|
ليالي المنسية (رواية) الجزء 30
تحسين كرمياني
الحوار المتمدن-العدد: 4597 - 2014 / 10 / 8 - 20:30
المحور:
الادب والفن
2تموز/1981
وصلت مركبات وهبط الجنود،شاركنا الوافدون الجدد،هيأنا لهم وجبة غداء سريعة،ستة جنود وضابط برتبة ملازم ثان،على قمة الساتر الترابي خلفنا مباشرة زرعوا هيكلاً حديدياً كإخطبوط أو عنكبوت في لحظة قنص فريسة أو لحظة قتال،قالوا: ((جهاز رازيتا)) هذه الكتلة الخضراء،تمتلك وظيفة شيطانية،أنها ترسل أشعة غير مرئية،فوق بنفسجية،عبر النخيل،عابرة لمسافة قد تمتد لستة عشرة كيلومترات كما جاء على لسان الضابط النحيف الخجول،تمر الأشعة بسرعة الضوء وترتد عندما تصطدم بكتل حديدية باركة أو متحركة في الجانب المعادي،جهاز قالوا أنه قديم،صناعة بريطانية،تم تفعيله وشحنه إلى جيشنا كونه يوفر لقطعاتنا إستمكانات فاعلة،تعزم من التواجد وتكتم حركة الجانب المعادي،بعدما توفر فرص إصابات نادرة وحاسمة لمدفعيتنا،دقيق في إعطاء إحداثيات تقاس بالأمتاؤر،من على شاشة صغيرة يمكن تحديد الهدف ومساره وإعداد القذيفة المناسبة له من مدفع بعيد المدى،بعد إتفاق مسبق مبرمج ما بين الجالس خلف الشاشة والواقف خلف المدفع رامي القذيفة. أنها الحرب..كل طرف يوظف قدراته المالية،ونذالاته الشيطانية،يضحي بكامل الشعب وكل أحلام المستقبل من أجل كسب الحرب،من أجل دحر غريمه. من بين الجنود كان الجندي الأسمر(صباح)،بصراوي مرح،دنا مني،تعارفنا من غير مقدمات،ورحنا نتجول عبر غابات النخيل،يحكي لي عن حياته التعيسة،وأحكي له عن حياتي المضاعة. (صباح)في جولة صباحية،سحب أقسام بندقيته وسط ذهولي،برك يستهدف هدفاً،في البدء خلت أن عدونا قد تسلل،وربما لمح خنزيراً منفلتاً من قطيعه،لكن الهدف ظهر،قطيع من البقر،وحشتها الحرب،لا تستأمن البشر،من مسافات بعيدة تفر محدثة عاصفة غبارية. طلقة واحدة أسقطت عجلاً،ظلّ يتخبط،ينهض ويسقط،ظلّ القطيع يكافح لنجدته،لكنه فر بعدما يئسوا منه، كان(صباح)قد وصل إلى الضحية وبحربته فصل رأسها،شق بطنها،أخرج(المعلاك)وأقتطع اللحم من الفخذين،وترك البقية للجرذان وبنات آوى،جاء يلهث،مدمي الأسمال،لم أجد تفسيراً لما حصل..قال: ((أنها الحرب..عليك أن تأكل كثيراً قبل أن تقتل)) ((هذه جريمة شرعية،وتبذير يا أخ صباح)) ((عندما تجوع عليك أن تسرق وربما تقتل كي لا تموت،أرواحنا عزيزة يا أخ حبيب)) عدنا. صعدت رائحة الشواء من رهط جهاز الإستمكان،ومن يومها بدئوا بقنص القطيع حتى قضوا عليه. (صباح)،حين كان طفلاً،تركت أمه البيت،هاجرت برفقة بحّار شاب،كانت تغتسل على حافة الشط،وقفت السفينة وهبط منها لشراء طعام وسجائر،نست أم(صباح)أنها زوجة فلاّح،وأبنها في القماط،غازلها البحّار ورافقته من غير تردد ومن غير مقدمات،أبوه سرد له حكاية أمّه عندما كبر وبدأ يسمع كلاماً يجري علناً أمام مسامعه. ((أمّي كانت مبتلية بالشهوة،وأبي لم يكن موفقاً لإشباعها،ضبطها مع شباب،كانت حامل،خاف أن يرميها خارج البيت،كان أبي ضعيف