|
لو خيرني الله ؟!
لؤي قاسم عباس
الحوار المتمدن-العدد: 4601 - 2014 / 10 / 12 - 14:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لو خيرني الله ... لؤي قاسم عباس لو خيرني الله بان أختار والدا لي غير ذلك البائس المسكين، المثقل بالهموم ، والمكبل بالديون، الكاد على عياله طوال اليوم والعائد خالي الوفاض يضربُ كفاً بكف ويلعن الساعة التي جاء بها إلى الدنيا ، ويندب حظه العاثر الذي صيَّرهُ إنسان... مسكينٌ أبي فهو لا يعرف من الأمثال الا : " لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته " ، و " من افتقر فقد كفر " و" ما حلَّ الفقر في بلدي الا وقال له الكفر خذني معك " و" ما ضرب الله عباده بسوط أذل وأوجع من الفقر" مسكينٌ أبي فقد جنى عليه ابيه ، مثلما جنى (عبد الله بن سليمان) على ولده ( أبي العلاء المعري ). فقد أورثه أبوه فقره وابتلى بتسديد ديونه لعله يستطيع ان ينقذ رقبته من الولوج في النار يوم الحساب فأثقل كاهله فصبر على حمل ما نأت الجبال عن حمله ... وها هو أبي يوشك أن يؤرِّثني ديونه وما تبقى بذمته من ديون أبيه بعد ان أورثني فقره وهو على قيد الحياة ... وها انا العن الساعة التي جئت بها الى عالم الوجود تماماً مثلما فعل أبي من قبل ... ويكاد قلبي يتوقف من الضحك حين أتذكر ما سيحل بولدي الصغير حين يعلم باني أورثته ديوني وديون أجداده وسيكون ملزماً بسدادها ليخلص رقبتي من نار جهنم . ... ماذا كان سيحدث لو أن الله سبحانه سمح لي في ان اختار والداً لي غير هذا المرتهن في فقره والحبيس في دينِه . ماذا سيكون لو أن الله سبحانه خيرني في أي الأصلاب يستودعني وفي أي الأرحام يستنزلني .
افكارٌ وهلاوس تدور في فكري ... لماذا كنت أنا أنا ، ذلك الفقير المعدم ... ولِمَ لمْ أكنْ أنا ذاك الغني المنعم . فلو كنت اعلم ما تدافعت مع باقي النطف في صلب أبي فسبقتهم بالخروج إلى عالم الوجود . أنا الآن احسد تلك الحيامن التي بقيت في ظهر أبي فقد فازت بالعَدَم ونلتُ الهمَ والألم . فلو خيرني الله أي الآباء أحب إلى نفسي فسوف لن اختار بان أكون أمير لمملكة أبي ، فالملك يزول والعروش تتهاوى والتيجان تسقط عند أول ثورة للجماهير على بوابة القصر. ولست أتمنى أن أكون من أبناء ( شاهبندر التجار ) فهولاء محسودون ومطاردون من جباة الضرائب . فلو خيرني الله لما توانيت لحظة واحدة أن اختار أيا من رجال الدين الأفاضل لأكون ولداً باراً له ، ورحيماً عليه ، يزينني اسمه ، ويمنحني بريقاً لامعاً انتسبُ إليه ، يلبسني طيلسان هارون الرشيد ، وعمامة البهلول ويستودعني خزائن قارون ، وسوف لن ينالني الملوك بسوء ، ولن تسقط راسي وعمامتي انتفاضات الثائرين،ولن تطالني عيون الحاسدين ولن يجرؤ أن يستجوبني جباة الضرائب ولن يقول احدٌ لي من أين لك هذا ؟! فانا فوق الشبهات . حينها سأصلي لله من أجل أن تزيد البركات القادمة لي من عطاء عباد الله المفروض عليهم . فإذا ما أنهيت صلاتي ، أحرك شفتاي بالعد والحساب فيخيل للناس أني اسبِّحُ لله ايماناً واحتسابا . وامنح الناس من بركات يداي لمساً وتقبيلا ، واسمح لهم بأخذ تراب قدمي للاستشفاء به . فإذا ما فرغتُ من كل ذلك استقل سيارتي الفارهة - والتي حرَّمتُ حيازتها او اقتناءها و استمطاءها ذات يوم على الخلائق لان فيها تشبيها بـ(بلاد الإفرنج ) وإنها بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار ، مثلها مثل :التلفاز ،والطائرات ، وكافة