|
الجنائن المعلقة اجمل العجائب
طاهر مسلم البكاء
الحوار المتمدن-العدد: 4601 - 2014 / 10 / 12 - 23:31
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ونحن ندخل مدينة بابل القديمة من بوابة عشتار التي لاتزال تزهو بلونها المحاكي للون السماء ،نستنشق عبير البطولة والعنفوان التي جعلتها مملكة مرهوبة الجانب من الخليج العربي وحتى تخوم مصر الفرعونية ،ونرى الملك الشاب برفقة محبوبته الهمدانية وهو يضع اللمسات الفنية لبناء مدينته بعد ان قضى على تمرد نينوى واورشليم وظهر في النقوش الحجرية على الجبال ، كبطل كلداني يصارع الأسود المتوحشة ، انه مزيج القوة والحس الفني المرهف الذي صنع بابل العظيمة ، ولايزال صوته يتردد عبر اســوار بابل وقرون الزمن الطويلة : (ما لم ينجزه ملك قبلي قمت بأنجازه ) . في العام 600 ق . م قرر ملك بابل نبوخذ نصر بناء جنائن تبدو للناظر اليها من على بعد وكأنها معلقة في السماء ،وذلك بعد ان اشتكت زوجته التي كان يحبها من انها تحن الى حيث الجنائن الجبلية التي عاشت فيها في موطنها ايام الصبا ويقال انها مدينة همدان الأيرانية الحالية ،وزوجته هي ابنة ملك ميديا حليف بابل ومن بعد ذلك حليف الملك الشاب نبوخذ نصر وكان قد عشقها وتزوجها قبل تنصيبه ملكا ً ولمايزل وليا ً للعهد حيث ارسله والده الى هناك في مهمة رسمية ،والجنائن من لدن خيال نبوخذنصر وتنفيذ المهندسين البابليين .وهي تعتبر بحق اعجب العجائب الموصوفة لسحرها والفن المستخدم في بنائها وخاصة طريقة سقيها في ذلك العصر القديم وارتباطها بجانب رومانسي من حيث كان الدافع لأمر بنائها هو حب الملك الشاب لزوجته ومحاولته ايجاد بيئة مماثلة لبيئة الوطن الذي عاشت فيه . شكل الحدائق : بلغ ارتفاع الحدائق 100 متر ،و تم تنفيذها على مسطحات من مستويات مختلفة و اتخذت شكلا هرميا ، فظهرت للناظر و كأنها معلقة في الهواء واتكأت على أقواس رخامية متصلة بسلالم رخامية وزودت بانواع الزهور والنباتات الصيفية والشتوية والغريبة الأنواع التي جلبت من بلدان مختلفة ،وكان الماء يصل الطابق العلوي حيث يحفظ في خزانات وتلك الخزانات مربوطة مع الطوابق الأخرى بسواقي ويعتقد انها اتخذت السور الرئيسي للمدينة جزءا ًمن اسوارها ومتكئها واحيطت بسور داخلي بعرض سبعة امتار،وكانت احواض الزهور فيها مصنوعة من الحجر ومعدن الرصاص ،وكانت طريقة السقي من الغاز بابل الكثيرة فقيل انها كانت تسقى بلوالب حلزونية صنعت خصيصا ً لها كانت تدار بسواعد العمال والعبيد وقيل بطريقة البكرات والحبال حيث كانت تحتاج الى 37000 لتر من الماء يوميا ً . وبابل الى اليوم لازالت تأسر الخيال رغم انها اثار قديمة ،وتعتبر خالدة ،وكانت تعتبر في الكتاب المقدس رمز الروعة والأنحطاط والأشراق والبؤس بسبب انها قامت بسبي اليهود ودمرت اورشليم ، فقد وصفها الكتاب المقدس انها الكأس الذهبية بيد الرب ( رغم انها ضد القدس ) وشئ اسطوري ورائع الى النهاية ، وهي المدينة الرائعة التي وصفها الأغريق والرومان بانها مدينة ساحرة تفوق بجمالها أي مدينة اخرى في العالم المعروف انذاك ،وكانت تشع بالعلوم التي تحكيها منجزاتها الخالدة الى اليوم سواء تلك التي في متاحف العالم او التي لاتزال مطمورة تحت الأرض ،وكان برجها يمثل طموح الأنسان الى بلوغ ما هو غير منظور .
