|
مغالطات يسوع المنطقية - توضيح
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4597 - 2014 / 10 / 8 - 22:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(ما هو الحق؟) [يوحنا 18: 38] بيلاطس البنطي يسأل يسوع، عندما قال له يسوع أنه جاء ليشهد للحق في العالم. صمتَ يسوع، ولم يُحر جواباً.
أبسط الإسئلة وأكثرها وضوحاً وتلقائية هي التي، دائماً، تُحرج أصحاب الادعاءات الكبيرة. إذ تضعهم أمام سؤال لا تتعدى كلماته أصابع اليد الواحدة، سهل الفهم حتى أمام جمهورهم المخدوع أو الواهم، إلا أن إجابته تفضح (الحقيقة) المموهة حتى لحظة طرح السؤال. ولهذا السبب بالذات تكون الإجابات على تلك الأسئلة (مركبة ومتشعبة وتحوي من المغالطات الكثير جداً)، فهي الوسيلة الوحيدة للهروب من (مشكلة وضوح السؤال وقدرته على فضح الحقيقة). ولا يختلف سؤال بيلاطس البنطي أعلاه الذي طرحه على يسوع ولم يتلقى عليه إجابة إطلاقاً عن سؤال (هل كان يسوع وتلامذته يغسلون أيديهم قبل الأكل؟)، إذ كِلا السؤالين يملكان فضح (الواقع المموه لشخصية يسوع)، كما كان (هو) (حقيقة) وليس كما تصوره الذهنية الدينية الإيمانية. الشخصيتان مختلفتان، (يسوع التاريخي) اليهودي المتطرف المتأثر بالفلسفة الكلبية وبأوهام يوحنا المعمدان بقرب مملكة الله إلى درجة أن أهله ذاتهم نبذوه لغرابة أفكاره وأطواره مما انعكس سلباً على تعاليمه فيما يخص الأسرة، ومن جهة أخرى (يسوع الإنجيلي) الذي شكّل نصه وقصصه واخترع تفاصيله الذهن الإيماني المسيحي، المتأثر بخديعة بولس للأمم الوثنية، الذي يريد أن يرى فيه إلهاً وبأي ثمن. شخصية (يسوع الإنجيلي) هو نتاج مباشر (لفشل فكرة بولس) اللاهوتية، (ولفشل فكرة يسوع) المسيحانية عن قرب مملكة الله، في فضائها الأم، أي (في المحيط اليهودي)، ونجاحها بين الأمم الوثنية، بعد قتل يسوع، التي تستسيغ فكرة (تعدد الآلهة، وزواجها حتى مع نساء البشر، وحملها وإنجابها، وتقمصها شخص الإنسان بين بني الإنسان، وصراعها مع البشر، وأخيراً موتها وقيامتها). اليهود (رأوا يسوع بأعينهم)، وحاوروه، وعرفوا حقيقته التي ليست بينها ما نقرأه اليوم في النص الإنجيلي من معجزات وتفوّق كلام يسوع وتقريعه لهم على كلامهم وتفنيدهم وربما سخريتهم. هذا رجل (لم يأبه له مؤرخوا القرن الأول كلهم) على الرغم مما تدعيه الأناجيل من قيام الموتى له يمشون في الشوارع وانشقاق حجاب الهيكل وحدوث الزلازل وانشقاق الصخور وغيرها من العجائب. الأمم الوثنية، على العكس، (قيل لها عن يسوع وسمعت عنه فقط، بواسطة كل القصص الشفهية المتغيرة المخترعة مِنْ شخص لآخر)، أو أنها قرأت رسائل بولس والنصوص الإنجيلية اللاحقة بكل معاجزها المخترعة وغرائبيتها المشابهة لنصوص وقصص آلهتهم الوثنية، (ولكنها لم ترى إطلاقاً يسوع يمشي بينها قط)، ولا حاورته، ولا شاهدت معجزاته المدعاة، ولا عرفت حقيقته. (قيل لها فآمنت). ولهذا السبب فشلت المسيحية بين اليهود، ونجحت بين الأمم الوثنية. ولهذا السبب شخصيتا يسوع، التاريخي والإنجيلي، مختلفتين تماماً. فهل تعتقد حقاً، حتى في أشد أحلامك ثقة وطموحاً، أنَ هذا النص الإنجيلي بريئ جداً وقد قاله يسوع بالفعل: (قال له يسوع: لأنك رأيتني يا توما آمنت، طوبى للذين آمنوا و لم يروا) [يوحنا 20: 29]؟! هل تعتقد أن تلك المقولة قد تفوّه بها يسوع فعلاً؟! أليس ما كتبه كاتب رسالة بطرس الأولى يفضح ذلك النص المنسوب إلى يسوع ويؤكد تلك الحقائق أعلاه: (عند استعلان يسوع المسيح، الذي وإنْ لم تروه تحبونه. ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنْطَقُ به ومجيدٍ) [رسالة بطرس الأولى 1: 7-8]؟! لكن الذي (لا يُنطَقُ به)، بين المؤمنين بتلك النصوص على الأقل، أن ما تقرأه في الأناجيل هو (نتاج تزوير واعي، متعمد، ومقصود)، وأن يسوع التاريخي (ليس أكثر من راباي يهودي متطرف مِن سكان القرى التي لا يؤبه بها، الناصرة آنذاك)، تماماً كالذي تراهم اليوم على شاشات التلفزيون، يشبههم تماماً في بُنيته الشرق أوسطية وفي ملبسهم وفي عنصريتهم تجاه غير اليهود، (إلا أنه يختلف عنهم في حقيقة أنه أكثر اضطراباً منهم وأوهاماً)، لا أكثر من هذا ولا أقل.
