيم حجازي
أصدر الرئيس محمود عباس قرارا بإعتبار قطاع غزة منطقة كارثة , وفي ذهنه أن هذا القرار سيسلط الضوء على الحالة الإنسانية في القطاع , على المستويين المحلي و الدولي وخاصة على الأمم المتحد .
كان من المفترض أن يعكس هذا القرار نفسه على أداء السلطة و أداء حركتي فتح و حماس المهيمنتين على القرار السياسي الفلسطيني . الحكومة لم يتجاوز عملها سوى إرسال الأدوية الطبية وبعض الموازنات الخاصة بمستشفيات غزة , وبعض الدعم للأسر التي فقدت بيوتها .
حركة حماس لم تكن حاضرة في جهود الإغاثة إلا من خلال السيطرة على آلية توزيع المعونات في القطاع من خلال ما تسميه " أسرة الجامع " , وهي المسؤولة عن توزيع كل المساعدات التي و ردة إلى قطاع غزة من قبل الدول و المؤسسات الدولية , بدور بديل عن عمل الوزارات و المؤسسات الفلسطينية , ما عدا المرسل لوكالة الغوث التابعة للإمم المتحدة , ببساطة السلطة بكل مكوناتها لم تكن حاضرة في قطاع غزة بشكل مرضي و مناسب , لا الوزارات ولا المؤسسات الحكومية الأخرى , ولولا وكالة الغوث و تشغيل اللاجئيين الفلسطينيين لحدثت مصائب في قطاع غزة و هذه حقيقة مدعمة بالأرقام و الإحصائيات , مثلا في مراكز الإيواء يكفي أن نقول أن وكالة الغوث كانت تشتري و توزع أكثر من 2 مليون رغيف خبز يوميا , ومثلهم من وجبات الطعام , ناهيك عن قضايا الإغاثة الأخرى و التعويضات التي دفعت , تلقت الوكالة الدعم الأكبر من دولة الإمارات العربية المتحدة , و هناك دول كانت فقط تعتمد على وكالة الغوث في تقديم المساعدات , متجاهلة السلطة , التي لا تبسط سيطرتها على الأرض في القطاع . الرئيس أبو مازن كان أبرز الذين نشطوا في هذه الحرب , أولا إستطاع أن يجعل من الورقة المصرية و الدور المصري هو الأساس بأمر الواقع بعد أن حاولت حماس إنعاش الدور القطري و التركي و زجه في الوساطة لوقف إطلاق النار بدعم و مساندة الإدارة الأمريكية , ومن هنا جاء مؤتمر باريس , وثانيا من خلال توظيفه لما حدث من جرائم في غزة و الضفة الغربية في توسيع نشاطه على الصعيد الدولي وصولا إلى إلقاء كلمة هامة في الأمم المتحدة التي رسمت بوضوح خطة خارطة طريق للتحرك الدوبلوماسي على صعيد التوجه لمجلس الأمن لإصدار قرار بجلاء الإحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة , وإستكمال الإنضمام إلى المؤسسات الدولية و في مقدمتها محكمة الجنايات الدولية . حركة الجهاد الإسلامي يسجل لها بأنها هي من حافظت و أصرت على أهمية الدور المصري , لإعتبارات باتت معروفه , لإدراكها إلى أهمية الدور المصري بحكم الجغرافيا و التاريخ , قبلت حركة حماس بما طرح عليها سابقا في قرار وقف إطلاق النار وثانيا في عدم الإعتراض على خطة روبرت سري مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط , بشأن إدخال مواد إعادة إعمار قطاع غزة , وفق تفاهم وآلية شديدة السيطرة عليها من قبل إسرائيل , و بمفهومنا التفاهم الذي تم بموافقة فلسطينية ولم يعترض عليه أي فصيل سياسي , ما هو إلا إعادة لتدوير الحصار على قطاع غزة , واتضح فيما بعد بأن موافقة حماس تمت بعد أن تم حل مشكلة إدخال الأموال اللازمة لتامين رواتب موظفي حماس إلى قطاع غزة ال 40 ألف موظف ضمن آلية دولية ترعاها سويسرا . وتم عقد أكثر من لقاء فلسطيني إسرائيلي لضمان تنفيذ خطة سري , أحد هذه اللقاءات تمت بوفد رفيع المستوى برئاسة رئيس الوزراء د رامي الحمدالله ونائبه محمد مصطفى , وبحسب صحيفة هآريتس الإسرائيلية كان عنوان الإجتماع هو تغيير الواقع في قطاع غزة , وهي إشارة سياسية بالغة الدلالة .
