|
الأزمةُ الثورية منعطفٌ أعرج، مُعوجٌّ ومتعرِّج نحو اليسار، وثبة انتحارية ما فوق الكارثة
حسان خالد شاتيلا
الحوار المتمدن-العدد: 4595 - 2014 / 10 / 6 - 00:35
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
ثورة الخامس عشر من آذار: الأزمةُ الثورية منعطفٌ أعرج، مُعوجٌّ ومتعرِّج نحو اليسار، وثبة انتحارية ما فوق الكارثة حسان خالد شاتيلا
انتهت الدول الرأسمالية الكبرى، الغربية منها والآسيوية، إلى جمع الرجعية العربية، تحت ظلِّ سدرتها الملطَّخة بدماء الشعوب، كي تتكالب مجتمعةَ على قضم العراق وسورية، وتمزيق، بوجه خاص، ولأول مرة ما بعد كل من معاهدة سايكس بيكو، وسلخ لواء الاسكندرون وجريمة الانفصال (1961)، تمزيق الأطراف الشمالية، والشمالية الغربية لسورية. لأول مرة، ما دام تدمير الإمبريالية للعراق ونهشه لها قديمٌ ومستمرٌ منذ ما يزيد على عقد من الزمان، وطالما يَنتظر بدوره كلٌ من القلمون، جبل الشيخ، والقنيطرة في الجولان المحتل، أن تتكاثر الأسنان القاطعة الحادة التي تنجذب من جهة لبنان، في وقت لاحق مناسب، برائحة الدماء الآتية من جهة سورية. إسرائيل أيضا مؤهلةٌ، بعدما يمتد القصف الجوي للحلفاء الجدد ذوي الفكين من خمسين ضرساً، لدعوة نفسها إلى مائدة الكلاب، متخفيةَ وراء الرجعية اللبنانية التي تقاضت مؤخراً من آل سعود مليار دولار، كي يستعد جيشها للمشاركة في هذه الحرب، بعدما يَعبُر إلى القلمون فوق جثمان حزب الله؛ إن قُدِّرَ للرجعية اللبنانية أن تفتك بالمقاومة في لبنان.
فلنشر، في ما الأزمة الثورية ماثلة أمامنا، أن البلاغات العسكرية عن عمليات الجيوش المتقاتلة في مدننا، بلداتنا وقرانا، لم تَعُد تترك أي مكان، مهما كان ضيقا، للبيانات السياسية. الأمر الذي يشير إلى أن هذه البلاغات العسكرية فارغة من أي مضمون سياسي، مجهولة من حيث أهدافها الاستراتيجية على المدى المرئي والبعيد، مما يجعل من عملياتها العسكرية مفتقدة للمبرَّرات.
أولا: مسارات وأزمنة الأزمة الثورية 1-) السياسة الشيوعية من حيث هي تَشْغَلْ حيِّزَ المادية التاريخية بأكمله: يجتاز الحالة السورية، منذ بداية الثورة وحتى غاية اليوم، مساران زمانيان تاريخيان، مسار الثورة الشعبية التي تواجه صعوبات كأداء، منها الذاتي، ومنها الموضوعي، صعوباتٍ تقف حجر عثرة أمام انتقال الطبقات الشعبية من الحالة العفوية التلقائية إلى العمل الواعي المنظَّم. ثورة شعبية ! إنها بالأحرى أزمة ثورية، طالما تتقاتل مجموعات سياسية متناقضة ومتصارعة في ما بينها لإسقاط النظام، الهيمنة على المجتمع، وقمع القوى المُنتِجَة، وقهر الطبقات الشعبية. الثورةُ، بخلاف الأزمة الثورية، فإنها توافق - من حيث التوقيت - سقوط السلطة، والتغيير الجذري الكامل للنظام السياسي والاقتصادي، وما يرافق هذا وذاك من تغيِّير نوعي للطبقات الحاكمة، والمهيمنة على المجتمع والدولة. فلنشر، منذ الآن، إلى أن ما هو سياسي، من وجهة نظر المادية التاريخية، يَشمل الصراع الطبقي الذي يختلف عن التناقض ما بين رب العمل والعامل حول أجور وساعات عمله، ويتكوَّن متحوِّلا إلى صراع الطبقات، عندما تتحول التناقضات محض الاقتصادية في نمط الإنتاج الرأسمالي إلى برنامج استراتيجي، سياسي، ثوري، يهدف إلى انتقال كل السلطات إلى البروليتاريا والطبقات الشعبية. الصراع الطبقي سياسي ٌدوما. لا وجود له، ما لم يتحوَّل فائض القيمة، وقيمة العمل، علاقات الإنتاج، القوى المُنتِجَة، وأدوات الإنتاج، ما لم يتحول كل ذلك إلى عملية استراتيجية سياسية ثورية. هذا، وإن ما هو سياسي يتَّسع إلى كل مكوِّنات المادية التاريخية. منها على سبيل المثال، التكوين الاقتصادي الاجتماعي، نمط الإنتاج الاقتصادي، صراع الطبقات، الدولة، الثورة، الحزب، النقابات، الثورة والثورة المضادة، المعركة لتقويض الإيديولوجية السائدة، والتطور التقني والمجتمعي لأدوات الإنتاج، إلخ. ففائض القيمة، وقيمة العمل، وأسعار المنتجات، وأسعار الأجور، والصراع الطبقي، في الحالة البدائية لكل منها، غير منظَّمَة، ومُفتقرة إلى التنظيم السياسي الواعي، كلٌ من هذه المكوِّنات للتكوين الاقتصادي الاجتماعي، من حيث هو محض اقتصادي، محض مادي، لا يتحوَّل إلى صراع طبقي مجتمعي، ما لم تحوِّلُه الإعمالية (العملياتية) الاستراتيجية السياسية الثورية التي ترتقي، بالاعتماد على أدوات المنظمات السياسية والنقابية والثقافية (الإيديولوجيا)، ما لم تحوِّل هذا العمل العفوي، الانعكاسي والميكانيكي، إلى عمل واعٍ منظَّم، وذلك عبر صيرورة النضال السياسي المجتمعي بكل أنماطه، التكتيكية، وبالاستراتيجية الثورية.
2-) المادية التاريخية من حيث هي إعمال استراتيجي، سياسي وثوري: النظرية بمعناها الشيوعي، المادي التاريخي، والتي قَوَّضَت، منذ ظهور "الإيديولوجية الألمانية" لماركس وإنجلز، قَوَّضَت الفلسفة والإيديولوجية ومذاهب المعرفة الأبستمولوجية، من المنطقية والتجريبية والنفعية والمثالية والوضعية والمادية الميكانيكية، ناهيكم والميتافيزيقا وعلم الأخلاق. فإن النظرية بمعناها الشيوعي، المادي التاريخي، والتي فَنَّدَت كل هذه المعارف التي تُعْتَبَر إيديولوجيات، ليست فكرا محضا، متعالٍ، أو منطقا من أية مدرسة فلسفية كانت، وعلى رأسها المدرسة الستالينية واليسار الهيغلي ومدرسة التطور الطبيعي، التي سَبَقَت الشيوعية إلى روسيا القيصرية، وشاركت على قدم وساق في الثورة البلشفية، وقد شَغَل قادة هذه الحركات الفكرية وروادها، من حيث هم أساتذة أكاديميين بلشفيين، حتى غاية نهاية الثلاثينات من القرن الماضي، مراكز قيادية في اللجنة المركزية للحزب ومكتبه السياسي، باعتبارها تيارات مادية ثورية، وذلك إلى أن أحالهم الأب ستالين إلى الإعدام صحبةَ ثلثي أعضاء اللجنة المركزية، بتهمة خيانة الثورة والتخابر مع دولة أجنبية. عنها، هذه أو تلك من المدارس والنظريات العقلانية والتجريبية، فإن الحقيقة تظهر في عالم الأنظمة الفكرية. فالانحراف المثالي على سبيل المثال، في المدرسة السوفياتية الستالينية المثالية، يتأتى من فصلها ما بين المادية التاريخية، والمادية الجدلية، واعتبار أن الأولى تطبيق للثانية منهما. في حين أن المادية التاريخية أو سع من المادية الجدلية، وهي التي تُوْسِعُ لهذه الأخيرة حيزا من المكان، ليس ذلك من أجل دراستها على حدة، ومن ثم تطبيقها على المادية التاريخية، وإنما لأن الماديتين الاثنتين، إن صح التعبير، يشكِّلان مادية واحدة، ألا وهي المادية التاريخية. بمعني أن المنطق الجدلي ليس مقولات عقلانية مستمدَّة من عالم الفكر، شأنه شأن المنطق الصوري وغيره من المدارس المنطقية العقلانية والتجريبية، بل إنه مجبول بطينة واحدة، هي طينة أو عجينة المادية التاريخية. النظرية بمعناها الشيوعي، هي هذا الانتقال لعالم العمل، من العفوية الانعكاسية الميكانيكية إلى العمل الاستراتيجي السياسي الشيوعي. من هنا، فإن الشيوعية، أو المادية التاريخية، إعمالٌ ثوري استراتيجي، متطور على مسار العمل. إنه الصيرورة من العمل العفوي، إلى العمل الواعي. إن النظرية، أو المادية التاريخية عملٌ متطور يتحول ويتناقض عبر العمل النضالي غير الواعي، وغير المنظَّم، ليتحول عبر إعمال سياسي مادي تاريخي، إلى عمل واعٍ، منظمٍ، وحزبيٍ. لذا، فإن العملية الاستراتيجية، أو العملياتية المادية التاريخية، على قطيعة معرفية مع الأنظمة الفكرية البحتة. إن المادية التاريخية تعي الواقع المادي عن طريق العمل، العمل التلقائي الميكانيكي الذي يتحول عبر التناقضات والتطور والتحول إلى عمل من نمط آخر، يَدفُن عالم الأفكار، ويُتَرجِم عن عمل منظَّم واعٍ.، حزبي سياسي. الأمر الذي يجعل، على هذا النحو، من المادية التاريخية برنامجاً سياسياً اشتراكياً ثورياً، او، بتعبير آخر، إعمالاً استراتيجيا، أوعملياتية استراتيجية تمتد ما بين الزمانين الاثنين للعمل. إنها النضال الثوري من أجل انتصار الاشتراكية العلمية.