الإرادة،قليل الحول،ترك أمرها،لكنها وجدت الفرصة التي قصمت ظهر حياته،ودمرت حياتي،ترعرعت على الفقر،كبرت بعسر،ها هي الحرب تستدعيني،يجب أن أخالف كل ما هو مشروع،كل عمل منافي يشعرني بأنني أسترد أو أحقق نصراً،إنتقاماً لمجهول يسكنني )) كان يحكي بعينين دامعتين،بقسوة لسان،بتوسل،بخضوع،قال كل شيء بصراحة،فتولدت فيه نزعة التمرد،عدم الخوف من المغامرة،تلك هي دوافع رغبته في تدمير جماليات الحياة،ينحر بقرة كاملة من أجل لقيمات لحم،يقتلع نخلة كاملة من أجل لوك لقيمات من(جمّارها). أن ما ميز(صباح)عن رهطه،عدم شعوره بالمسؤولية،عدم إطاعته الأوامر،ولم أجد ضابطهم الشاب يتعسكر عليه،كان مسكوناً بالخوف،لا يبارح الملجأ إلاّ لماماً،فقط عندما تقتضي الضرورة لقضاء حاجته. ميزة أخرى باغتني بها(صباح)،كنّا نتجول،قبل أن يتركني ويدخل بيتاً مهجوراً،خلته يقضي حاجته،لكن غيبته طالت،مشيت ودخلت البيت،وقفت أنظر إلى ستة غرف،من أحدى الغرف خرجت(أتانه)قبل أن يخرج(صباح)وهو يزرر بنطاله،لم تتبدل ملامح وجهه،كان غارقاً في العرق،فاتحاً فمه..قال: ((أنها الحرب،عليك أن تفرغ شهوة جسدك أينما كان،قبل أن تقتل)) لم أعقب،خرجنا نمشي..قال: ((أخ ـ حبيب ـ عشت حياتي مع الـ حمير،في الليل أتسلل عندما ينام أبي إلى الخرائب لبيوت الجيران،دائماً أجد واحدة تمنحني الراحة الجسدية،وتروض فيّ روح تدمير جماليات الأشياء من حولي)) ((أنت متهور وخارج عن ركب البشرية ـ صباح ـ)) ((صدقني لو تقبل الحكومة لتزوجت أتانه)) ((وما دخل الحكومة بالشواذ)) ((أتدري من بعد قصة أمّي لم أجد رغبة في الزواج بفتاة)) ((على ما يبدو أنك مسكون بالعقدة النفسية المحرّمة)) ((على أقل تقدير أنها لا تفلق رأسك بمغريات الحياة)) ((لكنها مثل أمك تعشق الآخرين)) ((يمكنني ربطها في البيت وأمنعها من الخروج)) ((لكم أنت حيوان يا ـ صباح ـ)) ((يجب أن نكون حيوانات عندما يحكمنا حيوان)) ((هذه فلسفة خطيرة)) ((أنها الحرب يا ـ حبيب ـ)) عند جدول ماء،نزع أسماله وتعرى بالكامل من غير خجل وهبط يغتسل. مشينا،بدأ بقطع الأغصان المتهدلة،وكلما يلمح طيراً أو عصفوراً ينحني،يلتقط خصا ويقذفها،أهوج مثل ثور مربوط،عرف أنه مساق للذبح. ((بقاءك هنا خطر على الحرب)) ((أنا أحارب بطريقتي الخاصة،علي أن أحارب حتى تحقيق حلمي)) ((وما هو حلمك يا ـ صباح ـ)) ((أن أصبح رئيس جمهورية هذه البلاد)) ضحكت وضحك معي. ((لم تسلم منك الأغصان فكيف تدير شؤون العباد والبلاد)) ((صدقني سأعيد البلاد إلى عصر العفوية والخير،سأخلصها من عصر الإنحطاط،سأمنع ركوب المركبات،على كل وزير في دولتي أن يركب الحمير وهو يذهب إلى وزارته)) ضحكت،ربت ظهري وضحك. ((حسناً دول الجوار ستقوم بتربية الحمير كي يتم تهريبها إلى دولتك سيادة الحميرـ عفوا ـ الرئيس)) ((أتدري لم أعشق الحمير؟)) ((كل كائن ينجذب لجنسه)) ((أرجوك أنا رئيس،خاطبني كرئيس)) ((حسناً سيادة الرئيس،تحتاج إلى وزارة تعنى بشؤون الحمير)) ((كلا..