أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - فاطمة المرسي شاعرة..-عاشِقُها- الوطن..















المزيد.....


فاطمة المرسي شاعرة..-عاشِقُها- الوطن..


السيد إبراهيم أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4606 - 2014 / 10 / 17 - 23:31
المحور: الادب والفن
    



"المصرية" حالة لا يكتسبها المصري بالولادة من حيث التجنُّس بها، بل هيَّ حالة يكتسبها من أحب مصر من أبنائها ومن غير أبنائها، وما أكثرهم، كلهم يرتوون من نهرها الكبير
وروافده الكثيرة بمذاقاتٍ مختلفة تتلمسها فيما يبدعونه عن معشوقتهم "مصر".

من أولئك العشاق الذين تجد لمصريتهم خصوصية ومذاق مختلف، الشاعرة المصرية الجنسية والهوية والهوى "فاطمة المرسي" التي ارتويت من نهرها الزاخر عبر دواوينها الثلاثة:
"مولد السيدة مصر" و"على ذمة التحرير" وآخرهم "رباعيات بالبلدي"، وحيثما ارتحلتُ من ديوان لأحل بالثاني لاتكاد تزايلني مصريتها..بل هيَّ كظلي تصاحبني رحلة مكابدة تلك العاشقة
الوالهة المدلهة بحب ذلك العاشق/الوطن.

سخرت الشاعرة كل طاقتها الشعرية حول الوطن، فطافت تلتقط من معانيه ومبانيه أحلى معانيها التي ضمَّنتها أبياتها التي مازالت تنثرها كأشعة الشمس حين تطارد أذناب الليل فوق رءوسنا
وقلوبنا التي تسكن في زواياها بعض عتمة لومٍ على ذاك الوطن.

نعم.."عاشقها" الوطن؛ إذ امتطى اسمه صهوة عناوين دواوينها، فبالإضافة إلى الدواوين التي اطلعت عليها كان هناك ديوانها الأول "انتباه يا مصر"، كما لم تنس أن تقدِّم ديوانيها بإهداءات
أو كلمة عن الوطن، وأختار منها:

لأنك مصر .. في عيوني ضلامك فجر
لأنك مصر .. أوهب لك حياتي مهر
وأهدي لك دواويني
وأكتب كل أشعارك على قلبي
لأنك مصر.

والوطن هو عاشقها الأول والأخير؛ فلا تجد بين ثنايا ما كتبت شعرًا تهفو فيه إلى حبيبٍ طوت الأيام ذكرياته التي خلت، أو ناءٍ عنها فتشتاقه، بل حين تستعيد ذكريات طفولتها البريئة يأتي
"الوطن" الحبيب الأول لها الذي تتذكره في أسوأ حالاته "يوم ما نكسنا العلم":

إندفن قلبي الصغيَّر
واتولد عمري الكبير
وانكسارنا
يومها كان ماشي طابور
لمَّا نكسنا العلم.

لا ينافسها في حب الوطن إلا حبها لأمها الراحلة ــ طيَّبَ اللهُ ثراها ــ التي تراها أيضًا قطعةٌ من الوطن.. بل هيَّ أيضًا وطنٌ من الوطن؛ ففي مناجاتها "غناوي الورد" يختلط الأمر على القاريء،
فيظن للوهلة الأولى أن من تناجيه الشاعرة وتقصده "مصر":

نهار أبيض ورا التاني
وعنواني براح قلبِك
ونيل يرويني من حضنك.

وبحسها الأدبي تكتشف أنها موّهتْ على قارئها حين سيِّرتهُ في دروبها المعتادة، فنبهت بأسلوبٍ رفيق (مهداة إلى أمي الحبيبة).. وهيَّ بهذا تؤكد أن أمها ممزوجة/مجدولة بذاك الوطن.. حتى صار
الوطن وأمها فيها كيان واحد هو "الوطن" عاشق بنت المرسي الأول.

عندما تستعرض الشاعرة مشوار جيلها لا مشوارها فقط في "صور..فتافيت" لا تكاد تعلن عن حبيب معين أو مكان معلوم، أو ندَّت منها ندة شوق هائمة أو محرومة أو مشتاقة، فكل فتافيت أيامها،
ولقطات صورها من ذكرياتها تمر عير أنبوب طويل في تجاويف عقلها وقلبها محفوظ في مغلف مدموغ بختم الوطن.

