|
عمارة مابعد الحداثة : المصطلح والمفهوم
خالد السلطاني
الحوار المتمدن-العدد: 1293 - 2005 / 8 / 21 - 11:44
المحور:
الادب والفن
انطوت الفترةالاخيرة من النشاط المعماري العالمي المعاصر ، على جملة متغييرات جذرية طرأت على الممارسة المعمارية ، وعلى " مفهوم " العمارة ذاتها ، ممارسة و مفهوم جديدان ، لا ينتميان كثيرا الى ما كان مألوفا وشائعا في السابق . ولم يتسم النشاط المعماري المعاصر على قطيعة واضحة عن ما سبقه فحسب ، وانما انطوى ذلك النشاط على سبر اغوار وافاق ثقافية غير معلومة وغير معتادة في الطرح المعماري او مفاهيمة وتجلياته . وهذه المرحلة من المتغيرات الجذرية المعمارية التى نتكلم عنها ، هي بالطبع وليدة متغيرات كثيرة ومتعددة المستويات شملت فروع المعرفة الانسانية بكل تنوعها واختلافاتها. ولئن اتصف مسار التطورات المعمارية السلبقة على نمّّو انسيابي وتدريجي ، ليفضي في الاخير الى اساليب واتجاهات معمارية متباينة ، لكنها ظلت تحتفظ بمرجعية قيمية متماثلة ، فان التحولات التى آلت اليها المقاربات المعمارية المعاصرة لا تمت كثيراً الى تلك القيم والمبادئ التى انتمى اليها النشاط المعماري السابق ، كماان نوعية الطروحات ذاتها اتسمت على " طفرات " اسلوبية حادة . ويشبه احد النقاد المعماريين مثل الاحداث التى شغلت العمارة المعاصرة واساليب تحولاتها وآلت الى مفاهيمها الجديدة ، كمثل شخص راكب سيارة ، تجوب به في طرق مختلفة من ارض مستوية الى مناطق متموجة ، وآخرى جبلية ؛ لكن السيارة تظل في الاحوال كافة ، صالحة لانجاز مهام السير في تلك الطرقات ، الى ان يعترضها نهـر – يقتضي عبوره تغيير وسيلة الركوب والانتقال من السيارة الى وسيلة عبور اخرى الى ما يشبه الزورق ، او السفينة لتحقيق مهام العبور ؛ فالاساليب والحركات المعمارية المعاصرة هي الان بمثابة زورق ، لا علاقة له بتاتا بما كان مألوفاً ومستخدما في السابق .
قد يبدو المثال السابق منطوٍ على مبالغات واضحة ، بيد ان مما لاشك فيه ، بان مجمل ما حصل في الممارسة المعمارية المعاصرة اتسم على متغيرات جذريةسببها التبديل الذي طرأ على مفهوم العمارة ذاتها . فبينما كان الهدف الاساس للنتاج المعماري على مدى قرون هو الاقتراب اكثر فاكثر من مركز العمارة ، وادراك القضايا الاساسية النابعة منها ، بدأت العمارة المعاصرة بتوسيع اهتماماتها ، متأثرة بالتحولات الحاصلة في حقول المعرفة الاخرى ، بعبارة ثانية ، ثمة تحول حصل في التعاطي مع العمارة من محاولة ادراك دواخلها ، ومركزيتها ، الى محاولات فهم حدودها وتخومها ، ووفق مؤلف كتاب " الجماليات المعمارية الجديدة " ، فان " الفعالية المعمارية ما هي سوى شكل من اشكال المعرفة، حالها حال الرياضيات والفيزياء والادب، ولتوسيع شكل المعرفة هذا ، ينبغي النظر الى علاقاتها بالانظمة الاخرى ، ذلك لان العمارة لا تستورد قيم معينة من انظمة اخرى ، انها تصدر لها قيمها .. ايضاً " . من ناحية اخرى اثرت طروحات ما يسمى بتجديد " المعنى " التى بشرت بها مقاربات " ما بعد الحداثة " ، اثرت تأثيرا مباشرا وغير مباشر على الناتج المعماري المعاصر ، ولاسيما تلك المحاولات التى عنيت في اجراء تطعيم جرئ لمفهوم " المعنى " من خلال ادخال " الدلالة على الماهية ، والغيرية على الهوية ، والمختلف على ما هو مؤتلف ، والاشارة على العبارة ، والغياب على الحضور الخ .. "