3-) الفكر والعمل، النظرية والنضال، مُكَوِّنات مادية تاريخية مجبولة من/ وب/ وعن طينة واحدة: المادية التاريخية، من حيث هي إعمال استراتيجي ينتقل بما هو محض اقتصادي، محض مادي، محض تلقائي وعفوي، ومحض صراع طبقي افتراضي، معدوم التأثير في السياسة والمجتمع، لا أثر له في تنظيم الثورة، ما لم ينتقل به الإعمال الاستراتيجي السياسي، من العمل في حالته كانعكاسات للواقع المتناقض، وردود فعل عفوية، إلى عمل واعٍ ومنظَّمٍ، مجتمعي واقعي مؤطَّر في إطار الاستراتيجية الاشتراكية الثورية. فالعفوية في حالتها محض المادية التاريخية هي، أولا وأخيراً، إعمال استراتيجي ثوري. إعمالٌ، بمعنى أن استراتيجية المادية التاريخية، تنتقل من العمل في حالته الأوليَّة، العفوية، التلقائية، الانعكاسية، إلى نظرية. هذه النظرية مجبولَةٌ بعجينة العمل بعدما تطور عبر الصراع والتناقضات والتطورات والأزمنة، ليتحوَّل إلى نظرية تساوي ما هي مجبولةٌ به/ومنه، ألا وهو طينة واحدة من العمل النضالي الثوري، متطورة، متحوِّلة، متصارعة، عبر أزمنتها. إنها المادية التاريخية. هذه العجينة المتكوِّنة من الفعل والفكر، وإن كانت تكوينا واحدا من العمل، وكان الفكر ممزوجا دوما بالعمل لا ينفصل عنه إلا عبر الزمان من حيث هو مادة الجدلية، ذلك أن العمل البدائي العفوي للجماهير الشعبية ليس معدوم الفكر والذكاء. فكل عمل نضالي ثوري، مُحَمَّلٌ بنواة الوعي المادي الثوري، مهما قل شأنه في الدرجات الدنيا للميكانيكية والانعكاسية. بمعنى آخر، فإن المادية التاريخية، من حيث هي تدمج ولا تفصل ما بين العمل والوعي، إلا أن العمل والوعي يتطوران كلٌ حسب زمانته التاريخية، دون أن ينفصل أحدهما عن الآخر. غير أن العمل يسبق دوما الفكر الذي يأتي متأخرا ما بعد الأحداث التاريخية. لاسيما وأن الفكر ما هو سوى العمل الذي كان عفويا ثم تحول عبر الصراع إلى عمل واعٍ منظَّم، يُسمَّى في الفلسفة ومناهج العلوم فكرا، مفهوما، منطقيا، ومفاهيم ومقولات منطقية. إن الفكر عملٌ واعٍ ما ينفك عبر الصيرورة في سياق موضوعي من التناقضات والتطور والتحولات، يصير ويتكون في/ومن عجينة واحدة، هي بدورها تصير وتتطور.
إن العمل الثوري مهما قل شأنه في درجات الوعي والعمل، فإن زمان العمل يتقدَّم دوما على الفكر، من حيث هو عمل صائرُ نحو العمل الناضج الواعي المنظَّم. فالعلاقة ما بين العمل العفوي والعمل الواعي المنظم، أو الفكر، هي كالعلاقة بين الليل والنهار، ما دام النهار حيِّزٌ للعمل، للكفاح، والشقاء، بينما يتَّسع الليل للتفكير . ذلك أن الزمان هو وحده حاملَ التناقض والتطور والتحول والصيرورة. فللعملِ زمانته، وللوعي زمانته. بتعبير آخر، فإن زمانية الوعي تتطور، تتناقض تتحول، وتصير مجبولةَ بالعمل الثوري، غير منفصلة عنه، حسب وتيرتها الزمانية. لأن العمل العفوي كالعمل الواعي المنظَّم في المسار الشيوعي المادي والنضالي، يخضعان، حسب الإعمال الاستراتيجي، لزمان من النضال الشيوعي والإعمال الاستراتيجي. لذا، فإن الأزمنة التاريخية لهذا المعجون المادي التاريخي، تتطور مكوناتها المجتمعية الاقتصادية العسكرية والإيديولوجية، أي السياسية، سياسات الحزب والنقابات والمنظمات، تتطور، من حيث هي مجتمعية، اقتصادية، وأيديولوجية، كل منها على مسارات زمانية مادية، سياسية استراتيجية، من التناقض، الصراع، التغيِّير، الصيرورة والتحوُّل، ليتحوُّل كلٌّ منها، بالرغم من أزمنتها متباينة الوتيرة، ضمن المعجون الواحد، من عمل ميكانيكي إلى عمل واعٍ تنظيمي ومُنَظَّم. فليعلم كتاَّبنا "الماركسيين"، أن الأزمنة التاريخية، وهي الحاملة للتطور والتغيُّر، التحوُّل، التناقض والصيرورة، من حيث أن هذه الحالات من الأزمنة التاريخية، هي الحيِّز الذي تجري به/وفيه/ومنه، حالات التطور، التغيير، التناقض والتحوُّل. إنها أزمنة سياسية لا علاقة لها بالعامين الاثنين، الهجري والميلادي. إن سياسة المادية التاريخية متأتية من/وعن الإعمال الاستراتيجي للبنة المادية التاريخية، هذا المعجون الواحد للفكر والعمل. فلنقل إن النظرية ما هي سوى العمل وقد أصبح وعيا منظما بعدما كان تلقائيا، عفويا وانعكاسيا. فالنظرية بحد ذاتها، كالمادة والاقتصاد والطبيعة منعدمة الوجود الواقعي المادي التاريخي والمجتمعي، ما لم يَنتقل الحزب الاشتراكي الثوري، مما هو محض ماديٌّ، اقتصادي، تلقائي، طبيعي، حيوي، مجتمعي وعفوي، ما لم ينتقل بكل هذه الحالات أو المُكَوِّنات إلى درجة أعلى من العمل، تُعرَّف من حيث هي النظرية، على أن يُفهم من حالة النظرية أنها المسارات الزمانية المتطورة، المتناقضة والمتحوِّلَة، التي تنتقل من عمل نضالي متقدِّم، إلى عمل متأخر، نضالي منظمٍ واعٍ سياسي واستراتيجي. إن النظرية ليست أي أمر آخر غير هذا الإعمال السياسي الاستراتيجي الثوري الذي يتكون عبر مسارات المادية التاريخية، وصيروراتها.
