|
هل الإسلام دين إرهاب؟-3-
علاء الدين الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 4607 - 2014 / 10 / 18 - 00:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
** الجزء الاخير من دراسة "هل الاسلام دين ارهاب". إشكالية التعميم وخطورته الكارثية
اخترت وضع "إشكالية التعميم" كفقرة مستقلة لأهميتها البالغة وخطورتها التي تصل لحد الكارثية، فهذه الإشكالية متداخلة مع الكثير من الأفكار المطروحة سابقا ضمن هذه الدراسة. نقصد بالتعميم هنا "تعميم حكم أخلاقي أو سلوكي أو عاطفي على مجموعات بشرية عرقية أو دينية أو قومية أو إقليمية بناء على تجارب شخصية أو حوادث تاريخية صراعية". أي استخدام المنهج الفيزيائي التجريبي في صياغة قوانين حركة المجتمعات الإنسانية وتقييمها. للتعميم وجهان: إيجابي وسلبي من الناحية الأخلاقية التقييمية. وما يهمنا هنا هو التعميم السلبي. أسباب التعميم الأسباب كثيرة ومتنوعة لكن نجمل أهمها بشكل مبسط ضمن بواعثها الأساسية: 1- الباعث الفردي: ميل الإنسان عموما للحلول السهلة. وهذا الميل بالواقع يشابه القانون الفيزيائي الأساسي للمادة والطاقة وهو "كل الأجسام تسعى للحالة الدنيا من الطاقة، أي الحالة الأكثر استقرارا". فالماء مثلا لا يتوقف عن السقوط من الأعلى إلى الأسفل حتى يجد أخفض سطح يمكنه الاستقرار فوقه. وكذلك الحالة العامة للإنسان، يبحث عن الطريقة الأسهل لتأمين غذائه وشرابه وراحته وتسليته، وكذلك يبحث عن الحل الأسهل الذي يجنبه إجهاد عقله في تعقيدات حلول أخرى. مثلا، غالبية البشر استسهلوا تفسير سقوط الماء من السماء للأرض على أنه إرادة الإله، قلة من الأفراد رفضت الاكتفاء بهذا التفسير الذي يحتاج لتفسير وبحثت عن قوانين الجاذبية والميكانيك العام وصولا للميكانيك الكوانتي. نفس الحالة تصح على "الصراع" اليومي الذي يعيشه الإنسان لتأمين حياته ضمن المجتمع البشري، فمن الأسهل لغالبية من البشر أن ترى سبب مشاكلها الشخصية ناتجة عن "حسد أو كره أو غيرة أو شر" من المحيط الإنساني أو "قدر الله، أو سوء الحظ" من أن تنشأ تحليلا مركبا لأخطائها الذاتية وفهم عميق لدوافع الآخرين وحالة المجتمع الثقافية والعرفية والوضع السياسي والاقتصادي للبلد ضمن العالم. المثال الأوضح المعروف يوم نسمع رأي شخص بجماعة ما (أهالي مدينة، أو بلد، أو عرق، أو دين، أو طائفة، أو طبقة اقتصادية) بناء على بعض الخبرة الشخصية. في كثير من الأحيان نرى أن الحكم تعميمي بسهولة كبيرة، مثل شخص قدم من فرنسا بعد شهر أو سنين "الفرنسيون منحلون أخلاقيا، أي بنت تنام مع أي رجل" أو "الفرنسيون شعب حضاري أخلاقي، لا يسرقون، لا ينصبون، لا يكذبون". الحكم الثاني لا مانع في أخذه مع مبالغته لأن ضرره بالتأكيد أقل من فائدته. لكن الحكم الأول يولد فورا شعورا بالنفور والاحتقار لدى المستمع. 