في إسرائيل يدور جدلا حول وضع قطاع غزة إما بقاء الوضع على حاله و بالتالي مزيد من الفقر و المآساة , وهذا يعني إنفجار آخر , أو تقديم تسهلات في الإعمار وفي حركة المعابر , وممكن يصل الأمر إلى تمكين آلاف العمال من العمل في إسرائيل ضمن ضوابط أمنية محددة كما إقترح المحلل الإسرائيلي الشهير رون بن يشاي , خطة مارشال مصغرة في غزة، أهم ما ورد في مرحلتها الأولى اقتراح عودة آلاف العمال الغزيين للعمل في إسرائيل و إشراف دولي على تنمية القطاع بما يتوافق مع ما يقوله نتنياهو من أن العملية السياسية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الإقليمية ., ولكن هذه التسهيلات التي وردت في خطة سري تكون ضمن الرؤية الإستراتيجية التي حددتها إسرائيل لقطاع غزة , ووضحها رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي في تصريح واضح حين قال " نريد حماس ضعيفة أفضل من أبو مازن قوي " , في إشارة إلى أن بقاء غزة معزولة عن الضفة الغربية ككيان منفصل غير موحد تحت سيطرة حركة حماس الضعيفة بعد الحرب , أفضل من وحدة النظام السياسي و الإداري الفلسطيني بين الضفة و قطاع غزة , لذلك كانت التسهيلات بإدخال رواتب موظفي حماس , و التسهيلات التي يتم الحديث عنها لإعمار قطاع غزة و تغيير واقعه , و في هذا المجال يقال أن إسرائيل تدخلت لحل مشكلة رواتب موظفي حماس بعد ان طلبت من سويسرا ذلك . إسرائيل تعلم جيدا بأنه لايمكن لحركة حماس أن تتنازل طواعية عن سيطرتها على قطاع غزة , ولا يمكن أن تقدم تنازلات جوهرية للسلطة في رام الله . لقد ذهبت للمصالحة للتخلص من أعباء قطاع غزة , وهذا ماحدث في حرب الخمسين يوما , ولحل مشكلة رواتب أعضائها , على أن يشكل هذا الوضع فيما بعد حل لمشكلتها مع مصر , كل هذا مقابل تنازلات شكلية للسلطة , الرئيس يدرك ذلك جيدا , في ظل عقبات كبيرة أمام إجراء الإنتخابات التي ترفضها حركة حماس أصلا و تضع الكثير من المعيقات في طريقها . وفي المقابل مصر لايمكن لها أن تسمح بحرية حركة أعضاء حركة حماس على معبر رفح , ما دامت حماس تقول أنها تنتمي لحركة الإخوان المسلمين و ترفع شارة رابعة في قطاع غزة وتقول عن ثورة 30 يونيو بأنها إنقلابا , و تنتمي لحلف تركيا وقطر كما ظهر ذلك أثناء الحرب عل غزة , تعلم قيادة حركة حماس جيدا أن الحرب على الإرهاب " داعش " قد يطالها إذا ما إستمرت على وضعها الحالي خاصة و أن قطر حليفتها أجبرت إلى تغيير الكثير من سياساتها و تحالفاتها مع الأخوان المسلمين وسيصل ذلك بالمجمل إلى حركة حماس , تحت ضغط السعودية و دول الخليج العربي , و بدا ذلك عند مغادرة قيادات الأخوان قطر , ولن يقف الأمر عند ذلك الحد . وفي سياق هذا المشهد المعقد المحيط بحركة حماس , يأتي حديث الأخ موسى أبو مرزوق بأن حركته تقوم بمراجعات داخلية مهمة للغاية لصحيفة الدستور الأردنية يوم 22 أيلول الفائت , وسبقه تصريح آخر أثار ضجة في أوساط