يشار الى كتاب " روبرت فنتوري (1925- ) Robert Venturi "- " التعقيد والتناقض في العمارة " (1965 ) ، كحدث مهم في مجرى التطورات التى شهدتها الممارسة المعمارية المعاصرة ، اذ عد ّ نص ذلك الكتاب كمؤشر واضح لميلاد مفاهيم نظرية جديدة ، تخالف وتعارض المناهج المعمارية السابقة وتطبيقاتها البنائية . فالكتاب المكتوب بلغة اكاديمية رصينة والمنطوي على تحليل نماذج معمارية كثيرة ، مستقاة من تطبيقات الممارسة المعمارية الماضوية او من الممارسة الحديثة ، هذا الكتاب يسخر من محدودية التعاطي مع مفاهيمية العمارة السائدة في الاوساط التصميمية المعاصرة ، وبالاخص من الثنائيات او بالاحرى من المقابلات الثنائية التقليدية ، والفرز الاحادي ونقاء الانتماء الاسلوبى ؛ مناديا في كتابه الى اهمية التعاطي مع اطروحة تصميمية جديدة اختزلها بحرفي "عطف" هما : ، طارحا فكرة تصميمية جديدة تعتمد على مبدأ تجميع الاشياء بدلاً من التعاطي مع فكرة التفاضل فيما بينهما ." و " الجديدة ، بدلاً عن التمسك بموضوعة " او" السابقة ، ، اذ وضع " فنتوري " جوابا لتساؤل قائم " بانه يحب هذا وذاك من العمارة بدلاً من الاطروحة السابقة " اما هذه < او > ذاك .." ، فالقضية في نظره ليست خيارا مابين ابيض او اسود ، وانما يكمن في محصلة امكانيات الجواب الذي يمكن ان يكون : ابيض <و> اسود ، .. ورمادي ايضاً ، واذ طبق " روبرت فنتوري " طروحاته على العمارة وصل الى نتيجة اساسية بان كل ما انتج سابقا ، وما تعودنا عليه ، وما الفناه ، هو بسبب هذه الـ" أو " بدلا من الـ " و " ، الامر الذي ادى لان تكون عمارتنا احادية المعني ، نقية ، ووظيفية ،وبالتالي فان معالجات وحلول تلك العمارة اتسمت على قدر كبير من الانقطاع والغربة والتنصل عن مشاكل الحياة واساليبها المعقدة والمتناقضة ، وعن طريق التعقيد والتناقض ربما تحل اشكالية العمارة المقطوعة الصلة عن الواقع المعاش ! في كتابه " التعقيد والتناقض في العمارة " يحاول " فنتوري " ان يمتحن بعضاً من جوانب النشاط المعماري ، وبالذات حالتي : التعقيد ، والتناقض في الممارسة التصميمية ، وهو يصل الى قناعات معاكسة تماما الى معنى القول المأثور الكلاسيكي والمنسوب الى " ميس فان دير رو " ، والذي بشير الى " ان القليل يعني .. الكثير " { Less is.. more } ؛ فيعتقد المعمار ، وفقا لاطروحته بان " الكثير لا يتأتى من .. القليل ". وهو هنا يود ان يوجه رسالة واضحة مفادها بان الرمزية ، والتزيين ، اللذان لا وجود لهما في اعمال المعماريين الحداثيين الكلاسيكين ، امثال " ادولف لوس " و " ميس فان دير رو " ليس سوى نقيصة ، نقيصة تكوينية ؛ وبالتالي فان اسلوبهما النقي هذا ، ماهو الا طراز ينزع الى تغاضٍ عوامل عديدة ، كان بمقدورهما اثراء الناتج المعماري ؛ وبالنسية الى فنتوري ، فان " القليل " المعلنة كمبدأ مقدس ابان المرحلة السابقة ، نجم عنه زهد وغموض لفا الممارسة المعمارية السابقة وطبعاها بطابع معين ، ولهذا فان ذلك " القليل " في رأيه هو بمثابة امر ممل boring ليس الا . يرجع " روبرت فنتوري " مرارا الى قضايا الادب والفن ؛ ويحاول ان يربط تلك القضايا المثارة في هذين الجنسين الابداعيين