أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن جبار محمد - هرطقة حانة















المزيد.....

هرطقة حانة


بن جبار محمد

الحوار المتمدن-العدد: 4600 - 2014 / 10 / 11 - 22:01
المحور: الادب والفن
    


ألتحقت بعمـي الجيلالـي في حـانة "الكتوبيـة" ، أبوابها مغلقـة على الدوام يظهـر عليها سكون أهل الكهف ، ما أن ولجت إلى داخل الحـانـة وجدت أمواج بشريـة تتمـاوج على أضـواء خـافتة ، قهقهـات تتواصل بصوت عال ،تمتزج مع موسيقى الراي ، الرواد يختفـون وراء ظلال لا تكشف إلا عن ملامـح مغـرقـة في سحاب دخان السجاير ، صعب أن تميز الوجوه في ديكـور يبعث على القلق ، قلت في نفسي ، لا أحب هـذه الأجـواء القلقة ، العراكيـة ، السوقيـة ، إسطبليـة ، ليس هنـاك أفضل من الجلوس على جرف الوادي ، طلبت من النــادلـة أن تدلنـي على عمـي الجيلالـي ، أمتدت يد لتشدنـي من قميصي ، حملقت في ظلام الحانة قبل أن أتعـرف على عمي الجيـلالـي و هـوينظر لي بوجه كالح متعرق ، لـم أك أدري أنـك من رواد الكتوبيـة ، قلت لـه أنـا لا أحب هـذه الأجواء أشبـه بأجواء جحيم دانتي ، لا أحب هـذه القهقهــات و الصراخات و هـذا الظـلام الذي يلف القلوب و العقـول . قال لي إذا عن ماذا تبحث ؟ أبحث عنـك ، أريد أن أخرجـك من هـذه الحانـة اللعينـة ، نقتني زجـاجات و نذهب بعيدا . ما الجديد في مذكراتك التي تكتبها عمي الجيـلالـي ؟ دعـاني إلى طـاولـة بالقرب من الكونتوار و طلب كأس كوكتيل مثلج لي ، قـال لي و هـو ينظر إلى سطـح الحـانـة المغلفـة بشبـاك صيـد الأسمـاك ، أتـعـلـم سر هــذه الحانات التي تضـع شبـاكات صيد الحواتـة ؟ أنهـا من أعـرق التقاليد ، لأن أصـل الحانات كانت توجد على موانيء البحـر ، تستقبل آلاف البحـارة الذين يجوبـون البحار و المحيطـات ، البحارة لا يحبـون إلا عـالمهـم و ما يرمز و يوحي إلى ذكرياتهـم ، الحـانـة جزء من البحـر ، عربدة البحارة جزء من عربدتهـم في السفـن ، قلت لـه في مدينتـي هـذه لا يوجد بحـر . قال لي و يقطب جبينـه أنـظـر إلى حوليـك ، هـذه الوجوه المذكرة خـارقـة في أمواج البيرة و النبيـذ ألا يذكرك بعنابر السفـن و الرجال المجذافيين و البحارة من أصغـرهـم إلى قائدهـم الحـانـة هـي جزء من البحـر ، ما تبقى منهـا الآن سـوى هـذه الشبكـة المعلقـة فـوق رؤوسنا ، فبدلا من دلالتهـا على الملاحـة فهـي الآن تدل على صيد الزبائن و قهـقه بقهـقهـة طويلـة ساخرة . لـم تحك لـي عن مذكرة سيرتك ! يا عـواد بيوغرافيتي الذاتيـة و النبيذ يلتقيان في مواطـن عـدة ، لحسـن حظي هنــاك نبيذ و كتـابـة ، الكتـابـة و النبيذ يلتقيان في أكثر من موقـع و في أكثر من منــاسبـة ، النبيذ هـو تغييب الوعـي لأجل ترميم وعـي اللاوعـي القديم و الكتــابـة هـي الوعي التي ترتقي إلى ما وراء الوعـي ، أعني بالكتـابـة كل كتـابـة التي تنفـر من واقـع المخـز ، فالنبيذ و الكتـابـة لحظات مهــرّبـة إلى ماوراء