النخب السياسية تاريخ 8 آب الماضي لفضائية القدس التابعة لحركة حماس حين قال " أن التفاوض مع العدو الإسرائيلي ليس حراما ولا غبار عليه , وأن حماس قد تلجأ لهذا الخيار الذي أصبح مطلبا شعبيا في قطاع غزة " . وبدا هذا التصريح في حينه موجها للرئيس أبو مازن وتهديدا له , في مقابل حل مشكلة رواتب موظفيها . ولكن أعتقد أن في جوهره تفوح منه لغة البديل عن السلطة الفلسطينية و منظمة التحرير الفلسطينية , في المفاوضات مع إسرائيل , بمضامين ومرجعيات سياسية مختلفة , و إذا كان أبو مرزوق يتحدث عن مراجعات داخلية مهمة فهي بالتأكد لن تكون بالإعتراف بطبيعة النظام السياسي الفلسطيني التعددي الذي يستند إلى مبدأ الإنتخابات و الشراكة السياسية مع كل مكوناته الحزبية و الفصائلية , وإلاَ لأصبحت وتحولت حماس إلى حزب مدني إسلامي ديمقراطي , إذا ماهي المراجعات التي يتحدث عنها , أعتقد بأنها لاتتجاوز المرونه الشكلية مع مكونات الحالة الفلسطينية لتخفيف الأعباء عنها , و في السياسة الخارجية إبداء مرونه مع تحالفاتها القديمة , إلى جانب عدم مهاجمة مصر و السعي من خلال السلطة و الرئيس أبو مازن بتخفيف أعباء توتر العلاقة معها .
في اللقاء الذي تم في القاهرة قبل العيد الأضحى المبارك بين حركتي فتح وحماس تجنب الطرفان الحديث عن الأمن الذي له صلة بشكل مباشر بمن يسيطر على الأرض . إتفاق القاهرة 2009 جعل الأمن كما هو عليه حماس تسيطر في غزة و فتح تسيطر في الضفة الغربية , حينذاك كانت حماس بأوج قوتها وكان الرئيس أبو مازن بأوج ضعفه , كانت موازين القوى تميل لصالح حركة حماس بشكل و اضح , ولما لا و الأخوان حين ذاك في السلطة في مصر, سقط الإخوان و بقي الإتفاق الذي رعوه , و بالنتيجة لايمكن للحكومة من بسط سيطرتها على قطاع غزة بدون حل مشكلة الأمن ومن يحتكر القوة في غزة يسيطر , لذلك حماس تغير في سلوكها و لا تغير في الجوهر , كل شيء ممكن أن تفعله للحفاظ على قوتها و سيطرتها المطلقة على القطاع , فالحوار بين الحركتين بإستمرار كان محكوم دوما بلغة التقاسم الإداري و الوظيفي للسلطة وليس على أساس مبدأ الشراكة السياسية .
إذا كان الرئيس أبو مازن قد إعتبر قطاع غزة منطقة كارثة و هي بالفعل كذالك , فلم يعكس هذا القرار نفسه على كل مكونات الحالة الفلسطينية , الحكومة بإعتبارها السلطة التنفيذية لم تتخذ أي قرار خاص بقطاع غزة يخص هذا القرار, " فمنطقه منكوبه يعني إلغاء الضرائب عن القطاع , تخصيص موازنات خاصه , تشكيل فرق عمل لإغاثة السكان ....... إلخ " .
الفاجعة التي حدثت و التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا في الضفة و القدس و القطاع , لم تغير من سلوك الفصائل وخاصة حركتي فتح وحماس , بمعنى لم تحدث مراجعات سياسية تجيب على تساؤلات كبيرة يطرحها المواطن الفلسطيني الغلبان على أمره .
#محمد_إبراهيم_حجازي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