4-) تفنيد مفهوم المنهج لدى "الماركسيين" والشيوعيين: هذا التباين أو هذه المفارقة بين زمان العمل وزمان الوعي تنفي عن المعجون الواحد للفكر والعمل تهمة المثالية التي تتزرع بحجة مؤداها أن التماهي بين الفكر والعمل ينفي التناقض المادي التاريخي. إن المثاليين بما ذلك الشيوعيين والماركسيين منهم، سقطوا في المذاهب المثالية عندما ميّزوا بين المادية التاريخية والمادية الجدلية، بين الفكر والعمل. منهم، على سبيل المثال، أنطونيو غرامشي، ولويس آلتوسير، ومعهما المتحدِّرين من الستالينية في سورية وغيرها. إنهم لا يُدركون أن التباين ضمن المعجون الواحد مكَوَّنٌ من مسارات زمانية تاريخية، متناقضة، حالات من المفارقات، متصارعة ومتغيِّرة، وصائرة ومتحوِّلة، بوتائر من السرعة والبطء متباينة، وإن كان الوعي يَلْحق بالعمل دوما. أي ما يسميه دعاة الفصل ما بين المادية التاريخية والمادية الجدلية ب/"المادية الجدلية". المادية الجدلية، وِفْقَ ما تعلَّموه في الجامعات والأكاديميات والمدارس، هي الواقع الملموس بأعين النظرية ومنهجها ومنطقها، والجدلية هي المنطق العقلاني والمنهج الجدلي. هذا الواقع الملموس بفضل النظرية الجديلية المنطقية والمنهجية (الماركسية المثالية)، هو منطق النظرية ومنهجها الذي يُطبَّقُ على الواقع الملموس كي يصبح الواقع واقعا عقلانيا مفهوما. إنهم يعتقدون عن يقين لا يتزحزح أن المادية الجدلية مصدرها العقلانية. وما المادية التاريخية إلا تطبيق لهذه النظرية العلانية الجدلية. قُّلّْ- حسب ماركسياتهم المدرسية والجامعية - إن الماركسيةَ منهجٌ عقلاني جدلي. أو بتعبير آخر، فإنها، بصفتها منهج علمي، هي صندوقٌ للأدوات الهندسية والبيولوجية والرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلم الفلك والفضاء والمجتمع والاقتصاد والفلسفة والمنطق وعلم الاجتماع وعلم النفس والتاريخ والسياسة. فالماركسية "من حيث هي منهج"، فإن الشيوعيين، بفضل "منهجية" الماركسية، يُمسكون بالواقع الملموس، حسب ما ينشره الأساتذة والدكاترة، من تعاليم ماركسية. إن هؤلاء وأولئك يقيسون موازين القوى وصراع الطبقات والتكوين الاقتصادي الاجتماعي ونمط الإنتاج الرأسمالي وصراع الطبقات والكفاح لدحر الإمبريالية وغيرها من المكوِّنات المجتمعية السياسية، بمقاييس وقوالب "المنهج الماركسي"، أي مقولات المادية الجدلية. لذا، تُراهم لم يُحرزوا أي تقدُّم يُذكر على طريق الشيوعية. ذلك أن المادية التاريخية التي تُوسِعُ حيِّزا، صغيرا أو كبيرا، مركزيا أو هامشيا، في نضالاتها للمنهج، فإنها لم تَحفظ عن ظهر قلبٍ ما يكتبه أصحاب "المنهج الماركسي" الذي يلقى في السنوات الأخيرة رواجا منقطع النظير لدى قُدامى الشيوعيين السوريين. إذ إنك تجد منذ الأسطر الأولى للتعريف بشيوعيتهم أو ماركسيتهم وبرامجهم عبارة تؤكد أن "الماركسية كمنهج...".
إن المنهج المادي التاريخي، من حيث هو مُكّوِّنٌ واحدٌ منها، إذ هو يدحض ويفنِّد أمثال هذه التعريفات المنهجية المنطقية الفلسفية العلمية، فلأن منهج المادية التاريخية كامنٌ بصورة ظاهرة وصريحة في الواقع الملموس. لذا، فإن المادية التاريخية تبحث عن المنهج في الواقع الملموس، وتتعقَّبه في متن مواكبة ًالصيرورة، الصراع والتناقض والتغيُر والتحول، بالإضافة إلى الأطروحة، نقيضها، تركيبها، كما نفي النفي. إن المنهج المادي التاريخي، لمَا كان مِن صنع الواقع الملموس، فإنه يَطرح ويَنقض ويُرَكِّب الواقعي الملوس ماديا تاريخيا. وقد يأتي الواقع المادي التاريخي مبتور الساقين، أعوراً، وذلك على نقيض "المنهجية الماركسية" إياها (العقلانية، المنطقية). إن المنهج المادي الواقعي الملموس يكشف أو لا يكتشف، على نقيض أصحاب المقولات المنطقية العقلانية، عما تمليه الظروف الموضوعية من سياسات واستراتيجيات ثورية، وِفق ما يأتي أو ما لا يأتي به الواقع. فإذا كان منهج المادية التاريخية هو من صنع الواقع الملموس، ما يأتي أو ما لا يأتي به الواقع المادي التاريخي من تغيير وتناقض وصيرورة وتحول، ونقائض لأطروحات متغيِّرة متحوِّلة متناقضة، وهي عرضة لزوالها طالما تنفي نفسها بنفسها، إذ إنه واقعية المادية التاريخية تنفي في وقت متأخر، ما كانت نفته في واقع متقدِّم، من مكوِّنات الواقع المتغير والمتحول والمتصارع.
كلاَّ، إن المنهج يَشَكِّل مكوِّنا من مكوِّنات المادية التاريخية. إنه يشمل التكوين الاقتصادي الاجتماعي، نمط الإنتاج الرأسمالي، أو غيره من أنماط الإنتاج، النظرية والممارسة، المنهج، البنية السفلى والبنية العليا، المكوِّنات المادية في سياقها التاريخي، الموضوعية، الاستراتيجية والتكتيك... . إلا أن أيَّاً من هذه المكوِّنات لا يحل محلها. وإلا، فإنه يمسخها، يشوِّهها ويقلِّصها.
5-) واقعيةُ مكوِّنات المادية التاريخية سياسيةٌ ماديةٌ تاريخيةٌ بامتياز: هذا الإعمال الاستراتيجي لا ينفك عن الحزب الشيوعي المنحاز دوما إلى الطبقة العاملة، من حيث هي الحائزة على الحقيقة، بعدما انتقلت المعرفة من الفلسفة إلى المادية التاريخية التي تعادل الإعمال الاستراتيجي، وذلك مع ظهور البروليتاريا في القرن التاسع عشر. هذا الظهور الثوري الذي يحمل معه ثورة معرفية، تنقل، من حيث هي تفنِّد وتقوِّض الفلسفة، وتنبذ الأبستمولوجيا (نظريات المعرفة)، وتُقَوِّض الإيديولوجيان فإنها تنتقل بالمعرفة من الفلسفة، علم الاجتماع، علم الاقتصاد، إلخ، إلى المادية التاريخية السياسية. هذه الإعمالية الاستراتيجية الحزبية والسياسية ترتقي بساعد الطبقة العاملة والطبقات الشعبية ومنظماتها السياسية والنقابية، ترتقي بمكوِّنات التكوين الاقتصادي الاجتماعي، من حيث هو في مرحلته الأولى مصدر لانعكاس إعمالي، إلا أنه ما يزال حتى الآن عفويا، تنتقل به إلى عمليات تكتيكية على مسار من الاستعداد للثورة. فالمادي التاريخية ثورة معرفية، شَقَّت أو فُصلت المعرفة عن الفلسفة والإيديولوجيا، لتضع المعرفة بين أيدي الطبقة العاملة التي تُشَكِّلُ بظهورها كطبقة إنتاجية، مصدرا للحقيقة، مصدر على قطيعة مع الفلسفة والإيديولوجيا. من هنا يأتي انحياز الشيوعيين دوما للطبقة العاملة طالما هي التي أصبحت مصدرا للمعرفة. بتعبير آخر، فإن النظرية ما هي سوى الاستراتيجية الثورية والبرنامج السياسي لطبقة العمال وصغار الفلاحين وأصحاب الدخل المحدود، وغيرهم كُثُرٌ، وقد تحوَّل العمل في سياقها التاريخي عبر أزمنة التكوين الاقتصادي الاجتماعي، وصراع الطبقات، إلى عمل سياسي ثوري يضرب بجذوره في العفوية الميكانيكية الانعكاسية. بيد أنه يواكب، من جهة أخرى، تطور العمل ، عبر الصراعات والتناقضات والتحول والتغيُّر والصيرورة، كي ينظِّمَه سياسيا على طريق الثورة الاشتراكية. إن العمل السياسي وحده يُحَوِّل الانعكاسات التلقائية إلى عمل مجتمعي سياسي طبقي منظم حزبيا، ومسلح بوعي نقدي للبرامج السياسية والاستراتيجية الثورية. أي مسلَّح بما يُخَوِّله قيادة العمليات، على مسار من الإعمال الاستراتيجي، وتطور العمل النضالي، بحيث تتجدَّد بصورة مستديمة أنماط العمل وأشكاله بالانسجام مع الأزمنة التاريخية للثورة، فتتوالد العمليات الثورية عمليات جديدة، منها العمل البدائي وقد تحوَّل إلى عمل سياسي. هذا العمل الثوري الجديد والمتأخر، وليد العمل القديم البدائي المتقدِّم، هو الحيِّز التاريخي لعجينة واحدة قوامها العمل والنظرية، وهما مجبولان معا في/ ومن طينة واحدة. فلنؤكد أن النظرية هي عمل متجدِّد ومتطور، لا يختلف من حيث عجينته التاريخية، والتكوين الاقتصادي الاجتماعي عن العملين الاثنين، العفوي الميكانيكي، من جهة، والعمل الواعي المنظم، من جهة ثانية.
