|
اللحن الساحر
سمير هزيم
الحوار المتمدن-العدد: 4607 - 2014 / 10 / 18 - 18:58
المحور:
الادب والفن
اللحن الساحر
في احدى ليالي الشتاء .. والظلمة الشديدة والريح تعصف على الأغصان تطلق حفيفها المخيف .. ورذاذ خفيف من المطر يطرق على نوافذ المنزل .. النار مشتعلة في حطب المدفأة .. طرق على الباب .. في ذلك المساء .. اخافني .. لم أكن أتوقع قدوم احد .. فتحت الباب كان صريره عاليا .. رجل يضع وشاحا يلف رقبته وجزء من وجهه .. تمعنت به .. عرفته .. تذكرت اني التقيته بحفل زفاف بنت قريتنا ناديا .. وقف عند الباب رافضا الدخول .. وأعطاني صندوقا صغيرا .. وطلب مني ان احتفظ به .. قال ان هذا الصندوق يحوي كافة ناياتي .. عدا ناي واحد ساخذه معي .. كان ذات الناي الذي عزف عليه في ليلة الزفاف .. ارجو ان تحتفظ لي بها .. لأسابيع قليلة .. واذا غبت عنك اكثر من سنة .. أرجو ان تحرقها كلها وتدفن رمادها بجانب شجرة اللوز .. ذهب عماد .. ولم يقل لي شيئاً .. دون ان يقول لي الى اين هو ماض .. تذكرت المرة الوحيدة التي شاهدته بها .. في ذلك اليوم الصعب الذي جال في ضيعتنا .. في حفلة الزفاف .. عندما عزف على نايه وكانت العروس تتحفز للرقص مع عريسها .. كانت تحضر في العرس ناديا الفتاة الجميلة ..التي سمعت يومها انه كان لها علاقة حب عاصفة بينها وبين عماد وكان يحبها جدا .. لكن سوء تفاهم فرق بينما .. كانت ناديا تقف مثل المسمار وهي تستمع الى ناي عماد .. كان اللحن جميلا لطيفا عذبا .. تنساب جمله الموسيقية بين الحاضرين .. تتمايل معه الصبايا كسنابل القمح .. وفي غمرة الفرح والشجون .. سقطت ناديا على الارض فاقدة الوعي .. كان أشقاؤها حاضرون الحفلة ... كانو يكرهون عماد الذي يعتبرونه قد احتال على شقيقتهم سابقا وقد خدعها لسنوات وأفسد عليها مستقبلها .. وآلان يتسبب بسقوط ناديا وقد غابت عن الوعي .. تتعالى الأصوات .. من البعض ان عماد هو السبب .. يحاول الاشقاء الاعتداء عليه .. يفصل اخرون بينهم .. ويطلب الى عماد الخروج .. لكن الأشقاء .. يعتبرون عماد هو السبب .. وانه مسكون بالجن .. وهو يسحر شقيقتهم .. ويطالبون بالقصاص منه.. تبقى ناديا فاقدة الوعي لكن قلبها ينبض .. والرجال يريدون الانتقام .. يغيب عماد عن الأنظار .. يذهب بعيدا في الجبال .. قدماه عفرهما التراب ويداه الباردتين ترك التعب والجوع والعطش عليهما آثاره .. ووجهه لفحته الشمس بسمرة المشقه .. وجسد أتعبه المسير .. وحملٌ ثقيل فوق الأكتاف .. وقلب يتكيء على الأضلاع كي لا يسقط ... ودرب طويل قضاه ... يبحث عن المستحيل يمتد الطريق أمامه .....مد البصر طريق وعر ، وأرض قاسية يرفعه التل للأعلى وينزل به المنحدر الى واد سحيق يتراءى له ...الماء كسراب بعيد فيشحذ الهمة ، ويسيره الأمل ويمشي ويمشي .... حتى يصل للا شيء وصدمة وراء صدمة يقرر الاستسلام لعدة ايام وهو على هذه الحال .... يخاف المضي حتى لا يصدمه الواقع ويخاف البقاء مكانه ....فينسى لكن ضوءاً في الأفق البعيد يتراءى له .. يتمثل في غابة وارفة غناء في داخلها كوخ صغير .. يقترب بحذر ويستطلع المكان يلف حوله .... وجلاً ولا يجرؤ على الدخول ربما لأن الكوخ لا يخصه .. وربما لأن مالكه ..لم يرحب به بعد وأثناء ذلك .. وبعد أن قرر البقاء خارجا.. ... يفكر ان يعتلي تلك التلة الصخرية المقابلة والمطلة على الغابة ... وقد وجه فيها مغارة فلجأ اليها ... تعودت انا ان اذهب دايما للتنزه في تلك الغابة الجميلة .. هناك سلمت على ابو جميل ناطور الغابة .. وجلست معه ... ومن حديث الى حديث قال لي .. عندما يحل المساء ويسود الهدوء والسكينة اسمع صوتا عذبا وجميلا لعزف ناي كل مساء .. سألته ان كان يعرف وجهته .. قال اني اسمعه من دون اعرف من اين ياتيني .. لكني اعتقد انه من نلك التلة المقابلة .. .. تركت ابو جميل .. وذهبت نحو التلة الصخرية .. لم اجد احدا .. ولم اسمع أية حركة .. في اليوم التالي تسلقت مرة اخرى التلة ووصلت المغاره .. وجدت ناياً على الارض ملقى .. ورجل نائم... واذ بالرجل هو عماد , دار حديث بيننا و أخبرته بأن البلد كلها تبحث عنه بسبب إعتقادهم بإنه هو قاتل ناديا .. وان تهما كثيرة قد لفقت عليه .. فأنكر عماد كل التهم .. اخذ الناي