ليست وزارة،بل وزارات،وزارة التوليد،ووزارة تعنى بصحة الحمير،ووزارة تعليم الناس الرفق بالحمير)) ((حتماً ستغير المناهج الدراسية وتجعل صور الحمير في كل تقاطعات الشوارع)) ((بل ستكون صور الحمير تتصدر صحف دولتي،وأجعل صورة كبيرة في كل دائرة وربما أفرضها على المنازل)) ((حتماً ستغير عنوان دولتنا أيضاً)) ((كل شيء في أوانه،ما أجمل أن ترى كل الناس على ظهور الحمير،أنها العفوية،أنها الوحدة،أنها الحياة)) ((يبدو أنك نسيت علم دولتك)) توقف وحدجني بنظرة..قال: ((سأركب واحداً وعلى الوزراء المختصون تنفيذ المرسوم الذي ينص على وضع اللقطة على كل مرفق من مرافق دولتي)) ضحكت ولم يضحك،صمت ومشينا عائدين. 11تموز/1981
يوم عادي،لا رغبة في الفطور،حياتي تتهرأ ورقة ورقة،الجنود يلعبون بأحجار الدومينو،النائب الضابط متمدداً على ظهره،يقرأ في جريدة(القادسية)،وحدي أجلس تحت نخلة برحية قرب الملجأ،من الساتر الزراعي،قرب جهاز ـ الرازيتا ـ يرتفع دخان شواء اللحم،يرتفع الدخان قبل أن يتعرض لصفعة هواء يبدده. *** ((أجمع نجوم الليل/لأبني لكِ مدينة خيال/قد أكتشف في النهار/مدينة كريستال/أوأكوام رمال)) *** ((أنها الحب/لا كما يقولون:/أنها الحرب/يا دمعة الماضي المراق على جثة حلمي/يا مانحة فرص الجمال رغم صمتك المتعال)) *** ((عنادكِ عصافير ضجت أوان الرغبة/في روحي وجدت أعشاش حريتها/من وظف في روحك أسلاك الحصار؟/ومنع نهر دمعي أن يجري ليسقي سواقي وجدكِ المتعال)) *** ((في صحني ظلّت سكين الأمل تنتظر فاكهتك/بين رغبتين رقصت مشاعرك/نار ونور كنتِ/وأنا أتقاذف فوق جمر الحيرة/مثل بلوط الشتاءات القصية/تدفعني..الصرخات/لذبح كلاب حراستك/آن أن أعلن غاصباً دولتك/ ليكن ما يكن/صرخن الرفيقات/أخوات اللذة/حاملات الشهوة والآهات/أنها المكيدة/صاحت رفيقة/صاح الفؤاد/أنها الحب/فظلّت روحي تسقي جذوركِ يا(وداد)/قبلما تصرخ حكومتنا/أيها الشعب/أنها الحرب/فمات القلب/وصار الوطن رماد/من لحظتها غدت حياتنا بلا أعياد)) ***
#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليالي المنسية(رواية)الجزء 29
-
ليالي المنسية (رواية) الجزء 28
-
ليالي المنسية ( رواية ) الجزء 27
-
ليالي المنسية (رواية) الجزء 26
-
ليالي المنسية (رواية) الجزء 25
-
ليالي المنسية (رواية) الجزء 24
-
ليالي المنسية (رواية) الجزء 23
-
ليالي المنسية (رواية) الجزء 22
-
ليالي المنسية (رواية)الجزء 21
-
ليالي المنسية(رواية)الجزء العشرون
-
ليالي المنسية(رواية)الجزء التاسع عشر
-
ليالي المنسية (رواية) الجزء الثامن عشر
-
ليالي المنسية(رواية)الجزء السابع عشر
-
ليالي المنسية(رواية)الجزء السادس عشر
-
ليالي المنسية(رواية)الجزء الخامس عشر
-
ليالي المنسية(رواية)الجزء الرابع عشر
-
ليالي المنسية(رواية)الجزء الثالث عشر
-
ليالي المنسية(رواية)الجزء الثاني عشر
-
ليالي المنسية(رواية)الجزء الحادي عشر
-
ليالي المنسية/رواية/الجزء العاشر/
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|