أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - صبحي حديدي - -محروسة- جمال حمدان














المزيد.....

-محروسة- جمال حمدان


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1295 - 2005 / 8 / 23 - 13:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


صبحي حديدي
في «العهد القديم» يصف سفر «الخروج» عشرة أوبئة حاقت بمصر جرّاء اضطهاد الفرعون لبني إسرائيل:
ـ تحويل مياه المصريين وأنهارهم وسواقيهم وآجامهم وكل مجتمعات مياههم لتصير دماً، ويموت السمك الذي في النهر وينتن النهر؛
ـ ضرب جميع تخوم مصر بالضفادع فيفيض النهر ضفادع تصعد وتدخل إلى بيت الفرعون ومخدعه وسريره وبيوت عبيده وتنانيره ومعاجنه؛
ـ ضرب تراب الأرض ليصير بعوضاً في جميع أرض مصر؛
ـ إطلاق الذُبّان على شعب وبيوت وأرض مصر؛
ـ إلحاق الطاعون بمواشي مصر «التي في الحقل على الخيل والحمير والجمال والبقر والغنم»؛
ـ ذرّ رماد الأتون في السماء «فيصير على الناس والبهائم دمامل طالعة ببثور في كل أرض مصر»؛
ـ إمطار «بَرَد عظيم جداً لم يكن مثله في مصر منذ يوم تأسيسها إلى الآن»؛
ـ جلب جراد «يغطي وجه الأرض حتى لا يُستطاع نظر الأرض»، ويأكل جميع الشجر النابت ويملأ بيوت جميع المصريين؛
ـ إسدال ظلام دامس على أرض مصر فلا يبصر أحد أخاه؛
ـ وأخيراً، «يموت كل بكر في أرض مصر من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الجارية التي خلف الرحى وكل بكر بهيمة»...
والعلم البسيط اللاحق يفسّر الأسباب الطبيعية والفيزيائية وراء هذه الأوبئة ـ الأعاجيب، ليس بمصطلح وقوعها أو موقعها في المخيّلة التوراتية أوالميثولوجية للمنطقة، بل بمصطلح عبقرية المكان الإستثنائي الذي كان مسرحاً لها، وعبقرية نهر النيل، الشريان المائي الفذّ الذي يضخّ الأرض بالطمي والغموض والرهبة والأعجوبة، وعبقرية المصري الذي كان دائماً هو الضحية الكبرى في الأوبئة التوراتية: الصيادون والعبيد والرعاة، خلف التنانير والمعاجن وشباك الصيد وأحجار الرحى، في الشوارع والدساكر والسهوب، على سقالات الأهرامات وأدراج المعابد، في بيوت الطين والطوب، وحتى الأبكار في القماط.
وما من باحث جيو ـ سياسي وجيو ـ استراتيجي نذر نفسه لكشف الغطاء عن الوجه الآخر العبقري لهذا المكان ولهذا الكائن، مثل المفكر المصري الراحل الدكتور جمال حمدان (1928 ـ 1993). وإذا كان «الخروج» هو سفر الرهبة والدماء والضفادع والجراد وقتل الأبكار، فإن عمل حمدان الفريد «شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان» هو السفر النظير لمصر النظيرة، و4000 صفحة من استقصاء علاقات الجغرافيا والتاريخ والانتخاب الطبيعي والجيو ـ سياسي، وثقل المحيط والموضع والموقع، وفلسفة المكان والكائن، في الزمان الفعلي الصلب والجارح والواضح. ولا تمرّ مصر، العزيزة المحروسة الأثيرة، بمحنة أو توشك على عبور منعطف حاسم، إلا ويلحّ عليّ الراحل الكبير، وكتابه هذا تحديداً وأوّلاً.
ولأن التاريخ هو «معمل الجغرافيّ ومخزن الإستراتيجيّ» على حدّ تعبيره، وهومحرّك الجغرافيا والدارة السياسية والإجتماعية والإقتصادية العريضة التي تتمحور حولها وتنطلق منها جغرافية الأرض والمجتمعات، فقد كرّس حمدان القسط الثاني من جهده الفكري لدراسة الظاهرة الأبرز في ما يسمّيه "الجغرافيا الملحمية العظمى" لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أي ظاهرة الإستعمار. وكان بذلك يستكمل الجهد الرفيع الآخر الذي بدأه فرانز فانون في دراسة سيكولوجية القهر والتحرير، ويتابع في الآن ذاته رسالة الإستنهاض البانورامية الشاملة التي قام عليها مشروعه في «شخصية مصر».