وعزف لحنه .. وإذ بالثعالب تخرج من أوكارها وتأتي الى باب المغارة تتراقص على الألحان و تقترب من عماد فعرّفتي على تلك الثعالب .. هذه الثعالب أصدقائي .. .. تركته .. تذكرت نفسي .. كيف لي ان اثق بهذا الرجل .. سمعت عنه ولكن لم تلاقيه الا مرة واحدة .. انه يؤثر في نفسي .. يجذبني للتواصل معه اكثر وأكثر .. ذهبت لعنده مرة اخرى .. ويستمر الحوار الذي يقود عماد الى ذكر حادثة الزفاف .. فيقول بأنه كان يريد ان يلتقي بناديا .. ولكن أخواتها أفسدوا عليه اللقاء .. فهم يضمرون له الشر .. ويقول .. حينما وجدتها في حفلة الزفاف .. انتابني شعور لم احس به من قبل فكان لحني .. قادمٌ .. من عالم خارج حدود المكان والزمان .. .. وعزفت يومها لحن اللقاء الذي حلمت به .. لكن ناديا في ذلك اليوم سقطت من يداي مرة اخرى ... واعتقد ان السبب .. ان. شفتيّٓ-;- .. اشتهتا في تلك اللحظة قبلة من شفتيها: لقد افسدت شهوتي غايتي ,فجاء لحني ساحرا .. لقد كانت غايتي .. أن التقي بها ...وان شهوتي كانت ان أتمتع بها ضمن حدود المكان و الزمان .. تركت عماد .. ووعدته ان ااتيه في اليوم التالي .. لكن في المساء جاءني خبر .. انهم قبضوا على عماد ولقد وشاه ابو جميل .. وعرف انني التقي عماد في مغارة التلة .. في السجن .. كانت شقيقة عماد .. وداد تزوره في السجن وقد سلمها ورقه .. لتوصلها لي. .. مكتوب فيها (أرجوك أن تأتي في الغد و معك الناي القديم الموجود في المغارة ) ..
.. ذهبت الى المغارة ووجدت الناي .. والثعالب بالقرب منها نائمة .. أتيت به الى النظارة .. بعد أن أقنعت الشرطه لان ادخل الناي الى عماد ... استلمها وبدا العزف عليها .. توقف .. وطلب الي أن اخرجه ليزور ناديا و يعزف لها. بعد جهد و محاولة اقناع الشرطة واشقاء ناديا وأبيها ... بان يسقطو حقهم تجاه عماد أخذت الموافقه .. وفعلا خرج عماد مازالت ناديا مستلقية على سريرها .... طلب عماد مني ان أساعده عندما ندخل غرفة ناديا .. وان يكون معنا فقط والد ناديا .. وان اعمل على تنقية الجو في الغرفه وذلك بإن أغلق النوافذ ... وان أزيل من النفوس .. الاحقاد والافكار السوداء و العبرات و الزفرات و الرياء… وما ان وصلنا دخلنا انا وعماد الغرفة لوحدنا .. وبقي والدها في الصالون .. بدأ عماد يعزف على الناي .. وحين انتصف في العزف ... إذ بشفتي ناديا تبتسما و أجفانها ترتعش و صدرها يختلج صعودا ونزولاً وبدأت تستفيق و ترد اللحاف عن جسدها وتستعد للنهوض. .. هرعت لإخبار والدها .. ليأتي ويراها .. جاء والد ناديا مسرعا .. ودخل عليهما لم يصدق عيناه .. وكاد ان يثب لضم ابنته الى صدره .. ولكنني مسكته وضغطت على يده ... حتى لا يعكر صفو الجو ... . فها هو عماد يعزف على الناي ... يترنح بإنغام صافيه .. يعلو و يعلو .. فلا يقف عند حد .. ومن ثم يتلاشى اللحن في سكينة .. كلها الحان و اسرار... و ما أن سكن الناي .. حتى بسطت ناديا ومدت ذراعيها نحو عماد .. وهتفت بصوت مليئ باللهفه ( ع ما د ) ... واجابها بصوت فيه مثل لهفتها.. (ها أنا يا ن ا د يا !) .... بعدها وقع الناي من يده على الارض وانكسر .. وكأنه من الزجاج .. سقط عماد على الارض .. وانطوى مثل ثوب فارع .. وتقلصت ناديا وانطوت على نفسها .. وهبطت على سريرها.... عندئذ تقدم الاب واقترب من سريرها وناداها فلم تجب. .... جسّ معصمها فإذ لانبض ولا حياة. .... ثم تناول يد عماد. فإذ بها كذلك بغير حياة. ثم تمتم. : ( ابنتي ناديا .. .ولدي عماد ) والتفت الي وقال .. هذا قدرهما ان يلتقيا خارج حدود الزمان ..
#سمير_هزيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حب دامي
-
المكافأة الكبرى
-
وداعا
-
كابوس بيروت
-
القضية الصعبة
-
الشرطي
-
ذاك الصباح
-
ذو الرداء الابيض
-
القائد المحتال
-
الوسام
-
سيدة اللانجري
-
الانكسار
-
الهارب
-
النشيد
-
قطار الانفاق
-
كابتن في الجيش ..
-
المحقق الأيديولوجي
-
حقيبتي
-
الغداء الحزين
-
الخطر يحدق بي
المزيد.....
-
-وتر حساس- يثير جدلا في مصر
-
-قصص من غزة-.. إعادة صياغة السردية في ملتقى مكتبة ليوان بالد
...
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
-
“مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|