مع اهتمامات العمارة ، وهو هنا يتعقب اثر التعددية والتعقيد في منجزهما الابداعي ، ويستشهد باعمال " الفنانين الشعبيين – "البوب آرت Pop-Art ، كمثال جيد لرؤية سيرورة المفارقات وتبديل السياق والتغيير الدائم في الابعاد والاهداف ، سعيا من اجل فسح الباب واسعا لامكانات الادراك الحسي واحتمالات القدرة على الفهم ونفاذ البصيرة . وبهذا فان ما يهم " فنتوري " هو حضور معمار بمواصفات جديدة مختلفة عن ما كان يتصف به المعمار سابقا ، ولا يشعر " فنتوري " بحرج ليصف نفسه كونه معمار "البوب آرت ". وكما عند الفنانين انصار " البوب آرت " ، يسعى " فنتوري " الى كسر الحدود والغائها بين مواصفات الفن المبتذل والفن النبيل ، ومرة اخرى ، مثلهم تماما ، يقتلع " فتوري " مكان الاشياء المعتادة من اطارها المرجعي المألوف ، ويحرص على ان يعرضها لنا في معانٍ اخرى ! في كتابه الثاني " درس من لاس فيغاس (1972 ) "Learning from Las Vegas ، والذي كتبه بالاشتراك مع زوجته " دينيس- سكوت بروان Denise- Scott Brown ومع ستيفان ازينيور ، يكرس فنتوري ورفيقيه نصوص الكتاب لشؤون وقضايا اطارها المعرفي خاص بالعمارة والتصميم ، والكتاب موحي به اصلا ، من " حلقة دراسية " سبق وان نظمت في جامعة ييل . يثير مؤلفو الكتاب اشكالية اساسية في مهام التنظير المعماري المعاصر ،وهو ما يختزلوه في رمزية مباني " البطـة " Duck و صيغة " السقيفة المزخرفـة "Decorated shed ؛ وهذان الرمزان الشكليان يستخدهما " فنتوري " ورفيقاه للتعبير عن خصوصية مسار العمارة والفقه المعرفي للمهنة المعمارية . التقط " فنتوري " صورة < كشك > للاكلات الجاهزة السريعة على الطرق الخارجية. كان ذلك " الكشك " كناية عن مبنى يقترب من مفهوم القطعة النحتية ، فقد كانت هيئته عبارة عن " بطـة ضخمـة" ؛ اي ، ووفقاً لتعبير " فنتوري " ، فان المعنى الرمزي في المعالجات التصميمية فيه ، شغلت حيزا اكثر بكثير من .. العمارة ذاتها . وعلى عكس المبنى – البطـة ، يشير مؤلفو الكتاب الى اطروحة اخرى يسميانها بـ " السقيفة المزخرفة " والتى ماهي سوى علبة وظيفيـة بحتة ، تزدان باعلان Advertisement مثبت في اعلاها ، ويتعاطي مؤلفو الكتاب مع شكلانية الهيئة التى رسماها لنا ، كونها تمثل نزعة زخرفية مستقلة ومتحررة تماما عن عمارتها . ويستسيغ " فنتوري " بشكل اساسي ويقبل نموذجي " البطة و " السقيفة المزخرفة " ، كشكلين اساسيين في العمارة ، ويشير بان كلا النموذجين يمتلكان مبررات نشوءهما في تاريخ العمارة ، وهو يجزم ، وبدون اعتبار كبير ، " بان مبنى كاثدرائية " امينس Amiens (1220-1236 ) المشهور ، ماهو الا اعلان ضخم مع سقيفة بجانبه ، والتى بسبب شكالها الرمزي ، استحالت الى مفهوم : البـطـة "! ، كما يؤكد المؤلف بان مفهوم " البطة" لعب دورا كبيرا واساسيا في عمارة الحداثة . يكتب احد النقاد المعماريين بان " ظاهرة ما بعد الحداثة " والتى راجت اعتبارا من نهاية الستينات ، والتى عبرت عن التنوع والتعقيد من خلال التهكم والسخرية والتبسيط والدعابة وكذلك من خلال علاقاتها الايجابية بالتاريخ والثقافة اليومية ، ان تلك الظاهرة ما كان لها ان تحضر ، ذلك الحضور البليغ ، في الخطاب المعماري ، من دون نظريات " روبرت فنتوري " ورسومه التخطيطية السريعة!