2- الباعث السلطوي: تجنح دائما السلطة الحاكمة للبلد للمبالغة في شر العدو (الموجود حتميا لاستمرار قوة السلطة) فتصبح كل أخطائها نتيجة مؤامرات العدو الخارجي. ومن ناحية ثانية فإن أهم أسس الحكم هو "فرق تسد"، فتفريق الشعب المحكوم عبر تشجيع المقولات التعميمية السلبية بين مكونات هذا الشعب سواء مناطقية أو طبقية أو دينية أو عرقية تضع الحاكم دائما بمكان القاضي والضامن لتوازن هذه المجموعات. وهذا العمل السلطوي أصبح أشد قوة وفتكا بالقرن 21 بفضل ثورة الاتصالات ووسائل الإعلام. وهو أسلوب متبع حتى بأكبر الدول الديمقراطية كما بيّنا سابقا حول تلاعب الحكومة الأمريكية بالطرح الإعلامي لأسباب جريمة تفجير الأبراج. ببلادنا هذا الأسلوب التفريقي هو الأخطر الذي اتبعه كل حكام المنطقة الديكتاتوريين شكلا ومضمونا. 3- الباعث التاريخي: ضمن التاريخ المليء بالدماء لكل شعوب العالم، فكمية الموروث في توصيف حوادث التاريخ بأنها اعتداء "الأشرار" علينا "نحن الطيبون" بالإضافة للباعثين السابقين راكمت موروثا ثقيلا يصعب جدا هدمه حول الآخرين. فمن الصعب إقناع العربي المتشدد أن يغير رؤيته القائمة على أن الألف سنة الماضية كانت سلسلة من اعتداءات الأشرار التتار والمغول والفرنجة والعثمانيين والأوروبيين على العرب الضحية البريئة. كما من الصعب إقناع الإسلامي المتشدد أن الألف سنة ماضية لم تكن مجرد سلسلة اعتداءات للتتار والصليبيين والمسيحيين واليهود على المسلمين الضحية البريئة. وقس على ذلك بالحوار مع سني أو شيعي أو كوردي أو إيراني أو تركي، أو ... إلخ. نعم لقد كان الناس من كل هذه المجموعات ضحايا بريئة، لكن ليسوا ضحايا لشر المجموعات الأخرى بل لشر الصراع على السلطة والمال، ولكارثية الاستسلام للعقل الجماعي المُقاد من قبل السلطة. مخاطر التعميم أسلوب التعميم له مخاطر ومشاكل على المستوى الفردي والجماعي. غالبية الناس ترى هذه المشاكل على المستوى الفردي من خلال المشاكل الشخصية اليومية بين الأفراد على كل المستويات. لعل أشهرها هو التعميم بالحكم على المرأة والرجل. على المستوى الجماعي نراها من خلال تعميم المستوى الفردي للمشكلة، كأن يمنع مجتمع ما المرأة من العمل القيادي. وقد يكون المستوى الجماعي على شكل عملية فصل بين مكونات المجتمع. يتضاعف الأثر السلبي لكلا المستويين عشرات المرات عندما يكون المجتمع بحالة فوضى وصراع سلطوي قاس، مثل حالة بلادنا الآن. حالة عدم الاستقرار بمجتمع ما هي بالواقع نتيجة صراع في الطبقة العليا للسلطة والمال بعد زمن طويل من التوازن القلق. وعندما يشتد هذا الصراع فإن أهم مكونات قوة السلطة أو السلطات هو الدعم الشعبي لهم أو الخوف الشعبي منهم. وهنا يكون سلاح ترسيخ الأحكام التعميمية من أهم الأسلحة في شحذ الشارع أو تحييده. ولتبيين خطورة هذا السلاح أعطي مثالا من خارج هذه المنطقة. إلى الآن توحي كلمات مثل "اشتراكية" و"شيوعية" بمعنى "الخيانة" وبأحسن الأحوال "الجنون" في الولايات المتحدة عند غالبية من الشارع الأمريكي، رغم أن غالبية حلفائهم التاريخيين بأوروبا الغربية هم أساسا دول إشتراكيه. أما في بلادنا فالأحكام التعميمية