إن ما يسمَّى نظرية هو عمل واعٍ مُنتَج، عبر أزمنة الصراع والتغير والتحوُّل، من عمل غير واعٍ الى عمل أعلى مستوى، سياسي نضالي استراتيجي ثوري. إن العمل يحوز، على حد قول لينين، على شرفٍ أعلى مرتبة، بمعايير الفعل والنضال، من الفكر. ثم إن الإعمال الاستراتيجي (العملياتية الاستراتيجية)، إذ هي يُغيِّر العالم الذي لا يتغير من تلقاء نفسه، بخلاف الطبيعة وقوانينها، فإنه بدوره يتغيَّر استراتيجيا تحت تأثير ما يستجد من تغيير في المجتمع، وذلك كله يجري في حيِّز الإعمال السياسي الاستراتيجي أو المادية التاريخية (راجع، كارل ماركس، أطروحات فويرباخ).
6-) الكارثة السياسية التاريخية: لذا، فإن حالةَ الأزمة الثورية في سورية سياسيةٌ. الأمر الذي يجعل منها، بالتالي، صراعات طبقيةٌ. إن التعثرَ الذي يعوِّق انتقال الطبقات الشعبية من العمل العفوي، إلى العمل الواعي المنظَّم، يعود، في المقام الأول، إلى غياب اليسار الثوري المؤهَّل وحده لقيادة الطبقات الشعبية نحو أهدافها، ويَمنحُها حيِّزاً رئيسا في ساحة المعركة السياسية – العسكرية – الإيديولوجية، ومن ثم تحويل الأزمة الثورية إلى ثورة مكلَّلة بالنجاح، بعدما تتحول عبر الصيرورة، بفعل من الممارسة النضالية، إلى ممارسة ناضجة . هذا الغيابُ لليسار عن ساحة المعارك السياسية، العسكرية والإيديولوجية، كارثةٌ، كارثةٌ مُفجِعَةٌ تفتقد إلى أي تبرير ما عدا ترسُبات نمط إنتاج الاستبداد الشرقي الذي يَمهر شخصياتنا بخاتم النبوة، الزعامة، والقائد الفريد الأوحد، ونفي الآخر حتى لو كان رفيقا مناضلا. فالاستبداد الشرقي يُترُك، مهما يتطور اليسار الثوري، خلال الفترة الآتية ، اليسار وليد ثورة الخامس عشر من آذار، مؤثراته في ما يواجه اليسار من عقبات تَحُول دون توحيد الشيوعيين من مواليد الخامس عشر من آذار. إن هذه الكارثة اليسارية تُلحق، على المدى القريب والمتوسط، ، في موازين القوى، عطبا في وتيرة الانتقال من العفوية إلى العمل الواعي المنظَّم. إنها تُفسح، أيضا وعلاوة على ذلك، المجال واسعا أمام المعارضة بكل مكوِّناتها، باستثناء اليسار الوليد من رحم الثورة، كي تُسْتَبعَدُ الطبقات الشعبية من العمليات السياسية والعسكرية، ليحل محلها "جيش سوري حر" موظَّف لدى آل سعود، آل خليفة وآل نهيان. ذلك ، بالإضافة إلى مؤتمر جنيف، المؤتمر الصحفي لليسار الرسمي الذي يَجمَع ما بين هيئة التنسيق وجبهة التغيير والتحرير، وظهور داعش وغيرها من مجموعات إسلامية مسلَّحة، من حيث هي كلها، مُوَحَدَةٌ أو متناقضة، مجتمعةٌ أو متفرِّقة، يَجعل من الثورة المضادة كفة راجحة محمَّلة بالأوزان الثقيلة، لاسيما وأن أسلحة التحالف الإمبريالي الرجعي تثقل بوزنها الهائل كفةَ الثورة المضادة. إن هذه المعارضة بكل تكويناتها وسياساتها تساوي النقيض للكارثة. النقيض وليس الرديف لغياب اليسار الثوري الجذري.
ناهيكم وأن هيئة التنسيق التي تُمَثِّل اليسار الرسمي المرتبط بالسلطة بدرجات متفاوتة بين تنظيماته، تسدُّ الطريق أمام تطور اليسار الوليد من رحم الثورة، وتقف حائلا أمام انتقال الطبقات الشعبية من العفوية إلى العمل الواعي المنظَّم، هذا الانتقال على مسار صيرورة الأزمة الثورية. إن هيئة التنسيق تُشكِّل كارثة ما بعدها كارثة في صميم الأزمة الثورية. إنها ثقب صغير يبتلع البحار والمحيطات. إنها إذ هي تصادر تاريخ اليسار باسم ماضيها البعيد، فإنها تحكم على يسار الخامس عشر من آذار بالعزلة.
بغياب اليسار، والشيوعي منه بوجه خاص، وتشتُّتُه بصورة لا متناهية أمام تنظيم الجماهير الشعبية في الشارع ومخيَّمات الهجرة، فإن هيئة التنسيق تتحمَّل مسؤولية عظمى، لأنها، كانت وما تزال، تنوص ما بين الإصلاح التدريجي السلمي على نار هادئة، وإسقاط النظام بصورة ديماغوجية أو انقلابية، ما دامت توجِّه رسائل إلى رأس النظام مفادها أن النظام المهيمن شريك رئيس في حل الأزمة الثورية. هذا الانحراف المعوَج، المتعرج والأعرج لهيئة التنسيق التي تمثِّل اليسار التاريخي في سورية، القومي منه والشيوعي المنشق عن الستالينية، يستنفد إلى حد كبير طاقة اليسار الثوري الذي يناضل لإسقاط النظام. أمام هذه الديماغوجية اليسارية لهيئة التنسيق، وَجَدَت الثورة المضادة وليدة "إعلان دمشق" الساحة خاوية أمامها. فهي لم تواجه اعتبارا من الشهر السادس للأزمة الثورية أية صعوبة في الاستيلاء على الأزمة الثورية، وتفريغ الشارع من الجماهير الشعبية، والزج بالجيش الحر في المدن والأحياء والتجمعات السكنية بدعوى أنه يَدخُل إليها لحماية الأهالي من الجيش النظامي. الحق أنه جيش من الجرزان غزا المدن كي يبحث لنفسه عن ملجأ، أو ليحمي نفسه من جيش السلطان تحت سقف الأحياء الشعبية المزدحمة بالسكان !! هيئة التنسيق هذه، لم تعترف بالثورة الشعبية إلا في نهاية عامها الأول، بعدما تمسكت طوال السنة الأولى من تاريخ الأزمة الثورية بعبارات منحرفة سياسيا. كانت تصف الأزمة الثورية بأنها حركة احتجاجية تطالب بالإصلاح، إلخ. بل، وإن بيانها الصادر عن مؤتمرها الصحفي في شهر آب/أغسطس الماضي من العام 2014، بمناسبة الإعلان عن عزمها تشكيل جبهة موحَّدة مع "جبهة التغيير والتحرير" يخلو بيانها هذا، من أوله إلى آخره، من أية إشارة الى الثورة. زد على ذلك، أنا لبيان الصادر عن هذا المؤتمر الصحفي، يحيي بوقاحة تستفز الأموات من قبورها، يُحيي البيان إيَّاه الجيش السوري، ويرفض إسقاط النظام. إن اليسار الهرم، كاليسار الجديد وليد الخامس عشر من آذار، ما يزال يفتقد حتى غاية اليوم، إلى المكوِّنات التنظيمية التي تتيح له أن يأخذ المبادرة لقيادة الشارع المزدحم بملايين الثوار، وكسر ظهر النظام، ما يجعل الثورة غير مُنجَزَةً حتى غاية اليوم، في ما مؤامرات الثورة البورجوازية المضادة تخدَع الطبقات الشعبية كل يوم. فلنقر أن اليسار الجذري وليد الخامس عشر من آذار، يفشل المرة تلوى الأخرى، في العثور على شكل تنظيمي مهما تدنَّت درجته في سلم التنسيق والتعاون، إن لم نقل الاتحاد في جبهة يسارية ثورية موحَّدة. لا غرابة في ذلك، طالما تستمر ترسبات الاستبداد الشرقي في نخرنا كشيوعيين ويساريين وثوريين. فإذا كانت الثورة غير مُنجَزة، وكانت الثورة المضادة والنظامين السوري والدولي هم المنتصرين، فإن النواة الثورية للخامس عشر من آذار ما تزال مستمرة في صيرورتها، طالما تُشَكِّل الظروف الموضوعية للتكوين الاقتصادي الاجتماعي، ونمط الإنتاج الرأسمالي، وأعداء الثورة في العالم، ظروفا موضوعية لاستمرار الأزمة الثورية، وتُتيح، في نفس الوقت، أمام صيرورة الثورة أن تتحول من نواة إلى مسار على منحى الثورة الاشتراكية. هذا، إذا ما استيقظ يوما ما اليسار وليد الخامس عشر من آذار، وتخلَّص من أمراض الماضي. الاستبداد الشرقي مرض مزمن، بالرغم من أن علَّته المرضية زالت منذ عقود، إلا أن أعراضه ما تزال، بالرغم من ذلك، ظاهرة في علاقاتنا المجتمعية، والثقافية والسياسية.