الواقـع ، تلك الكتــابـة التي تسخر من الأبطــال و التي تسخر من أنطولوجيـة وعبثيـة الإنسان ، تلـك الكتـابـة التي تؤسس لإنسان مافـوق أخــلاقي ، لإنسان الذي يرهـن وجوده لثنــائيـة الربــح و الخسارة ، النبيذ و الكتــابـة لا يأبهــان لحسابات الأشخاص و لا لإطــارات التي يضعها الإنسان لحيـاته تقييدا و تحديدا و تخطيطـا ، تارة بأخلقـة وجوده الإنساني و تــارة بأسر أفقـه الفكري ، فمن ثمــة كــل النصـوص الدينيـة و الأدبيـة و الأسطـوريـة و العرفيـة و الحكــائيـة هــي محــاولـة لتدجين هــذا الإنسان و قـولبتـه ضمن قـوالب جاهزة لبيعـه و التعـامل بـه في الأسـواق ، فحريتنا مرهــونـــة بهــذه القــوالب و هـذه الإيديـولوجيات لا تزال تلعب هــــذاالدور ، الإنسان ليس للبيـع و ليس سلعـة تعـرض في المتـاجر بأثمــان يحددهــا السوق ، الإنسان معـجزة هــذا العـالـم ، فكره و عقلـه و قريحتـه غير قابلـة للتدجين و لا الأسر و لا التنظيــم و لا التأطير، أستدرك عمي الجيـلالي ، نفسـه و قـد لاحظ أنني أقل نشاطا مما كنت عليـه أجلس في كرسي و أنا متكيء على كونتـوار الحانـة بإرتعـاش خفيف . قال لي أمسـك نفسـك ، أصبحت لا أسمع تلك الأصـوات الآتية من أرجاء الحـانـة بتلك الحدّة ، آلفت الجو ، أشعلت سيجــارة و أنـا أستمـع لأغـاني الراي إلى غـايـة البكــاء ، يبدو أن شراب الكوكتيل يؤتـي نتـائجـه ،عند ما تشتد عـليّ مصائب الدهـر و تضغط عـليّ الحياة بكل تفاصيلهـا و كلكلها ، أشعـل سيجـارة تبـغ أو أفتح سدادة ل1664 أو 33 أو San Miguel أو نبيـذ رخيص لا يخضـع لأي مراقبـة جمركيـة أو مخبريـة أو صحيـة أو إستهـلاكيـة ، سأجد أن هنــاك معـادل موضـوعي لتـلـك الحياة البشعـة بكل صـورهـا و أشكالهـا . فهنـا أقول ما أحط و أسخف من هــذه الحياة التي لا تساوي قنينـة بيرة أو أقـل . صديقي البروليتاري عمي الجيلالي لا تأبه إلى تفاصيل هــذه الحياة القحبويـة ، فهنــاك حياة أفضل في ربـوع العـالـم يحدد من وقـائع النبيذ . سألنـي عمـي الجيلالـي بجد : هل أعجبك هـذا الكوكتيل صديقي ؟ قـد يطـول شرحـي لفـوائد هـذا خليط النبيـذي و نجـاعته في حياتي و حياة البشر مثلي ، لأنهـا ببسـاطـة هـي المادة الوحيدة التي تكبـح جماح الوعي المستغـرق في قـوانين وضعهـا البشر لإستغـلال بعضهـم البعض ، تـلـك القطـرات تجعـل من الإنسان إنسانـا و من الفـرد فردا و من الشخصيـة شخصا و تكسـر كثيرا من القيـود و من الأسـوار و الحيطـان التي يضعـهـا الإنسان للإنسان ، النبيذ وحده الرخيص منـه و الفاخـر تجعـل الإنسان يضـع نقـاط على حـروف حياته العبثيـة المرسـومـة بدقـة في سجن وجــودي لا يأبـه لـه الفـرد إلا بعـد أن تمضي فتـرة زمنيـة يستهـلـك فيهـا كل طــاقتـه في شؤون لا تهمــه إطــلاقــا ، لذلـك أدعــو المجتمع بكل أطيافـه أن يتذوقـوا الخمــر ليختبروا حياتهـم و لكي يكسروا طـوق الذي يقيد حياتهـم أو ينتحــر ، كل