ايمان محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4595 - 2014 / 10 / 6 - 13:48
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
(08)
حين بلغت آلاء التاسعة عشر , تقدّم شاب في حيّنا لخطبتها
_أمي اليوم جاء عبد الله إلي و انا في المقهى , لقد طلب آلاء مني كزوجة له
_ عبد الله , سمعت أنه يعمل معلما" للغة العربية في مدرسة ابتدائية مختلطة , اعرف والدته و أخته كنّ يأتين لخياطة الثياب عندي
_ أخجل أن اتكلم مع أختي , ستخبرينها أنتِ كي أعلم عبد الله بموافقتها و تأتي النسوة و تتفقن على التفاصيل
تدخل آلاء مكفهرة الوجه , يبدو أنها كانت تتنصت
_ من قال أنني سأوافق
_ عزيزتي أنه عبد الله إبن أم سمير التي ... تقاطعها آلاء
_ لا يهمني من يكون , لا اريده
فسألتها مستغربا "
_هل أساء أدبه معكِ قبل أن يطلبكِ مني , هل تحدث إليك مسبقا"؟
_ كلا
_ إذن كيف تحكمين على الرجل قبل أن تعرفيه , أنه يصلي معي في المسجد و سمعته مثل الورد
_ قلت لا , لااا ... ثم تنصرف مهرولة نحو الحجرة التي تنام فيها مع والدتي
_ ما هذا ؟ أمي ما ألأمر ؟ ! ظننتها ستسعد
_ دعك منها يا عماد , أنا سأحدثها الليلة بهدوء , هكذا هم الفتيات يرفضن في البداية ثم يوافقن من غير شروط ( تضحك و تحني رأسها خجلا ) انا فعلت نفس الشيء مع أبيك رحمه الله
_ القرار لها في النهاية , لن أجبرها إن لم ترغب به , أخبريها بأني أحترم رأيها فلا تقلق مني
بعد أيام أدركت أن آلاء مصرةٌ على رفض الخاطب و لم يكن بوسعي إجبارها فلزمتُ الصمت تجاه ذلك , قد تكون تحمل في مخيلتها صورة لزوج المستقبل تختلف تماما عن عبد الله
حصلت على تعيين كضابط شرطة , صرت انفق على البيت و انصب جلّ إهتمامي على أخي عمار , أنه طالب في المرحلة الإعدادية , مجتهد و ذكي , لا أريده أن يقاسِ مثلي , بدأت أشجعه و أقوي عزيمته , يدرس كثيرا مما جعله يلجأ الى طبيب العيون الذي نصحه بإرتداء النظارة الطبية , الوحيد الذي يرتدي نظارة في البيت , لطالما سمعت والدتي تقول :
_ سودة علية عمّار , لبس نظارة من القراية , ليل نهار يدرس , يا رب تنول مرادك يا ابني بحق محمد و آل محمد
...................
(09)
بعد مرور عام على تعييني كضابط شرطة و ذات يوم و كالمعتاد انا في محل عملي في مركز الشرطة , حصلت مشاجرة في السوق و جيء إليّ بالمعتدي و بعض الشهود
فتحت محضرا للتحقيق و تسجيل اقوال الشهود
_ اسمك ؟
_ علي حسين كاظم
_ عمرك ؟
_ سيدي ارجوك
_ قلت عمرك
_41 سنة
_ عملك
_ قصاب
.....
كان ملخص المشاجرة كألآتي ...