والأرجح أنّ قارىء حمدان في أيامنا هذه سوف يُدهش كثيراً إزاء الوضوح القاطع الذي حملته تقديراته وتحليلاته (التي كانت مبكّرة، لا ريب) لدور وطبيعة ما عُرف آنذاك بـ«الصحوة الإسلامية». إنه، على سبيل المثال، يقول: «الصحوة الإسلامية التي تتحدث عنها الجماعات المتطرفة ماهي إلا صحوة الموت أو رقصة الذبيح، بعد طول احتضار استمرّ قرناً أو قرنين. وهي صحوة نفطية مبعثها البترول المجنون ليس إلا». ويقول أيضاً: «الحركات الإسلامية المتطرفة هي وباء دوري يصيب العالم الإسلامي في فترات الضعف السياسي أمام العدو الخارجي. وهي نوع من التشنج الطبيعي بسبب عجز الجسم عن المقاومة، ثمّ الآن تحوّلت إلى وباء شامل يتحوّل بدوره إلى وباء مزمن». وحمدان يتهم الغرب الإستعماري بأنه «أكثر من أراد أن يوظف الإسلام سياسياً»، بهدف الهيمنة على العالم الإسلامي و«استغلاله وتسخيره لأغراضه الإمبريالية العليا واستراتيجيته الكوكبية العدوانية».
كانت النار هي عمادة حمدان الأخيرة، في ذلك اليوم من 17 نيسان (إبريل) سنة 1993. ولابدّ أن صخب الحياة اليومية في الخارج كان يعيده إلى يحيى حقى (روح مصر الشعبية، وحامل «قنديل أم هاشم» الذي شاء حمدان أن يهديه كتابه حول ستراتيجية الإستعمار)؛ وإلى حسن فتحي، الذي أكمل معه بعض فروض العزاء تجاه عمارة فريدة إعجازية صنعتها مصر لتاريخها ولفقرائها ولوحداتها الحضارية المعيارية. ولا ريب أنّ النيل، ذلك الشريان المائي الفذّ الذي يصنع الجغرافيا الملحمية ويضخّ الأرض بالطمي والغموض والرهبة والأعجوبة، كان يجري بِدَعَة عبقرية حين احترق جسد جمال حمدان.
ومصر، عزيزتنا و"محروسة" جمال حمدان، كانت تواصل الحياة كما فعلت أبد الدهر وتفعل اليوم أيضاً: على هواها الملحمي، رغم الأوبئة والضفادع والبعوض والجراد و... المرشّحين لرئاسة الجمهورية!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق المعاصر حسب كيسنجر: غنيمة الذئاب أم الأفلاطونيين؟
- صمويل بيكيت بلا حدود
- نتنياهو أمام الباب الدوّار: مَن الخارج؟ مَن الداخل؟
- عطش التاريخ
- مبايعة عبد الله: ميزان الذهب بين القبيلة والفتوى والدولة
- سوسيولوجيا الطرب
- من أنفاق باريس إلى حافلات لندن: هل للإرهاب أمثولة حقوقية؟
- أقاصيص الأمير
- الذكرى العاشرة لرحيل خالد بكداش: المفارقة المستديمة
- بيروت سمير قصير
- تفجيرات لندن: يد الإرهاب عمياء ولكنها ليست خارج التاريخ
- فرانز فانون والظواهري
- قمة الثماني: زئير توني بلير أم نعيق غربان العولمة؟
- حجيج الأدب
- ديمقراطية كوندوليزا رايس: ثورة الأرز أم منتدى الأتاسي؟
- تنويه: لا عداء بين بشار الأسد وأمريكا
- عمادة آسيا جبّار
- بعد المؤتمر القطري وقبل ذكرى مجزرة تدمر: هل تمخّض الجبل؟
- في مديح التباطؤ
- من الأب إلى الإبن: جورج بوش وسياق العراق


المزيد.....




- الخارجية الروسية: ألمانيا تحاول كتابة التاريخ لصالح الرايخ ا ...
- مفاجآت روسيا للناتو.. ماذا بعد أوريشنيك؟
- -نحن على خط النهاية- لكن -الاتفاق لم يكتمل-.. هل تتوصل إسرائ ...
- روسيا وأوكرانيا: فاينانشيال تايمز.. روسيا تجند يمنيين للقتال ...
- 17 مفقودا في غرق مركب سياحي قبالة سواحل مرسى علم شمالي مصر
- الاختصارات في الرسائل النصية تثير الشك في صدقها.. فما السبب؟ ...
- إنقاذ 28 فردا والبحث عن 17 مفقودا بعد غرق مركب سياحي مصري
- الإمارات تعتقل 3 متهمين باغتيال كوغان
- خامنئي: واشنطن تسعى للسيطرة على المنطقة
- القاهرة.. معارض فنية في أيام موسكو


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - صبحي حديدي - -محروسة- جمال حمدان