7-) تكالب الثورة المضادة: المسار الثاني للأزمة الثورية، من حيث زمانه وماديته التاريخية، قوامه الثورة المضادة. من بين أشكالها ومُكوِّناتها مؤتمر جنيف، والصبحة المستجدة ما بين هيئة التنسيق وجبهة التغيير والتحرير، وإعلان الإمبريالية عن احتلالها للفضاء الجوي العراقي والسوري. فلنلاحظ، هنا، أن الحلف الإمبريالي الرجعي، وإن كان يرفض انتماء الميغ والبرميل المتفجِّر السوريين إلى حلفه المقدَّس، فإنه لم يأخذ على عاتقه حماية سورية من طائرات الميغ والبراميل المتفجِّرَة، وتجاهل الحقيقة التي تؤكَّد عن يقين أن السبعة ملايين مواطن من سورية المهجرين والمنفيين، ، ومنهم أكثر من مائة ألف كردي، كلُّهم من اليزيدين والمسيحيُّين، وليس بينهم سني وشيعي واسماعيلي واحد، لكن الفقر والقمع والذل والعطالة والنضال من أجل الحرية والكرامة، يطمسُ، بقسوته وشدته، ما بينهم من انتماءات قومية ودينية. إلا أن تكالب الثورة المضادة، ممثلةَ بالائتلاف الوطني، المجلس الوطني، ميثاق دمشق، هيئة التنسيق، جبهة التغيير والتحرير، السلطة المهيمنة والسياسة الدولية الراسخة تحت سيطرة الإمبريالية ما بعد سقوط حائط برلين، كلهم مُتكالب بدوره، منذ اليوم الأول للأزمة الثورية، ومن خلال التحالفات والمؤامرات والأحلاف، متكالبٌ على الطبقات الشعبية لإجهاض الأزمة الثورية من محتواها الثوري الشعبي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي (سياسي: صراع الطبقات، الاستيلاء على السلطة، التنظيم الثوري المؤهل لإنجاز الانتقال الثوري، إلخ). الأمر الذي يَحُول بدوره دون إنجاز هذا الانتقال الثوري، وينصُبُ، أيضا، العقبات أمام تطور اليسار الجديد، لاسيما وأن أيديولوجيات الثورة المضادة، ليبرالية ودينية، تسد الطريق أمام الإعمال الاستراتيجي الثوري. ذلك أن مسار الثورة المضادة يتقدَّم بمسافات زمانية شاسعة على مسار اليسارَيْن، الشيوعي والقومي. بل، وإن كفة الثورة المضادة راجحة في موازين القوى إلى حد كبير، حتى أن كفة اليسار والطبقات الشعبية في ميزان الأزمة الثورية كارثة مأساوية بدأت في السبعينات من القرن الماضي، واشتدت مع عهد العولمة النيوليبرالية، ولا يُعْرَف اليوم متى تنتهي في المستقبل.
8-) الظروف الموضوعية لكلٍّ من الأزمة الثورية، النواة الثورية، والثورة المستمرة: إن الحالة السورية الراهنة تتقاطع، ليس من باب المقارنة التاريخية التي تجد دحضا لها في المادية التاريخية، تتقاطع، في أكثر من موقع مع الحالة الروسية طوال الأربع سنوات التي تسبق ثورة أكتوبر 1917. فالمظاهرات، والحشود الجماهيرية والتجمعات الشعبية التي ما انفكت تتسع خلال الأشهر الستة الأولى من تاريخ الأزمة الثورية، وإن كانت تخبو منذ تأسيس الجيش الحر، فإن الحالة السورية التي تستمر منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، ليست دليلا على أن الطبقات الشعبية في سورية تتمتع بمميِّزات وخصائص تتفوَّق على غيرها من شعوب "الربيع العربي". إنما هي تدلِّل أن الطبقات الشعبية في سورية التي آثرت الهجرة بالملايين، في ظروف غير إنسانية، على الخضوع للسلطة الحاكمة، تدلِّل، مرة ثانية، أن الحالة في سورية تتكوَّن من شروط خاصة بها، ألا وهي أن الظروف الموضوعية للثورة الشعبية متوفِّرة في الواقع الملموس، وأن الأزمة السورية ماثلة إلى النضج، كما كان يشير لينين، بتاريخ 28 مايو 1913، إلى الحالة الروسية قبل أربع سنوات على الثورة البلشفية (لينين، البروليتاريا الثورية تحتفل لأول مرة بعيدها، الأعمال الكاملة (بالفرنسية)، الجزء 19، ص 231).
الحالة الثورية في سورية واضحة للعيان. ذلك أن القمع الذي يَهرس بثقله غالبية المواطنين، بما في ذلك أصحاب المهن اليدوية، وصغار المنتجين، قد بلغ أوجه بعدما أطلقت السلطة الرأسمالية البيروقراطية حرية السوق المالية. فإذا أضفنا إلى القمع الذي يساوي بين الحي والميت، فإن سقف الجوع، وحَّد الفقر، اتسع بدوره ليشمل نصف عدد السكان، ناهيك والبؤس، وحرمان المواطنين من قانون يدافع عن حقوقهم، بعدما امتد الفساد ليجتاح السلطة القضائية، وليخضعها لسلطة الاستخبارات. إلى ذلك، فإن تدني مستوى الحياة الاقتصادية والإيديولوجية، وعلى رأسها القانون، وتَبَخُّر حزب البعث في الفضاء اللامتناهي، كل ذلك هبط إلى مستوى من التدني، أصبحت معه حياة العامل والفلاح والبروليتاريا الرثة التي تقتات من بقايا الموائد البورجوازية للسلطة وحلفائها وعملائها، بالإضافة إلى أصحاب المهن اليدوية كأصحاب الدخل المحدود من موظَّفين وغيره، لم تَرحَم، أيضا، شرائح من الجيش تمتد ما بين الجنود وضباط الصف، وغير هؤلاء وأولئك كثرٌ، ممن لم يعد دخلهم يكفي لسد حاجات أسرهم، فاضطروا إلى العمل خارج أوقات الدوام الرسمي، وخلال أيام عطلة نهاية الأسبوع والأعياد والإجازات، من جراء ارتفاع الأسعار، انخفاض الأجور، والاقتصاد الريعي. هؤلاء وأولئك، من أصحاب الدخل المحدود والعاطلين عن العمل أصبحوا في حالة معيشية لا تطاق معها الحياة والكرامة والشعور بالانتماء القومي والوعي الطبقي لدى الطبقات الشعبية ونخبة من العمال، لاسيما وأن هؤلاء كانوا يَقمعون بأنفسهم أراءهم السياسية وموقفهم من سياسة السفّاَّحَيْن، الأب وابنه. محاربة الفلسطينيين في لبنان، والتخلي عنهم في إربد (الأردن) في الأيام الأخيرة من "أيلول الأسود"، واضطهاد الأكراد أيما اضطهاد، ومفاوضات ابن أبيه مع إسرائيل بوساطة من آردوغان أفندي، ووقوف الجيش السوري الخائن منذ ارتكابه لجريمة الانفصال عن مصر، وقوفه مكتوف الأيدي أمام غزو الحلفاء الإمبرياليين للعراق ، بعدما كان شارك إلى جانب حلفائه الإمبرياليين والرجعية العربية في حرب تحرير الكويت. بل وإن السلب والنهب والرشاوى والفساد وتراكم الثروات بصورة فاحشة لدى البيروقراطية الرأسمالية والأباراتشيك (كبار موظفي الدولة السوفياتية، وأصحاب المراكز القيادية في الحزب، ممن كانوا يتمتعون بامتيازات)، تَضخَّم وتَضخَّم حتى بات مرئيا بصورة مفضوحة في مرمى أنظار الجماهير الشعبية. أما وقد استولت السلطة العسكرية والاستخباراتية على ثروات البلاد، بمشاركة البورجوازيتين، القديمة والحديثة، وانْتَهَكت حُرمات الأسر المتواضعة الشريفة، َفإن كل ذلك انتهى إلى الانفجار في الخامس عشر من آذار.