الجزّار الذي يرتدي دشداشة بيضاء و سروال ابيض , قُبِض عليه و هو يلكم رجلا في السوق , و حسب أقوال الشهود أنه كاد يقضي على الرجل لولا تدّخل الناس المارة , كان الجزّار رجلا" قوي ذو عضلات مفتولة بارز الصدر , بالتأكيد سيكون كذلك فعمله كجزّار جعل عضلاته تنمو
_ لماذا ضربت المدعو عبد المجيد في الشارع ؟
_ سيدي ذلك الرجل سرقني , لقد إقترض مني مالا قبل عام و لم أستلم منه فلسا" واحدا" حتى اليوم
_ و هل أعاد اليك النقود حين ضربته ؟
_ سيدي أرجوك يجب أن أخبرك بشيء مهم
_ هل الشيء له علاقة بقضيتك
_ كلا
_ إذن أجب على سؤالي , هل عاد إليك مالك بعد ان ضربته
_ كلا يا سيدي
_كان بإمكانك أن تقيم دعوة عليه تطالب فيها بحقك , فلو أن كل شخص فعل فعلتك هذه لعمّت الفوضى . هل تعلم أن الرجل الذي لكمته أحيل الى المشفى مغمىً عليه من لكماتك و تقرير الطبيب يقول أنه سيبقى تحت المراقبة لمدة لا تقل عن 24 ساعة إثر تلقيه ضربات قوية على رأسه , لقد أوقعت نفسك في ورطة الآن و سأضطر لسجنك حتى يخرج الرجل من المشفى و يتنازل هو أو ذوويه عن حقهم
_صدق حين قال أبو المثل ( صبح الطالب مطلوب )
_ لا أريد أن اسمع صوتك , خذوه الآن للحجز
_سيدي أرجوك لي طلب على إنفراد
_ما هو ؟
_ على انفراد يا سيدي , أرجوك فألأمر ضروري , لا استطيع قول كلمة امام رجالك
_حسنا"
امرت الكاتب و رجال الشرطة بالإنصراف
_ماذا الآن ؟
_ هناك فتاة
_فتاة !!
_إمنحنِ حلمك يا سيدي , لي صديقة أواعدها في دكاني في السوق الفلاني , تأتي إليّ كل أسبوع مرة او مرتين و و ... انت تعلم يا سيدي
_نعم و ما علاقتها بالقضية ؟
_لقد كنت معها قبل المشاجرة و أغلقت عليها باب الدكان و خرجت لإحضار غداءا لي و لها و لا أحد يعلم بها سواي أنا و الآن انت يا سيدي
_ و المطلوب
_أن تطلقني , ساعة واحدة فقط أذهب فيها لأحرر الفتاة و أقسم لك أنني سأعود ..أرجوك سيدي إنها بنت عائلة مستورة و إذا إنكشف أمرها فسَتُقتَل
_ بنت عائلة و تفعل ذلك
_ لقد أحبتني , أرجوك سيدي الوقت يداهمنا
_ حسنا" سأرسل معك شرطي
_ كلا أتوسل إليك فأغلب الناس يعرفونني بالقصاب ابو حسين و أخشى على الفتاة من الشرطي الذي سترسله معي فقد يلاحقها او يهددها او يبلغ الأمر مسامع زوجتي
_آاه يالّ لهذا اليوم , سأذهب معك بنفسي و لكنني سأجعلك تدفع ثمن فعلتك أيها الزوج الخائن
_إفعل بي ما تشاء
خرجت أنا و الرجل و قد وضعت الحديد في يده من الخلف لئلا يغدر بي
أبدى بعض الشرطة إستغرابهم من خروجي مع السجين لوحدي , حتى بعد ان الفقت كذبة قائلا"
_ سآخذ القصاب الى المشفى كي نأخذ أقوال المعتدى عليه و لحل المشكلة بالتراضي
كانت كذبة واضح فهذا ليس الإجراء الروتيني ثم أنني أصدرت قبل قليل أمرا" بسجن القصاب فكيف أغير رأيي الآن , لابدّ أن المنتسبين إعتقدوا أن القصاب قد وعدني برشوة رغم أنني ضابط شرطة ذوو سمعة طيبة و نظيفة و لكن الناس تسيء الظن دائما ...
قدت السيارة بنفسي و الرجل بجانبي مكبّل بالقيود ...و أنا أقود أفكر كيف لفتاة أن تفرط بشرفها مع رجل لأجل الحب , كان الصمت يسود تلك اللحظات و لكن ضوضاء الأفكار تعج في رأسي , لا عذر لأي إمرأة مهما كانت الظروف التي دفعتها لذلك , نظرت الى القصاب , لم يكن يتكلم إلا بعض الكلمات ليرشدني إلى محل عمله حيث الفتاة سجينة تنتظر الغداء , فجأة وجدتني أسأله :
_ قلت أنها أحبتك , وهل مثلك تحبه إمرأة ؟
_ لا تحكم عليّ من تلك المشاجرة يا سيدي فأنا كريم مع ألأنثى , كريم و طيب
_ هكذا توقع بالنساء
_أنا لا ألاحق إمرأة و لا ادنو عليها ما لم تبادر هي بذلك
_ و صاحبتك بادرت
_إنها إنسانة فقيرة
_ إذن باعت نفسها من أجل المال
_ كلا , لكنها وجدت بي إلإنسان الذي يعوضها ما تحتاج ...