الاختراعات والابتكارات . إلا ما استعمل منها للقتل والتفخيخ والتفجير وأسلحة الدمار وأساليب القتل الحديثة فهذه ليست بدعة بل هي عدة لمقارعة العدو . وبعد أن استقل سيارتي امضي لأستريح من صلاتي في قصري الملكي وفي حجرتي الملكية التي يداعبها النسيم البارد صيفاً والحار شتاءاً ، غير مكترثٍ بالفقراء من حولي ان كانوا يضعون الحجر على البطون او يؤمِّلون أطفالهم بقدور الماء التي تغلي فيحسبونه طعاما وما هو بطعام ، واستلذ بما طاب لي من خيرات الله ونعمه وبركاته وسيشع وجهي نوراً وبهاء بفعل( فيتامين الفواكه) و(بروتينات اللحوم) البيضاء والحمراء والنسيم العليل وسيصير وجهي كأنه بدر التمام ، تلك علامات الأيمان التي اعرفها ، والتي تظهر على الوجوه ! وحتماً سأكون ولي الله وخليفته في أرضه وعامله الأمين ، فامنح من أشاء وامنع عن من أشاء و لا أبالي بالخطأ والصواب فان أخطأت فلي اجر عند الله وان أصبت فلي أجران مدخران يوم الحساب ! سأرث عن أبي علمه وماله ومكانته في المجتمع و سيوقرني ويهابني الكبير والصغير و يتسابقون لمرضاتي لينالوا بركاتي . وسأمتلك من الحواري الحسان ذوات الحجال واقتني من مال العباد الكواعب الحسناء : البيضاء، والسوداء ،والسمراء ، والحمراء . وتجبى إلي النذور والقرابين فانا اقرب منهم منزلة الى الله واخصهم زلفى لديه وأفضلهم مكانة عنده ... سأحفظ من كتاب الله بضع آيات بينات تحض الناس على دفع الزكاة والصدقات للعاملين عليها وآيات آُخر تولي أولياء الله الصالحين من أمثالي ، وآيات تنذر بعذاب اليم لمن يخالف شريعة الله في ذلك . ساجد عند بوابتي آلاف آلاف الفقراء والمتسكعين ، وسأختار منهم من هم على استعداد لفداء أرواحهم الرخيصة من اجلي واختار من اشتاقت روحه إلى ربها فأرسلها إلى لقاء الله بعمليات استشهادية ، أما فانا فلا ! فهل سمعتم ذات يوم عن رجل دين قد قام بتنفيذ عملية بطولية ، نحن نحرض على الفتنة فقط وندفع الناس للتزاحم على الموت اما نحن فلن نموت إلا بعد قرن من الزمان وعلى فراشنا الملكي يزورنا –عزرائيل – برفق وحب وحنان يحملُ أرواحنا الى جنة الخلد ( من النعيم الى النعيم ) سأُكَفِّرُ كلّ من يخالفني بالرأي وأفتي بقتله وإزهاق روحه . سأجند الجنود من أبناء الفقراء من كل بقاع الكون لقتل الفائضين من بني البشر والذي أوصاني ربي بقتلهم وسفك دماءهم ، وسأملأ حياة الناس عويلاً وبكاء حتى تشتاق أرواحهم الرخيصة التافهة إلى جنة الخلد ، وتذوب نفوسهم إلى غدوةٍ مع الرسول الكريم او عشوة مع أولياء الله الصالحين . سأشري القصور وابتني الجوامع لأنها مصدر أرزاقنا حتى لو كان عددها أكثر من أعداد المصلين .. حتى وان كان الملايين ممددين في الشوارع وعلى أرصفة الطرقات بلا مأوى وبلا سكن . هذه بعض صفاتي لو صرتُ ابن رجل دين . فهل هناك احد من يريد أن يتبنى رجل بهذه المواصفات شريطة ان لا يكون رجل دين حقيقيا " يأكلُ من الطعام ما جَشِب ومن اللباس ما خشِن "- وأحسبهم يعدوّن على الأصابع - وسأقبل بأي رجل دين مزيف آخر ليكون والداً لي . لأنعم بزكاة الله وحصة الفقراء من الصدقات وخمس أموال العالمين ...
#لؤي_قاسم_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مزاد علني
-
حدثٌ غيَّر مجرى حياتي
-
جنازة السيد المدير ( قصة قصيرة )
-
مدينة الاحلام ... قصة قصيرة
-
عتيق للبيع ( قصة قصيرة )
-
بغداد عاصمة الثقافة
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|