دليل وجودها : وصفت من اكثر من مؤرخ سواء البابلين او الأغريق وقد كتب عدة كتاب يونانيون ورمانيوون عن حدائق بابل, مثل سترابو, ديودورس و وكوينتس كورتيوس روفوس كان اولها نص للراهب والمؤرخ الفلكي برعوثا الذي كان يعبد الاله مردوخ والذي عاش في اواخر القرن الرابع قبل الميلاد ، و أكثر تفاصيل هذه القصة أتت من المؤرخ الشهير تيتوس فلافيوس جوزيفوس (37 – 100) الذي ادعى انه اعتمد على مصادر سابقة . ألّفَ الكاهن البابلي (بيروسس) في مطلع القرن الثالث قبل الميلاد: كتاباً باللغة الاغريقية.. عن تاريخ بلاد بابل.. ذكر فيه لاول مرة معلومات مختصرة عن الجنائن المعلقة، "فقد اكتشف المنقبون الألمان بناية غريبة في تخطيطها المعماري.. تقع في الركن الشمالي الشرقي من القصر الجنوبي.. ذات شكل مستطيل غير منتظم.. وتتألف من صفين من الغرف الصغيرة.. يفصل بينهما ممر ضيق. وعثر في احدى الغرف الوسطى منها على بئر ذات ثلاث حفر الواحدة بجنب الاخرى: فُسّرت بأن الماء كان يُرفع منها بواسطة دولاب.. او على وفق نظام البكرات والحبال، وعدّها المكتشفون.. مستندين الى المصادر الكلاسيكية: بانها تمثل موضع الجنائن المعلقة.. التي عُدّت من عجائب الدنيا السبع.. وإنها كانت عبارة عن سطوح متتالية.. مُقامة فوق عقادات تلك الحجرات.. إذ كانت الاشجار والأوراد تغرس فوق تلك السطوح المغطاة بالتربة" (طه باقر، 1973، ص566) .
حملات ظالمة ضد بابل :
رغم ذكرها المنتشر في كتب العالم القديم والحديث ، يحاول بعض المشتغلون بالآثارالحاليون جعلها من العجائب المتخيلة ، كما يحاول آخرون اخذها من نبوخذ نصر واعطائها الى سنحاريب في نينوى ،والحقيقة ان نبوخذ نصر تعرض الى حملات يهودية على مر التاريخ لتشويه ما قام به من منجزات عظيمة قبل الاف السنين وتصويره ملك مجنون ياكل العشب ويهيم مع الوحوش ،ووصفه الكتاب المقدس بالآثم الذي خرب اورشليم ،غير ان ذكر الجنائن المنتشر في اغلب مصادر العالم القديم يؤكد وجودها في بابل العظيمة وداخل اسوارها ، وان المقدرة التي توفرت للبناة البابلين الذين تفننوا في جمالية بابل وهندستها وتخطيطها وفي بناء برجها وابوابها واشهرها باب عشتارالذي ينتصب اليوم بلونه المحاكي للون السماء في متحف برلين ، تجعل من السهل عليهم تنفيذ فكرة الملك خصوصا ً وان اليد العاملة كانت متوفرة حيث وجود الاف اسرى اليهود وغيرهم ،غير ان هذه الجنائن قد تعرضت لأهمال مما لاشك فيه في العهود الضعيفة التي تلت عهد نبوخذنصر كما ان هناك رأي يقول ان بلاد الرافدين قد تعرضت في القرن الأول الميلادي الى زلزال قوي حطم اغلب ابنية المدينة ومنها البناء الرئيس للجنائن . ان ضعف الفترات اللاحقة التي تلت عصر نبوخذنصر وكون بابل من الأراضي التي تعتمد على السقي وليس مياه الأمطار وبالتالي تكون اغلب هذه النباتات قد ماتت بعد ان اهملت وسيلة ريها والتي كانت مبتكرة مما لاشك فيها وتعتمد على الجهد العضلي للعبيد والأسرى ،ثم تأتي الفيضانات المتكررة للنهر المجاورفتذيب تلال التربة ،ثم عهود العبث والتخريب اللاحقة تجعلها اثر بعد عين ،حيث يختلط الآجر البسيط المكون لها بآجر الأبنية الأخرى .