هذا على صعيد الوقائع الحياتية المعاشية. أما الجانب السياسي من هذه الوقائع والمعطيات، فإن شعار "الإصلاح التدريجي والسلمي"، قد استولى على برامج المعارضة التي تعايشت طوال عهد السفّاح الثاني، مع سلطة بوليصية لم توفِّر ظلمها على أيٍّ من المعارضين، وأصحاب الفكر الحر. بل وإنها اعتقلتهم أفواجا وأمواجا. فبالرغم من تبني المعارضة لتكتيك الإصلاح التدريجي والسلمي، فإن السلطة زجَّت بالمعارضين في "سجن القلعة المدني"، حيث لقي المعارضون، من السجناء أصحاب السجل الواسع في عالم الجريمة، من الاضطهاد والعنف ما كانوا ليجدوا مثله في أقبية الاستخبارات العسكرية. إن سورية تعاني منذ العهد الحاكم لعبد الحميد السرَّاج، وحتى غاية هذه الساعة، ما لم يعاني شعب ما عبر التاريخ من اضطهاد وذل وظلم وإهانة. فلنتذكَّر، هنا، أن العقيد السراج يُعْتَبَر جنتلمان، بالقياس إلى حكام سورية منذ الانفصال عن مصر، والذين يتحدَّرون من الرعاع وقطَّاع الطرق.
ها هنا تكمن بقعةً من الضوء على الأزمة الثورية في سورية. هي مسألة تكتيكية قوامها "الإصلاح التدريجي السلمي". هذا التكتيك الوفي للسياسة البورجوازية الإصلاحية، ما يزال، وإن كان يظهر أحيانا بجلاء في المؤتمرات الدولية، ومنها جنيف اثنين، وكان يَختفي بعض الوقت ثم ما يلبث أن يتوَّهج من جديد بثوب باهظ الثمن، فإن هذه السياسة البورجوازية المتآمرة دوما وأبدا، ما تزال تُبْهِرُ المعارضة، بما في ذلك هيئة التنسيق. إن مؤتمر جنيف، إذ تَقْبَل المعارضة الائتلافية وحلفاؤها الجلوس حول طاولة واحدة مع ممثلي السلطة، فإنها تكشف، على هذا النحو، عن نواياها الإصلاحية، بالرغم من أنها تعرف حق المعرفة أن نجاح المؤتمر المتأتي من الاتفاق حول الخطوط العريضة للمرحلة الانتقالية، وما تعوِّل عليه من آمال في ما يتعلق برعاية موسكو وواشنطن للأزمة الثورية، يؤكِّد مجددا أن إسقاط النظام الحاكم لم يُحسم أمره في الدوائر الإمبريالية المختَّصة، وأن إسقاط النظام على المدى المرئي ليس استراتيجية موضع التنفيذ لدى المعارضة والإمبريالية معا، وذلك باستثناء اليسار وليد الأزمة الثورية.
ثانيا: ســياســة المؤامـرات والمـؤتمـرات تطرد وتطارد الشعب الثوري:
1-) المادية التاريخية السياسية حيِّزٌ مترامي الأطراف، تحيا في صيرورته السياسية، الثورة المضادة وصراع الطبقات، وغيرها من ماديات التكوين الاقتصادي الاجتماعي: إن عسكرة الأزمة الثورية منذ شهرها السادس، أي قبل أن تنضج سياسيا وتنظيميا، وتدويلها دبلوماسيا وعسكريا من قِبَل المعارضة الليبرالية التابعة للإمبريالية، عبر مؤتمر جنيف بوجه خاص، وتسوُّل المعارضة من هذه الأخيرة التدخل العسكري، وغير ذلك من (مساع حميدة)، فإن كل ذلك، يَتَكَلَّلُ بنجاح الثورة المضادة، وذلك باستبدال الأزمة الثورية، شعبيَّتُها ومطالبها المعيشية والحياتية، بالسياسة الدولية والتدخل العسكري الإمبريالي. فكان مؤتمر جنيف الثاني الذي كان ينعقد تحت وصاية الإمبريالية والرجعية، وحظي بتأييد من حفنة من اليساريين المتفائلين، وذلك في ما لا يظهر للتنسيقيات وأبناء الحارات والضواحي والبلدات والقرى المنكوبة وملايين المهجَّرين والمنفيين من سكان المخيمات أيَّ وجود مهما كان حجمه قليلا. هذه المكوِّنات ذات الثلاثة رؤوس للثورة المضادة، الائتلاف الوطني ذو الرأس الأول، مع امتداداته التنظيمية، المجلس الوطني وإعلان دمشق، بالإضافة إلى استطالاته السياسية والعسكرية والدبلوماسية، يصحبه "جيش سورية الحر" الذي اغتال الأزمة الثورية في شهرها السادس، في ما كانت في طريقها نحو التنظيم السياسي الشعبي وراء شعارات ومطالب الطبقات الشعبية، وطنية، مواطنية، قانونية، حقوقية، معاشية وحياتية. جيوش التحالف ذي الأربعين أو الخمسين ضرسا حادا، هي الرأس الثاني للثورة المضادة. ثم الرأس الثالث، وهو هيئة التنسيق للتغيير الوطني الديمقراطي التي ترفض اتِّباع سياسة إسقاط النظام. بل وإنها باتت تؤيِّد المؤتمرات الدولية التي تَجمع بين المعارضة والسلطة المهيمنة تحت إشراف الإمبريالية وحليفتها الرجعية العربية. فلنلاحظ هنا، أن مصطلح الثورة آيل إلى الاختفاء من بيانات الهيئة وحليفها الجديد "جبهة التغيير والتحرير". حتى أن أدبيات الأزمة الثورية ومنشوراتها تطغى فيها البلاغات العسكرية على كل ما عداها.
