عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4607 - 2014 / 10 / 18 - 14:55
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أبن آدم أول من زرع وحصد وسكن البيت
بدأت الحضارة الحديثة والتي امتدت إلى يومنا هذا في الشرق الأدنى القديم (المنطقة التي تقع شرق المتوسط مع مصر وصولاً الى حدود الهضبة الايرانية) فهو مهد الحضارات الأولى في رأي الأغلبية من الباحثين والدارسين, لقد تجمعت الكتل الإنسانية هنا وكونت أول صورة للحضارة المعرفية القائمة على الإنتاج المعرفي والفكري والعلمي, في الأودية أو على ضفاف بعض الأنهار في المنطقة لتوفر مقومات ومعطيات وأسباب تكونها وأهمها العقل المنتج وهي من أهم الأسباب والعناصر والظروف التي سحمت بحدوث وبلورة ما يسمى بالثورة الزراعية الأولى التي أسست للحضارة التي نستمتع بها الأن.
وفي فترة مبكرة, فقد اكتشف (برايد وود) وفريقه آثار قرية زراعية كاملة في شمال العراق تعود الى حدود6000سنة قبل الميلاد, وربما يعثر على أدوات أو مظاهر نشاط زراعي قبل ذلك أيضاً, وعرفت المنطقة ذاتها وفق المكتشفات والتقنيات التي احتاجتها الثورة الزراعية ومظاهر التوطن الجماعي وقيام العلاقات الأجتماعية التي جاء بها النص القرآني لتتعارفوا, أو التي نتجت عنها, من غزل ألياف بعض النباتات وجعلها سلالاً وحبالاً, وصنع الفخار وجعله قرباً وأواني, والعثور على المعادن الخام المصنع أو المحسّن بفعل الظروف الطبيعية وخصوصاً في الأحواض المائية كالذهب والفضة ثم النحاس الطري (400- 3500ق.م)عصر النحاس واكتشفت بالتجربة ,ومن خلال الاستخدام المكثف للنار التي كان الانسان المتحضر قد اتقن استخدامها بل وعبادتها, طرائق صهر هذه المعادن فكان البرونز أولاً(من النحاس والقصدير) في حدود 2500 ق.م (عصر البرونز ).
لقد ازدهرت مدن سومرية في بلاد ما بين النهرين في فترة مبكرة مثل كيش(4000ق.م وأور3500ق.م) وبلغت مستويات متقدمة في التنظيم والادارة والتشريع والعلوم فكانت الكتابة منذ(3600 ق.م)ونظام دقيق للري منذ 4000(ق.م) فازدهرت الثروة وعدد السكان وكان لديهم اساطير وديانات متعددة وكانت ذروة تفكيرهم وتنظيماتهم شريعة حمورابي حوالي (1740ق.م) التي احتوت على280قانوناً وكذلك بلغ التقدم ذروته في مصر القديمة لأسباب عملية وبفعل الممارسة والخبرة المتراكمة والمكتسبة نتيجة الجوار والتعارف والتنقل بين الأمم والشعوب.
نشأت في بلاد ما بين النهرين ثم في مصر معارف حسابية العدّ والأرقام وفيزيائية نظام جديد للري وفلكية (وضع تقويم للسنة الفصول والشهور والأسابيع)وهندسية(لإعادة رسم حدود الأراضي بعد فيضان النهر السنوي)الى العمارة وفنونها التي بلغت ذروتها في مصر القديمة الأهرام وتحديداً هرم خوفو (2600ق.م)وهو كتاب مصر القديمة, الذي يختزل التقدم المذهل الذي بلغته في علومها وسياستها واجتماعها ودينها.
هذه نتائج الثورة الزراعية التي وجدت أثارها ما قبل طوفان نوح وما بعده, لا تنكرها الشواهد الأثارية وقد حفظتها من عوامل الزمن قدرتها على أن تكون خالدة لأنها تؤشر على إنسانية المخلوق الذي أنزله الله تعالى ليكون خليفته في الأرض, كما حفرت شواهد المخلوقات التي سبقته في سكنى الأرض ومن المقارنة بين الزمن في كلتا المجموعتين نلاحظ النقاط التالية:.