وحتى تعي (أنك مخدوع حتى النخاع في تصورك ليسوع)، اسأل نفسك هذا السؤال البسيط جداً حتى وإنْ كنت لا تملك أية معرفة بالمسيحية: (كم صورة وتمثال قد رأيت ليسوع؟)، ثم اغمض عينيك، وتخيل صورة يسوع التي رأيتها أمامك. ألن ترى صورة رجل ينحدر من أصل قريب إلى القوقازية (Caucasian) ذو شعر طويل مسدول على كتفيه؟ أليس هذا ما (عوّدوكَ) على رؤيته وتخيله، وترى الملايين يصلون له وأمام تصاويره وتماثيله؟ رجلٌ ذو (شعر طويل) مُرخى ومسدول على كتفيه [ابحث على أي محرك بحث لكمية لا تقع تحت الحصر لصور يسوع وتماثيله]. حسناً، اقرأ الآن ما يقوله بولس: (أم ليست الطبيعة نفسها تعلمكم أن الرجل إن كان يُرخي شعره فهو عيب له) [رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 11: 14]. أهذا الذي تراه في مظهر يسوع على التصاوير والتماثيل في الكنائس وغيرها هو نفسه إله بولس الذي خدع به غير اليهود؟! أيملك نفس المظهر؟! بل أنت مخدوع حتى في لباس يسوع في تلك التصاوير والتماثيل. فهل رأيت لباس متديني اليهود اليوم؟ هل لاحظت أن هناك خيوطاً تتدلى من تحت قمصانهم؟ هذه الخيوط تُسمى (تزتزت) (Tzitzit)، ويلتزم به متديني اليهود عملاً بالأمر الذي أتى في سفر العدد: (وكلم الرب موسى قائلاً: كلم بني إسرائيل وقل لهم: أن يصنعوا لهم أهداباً في أذيال ثيابهم في أجيالهم، ويجعلوا على هدب الذيل عصابة من أسمانجوني) [عدد 15: 37-38]، تلك (الأهداب) هي التي تُسمى الـ (تزتزت). هل تعرف أن يسوع، هذا الذي (قيل لك عنه، أو الأصح: قال لك بولس عنه، أنه أتى مناقضاً للشريعة اليهودية وناسخاً لها في كل تفاصيلها وفي سبوتها وذبائحها وطعامها وشرائعها) كان يلبس الـ (تزتزت) إلتزاماً منه بدقائق تلك الشريعة؟! اقرأ: (وإذا امرأة نازفة دم منذ اثنتي عشرة سنة قد جاءت من ورائه ومست هدب ثوبه) [متى 9: 20]. هدب ثوبه هذا هو الـ (تزتزت) الذي انتقد كبره وطوله يسوع ذاته في نفس الإنجيل [متى 23: 5]. فهل رأيت تمثالاً ليسوع أو صورة وهو في تلك الثياب اليهودية التي تُشير لها الأناجيل ذاتها؟! أنت (مخدوع) في كل شيء يخصه حتى في (وجه يسوع ومظهره وشكله).
الأسئلة البسيطة القصيرة الواضحة المباشرة هي التي تفضح ذلك الفضاء المليئ بالأوهام والخديعة والغرائب. هي التي تكشف تلك الشخصيات على حقيقتها ثم لتقف أمامك عارية مجردة (لتحكم أنت عليها). قد تقول، كما قال غيرك قبلك: أنا أحكم عليها؟! ... نعم، أنت تحكم عليها. أليست تلك النصوص وما تقوله لك عن شخصياتها تستهدفك أنت شخصياً؟ أليست تلك النصوص تريدك، أنت شخصياً، أن تصدقها وتؤمن بها؟ فهي إذن التي طلبت منك، أنت شخصياً دون غيرك، أن تحكم عليها. (كل مَنْ، أو ما، يدعوك إلى أنْ تؤمن به هو يدعوك بالضرورة أن تتولى أنت شخصياً أن تحكم عليه). وهذا ما ضبط ما أفعله ويفعله غيري. فانزع عنها وعن شخصياتها حالة القداسة المصطنعة، ثم جردها تماماً، واحكم عليها.