2-) المادية السياسية من حيث أولويتها أمام المنهج ومقولات المنطقية الجدلية: هذا الجسم المُوَحَّد ذو الثلاثة رؤوس، يشكل الثورة المضادة التي تتفق في ما بينها حول إبعاد الشعب عن السياسة، وتَفرض أقسى أنماط القهر الاستغلالي على قوى الإنتاج والطبقات الشعبية، وتستعين إلى أقصى حد بالأيديولوجية الليبرالية لاستلاب وعي الطبقات الشعبية بفضل دباباتها ومدفعيتها الإيديولوجية التي تَقذُف شعارات الحرية، وهي المكبلَّة اليدين بالسياسة الإمبريالية، أو تَسحق الديمقراطية تحت جنازيرها الإيديولوجية، وهي التي تكتفي من الديمقراطية السياسية بالعدد والرقم حسب ما تأتي به صناديق الاقتراع، كُلَّ خمس سنوات مرَّة واحدة، وتَفْصُل، علاوة على ذلك، كل ما هو اجتماعي عنها. أي إنها تَحُدُّ من الديمقراطية إلى أقصى حدٍّ صغير، فلا تَعترف بالمجالس الشعبية، والعمالية، والفلاحية، والمهنية من حيث هي تمارس بدورها الرقابة على السلطتين التنفيذية والتشريعية. هذا، حتى وإن كانت شتى أنواع التناقضات والمفارقات التي لن تلبث أن تظهر بين قوى الأزمة الثورية في وقت قريب، من جراء عجز طائرات التحالف عن إبادة الإسلام العسكري، أو ما أن تكتشف المعارضة الموالية للسياسة الدولية أن الأزمة الثورية مرشَّحة للاستمرار خمسة عشر سنة، فإن القاسم المشترك الأعظم الذي يجمع الائتلاف بتشكيلاته التابعة، والذي يقوم على محورين اثنين، التدخل العسكري للإمبريالية وحلفائها من العرب، والائتمار بالسياسة الدولية الإمبريالية، على نحو ما يظهر في مؤتمر جنيف، لن يلبث هذا الائتلاف أن ينفجر إلى دعاة الإسلام السياسي، وأنصار العلمانية والديمقراطية البورجوازية. هذه هي الثورة المضادة في سورية. أما الثورة الشعبية الكامنة في أعماق ونسيج الأزمة الثورية، قنها تكوين سياسي في الحيز المترامي الأطراف للمادية التاريخية السياسية. على ساحتها المادية ذات اللبنة الثورية المتطورة، المتغيرة، المتناقضة الصائرة والمتحوِّلة، تخوض الطبقات الشعبية، من جهتها، بانتظار توحيدها وانخراطها في الأزمة الثورية على هدى من برنامج سياسي واستراتيجية ثورية وتنظيم سياسي اشتراكي ثوري، تخوض صراعاتها السياسية من أجل الانتقال من العفوية والتلقائية إلى الثورة. إذ إن كل ما هو مجتمعي، يبقى محض مجتمعي، أو حبيس "علم الاجتماع السياسي" المُشَوِّه للشيوعية والمادية التاريخية، وغيره من العلوم الإنسانية، إن لم يكن كل ذلك، مجرد مادة اقتصادية مصبوبة في قوالب منطقية جاهزة. للاستخدام. إن صراع الطبقات، على هذا المستوى من الصيرورة الثورية، لا يتحوَّل بصورة ثورية مندرجة في سياق الاستراتيجية الثورية والبرنامج السياسي للحزب الشيوعي وطبقاته الشعبية، ما لم يَعْلَم الشيوعيون أن المادية التاريخية مادية سياسية .
3-حرب الخنادق تفصل الطبقات الشعبية عن المجتمع السياسي: عندما تدوس الطبقات الشعبية بأقدامها مؤتمر جنيف لأنها ترى بأم عينيها كيف جف ريق المجتمع السياسي إياه لكثرة ما لحس الجزام العسكرية للإمبريالية، ولشدة ما انحنى أمام دبلوماسيتها المُهرِّجة، ليُقيِّل الأطراف المزركشة لقفازاتها البيضاء، وعندما تتبرأ الطبقات الشعبية من الجماعات الإسلامية المسلَّحة، وتسجِّل تداعيات الأزمة الثورية وصيرورتها نهاية ما يسمَّى ب/"الجيش السوري الحر" الذي فَقَدَ مكانه في ساحة المعركة السياسية العسكرية عندما انقلبت قيادة أركانه على مجلسه العسكري الأعلى للثورة، والعكس بالعكس، عندما تدوس الأزمة الثورية عبر صيرورتها نحو الثورة الشعبية، هؤلاء وأولئك دون أن تتنازل عن استراتيجية إسقاط النظام، وتشييد نظام سياسي جديد يلبي حاجات الطبقات الشعبية والتنمية، فإن الطبقات الشعبية، على هذا النحو، تؤكد أنها، بعدما شقَّت المسارات أمام بناء دولة من نمط اجتماعي جديد، فإنها تقطع خطوات واسعة على طريق تحوُّلها من الممارسة العفوية إلى الممارسة الواعية المنظمة. إن أفضل الدلالات على تحولات ممارسات ردود الفعل إلى الممارسة الواعية المنظَّمة نظريا، والمجبولة من / وب عجينة الصيرورة من الممارسات العفوية، إلى التنظيم الشعبي الثوري، إن أحد هذه الدلالات يشير إلى أن الطبقات الشعبية لم تعد الأوهام والأكاذيب والخطابات الرنانة والإعلام تجد طريقها إلى الملايين من المشردين الذين آثروا الهجرة والمنفى والغربة، والجوع والعطش والنوم في العراء، على أن يرفعوا أصواتهم لتأييد أيا من مكوِّنات الثورة المضادة، السلطة المجرمة الحاكمة، والمجتمع السياسي الذي يَسْبح في فضاء مفرَّغ من الوطنية، والقومية، وذلك بالإضافة إلى اليسار السلطاني. إن الطبقات الشعبية تتبرأ وتُنبذ هؤلاء وأولئك من المتصالحين والمتعاقدين مع الإمبريالية، ومنهم من يمتنع عن التصدي للجماعات الإسلامية المسلحة، بل وإن منهم من َيمتنع، فوق ذلك، عن إدانة مَن يتعاون منهم مع إسرائيل الصهيونية.
إلى ذلك، فإن وعي الطبقات الشعبية وممارساتها السياسية تتطور وتتحول وتتغير وتخوض صراعات سياسية عسكرية مجتمعية معيشية حياتية، وتشق طريقها عبر المسارات الزمانية لتكوينها، كل ذلك في مواجهة الثورة المضادة في مساراتها السلطوية النخبوية الإمبريالية والدينية. إن هذه الصراعات أشبه ما تكون بحرب الخنادق، حيث يتحصَّن كلٌ من الطبقات الشعبية والثورة المضادة التي أَحرزت تقدما واسعا، يتحصَّن في خندقه، بانتظار الانقضاض على الأخر. إلا أن هذا الصراع بين الثورة المضادة والطبقات الشعبية، بعدما تدخَّل حلف الأربعين أو الخمسين، آخذا على عاتقه إفناء الجماعات الإسلامية المسلحة، وتسليح المعارضة "المعتدلة"، التي تأخذ على عاتقها محاربة السلطة المجرمة، فإن هذا الصراع يَشْهَد معضلة غير قابلة للحل العسكري. هي معضلة طالما يلفُّ السياسة الإمبريالية غموضاً كثيفاً إزاء حقيقة سياستها حيال سلطة السفاح بن السفاح. انظر إلى السياسة الأمريكية التي ما فتئت تتقلب. ففي مطلع الأزمة الثورية استقبلت بفتور تزويد المعارضة "المعتدلة" بأسلحة متطورة مضادة للطائرات. في ما كانت تركِّز نشاطها في مجلس الأمن لاستصدار قرار يعاقب سورية عسكريا، بالرغم من أن واشنطن وحلفاءها كانوا يعرفون حق المعرفة أن الفيتو الروسي، والآخر الصيني، يسدُّ الطريق أمام أي تدخل عسكري دولي في سورية. هذا اللف والدوران الدبلوماسي اسمه كسب الوقت ريثما تتهدَّم سورية عن بكرة أبيها، بحيث لا يبقى أمام إسرائيل إلا إعمارها بالتعاون مع "المعارضة المعتدلة"!! ثم ما لبثت واشنطن أن رسمت خطا أحمر اللون عندما قَصَفت السلطة الأهالي بالأسلحة الكيمياوية، فهدَّدَت الإمبريالية وهرولَّت وكشفت عن أنيابها، ليس دفاعاً عن الشعب السوري، وإنما نزولا عند الهلع الإسرائيلي من أن تقع هذه الأسلحة يوما ما بين أيدٍ ترفض التفاوض معها. هذه السياسة المتذبذبة تفضح أكاذيبها بنفسها. ذلك إن واشنطن وقد أَعلنت الحرب الجوية على داعش والإسلام شبه العسكري في كل من العراق وسورية، وأكَّدت على لسان رئيسها باراك أوباما أنها لا تعتزم التفاوض مع السلطة السورية، ولا تَعتَرف ببشار أسد رئيسا شرعيا لسورية، وأن سلطة هذا الأخير سيطاح بها بفضل تسليحها "للمعارضة المعتدلة"، وتدريب آل سعود لها كي تحارب نظام بشار، فإنها تسخر، على هذا النحو، من شعوب العالم. فواشنطن ومعها موسكو لم توفِّر جهدا من أجل الجمع بين السلطة ومعارضتها المعتدلة في جنيف. الأمر الذي يدلِّل أن باب التفاوض مع النظام يبقى مفتوحا، إن لم يكن بصورة علنية، فمن تحت طاولة الاستخبارات العسكرية السورية، ومركز الاستعلامات الأمريكي. أي أن السلطة السورية ما يزال أمامها في السياسة الأمريكية مستقبلا ما للحياة، وذلك متوقفٌ على ما تراه إسرائيل بشأن رحيل بشار أو بقائه على رأس السلطة، أو حسب ما تَعثر عليه واشنطن من قيادة عسكرية جديدة موالية لها في صفوف الجيش السوري غير الوطني، خائن الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين. إن المفاوضات و"الوساطات الحميدة"، بين الدولتين الاثنتين مستمرة في الخفاء. لاسيما وأن النظامين متشابهان من حيث أن الأول كالثاني نظام تجسُسِي استخباراتي.
