|
الرواية الفلسطينية في الشتات ( 1 _ 3 )
رجب الطيب
(Rajab Ata Altayeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4597 - 2014 / 10 / 8 - 09:03
المحور:
الادب والفن
الرواية الفلسطينية في الشتات ( 1 _ 3 )
تقديم: يعتبر فن الرواية فناً حديثاً في العالم العربي، ساهمت حركة المثاقفة مع الغرب الأوروبي نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحالي في التعرف عليه، وعلى ذلك فقد لاحظ النقاد العرب بأن الاهتمام بهذا الفن قد بدأ عن طريق الترجمة والاقتباس وحتى أن أوائل من كتبوا الرواية العربية كانوا ممن توفرت لهم فرص الدراسة في عواصم الغرب "باريس، لندن، روما، وغيرها"، وهم نفسهم تقريباً من شاركوا في حركة النهضة من روّاج التنوير والعقلانية في العالم العربي. وربما كان هذا هو السبب الذي جعل بواكير الرواية العربية تظهر في مصر ولبنان وفلسطين، وإذا كانت مصر قد احتلت مكانة الصدارة في حركة النهضة الحديثة، بعد أن فتح محمد علي الباب واسعاً أمام فكرة نشوء القومية المصرية، التي وجد معادلها الثقافي بعد ذلك في نخبة من رواد التنوير: رفاعة الطهطاوي، قاسم أمين، ثم طه حسين والعقاد والحكيم، ومعهم صاحب أول رواية عربية تحققت فيها شروط الفن الروائي محمد حسين هيكل بروايته زينت، وإذا كانت لبنان قد حققت مكانة متقدمة، نظراً لعلاقتها الاجتماعية الوثيقة مع فرنسا، فإن فلسطين بمكانتها المتوسطة قد قدمت مساهمات ريادية هامة، ومبكرة، خاصة على صعيد الترجمة، يؤكد ذلك اعتبار روحي الخالدي رائداً عربياً للأدب المقارن، بعد ترجمته فيكتور هوجو، وعززت ذلك مجموعة الترجمات للأدب الروسي تحديداً، التي قام بها مجموعة من أعلام الفكر والثقافة الفلسطينيون. وعلى ذلك ظهر عدد من روّاد الرواية الفلسطينية مع أوائل القرن العشرين، منهم: خليل بيدس صاحب "الوارث" سنة 1920، وجميل البحيري المتوفي سنة 1920 وأحمد الكرمي المتوفي سنة 1927م. ثم ظهرت مجموعة من الروايات التي حققت حضوراً هاماً: "مذكرات دجاجة" لأسحق الحسيني سنة 1946، "في السرير" لمحمد العناني سنة 1946، "مرقص العصيان" لعارف العارف سنة 1947، و"في الصميم" لاسكندر خوري سنة 1948. وهكذا كان يمكن للرواية الفلسطينية أن تسير في طريقها كشقيقاتها العربيات، لولا الحدث/ الزلزال، الذي تعرضت له البلاد الفلسطينية، التي اغتصبت في العام 1948م. وما أحدثه لاحقاً هذا التطور / المفصلي على المجتمع والشعب، ثم الكتاب ومبدعي الرواية الفلسطينية على وجه الخصوص. ونظراً لأن الشكل الروائي يعتبر من أكثر الإشكال الإبداعية قدرة على التعبير عن الحالة المجتمعية، فإنه يبدو من الصعب أمام أي باحث أو متابع لفن الرواية أن يعزل قراءته عن التطور المجتمعي العام، فضلاً عن الأحداث الهامة أو الحادة التي يتعرض لها المجتمع، من مثل هذا الحدث الجلل، نكبة العام 1948م. أن أية إطلالة، مهما كانت سريعة وعاجلة، على بعض أو مجمل النصوص الروائية، التي كتبها الفلسطينيون، بعد العام 1948م، تشير إلى التغيير النوعي في طبيعة وجوهر هذه النصوص الروائية، ارتباطاً بهذا الحدث العام. بل يمكن القول بأن الرواية الفلسطينية التي ظهرت في الشتات، يمكن أن تقدم صورة عن طبيعة المجتمع الفلسطيني الذي تشكّل بعد ذلك العام، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه الرواية جزءاً لا يتجزأ من الرواية الفلسطينية، وأن ملامح هذه الرواية بالذات، قد حدّدت ملامح خاصة للرواية الفلسطينية عموماً. رواية اللامكان، أو الرواية المنقوصة: على أن أول إشكالية تواجه الدارس أو الباحث، إنما تتعلق بتعريف رواية الشتات أو رواية المنفى، بهدف تحديد إطارها ومجال البحث معاً، فهل هي رواية الفلسطيني المقيم خارج حدود فلسطين التاريخية، بغض النظر عن هوية النص؟ أم هي رواية الفلسطيني التي تدور حول الموضوع الفلسطيني؟ أم هي الرواية الفلسطينية التي جعلت من كاتبها الفلسطيني ومن ذاتها جزءاً من الوعي الفلسطيني بذاته عبرها؟ هنا نجد أنفسنا أمام ثلاثة مستويات: الأول: هل نحن بحاجة إلى ببلوغرافيا توثيقية، لا تحدد ملامح الرواية الفلسطينية، بقدر ما تنسب مئات النصوص لعشرات الكتاب، ذوي الأصول أو الجنسيات الفلسطينية المركبة (فلسطينية/ أردنية، فلسطينية/ سورية، فلسطينية/ لبنانية..الخ). الثاني: أن نقترب أكثر من حدود الانتساب للحقل مدار البحث، مما يتيح لنا المجال للحديث عن كمٍ وليس عن كيف أو نوع. الثالث: يحقق المغزى من الكتابة ذاتها، ويضع محتوى، شخصية، ثم ملامح خاصة للرواية الفلسطينية، والتي ارتباطاً بالواقع الفلسطيني نفسه، لابد لها أن تؤرخ له ولها، آخذين بعين الاعتبار واقع الانشطار الذي أحدثته النكبة عام 48، ما بين داخل وخارج، ما بين وطنٍ وشتات. مفهوم الشتات: لابد من الإقرار بوجود مجموعة من الدوائر المحيطة بفلسطين (الأردن، لبنان، سوريا، مصر) ثم الدول العربية الأخرى (الكويت، الإمارات، السعودية، ليبيا)، ثم أمريكا، أستراليا، وأوروبا. هنا يظن التساؤل واضحاً، هل مفهوم الشتات يرتبط بوجود التجمعات الفلسطينية (المخيمات أو تجمعات العمل والإقامة). أم حيث يوجد الروائي الكاتب؟ وإذا كان الباحث يوثق وعياً، فإنه يصبح غير معني بكتابة فلسطيني لرواية فلسطينية أو غير فلسطينية هنا أو هناك، بل برواية فلسطينية تؤكد ذاتها، وتعيد إنتاج شرطها الإبداعي عبر تحولها في الوعي العام، أي أنه يعبر معنياً بالبحث في نص اعترف به الفلسطينيون، قبل أن يبحث هو في طبيعة ظرفهم. الأمر الذي يعتبر على علاقة وثيقة ليس بالمعنى المكاني الحصري، وإنما ارتباطاً بالمجاميع البشرية أو التجمعات الفلسطينية ذاتها. وحتى يسهل البحث في الوصول إلى إطار وجوهر الصورة، لابد من التعامل مع المسألة ارتباطاً بمراحل تطور الحالة الفلسطينية العامة، التي كونت عبر صيرورتها محتوى لوعي الذات، وعلى ذلك فإنني أعتقد بأنه من الأصوب القول برواية فلسطينية في المنفى، وليس برواية فلسطينية في الشتات، ذلك أن مفهوم الشتات مسّ وحدة المجتمع الفلسطيني، فيما تشكل الوعي في المنفى على قاعدة فقدان الأرض، التي حققت خاصية هامة للرواية الفلسطينية المكتوبة بعد عام 1948، حتى لو أنها صدرت في الأرض الفلسطينية المحتلة. ولأن الفلسطينيين الذين احتلت بلادهم، وتشتت خارجها معظم سكانها، إلاّ أنهم جميعاً عانوا من فعل النفي، حتى لو كانوا مازالوا يقيمون على أرضها. رغم التدخل في الدلالة بين المصطلحين، إلاّ أن مصطلح المنفى، يمنح دلالة خاصية للنص الذي نبحث فيه، والذي دار حول عنصر المكان، وعبّر عن حالة مختلفة عن حالة الشتات التي عرفها "اليهود" على سبيل المثال. وذلك أنه حدث وأن ظهرت رواية فلسطينية مرتبطة بتجمع فلسطيني كبير (الأردن)، كتبها فلسطينيون، وتناولت موضوعات فلسطينية، لكنها تحوّلت بعد أن كف ذلك التجمع بعد عام 70 عن التفاعل مع صيرورة الوعي الفلسطيني بذاته، إلى جزءٍ من المكوّن الحديث للرواية الأردنية. الأمثلة كثيرة بالطبع، وتتعلق بالسؤال كيف نقرأ: جمال ناجي، إبراهيم نصر الله وسواهما؟ رواية المنفى هي جزء من المشروع الروائي الفلسطيني، الذي تعرّض إلى انعطافة بعد عام 1948، وارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشروع الوطني (م.ت.ف والفصائل) وهي تعني بأنها رواية تعي ذاتها وتتوق إلى العودة، ولا تتعامل مع واقعها في الشتات باعتباره حالة دائمة. أكثر من ذلك، ألا تعبّر الرواية التي ارتبطت بالظاهرة الفدائية، رغم تنّقل صاحبها في المكان عن مستوى أو عن حالة من حالات الرواية الفلسطينية المعاصرة؟ هذا يقودنا في الحقيقة إلى الحديث عن مرحلتين رئيسيتين في تطور الرواية الفلسطينية في المنفى، ارتباطاً بتتابع الزمن، وليس التراتب في الجودة. المرحلة الأولى: وهي مرحلة التبشير بوعي الذات، ونموذجها البارز غسان كنفاني. المرحلة الثانية: مرحلة معايشة الوعي بالذات، وهي مرحلة الثورة الفلسطينية، ومن المعبرين عن هذه المرحلة: يحيى يخلف، ليانة بدر، عمر شاهين، أفنان القاسم.. إن الدخول إلى الصورة يقتضي الإشارة إلى السؤال حول إن كانت الكتابة في جغرافيا الوطن، مقصية السيادة، تعتبر كتابة في الشتات؟ نقصد بالطبع الكتابة في الضفة والقطاع بين عامي 48-67 ؟ ثم إذا كنا كما أشرنا سابقاً بصدد تشكيل إطارٍ لصورة، ولسنا بصدد الظفر بمادة توثيقية، حيث يصبح الحديث عن أو تناول نماذج الحالة أهم من البحث في تفاصيل مكوناتها، وإذا كنا مقابل رواية أميل حبيبي، على اعتبار أنها تمثل نموذجاً لرواية فلسطينية في الوطن، ثم رواية سحر خليفة باعتبارها تمثل نموذجاً رديفاً لرواية فلسطينية في الدائرة الثانية من الوطن. فإن اعتبارنا لرواية غسان كنفاني نموذجاً لرواية الفلسطيني في المنفى، ثم رواية يحيى يخلف كنموذج لرواية الفلسطيني المعايشة للثورة، والمواكبة لتطور أحداثها، مع الإشارة إلى نماذج روائية منهم: ليانة بدر، عمر شاهين، رشاد أبو شاور.. فإن الحديث يظل منقوصاً وناقصاً دون تناول رواية جبرا، التي قد تعتبر خارج إطار تصنيفنا المشار إليه، وإن كانت تعتبر واحدة من مثلث الرواية الفلسطينية المعاصرة (أميل، جبرا، غسان كنفاني). وبغض النظر عن فساد الوعي وعماه، الذي لم يميز جنسية جبرا، فإن صاحب التجربة الروائية المتميزة، التي بدأها قبل نصّه المشترك مع عبد الرحمن منيف "عالم بلا خرائط" بفترة طويلة، الفنية بالتكنيك والثراء اللغوي، والتي تظهر على أبهى شكل في "البحث عن وليد مسعود" مروراً بـ"السفينة" التي ذكرّت الفلسطينيين بايثاكا هم، وألهمت الشعراء بعد ذلك، على عقد المقارنة مع تراجيديا الإغريق، فإن جبرا يعتبر نموذجاً لحالة فلسطيني ولحالة فلسطينية روائية في آنٍ معاً، لابد من الاهتمام المطوّل بها.
#رجب_الطيب (هاشتاغ)
Rajab_Ata_Altayeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحق في الرحيل : رشاقة النص السردي وحداثته !
-
فلتغفري : مدونة القلق الحداثي روائيا !
-
غزة : الكف الذي يناطح المخرز
-
جنسية معتز قطينة : السؤال الوجيه لا يبني نصا روائيا !
-
الرواية / الوثيقة التاريخية !
-
الأجنبية : حين تتحول اليوميات الى نص !
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|