وبالفعل وجدت خنادق طويلة تم حفرها بدقة متناهية ومحاطة باكياس رمال ومغطاة بالحصى ، وفي (سيبار )والتي تبعد 50 كيلو متر عن بابل اكتشف كنز اثري عبارة عن مكتبة تحوي (اكثر من 300 لوح كتابي ). وهذا يعني انه لاتزال مئات النصوص مدفونة تحت الأرض، وتظهر الصور من الأقمار الصناعية ان المدينة الحقيقية اكبر بستين مرة من تلك المكتشفة وظاهرة اليوم . ويظهر برج بابل على شكل بركة مياه ،وتبرز الصور انه مربعا وليس دائريا كما اعتقد سابقا ً وبني شبيه بالزقورة . ان التخلف والأوضاع غير المستقرة التي يعيشها العراق جعل من اثاره مطمورة تحت الارض ، حتى يأتي الأجنبي ليبحث فيها ، وكما نرى اليوم ان كل شئ اصبح متعلقا ً بالسياسة والمصالح ،وهذا ما ادى الى ضياع الكثير من كنوز البلاد الأثرية والى غياب الحقيقة ايضا ً . استهداف المدينة الأثرية : وفي مقال بقلم سارة فالح الدبوني ذكرت انه في ( عام 1885 م أقدمت الحكومة العثمانية على بناء سدةِ الهندية الشهير كحلٍ لأزمةِ المياه في المنطقة، ممادفع السُلطان العُثماني للإستعانةِ بالمهندس اليهودي فرنسي الجنسية (شندوفيرز) لإتمام المشروع، والذي أَصرَّ بدورهِ على وجوبَ انشاءُ السدةِ على أحد المواقع الأثرية البابلية، ليُقدِمَ وبكُلِ حِقدٍ على هدمِ آلاف الآثار التي تحتاطُ المنطقة باستخدام أطنانٍ وأطنانٍ من الديناميت، واستخدمَ الحجارةَ الأثرية لبناء السدة..!! فلمن يرفضُ تواجدَ الجنائن المُعلقة من الأصل، ماادرانا بأن الجنائنَ لم تكُن ضمنَ ماتمَ محوهُ من الآثارِ على يدِ ذلكَ اليهودي المملوء حقد ) .
قوات الأحتلال الأمريكي وبابل :
بعد العام 2003 م انشات القوات الأمريكية معسكراتها في بابل وكانت الدبابات تسير داخل المدينة الأثرية واستمرت منذ نيسان وحتى ايلول 2003 حيث قامت بتسليمها للقوات البولونية حيث شغل اكثر من 2000 جندي المدينة الأثرية واقاموا فيها قواعد عسكرية وخنادق شقية باعماق مختلفة ان فقط مرور العجلات العسكرية الثقيلة على هذه المواقع الأثرية الثمينة هو ذنب من العجب ان تقترفه دول تدعي التقدم والدفاع عن الممتلكات والحقوق العامة ، وبقيت فيها هذه القوات حتى العام 2005م ولايعلم على وجه الدقة ماذا عملت هذه القوات خلال هذه الفترات الطويلة كونها اصبحت منطقة عسكرية محرمة على غيرهم ! المتحف البريطاني قال ان عربات عسكرية امريكية وبولندية حطمت الأرصفة التي يرجع تاريخها الى 2600 عام واستخدمت الأجزاء الأثرية في ملئ اكياس الرمل ! وقال الصندوق العالمي الذي يهتم بمواقع التراث : ان بابل تتدهورنتيجة للاهمال واعمال الأعمارالمكثفة واتخاذ الموقع كقاعدة عسكرية . انظر اليوم الى المنطقة تجدها وقد اصبحت كجلد القنفذ من كثر النبش والسرقات التي تحصل يوميا وباستمرار وهذه يشترك فيها ليس الشخص المباشر الذي حمل القطعة الاثارية اولا ً ، بل ذلك الذي يشتريها منه ويسهل تهريبها الى الخارج وتلك الجهات الخارجية التي تشتريها في العواصم المختلفة ،والتي تشرّع السرقة وتتستر عليها .
#طاهر_مسلم_البكاء (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اعتذار بايدن وذيول امريكا
-
ما لم ينجزه ملك قبلي قمت بأنجازه
-
حسن الظن بامريكا جهل
-
اسرار كنوز سومر
-
الحلفاء يرتدون ثوب داعش
-
العراق الشغل الشاغل لأمبراطورية امريكا
-
حقائق الموقف العسكري
-
التواصل .. ملح الحياة
-
حب ممنوع
-
لماذا تستهوينا حكايات التاريخ
-
اوكرانيا كمين شبيه بالكويت
-
انت تحبني .. كيف ولماذا !
-
ديمقراطية المال والعصا الغليضة
-
من الذي سيخرج رابحا ًفي العراق
-
هل فشل الأمريكان في التعامل مع العراق
-
الوداع الأخير
-
شباب الناصرية ومهرجان دعم النازحين
-
زوال دويلة الدواعش وبروز دويلة الكرد
-
ثوار البندقية وثوار البناء
-
ماذا يريد المواطن العراقي
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|