لم تكن تلك الطروحات وليدة تداعي افكار منعزلة عن ما كان يجري في المشهد الثقافي العالمي ابان عقدي الستينات والسبعينات ، فالملاحظ تنامي الاحساس بالنفور وعدم الرضا ، ضد دوغماتية الافكار المعمارية السابقة وتوجهاتها ، ورأى كثير من النقاد بان على العمارة مواكبة ايقاع المتغيرات التى تشهدها الثقافة المعاصرة ، والا ستبيقى اسيرة الافكار القديمة والانقطاع التام عن الواقع والحياة . لقد انعكس التنوع الحاصل في المجالات الثقافية على الناتج المعماري و على اهتمام المعماريين ، وهيمنت التعددية pluralism في الاعمال المعمارية ، واستوعب الخطاب المعماري المعاصر اتجاهات مختلفة الواحدة عن الاخرى . ورأى بعض النقاد بان التعددية ماهي الا تعبير عن تعددية الاحداث التى تجرى في العمارة وما حولها ، او هي حرية جديدة تتسم بالديمقراطية وتسمح لكل معمار ان يعمل ويصمم كما يروق له ، وهو امر لم يكن بمقدور المعمار ان يفعله سابقاً ، انه يعيش في عالم حرّ ولهذا فهو تعددي ! وفي الاخير فان التعددية تعني التنوع ، والاختلاف ، الوفرة والاثراء . وكما اسلفنا فان التغيير الحاصل في الممارسة المعمارية كان دائما له اسبابه الخاصة ، لكن المتغييرات السريعة التى طرأت على حقول المعرفة المتنوعة الاخرى ، في الاونة الاخيرة ، امست باعثا للتحولات السريعة في الطروحات المعمارية ذاتها ، ويعني هذا بان المتغييرات المعمارية الحالية لم تكن بواعثها من داخل العمارة ، او من نطاقها المهني ،وانما بدواعي مواضيع بعيدة جدا عن اهتمامات العمارة ومجالها . ومن تلك المواضيع مثلاً : - التطورات العلمية الحاصلة في مجال الكمبيوتر وانظمة البرمجيات ، والاستفادة من احدث تقنيات محاكاة الكومبيوتر computer simulation للقوى الفيزياوية والبيئية التى بامكانها التأثير على مبنى معين ، ذلك انه بالامكان الوصول الى شكل بنائي مثالي عن طريق دمج الاشكال التى تنتجها القوى المختلفة ، وليس من خلال آهلية الحل المعماري . - الاستفاددة من العلوم الجديدة كعلم الكونيات الحديث Cosmology ، وما يسمى بعلوم التعقيد Sciences of complexity ، الامر الذي نتج عنها اهتمام خاص بالحركة الموجـية والتى اثرت بدورها على نشوء طروحات معمارية معاصرة كعمارة الامواج واللويات Waves and Twists . - توظيف المعلوماتية والعولمة ؛ فسرعة الاتصال ونقل المعلومات بين انحاء العالم ، يجعل الاخير يبدو وكأنه عالما متماثلا ، ان مثل هذا الشعور ينمي احساسا بالاختلاف في الوقت ذاته ويزيد من الشعور في تكريس خصوصية الافراد ، فبقدر حصول تجانس في البيئة الحضرية وطوبغرافيتها ، فان هذا التجانس يخلق وعياً حاداً بخصوصية كل اقليم عن طريق زيادة الوعي بالاختلاف . - متابعة تأثيرات الازمات والمشاكل الناجمة جراء التطورات الحديثة السربعة