في ما مضى من هذه السلسلة [مغالطات يسوع المنطقية]، تعمد المتطرفون المسيحيون (تمييع) الإشكالية البسيطة الواضحة المطروحة في (عدم غسل يسوع وتلامذته لأيديهم قبل تناول الطعام) وتصوير القضية وكأنها (تعليم أخلاقي) أتى كردة فعل، (آني ولحظي فقط)، على الذهنية الفريسية. (إلا أن الحقيقة، على هذا التساؤل البسيط، هي مختلفة تماماً عما يدعيه هؤلاء). إذ بسبب إيمانهم الأعمى بشخصية يسوع هم يرفضون أن يروا ما كان يفعله يسوع على حقيقته الواضحة. وقد تناولت هذا التوضيح بالبيان (ضمن خانة التعليقات في المقالة السابقة)، إلا أنني، بسبب (مركزية) تلك القضية في هذه السلسة، رأيتُ أن أضع هذا الشرح في صلب المقالة.
يسوع وتلامذته كانت (عادتهم الدارجة المستمرة) (أن لا يغسلوا أيديهم قبل الأكل)، وهذا هو أساس الاعتراض على يسوع وتلامذته. إنجيل لوقا بالذات (يفضح ما يدعيه هؤلاء في يسوع)، فالمسألة كلها (لم تبتدئ)، كما في قصة إنجيل لوقا، كتحدي بين أي طرف، وإنما كانت دعوة غداء بريئة من جانب فريسي (انتهت بيسوع وهو يشتم جميع الحضور). فليذهب القارئ الكريم وليقرأ إنجيل لوقا الأصحاح 11، من بداية الآية 37 حتى نهاية الإصحاح في الآية 54 ليرى ذلك بوضوح. وهكذا ابتدأت دعوة الغداء هذه:
(وفيما هو يتكلم سأله فريسي أن يتغدى عنده، فدخل [أي يسوع] واتكأ، وأما الفريسي فلما رأى ذلك تعجب أنه لم يغتسل أولاً قبل الغداء) [لوقا 11: 37-38]
فمسألة الخلاف مع يسوع وتلامذته (أن عادتهم الدارجة المستمرة هي أنهم كانوا يأكلون بأيدي دنسة، غير مغسولة وملوثة)، وليست القضية هي قضية (تعليم أخلاقي أتى كردة فعل ظرفي ووقتي طارئين)، وإنما كانت (عادة راسخة عند يسوع وتلامذته). ولهذا السبب بالذات لجأ يسوع إلى (المغالطات المنطقية واختراع أسباب وهمية لفعله هذا). الأناجيل تقول هذا بوضوح وبكل صراحة ورحابة صدر في أن المسألة كانت (عادة دارجة عند يسوع وتلامذته):
(ولما رأوا بعضاً من تلاميذه [أي تلاميذ يسوع] يأكلون خبزا بأيد دنسة، أي غير مغسولة، لاموا [...] ثم سأله الفريسيون والكتبة: لماذا لا يسلك تلاميذك حسب تقليد الشيوخ، بل يأكلون خبزا بأيد غير مغسولة؟!) [مرقس 7: 2 و 5]
(لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ، فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزاً؟!) [متى 15: 2]
فالقضية كانت (قناعة راسخة في عقل يسوع)، بدليل هذا النص الإنجيلي:
(فقال يسوع: [...] الأكل بأيد غير مغسولة فلا ينجس الإنسان) [متى 15: 16 و 20]
فلا يخدعنكم ما يقوله المتطرفون المسيحييون عن إلههم هذا، فالنصوص واضحة جداً.
.......يتبع
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مغالطات يسوع المنطقية - 3
-
مغالطات يسوع المنطقية - 2
-
مغالطات يسوع المنطقية - 1
-
الإزدواجية العقلانية المسيحية
-
في مسألة كلبية يسوع
-
في مسألة عري يسوع
-
نصوص كذب يسوع
-
غرائب المنطق في الوطن العربي البائس
-
التعامل مع فاقدي السلطة الأخلاقية
-
الفقه اليهودي والمبادئ الإنسانية الليبرالية
-
نصوص التوحش الإسرائيلي
-
منطق السقوط المعكوس
-
جرائم الحرب الإسرائيلية يا أيها الغثاء
-
يسوع والمرأة السورية – 6
-
أكره أن أودع أحداً
-
حتى نفهم التطرف السلفي المسلح
-
يسوع والمرأة السورية – 5
-
أنتم صنعتم داعش
-
يسوع والمرأة السورية – 4
-
يسوع والمرأة السورية – 3
المزيد.....
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
-
-حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي
...
-
شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل
...
-
-المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|