ميساء البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4596 - 2014 / 10 / 7 - 21:47
المحور:
الادب والفن
(3)
نظر إليَّ بحنان مفاجىء وقال : أنتِ لا ذنبَ لك .. أنتِ يا صديقتي بلا أدنى شكٍ تكفين .. حضورك الملائكي يكفي .. ورود استقبالك تكفي .. رحيق كلامك يكفي .. كل شيء منك يكفي ويكفي .. فتعالي إليَّ .. دعينا نشرب أحاديث القهوة معاً .. ثم أقرأ من بعدها عينيك .
تنفست الصعداء أنني خرجت من هذا المأزق بسلام , على الرغم من أنني كنت أثق برجاحة عقل الخريف , وسعة صدره , وأنه لن يقف عند مسائل بسيطة , ويترك حضوري الأكثر أهمية يمرُّ دون أن يقبِّله من بين عينيه , ويتصفح عناوين الأخبار من مقلتيه , ويسمع أعذب الألحان من بين شفتيه , ويغني ملء صوته كما اعتاد في كل خريف على موائد اللقاء .
بدأت مشوار التذمر والشكوى , ألقيت برأسي على صدره , وأغرقته بدموع اختلط فيها الصدق مع الكذب !
الخريف وحده من يسمح لي بالكذب أحياناً , كي أبوح له بكل ما يعتمل في قلبي من عواصف , وبراكين ثائرة , وينتزع هو بمهارة الحاوي الحروف الملتوية كما تُنتزع من العجينة الشعرة ,
دون أن أشعر أنا , أو يشعرني هو كم بُحت إليه بحديثٍ كذب !
قلتُ , كما كل خريف أقول , وأتذمر , وأطيل في الشكوى , وحيدة أنا , هجرني قومي , وهجرتهم , وأنني أمضيت الوقت , أعدُّ الساعات بانتظار أن يلوح إليَّ الخريف بيده , وها قد أتيت قبل الوقتِ بوقتٍ طويل لأنمق الجلسة , وأنني وضعت له ركوة القهوة قبل الفجر بدهر , لكنَّه البرد آخذ معه كل أبخرة القهوة , وأنني أرسمه كل صباح في دفتر الرسم , وأعرض لوحاتي على المارة , لكنهم يمرُّون عنها كأنها غير مرئية لهم , أوكأنني أنا التي لا أرى .
قلت كثيراً .. كثيراً .. وكان الخريف يصغي إليَّ مستمعاً .. لا يقاطع حديثي أبداً .. لكنَّه كان يخرج منديله بين الفينة والأخرى ليمسح الدمع المنكسب بغزارة المطر , قبل أن يخربش الكحل معالم وجهي , فأبدو كلوحة تاهت فيها ريشة رسام فلم تعد تدري أهيَّ أرض أم بقايا حطب ؟
#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