على البيئة الحضرية ، ومن اجل ادراك ردود " امتصاص " تلك الازمات وفهما ، تبرز اشكالية ما يسمى اعادة الصياغة الفضائية الحضرية المستمرة . وينظر الى السلوك الفوضوي للمدينة المعاصرة وكأنه جزء من اعادة تحوير للانظمة Orders ، بدلا من من اعتبار ها دليلاً على اختفاء النظام . - تطبيقات العمارة الذرية Atomic Architecture ؛ ان الثورة الذرية الحاصلة الان ، ستزودنا بالوسائل اللازمة لابداع ابنية مشيدة عن طريق التلاعب بالنظام الجزيئي والمكونات الذرية للمواد . ويتم هذا من خلال تسخير تكنولوجيا تغيير المكونات الاساسية للمواد ، ووفقا للمتطلبات البيئية والتركيبية ، وتعرف هذه العمليةاليوم بـ Nano Technology < وكلمة Nano - بادئة تعني : جزء من مليون من كذا > ؛ مع الاستعانة بالكمبيوتر في اعداد محاكاة لترتيبات ذرية مختلة ، قبل بدء العملية الانشائية ؛ ذلك لان سيكون بالمستطاع ، مثلاً ، اعادة " هيكلية بنى التربة التى تحمل الابنية ، من دون الحاجة لتقويتها بسكب آلاف الاطنان من الخرسانة المسلحة في الاساسات ، وغيرها من الامكانيات المختلفة الاخرى .
وبالاضافة الى تلك المتغيرات ، فقد طرأ تبديل اساسي فيما يخص التعامل عن مدى مصداقية الدراسات الحديثة ، التىاعتمدت مسلمات افضت لتحديد معايير ومقاييس معينة استندت لاحقاً عليها الحلول التصميمية في تحديد ومعالجة عمارة المباني ؛ فالراحة المناخية مثلاً ، التى حددت معايير معينة لخلق< مايكرو- مناخ > داخل الابنية ، اثيتت فشلها؛ ذلك لان اكثر من 90% من ساكني تلك الابنية يفضلون ظروف التهوية والاضاءة الطبيعيتين على " موديل " مايكرو- مناخ المصمم ، وعبر توظيف الامكانات التى يتيحها الكمبيوتر واسلوب المحاكاة ، اصبح بمقدور المعمار ان يصمم نموذجأ ثلاثي الابعاد لبيئة ملائمة ومثلى ، وان يكون هذا النموذج منطويا على " حيز " يوفر تنوعاً من ظروف عديدة تتطلبها احتياجات الانسان المستخدم لذلك الحيز. علما ان تصميم هذا الحيز المبتدع لا يقتصر الان على المعماريين لوحدهم ، وانما تمت دعوة فنانين تشكيلين من اجل اثراء الفضاء المعماري جماليا باستخدام الالوان ووسائل الفنون التشكيلية المتنوعة . يربط بعض المعماريين الان انتاجهم بما يسمى بمفهوم السينماتغرافيا Cinematography ، ودورها في تطور البيئة المبنية ، وذلك من خلال اكتشاف الفضاء الحجمي في الزمن . فالتجربة الفعلية للفضاء المعماري الذي يحس به شخص ما يشبه لما يحسه ضمن تسلسل معين في فيلم ما؛ لكن الاول يختار الاتجاه الذي يسلكه بنفسه ، بينما الثاني يتبع طريقاً مسبق التحديد . وفي كلا الحالتين ، الواقع هو مفروض علينا ، ويترك الخيال ليملأ الفراغات ، فالفرق الاساسي اذاً يكمن في عنصر السيطرة ، السيطرة على تحديد المكان الفضائي في الحيز المعاش او المستخدم .