-;- برغم الزمن الطويل الذي مر على الكائن المخلوق قبل آدم وسكن الأرض إلا أنه وقياسا للمدة الزمنية التي عاشها آدم وبنيه في الأرض, نلاحظ التفوق الواضح للتكيف الذي كان عليه آدم والاستجابة الطبيعية لقانون الأعمار وإصلاح الأرض فهو لا يتعدى بمجمله فترة زمنية قصيرة ليشهد توالد هذا الأبداع والإنتاج الفكري والعملي, بينما فشل الحيوان شبيه الإنسان في أن يسطر عبر ملايين السنين شيء مماثل أو مقابر لما أنتجه الإنسان.
-;- هذا الإنتاج الفكري المعرفي المتراكم صحبه أيضا تكوين المجتمع المشارك والمتعاون والمتبادل بالمنافع والذي أسس دولا ومجتمعات متماسكة ومنضبطة ومحكومة بشرائع منها الديني ومنها الوضعي, ومع ذلك لم ينسى الإنسان أن معايير البقاء ليست فردية ولكنها من المحتم أيضا أن تكون تشاركية وتعارفيه بالمعنى الذي جاءت به الآية الكريمة لتتعارفوا.
-;- كان الإنسان يدرك ومن خلال ميزة العقل الفطرية التي تمتع بها أن سبل الحفاظ على استمرارية المجتمعات لم تكن خارجا عن تفهمه لظروف البيئة وتقديرا لها, لذا فكان اختياره للمناطق التي توفر أسباب العيش من مصادر للمياه والأرض الخصبة عامل مهم وحاسم لهذه الأستمرارية, بينما نجد أن الحيوان الشبيه بالبشر لم يكن يدرك قيمة العامل البيئي فكان جل سكناه هي المغارات والكهوف وبذلك فهو يقلد الحيوان أو يشابه طريقة عيش الحيوانات التي اتخذت من تلك الأمكنة ومثيلاتها المنعزلة والبعيدة ملاذات وليس مناطق للعيش الطبيعي وهنا نشير إلى أن طريقة عيش ذلك الكائن الحيواني تتسم دائما بالمطابقة الحيثية للسلوك الحيواني فهو يعيش بالقرب من الكتلة الحيوانية التي اعتمدها مصدر غذائي فقط.
-;- كان العامل الديني له دور حاسم أيضا في عملية إصلاح واستعمار الأرض فكان ملتزما بالقواعد الأجتماعية والدينية التي أختارها وأسس فكرة المجتمع المتدين المبني على عامل الخوف من نقمة السماء ومحاولة تلمس طرق النجاة منها عبر العبادة والإيمان بالإله أو الأله ,عكس ذلك المخلوق الذي رتب حياته اليومية والكلية للصراع مع الحيوان الأقوى وأتخذ شعار الخوف منه أو التغلب عليه أس فكرة البقاء, فلم نلاحظ بالمجمل من الحفريات فكرة عبادة السماء أو ما فيها إلا متأخرا جدا في الفترة التي تلت نزول آدم وحتى الصور القديمة التي نقشت على جدران الكهوف والمغارات لم تفصح إلا عن حقيقة صراع الخوف ولم يستدل منها على أية رموز دينية أو لها ملامح محدده أو احتمالية.
عليه فإن ما يروج البعض له على أن هذا الكائن الحيواني الذي سبق الإنسان وسكن الأرض هو من صنف وماهية الإنسان العاقل يبقى مجرد فرض غير قابل للأثبات ولم يقم الدليل اليقيني على امتلاكه القدرة على التعقل والإنتاج الفكري المجرد الملموس أو العملي المستند على خلفية عقلية وبالتالي لا يمكن أن يكون سببا حقيقيا للمقارنة بينه وبين آدم لا من حيث التكييف والتكوين ولا من حيث التكليف الإيماني.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