التي استخدمتها السلطة هي أكثر من أن تحصى. فما بين الدول ما زلنا للآن نعاني من أحكام مثل "دول الخليج رجعية وخائنة مع الإمبريالي" "سوريا والعراق دول فاسقة مع الشيوعي" "إيران دولة صفوية حاقدة" "تركيا دولة عثمانية طامعة ظلامية". وضمن دولنا لا أكثر من التعميمات "السنة سيطردوننا أو يقتلونا" "الشيعة يكرهوننا ويريدون حكمنا" "المسيحيون خائنون مع الغرب أو كفار" ... إلخ. وكل تعميم مما سبق يمكن أن ننشئ دراسات كاملة حول أصوله وأسبابه والمستفيدين منه والشاحذين له. الجواب "الإسلام ليس دين إرهاب"
عمليا هذا الجواب هو خلاصة نقاشنا السابق. ويمكن أن نركز النقاط الأساسية التي تدعم هذا الجواب وفق التسلسل التالي: الإسلام هو مليارات المسلمين الذين عاشوا ويعيشون على هذه الأرض وليس نصوصا مقدسة معزولة عن حاملها، ولا كتب مؤلفة من قبل جيوش الشيوخ والفقهاء، ولا سياسات حكام وزعماء سادوا هذه المليارات. والحكم على الإسلام مقترن بكيف نفهم ونرى الإنسان. الإنسان عموما وبسبب قوانين الطبيعة ثم تطور المنتوج الفكري للبشرية هو كائن مفطور على الخير والتعاون والانفتاح وبساطة العلاقات. وبهذه الخاصيات لا يمكن التفريق بين أي مجموعة بشرية وأخرى. انطلاقا من الحقيقتين السابقتين فالإسلام هو دين متوائم مع الإنسانية مثل كل أديان أهل الأرض وبالتالي ليس إرهابا لأن الإنسان لا يمكن أن يقبل الإرهاب. الخاتمة بعد كل هذا النقاش، أتوقع أن عديدا من القراء سيعيدون النقاش للمربع الأول وفق اتجاهين: الأول سيصرخ، ماذا عن سورة التوبة وآيات الحض على القتل، وحروب المسلمين من أيام الدعوة، وفتاوى تحليل دماء المخالفين والكفار، وتغطية المرأة، وضرب الناس على الصلاة، و ... إلخ. وهنا أكرر أن هذه الدراسة لا تريد الدخول في نقاش لا نهائي حول النصوص وتفاسيرها وظروفها وحول من كتب التاريخ وكيف ولماذا. بهذه الدراسة أناقش حقائق إنسانية واضحة وثابتة لأننا كبشر نحن هنا الآن وعددنا فاق السبع مليارات من البشر الأحياء. الإصرار على قراءة البشر من خلال انتقائيات النص والتاريخ هو أسلوب السلطة في النقاش الذي هو بالواقع جدل ممتد منذ آلاف السنين بدون أي نتيجة مفيدة للبشر بعمومهم بل بقي أداة تحكم أساسية في جموعهم من خلال ما يسمى نخبتهم. الثاني سيصرخ، الإسلام هو أكثر الأديان رحمة وعدلا ويأتينا أيضا بنصوص ونصوص من عند الآخرين، والمسلمين هم "أرحم الفاتحين" ويأتينا بقصص العهدة العمرية ووصايا أبي بكر، وقصة "فتح" سمرقند... إلخ. وهنا أضيف، الله العادل كما تؤمن به لا يمكن أن يخلقك أكثر عدلا ورحمة وأخلاقا لأنك بالصدفة ولدت مسلما ببيئة مسلمة. ولا وجود إحصائيا لمبدأ "ها قد بلغت سن الرشد فاختر الدين الصحيح"، غالبية مطلقة من البشر تقبل ما ورثته عن مجتمعها من أخلاق ودين ولون وعادات والمتمردون هم قلائل ونوادر عند كل البشر. ولولا توسع الإمبراطورية الإسلامية لما انتشر الإسلام ولما وصل تجارهم إلى إندونيسيا. وكذلك لولا توسع الإمبراطورية