تم ادخال جميع المفاهيم الجديدة المتنوعة والمتعددة تحت خيمة تسمية هي " عمارة ما بعد الحداثة " Post- Modernism . ويبدو ان تحديد هذا المصطلح وتوظيفه في ادبيات النقد المعماري ، ساهم على ما يبدو في اضفاء الطابع الرسمي لحضور تلك الحركات في المشهد المعماري المعاصر والتىبدأت باكراً منذ منتصف الستينات ،وازداد نشاطها وتأثيراتها رويداً رويداً لتشمل جميع تجليلت الخطاب المعماري المعاصر . وتبنى هذه التسمية احد النقاد الامريكان الذي سكن انكلترة مؤخراً وهو جارلس جينكز Charles A Jencks (1939) ، في كتابه الذي بات مصدراً ومرجعاً كلاسيكياً لتلك الظاهرة وهو " لغة عمارة ما بعد الحداثة " : Post –Modern Architecture ( 1977 ) . الذي حظى بقبول ايجابي ومثير من قبل المهنيين والقراء معا ، وصدر منه طبعات عديدة في زمن قياسي ، كما ترجم نصه الى لغات عديدة .ويعود الفضل الى جينكز في تمرير وتحويل مصطلح " مابعد الحداثة " من التعبير الادبي الذي استخدم هناك اول مرة عام 1975 ، الى العمارة ، وعلى الرغم من الكتاب يتصف ، وفقا لاحد النقاد ، بالاستنتاجات غير الرصينة وملء باشكالات غير دقيقة وغير مقنعة ، لكنه مع ذلك حظى بترحاب جيد سواء من قبيل المهنيين اوغيرهم ؛ ويتناول " جينكز " في كتابه اشكالية نظرية ، كانت آنية وملحة عنذاك وقت اصدر كتابه ، وهو ما دعاها باشكالية " موت العمارة الحديثة ". ويصرح في نصه .." نحن سعداء لنعلن تاريخ موت العمارة الحديثة ؛ لقد انتهى مفعولها بصورة تامة وبشكل كامل عام 1972 !" وهوالتاريخ الذي تم هدم مجموعة من المباني السكنية المتعددة الطوابق ، نفذت في اعوان 1952-1955 وصممها " منورو ياماسـاكي Minoru Yamasaki ؛ وبالجير بالذكر ، والشئ بالشئ يذكر ، فان " ياماسـاكي " – هو مصمم مبنـّي " مركز التجارة الدولي " W.T.C في نيويورك بالولايات المتحدة ، اللذين انهارا ، اثر تعرضهما لهجوم ارهابي نفذته القاعدة ، في 11 سبتمبر 2001 □□ د .خالد السلطاني مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
#خالد_السلطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زمن - الجهاد - الارهابي : زمن الارتداد المشين
-
عمارة مكتبة الاسكندرية : الحيز ، المكان ، والزمان
-
سلالة الطين : الكاتب ، والكتاب
-
تسعينية جعفر علاوي - العمارة بصفتها مهنة
-
مسجد ما بعد الكولونيالية
-
رسالة مفتوحة الى برهان شاوي
-
صفحات منسية من تاريخ العراق المعماري: مبنى مجلس الامة-الى ال
...
-
تحية الى 9 نيسان المجيد
-
نكهة العمارة المؤولة
-
مصالحة ام ... طمس حقوق؟
-
مقترح شخصي ، لادانة جماعية
-
المشهد المعماري في الدول الاسكاندينافية بين الحربين - صفحات
...
-
الانتخابات و - رياضيات - الباجه جي المغلوطة
-
العمارة في العصر الاموي : الانجاز والتأويل - مقدمة كتاب ، يص
...
-
تجليات العمارة العضوية : نتاج رايت في الثلاثينات - صفحات من
...
-
في ذكرى عبد الله احسان كامل
-
بزوغ( الار نوفو .. واختفاؤه ) تيارات معمارية حديثة _ من كتاب
...
-
قضايا في العمارة العراقية :العمارة ، بصفتها منجزا ً ثقافيا
-
ثمانينية خالد القصاب : المثقف المبدع ، المتعدد المواهب يتعين
...
-
صفحات من كتاب سيصدر قريباً - العمارة الاموية : الانجاز ، وال
...
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|