إطـار يوضـع للإنسـان هـو بالدرجـة الأولـى تقييدا لحريتـه ، اللعبـة تبدأ بمباديء و تنتهـي بقـوانين و تحكمهـا عـقـوبات زجريـة ، نحن في هـذه الحياة السفليـة محكـومـة بقـوانين نص عليها المشرع الرباني و البرلمــاني و كل من تخوّلـه القــوانين بسيـاقـة هـذا القطيـع من مراعيه إلى منــفـاه أو قبره . الإنسـان الحرّ هـو من يتنصل من هـذه القـوانين ، ربت عمي الجيلالـي على كتفي وسألنـي باهتمام ، هـل أحتجت إليّ يا عـواد ؟ نعـم أحتجت لـك ، لكي نذهب سـويا إلى هـذا ..عبد الهـادي ! نسألـه ، نعـرف عـليه ، يا عـواد ما أعـرفـه عن صاحبك ، هـو ما أخبرتك بـه ، سأحـاول جمع معلومات عنـه في أقرب فرصـة متاحـة ، نلتقي غـدا في مكـان توقف سيـارته . خارجنا من الحـانـة ، كانت الأجواء أكثر نقاءا ، شهقت طويلا قبل أن أستقل سيارة كلوندستان في إتجاه البيت ، قبل أن يسأني سائق التاكسي عن وجهتي كنت أتحدث إليـه بهذيـان لـم يفهـم من هــذياني شيئا سـوى ما ردده عمي أمـامي في يوم آخـر عندما قلت لسائق التاكسي عرفت و حق مستوى وعيي المغيب وحق السمــاء التي أقتربت منها إلى حد لمسها بيدي ، وحق كل مقدساتـكم الحسنـة منها و القبيحـة ، الجيدة منها و الشنيعـة ، أن حياتكم لأكبر تفـاهـة و سخـافـة ليس بعدها سخـافـة ، أتعـرفـون لمــاذا ؟ لأن الله خلق فيكم غـريزة حيـوانية لأجل بقـاء النوع الإنساني المتمثلـة في الشهـوة و الرغبـة و الأورغــازم وحب الجنس ، تماما مثل وضـع خاصيـة في جسـد آلـة لإدارتها ، أقـول لك أن الله تعـامل مع الإنسان مثلما تعـامل مع الحيوان في استثارة غريزته و بعدهـا أرسـل الرسـل و الأنبيـاء لكي ينبهـون لبعض العيوب الخلقيـة ، تلك العيوب ليست من الله و لكن لذاتها ، تمـاما مثل عيوب شركات السيـارات و لكن الفـرق أن الله لـم يطلب إعـادة استرجاعها إلى المصنـع و إنمـا بادر إلى إصـلاح الأعطــاب بطرق ذاتيـة عن طريق وكـلائـه الحصيريين و هـم الأنبيـاء و المرسلين ، فأنفجـر سائق الطاكسي بالضحـك ، ألتفتت مترنحا بصعـوبـة لسائق التاكسي ، لمَ الضحـك أعـرف أنك لا تفقه شيئا فيما أقـول ، هـذا الكـلام أوجهه إلى نفسي و لست معنيا بـه ! خذ أجرتك و أحتفظ بالبـاقي وزمّ فمـك.



#بن_جبار_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمسية بمذاق -كرومباكير-
- البلوغ بأقل الخسائر
- على عتبة التقاعد
- هامش للحياة
- التحول
- زوجة الرمال
- حادثة الشقة
- ثقافة الموت و أشياء أخرى
- الشرطة الرومانسية
- كلمة في حق )الحوار المتمدن(
- كلمة في حق الحوار المتمدن
- الذكرى الثالثة لخراب ليبيا
- من وحي داعش
- إرحموا عقولنا يا دعاة الدين
- الله في ضيافتي
- أزقة الكتابة
- كيس الخيبات (1)
- كلام آخر عن حرية التعبير
- النظرة الإستعلائية
- حرية التعبير بين جواد بوزيان و حمار بوزيد


المزيد.....




- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن جبار محمد - هرطقة حانة