الرومانية لما وصلت المسيحية إلى أوروبا، ولولا توسع الاستعمار الأوروبي لما وصلت الكنيسة إلى إفريقيا وأمريكا. أما أحداث التاريخ حسابا بالدموية والحروب فالفروق بين تاريخ البشر لا يفضل بعضه بعضا. إنما تكمن المشكلة أيضا في قراءتك الانتقائية. وإذا كنت مصرا أن تقنع الآخر أن الإسلام دين رحمة بناء على أن أي دين آخر هو دون الإسلام، فلن تنجح أبدا وتعود أيضا لمربع المحتج السابق في جدالات السلطة اللانهائية. بغض النظر عن إيماننا بالله من عدمه، وموقفنا من أن الله أزلي سرمدي موجود بذاته مستقلا عن الكون. فإن الله والدين والفلسفة والإيدلوجية والأخلاق والكون بالنسبة لنا كبشر محصور بعقل وعاطفة الإنسان وأي تقييم لأي دين أو فلسفة أو أيدلوجية من حيث تأثيرها على الناس وحركة التاريخ لا يأخذ هذه الحقيقة الأساسية كمنطلق هو تقييم خاطئ حتما. الحاجة ماسة جدا الآن للتفريق بين النقاشات الفلسفية والأكاديمية والمقارناتية وبين النقاشات حول البشر وتفاعلهم مع البنية الفكرية للمجتمع والمكان والزمان.
14/10/2014
#علاء_الدين_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الإسلام دين إرهاب؟-2-
-
هل الإسلام دين إرهاب؟-1-
-
الحصاد المرّ لأربع سنين في سوريا
-
داعش أسطورة أم واقع؟
-
الانتخابات الرئاسية السورية قرار إقليمي ودولي
-
لماذا تخشى إسرائيل النظام السوري والإسلاموية الجهادوية؟
-
التخصص العلمي والمهني والكهنوت الديني
-
هل سوريا بين خيارين فقط (2) ماذا لو كان الحسم للفصائل الإسلا
...
-
هل سوريا بين خيارين فقط (1) ماذا لو كان الحسم للنظام السوري؟
-
يوم مات حافظ الأسد(2) الإنذار الأول بالزلزال الطائفي
-
يوم مات حافظ الأسد(1) الإنذار الأول بالزلزال الطائفي
-
لماذا ليست طائفية في سورية؟ -2-
-
لماذا ليست طائفية في سورية؟ -1-
-
الخليج العربي، أزمات حكام أم قوانين سوق
-
مشكلة القطار والرجل السمين. بين الأخلاق وسعة الاختيار
-
تلفزيون الواقع السوري
-
أخطاء أم خطايا، الائتلاف والمجلس السوريان
-
النظام السوري وسلاح الوقت
-
جنيف2 دكان الأوهام، تجارة الطوائف بين الوفدين
-
سوريا ساحة صراع الكل مع الكل
المزيد.....
-
مقتل نحو 30 شخصا بحادث -مروع- بين حافلة ركاب وشاحنة في البرا
...
-
السفارة الروسية في البرتغال: السفارة البرتغالية في كييف تضرر
...
-
النرويج تشدد الإجراءات الأمنية بعد هجوم ماغديبورغ
-
مصر.. السيسي يكشف حجم الأموال التي تحتاج الدولة في السنة إلى
...
-
رئيس الوزراء الإسباني يجدد دعوته للاعتراف بدولة فلسطين
-
-كتائب القسام- تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري
-
السلطات في شرق ليبيا تدعو لإخلاء المنازل القريبة من مجاري ال
...
-
علامة غير عادية لأمراض القلب والأوعية الدموية
-
دراسة جديدة تظهر قدرة الحليب الخام على نقل فيروسات الإنفلونز
...
-
هجوم أوكراني بالمسيرات يستهدف مقاطعة أوريول الروسية
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|