_وماذا تحتاج ؟
_توقف هنا يا سيدي هذا هو محل القصابة الخاص بي , قصابة أبو حسين , ذلك كان أسمه
ترجلت من السيارة و فتحت الباب للرجل المكبل , قلت له ساخرا":
_إنزل أيها الولهان
_سيدي المفتاح في جيبي ألأيمن
نحن أمام الباب ألآن , بينما أفتح الباب أسمع صوتها , صوت إنثوي رقيق خلف الباب , صوت ملهوف طال عليه الإنتظار ,صوت مألوف لمسامعي
_ علي , لقد تأخرت أمي ستقلق عليّ
دفعتُ الباب , كانت خلفه ....نظرتُ إليها ....تشبه آلاء , كلا إنها آلاء ... أختي الصغرى
(10)
لم تكن سوى رصاصتين , رصاصة في رأسها و رصاصة في رأسه و وجهتُ المسدس نحو صدغي لكنه لم يطلق , لا أعلم لماذا لم تنطلق الرصاص رغم أني ضغطتُ على الزناد ... فضربتُ رأسي بالحائط و فار الدم كالبركان و غبت عن الوعي و أفقت في المشفى , كان إنهيارا عصبي ..لم أنطق منذ رأيتها و لم أنطق أثناء محاكمتي , لزمت الصمت لمدة شهرين
....
والدتنا المتعبة أصابتها جلطة دماغية فور بلوغها الخبر من مركز الشرطة , لقد عثر عماد على أخته آلاء مع رجل غريب في محل قصابة و قتلهما بمسدسه ...كانت فضيحة للعائلة , إنتشرت كالجراد في حيّنا بل في بغداد كلها , صاعقة نزلت على رأس أخي عمار أفقدته الثقة بنفسه أمام زملاءه و مدرسيه في المدرسة , لم يعد يذهب للمدرسة , ترك دراسته لعام كامل , لم يعد يستطع التركيز فيما يقرأ , كما لو أن عقله توقف ..
حكمت عليّ المحكمة بالبراءة لأنها قضية غسل للعار ...
و لكنني مجرم قاتل و أستحق الإعدام ....
كانت هذه إحدى قضايا الشرف و القتل غسلا للعار التي حُكِمَ فيها بالبراءة على القاتل ...
كانت هذه قضية الضابط عماد مع أخته الخياطة آلاء , قضية وردت إحدى المحاكم العراقية في سبعينيات القرن العشرين , حُكِمَ له بالبراءة لأنه غسل العار بالدم
فهل يُغسَل العار بالدم ؟؟
أصيب الضابط عماد بالجنون , ألأنه قتلَ أم لأن أخته خانت شرف العائلة ؟ هو نفسه لا يستطيع الإجاب على هذا السؤال
أُدخِل مشفى المجانين و بقي هناك عشرة اشهر خرج بعدها نصف عاقل او نصف مجنون ,
إضطر لبيع بيتهم و شراء بيت في مكان لا يعرفهم فيه أحد و تزوج من إبنة خاله الصغرى و كرس حياته في عمله و للإعتناء بوالدته حتى وافتها المنية , اما أخوه عمار , عاود الدراسة في مدرسة أخرى و ظل مجتهدا حتى صار طبيبا" و إختص بفرع امراض النساء و التوليد , لعله أراد أن يدرس عالم النساء ليستدل عن سبب دفع أخته لتلك العلاقة ... من يدري قد يكون إستهدى لسبب مقنع , لكنه عزّف عن الزواج و ظل عازبا" حتى اللحظة كما لو أنه فقد الثقة بكل الإناث بسبب أخته الكبرى التي لاطالما كانت تعطيه الدراهم كي يشتري الدفاتر و لوازم الدراسة مما تجنيه من عملها كخياطة ..
لكن عماد لا يزال يشعر بالذنب و يرى نفسه قاتلا" مهما كانت المبررات و ظل يردد دائما"
( القاتل قاتل مهما كانت المبررات )....
بقلم د.ايمان محمد
#ايمان_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