نعم .. "الوطن" هو عاشق الشاعرة فاطمة المرسي، أو ليس من العشق أن لا تفارق صورة الحبيب وسيرته ذاكرة وقلب وعقل ووجدان من يحب التفكير فيه، والكلام عنه.. ولا أدّعي أنني أعرف طبيعة عمل
الشاعرة الذي يقتضي منها السفر خارج البلاد، ولكنها حين سافرت إلى الأردن الشقيق ولندن وأمريكا كان في حقيبتها وذاكرتها وتحت جلدها "الوطن" فكتبت عنه قصائدها: (الربيع العربي ـ القط لابس توب جمل ـ
أول طريق الحب خوف ـ فوضى ـ نهاية سراب ـ ما تكشريش ــ دوامة ـ يا قاهرة).

ومع كثرة سفرياتها التي يحسدها عليها القوم ـ وأنا منهم ـ والتي مع مسئولياتها يشكلان عاملاً هامًا لنسيان الأهل لا الوطن، تبادر الشاعرة لتُبكَّتَ روحها وتلوم نفسها حين تصورت أن هناك من سيلومها على
تفريطها في وطنها، وهذه القصيدة التي تدافع فيها عن نفسها، وتدفع تلك التهمة عنها التي ربما صنعتها هواجسها، كانت من إبداعاتها في أمريكا!..ومن ذا الذي سيتذكر مصر وهو في أمريكا...؟!

خايفة أقول الصراحة
الناس تقولي عيب
وبسرعة قلبك مال
ومِلتي للراحة
ونسيتي هم الوطن
وإن انتي فلاحة.

أسقط الراحل الكبير عمنا بيرم التونسي عبر رائعته " هتجن ياريت يا أخوانا.. مرحتش لندن ولا باريس) من حبه على مصر جام غضبه بمقارنة أحوالنا وأحوالها السيئة وعاداتنا الذميمة بما رآى من عكسها تمامًا
هناك في الخارج، ودافِعه في هذا حبه لوطنه، تقف الشاعرة فاطمة المرسي على العكس تمامًا؛ إذ لم تمتلك تلك الروح الناقدة المقارِنة بين ما تعرفه عن وطنها وبين ما رأته هناك، وكيف تقارن وهيَّ لم تنبهر أبدًا بكل
تلك العواصم المتقدمة التي زارتها حتى تجعلها معيارًا لتقارن به أو عليه وطنها؟!.. إنَّها لم تنبهر إلا ببلدٍ وحيدٍ هو عاصمة قلبها الكبرى "مصر":

بَلا روما بَلا موسكو بَلاها جنيف
بَلا تمثال لحرية وشعلة زيف
أقارن مين وأوصف إيه
وإنتي الأولى والتانية
وإنتي ف قلبي محتلة
لكل مراكز التصنيف.

تقف قصيدتها "لأنك مصر" من أمتع القصائد التي يحس قارئها رائحة مصر: أكلاتها وشوارعها، وأنفاس ناسها، فقد رسمتها الشاعرة بفنية وحرفية، وعشق للهوية، وتجسيد للإنتماء،
بكل البساطة وبلا ادعاء:

أعيش مشتاقة طول عمري لأحضانك
وأرسم لوحة لجمالك وأوصافك
وأكتب كل أشعارك على قلبي
لأنك مصر.

يبلغ العشق مداه حين يجاوز الواقع بمألوفه، وينقلنا إلى آفاق لم تَدُر أصلاً بخلدنا، وهذا ربما ما حدث حين نصَّبت الشاعرة فاطمة المرسي من مصر (سَيِّدة) كسيدات آل البيت الأطهار اللواتي يوقرهنَّ كل
المصريين على اختلاف مشاربهم، فصارت مصر سيدة لها المقام الأعلى، لكن الشاعرة تعلم أن المقامات لا يسكنها إلا الأموات، فتستدرك: " علوا مقامك في الميدان من غير ضريح".
نبدأ الشاعرة ديوانها " رباعيات بالبلدي" بتعريف طريف لفن الرباعية، فتقول:

مربع أو رباعية وتربيعة
ثلاث شطرات وشطورة على البيعة.

تلتقط الشاعرة بمصريتها تيمة سائدة لا يمل اللسان المصري ترديدها:(اللي بنى مصر)، فتنسج على تلك الجملة الخبرية التي ينقصها الفاعل عدة مربعات تبدأها بـ : (اللي بني مصر) ثم (اللي سرق مصر)
وبعدها ( اللي هدم مصر) و (اللي حرق مصر) وتنهيها بــ (اللي هجر مصر)، وتقدم من عندها تعريفات جيدة لكل من يندرج تحت كل وصف من هذه الأوصاف تنم عن مدى ارتباطها الوثيق بذلك الوطن.
ولعل المتتبع لأشعار الشاعرة فاطمة المرسي سيلمس بالإضافة إلى وطنيتها، ومصريتها، الكثير من طيبتها، وأصالة معدنها، وحنينها المغموس بالشجن، وخفة دم الريفية وبنت البلد، والولع بالتفصيلات
شأن النساء، والسخرية المصرية المتجذرة في الريف والحارة والشارع.

وحين ينتهي القاريء من تلك السياحة الماتعة بين قصائد دواوينها يكون قد مشى في دروب مصر وأزقتها، وميادينها، وتاريخها القديم والمعاصر، وعنفوان ثورتيها الأخيرتيْن، وحرقة المصري حين
يغترب عنها، وشوقه في الرجوع إليها بالرغم من الرفاهية التي يعيش فيها خارجها، وسيسمع الألفاظ المصرية المستخرجة من بطون قواميسها القديمة والحديثة.
وحيث أن دواوين الشاعرة فاطمة المرسي مرصودة وموقوفة على حب هذا الوطن الساكن فيها، فكل المشاعر التي تحملها أبياتها تدور بين الحنين إليه، وحبها الجامح له، وبين خوفها وقلقها عليه، أي أنها
لن تنقلنا إلى مناطق أخرى خارج هذا النطاق بحيث تصبح مصر هيَّ حبها المجنون:

خلينا نقولها بصوت عالي
لعيونك ببلاش الغالي
بنحبك طبعًا بنحبك
حب المجنون.

إنها مصر الوطن التي تعاتبها الشاعرة عتاب ملؤه المحبة، وإن بدت فيه متألمة، لكن السبب الظاهر عتاب، وباطنه حب جارف:

ياواثقة من حبي أوووي
وانا بيكي موجوعة
خبر ايه يا بنت الإيه
يا مجنونة
يا حضن بارد ساعات
ودافي كتير.. وحنونة
ليه بتسبيني أغيب
وانا بيكي مسكونة.

عاشت الشاعرة القديرة فاطمة المرسي حتى توحدت بهذا الوطن، فتجاوزت كل أناتها وهمومها الذاتية، وأحلامها المشروعة، وأمنياتها المأمولة، لتمدها بوشائج من القرب الدائم رغم تلك الهوة الجغرافية من البعد عنه،
لتكون أوجاعها هي ما يوجع الوطن، حتى أنها تختزل كل سعادتها حين يسعد الوطن.

تحب الشاعرة هذا الوطن حب الفريسة السعيدة المنتشية بوقوعها في براثن شباكه دون مطاردة منه بل بتسليمها المطلق الإرادي له، والممعن في القدرية والحتمية والرضا:

وأنا وطني صيَّادي
رسمالي وحصادي
وعرفت أنا دربي
مشياه على عِنيَّه.



#السيد_إبراهيم_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السهل الجميل في شعر -الدليل-...
- بين السياسة والشعر حوار مع الشاعر محمد عبد القوي حسن
- قراءة -دويدار- في شعره..
- حوار في حضرة النقد مع الدكتورة ديانا رحيّل
- -ليلة مع عالم الواو-
- فخر الفتاة العربية البطلة الإعلامية ندى السيد
- كوميديا الأحزان الثائرة
- الإعلام المصري بين الحياد والاستبداد
- لقاء في حديقة الثقافة..
- مقالة نقدية حول رواية هيروبوليس


المزيد.....




- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - فاطمة المرسي شاعرة..-عاشِقُها- الوطن..