4-) الطبقات الشعبية تنسحب من حرب الخنادق لتحتل الشوارع والساحات العامة: إذا كانت حرب الخنادق بين "المعارضة المعتدلة" والطبقات الشعبية تصطدم بمعضلة، بعدما استقبلت الآزمة الثورية عدوا جديدا، فإن الطبقات الشعبية، وليس جيش سورية الحر الذي يكاد يختفي من الوجود بمجلسيه العسكريين، قيادة الأركان والمجلس الأعلى، اللذين تخاصما حسب ما هو معهود في الجيش السوري الخائن، فإن الطبقات الشعبية ملزَمَة، من ناحية تكتيكية، بالانسحاب من خندقها، كي تكرِّس نضالها في المجال السياسي الشعبي، بحيث يشتد عود النضال السياسي على مسارٍ من صيرورة الانتقال من العفوية إلى التنظيم الذي يتيح وحده مثل هذا الانتقال، ويمهِّد، في آن واحد، الطريق أمام تحولات اشتراكية هامة، وتشييد دولة تتسع للمجالس الشعبية، ويتوفر فيها الحد الأدنى من الشروط الضرورية التي تفتح الطريق أمام الانتقال الاشتراكي في وقت لاحق، وخلع السلطة من أيدي البيروقراطية اليسارية، والرأسمالية البيروقراطية المتحالفة مع التجار، والكبار من رجال الأعمال، والأقرباء، والأنسباء، والسماسرة، وعملائها لدى السوق الرأسمالية الدولية، وزبائنها.
إن الهدف النهائي لأزمة الخامس عشر من آذار الثورية، بعدما سقط مائتي قتيل، بالإضافة إلى ملايين المظلومين الذين يعانون حتى غاية اليوم من الفقر، والتنكيل بصحتهم في المستشفيات العامة، ناهيكم وأن التعليم، بما في ذلك الجامعي منه والمهني، يكاد أن يكون ميِّزة مجتمعية يَنعم بها أصحاب المقدرة على سد حاجاتهم الحياتية، مع التفرغ في الوقت نفسه للتحصيل العلمي والتربوي بكل حلقاته الدراسية، من الابتدائية إلى التخصُّص ، إن الهدف من الأزمة لا يقتصر على إسقاط النظام، وحسب. إنما يتجاوزه بصورة نوعية إلى تغييره بصورة جذرية بحيث يطال نمط الإنتاج الرأسمالي البيروقراطي، وتشييد ديمقراطية واسعة، سياسية واجتماعية، بحيث لا تنفرد البورجوازية، كما هو معتاد، بالسلطة التشريعية، فتحكم البلاد وفق مصالحها الطبقية. بتعبير آخر، فإن المجتمع السوري الذي كان يتكوَّن، ما قبل الثورة، ومن حيث غالبيته، من الطبقات الشعبية والبورجوازية الصغيرة، فضلا عن أعداد لا نهاية لها من المتسكعين والمشردين والمنفيين وشذاذ الأفاق والفاسدين والجهلة والمرضى والجائعين والعاطلين عن العمل، وغيرهم من البروليتاريا الرثة، لم يعد لدى هذا الشعب المقدرة على قبول هذا الظلم الذي يبلغ من الاتساع والعمق، إلى حد أنه بات يصاحب الطبقات الشعبية يوميا في نومها ويقظتها، في طعامها وشرابها، ناهيكم وانقطاع الكهرباء، والماء، والمواصلات، وما يرافق ،هذه وتلك، من رسوم وضرائب باهظة الثمن، والذي كان وما يزال يسود البلاد، فإن مقدرة الشعب على السكوت عن الظلم الذي يسحقه قد وصل في الخامس عشر من آذار إلى عتبة الانفجار. السلطة الرأسمالية البيروقراطية، لم تعد، من جهتها أيضا، تتوفر لديها الإمكانيات لسد احتياجات الطبقات الشعبية، ما أدَّى الى نشوء الأزمة الثورية بعدما مَنَحَت السلطة للرأسمالية والبورجوازية الامتيازات، وحَرَمَت الطبقات الشعبية وصغار الفلاحين من المكتسبات التي كانوا حازوا بنضالهم عليها، فكانت الأزمة الثورية ضرورة حتمية لا مفر أمام السلطة منها. فإذا كان حادث يومي سخيفٌ شبه اعتيادي، شرارةٌ تُشعِل حريقا جهنميا في جميع الاتجاهات - وذلك في إشارة إلى خلاف ساخن نشب قبل أيام قليلة من الثورة بين احد تجار سوق الحريقة بدمشق ورجل أمن، من جراء مزاحمة هذا الأخير للأول على موقف سيارته الواقع أمام دكَّانه - ، فإن السلطة، بالقابل، لم تعد بدورها قادرة على ممارسة الحكم، والاستجابة لمطالب الطبقات الشعبية، والإمساك بزمام الأمور، أمنيةً كانت وغيرها. في ضوء هذا الحادث، أي أن جسارة التاجر وتضامن جواره من التجار بجرأة غير معتادة مع زميلهم، بحضور السلطات الأمنية العليا التي هرعت إلى عين المكان لتفادي تداعياته وتطوراته اللاحقة، إنما تَكشف هذه الحادثة، على الرغم من تفاهتها النسبية، أمام الشعب والتاريخ أن الصلة المنسوجة حبالا وأسلاكا من الرعب والخوف، والتي كانت تربط حتى الآن ما بين السلطة والمجتمع، قد انقطعت حينما أصبح الموت قمعا واضطهادا أكثر احتمالا وقبولا من سلطة رأسمالية بيروقراطية ترعى الإرهاب والرهاب والجوع والفقر والمرض والظلم بشتى أنماطه، وغيرها من ظواهر تفتك بجسم المجتمع السوري، وتهبط بالطبقات الشعبية وصغار الفلاحين والعاطلين عن العمل، إلى الحضيض.
5-) الغاية من المؤتمرات الدولية منح السلطة فرصةً للحياة: إن كل فرضية تراهن على نجاح المؤتمرات الدولية التي تُعْقَد بمشاركة السلطة، من أجل العثور على مخرج سياسي من الأزمة الثورية، إنما هي تَحكُم على نفسها بالتخلي عن الشعب، والصعود إلى مَرْكَب السياسة الدولية الإمبريالية. السلطة والمعارضة بجميع تشكيلاتهما متساويان في ما يتعلق بمؤتمر جنيف الذي لم يَنعقِد إلا من أجل اجتياز خطوة "دبلوماسية" تمهِّد الظروف أمام سلاحها الجوي، لتنفيذ عملياته الحربية في سورية عندما يحين الوقت المناسب. فضلا عن أن كل مراهنة على بصيص ضئيل من الأمل على مؤتمر جنيف، يعزِّز الثورة المضادة. المؤتمرات الدولية، أيا ما تكون، ما هي سوى حساء بالبحص فوق نار إمبريالية مستمرة. فزمان الثورة المضادة على مسار جنيف أو غيرها، لا يتمخض إلا عن تعبيد الطريق أمام الائتلاف الوطني وحلفائه. فإذا كان المؤتمر استثنى هيئة التنسيق التي انتهت إلى تأييد المؤتمر، واستجداء الدعم الروسي الصيني الإيراني للانضمام إليه، من حيث هي تنظيم مستقل عن الائتلاف الذي يصادر المعارضة، طالما يزعم أنه ممثلها الوحيد، فإن السلطة والائتلاف هما اللذان، يتعزَّزُ موقعهما في معركة الأزمة الثورية كقطبين رئيسين. الأسوأ من هذا وذاك أن موافقة هيئة التنسيق على المشاركة فيه، والاجتماعات إذا ما وافق المؤتمر على شروطها، يَمنَح للساحة الدولية شرعية ما كان ليحلم بها. أما مسار الطبقات الشعبية عبر الأزمة الثورية، فإن المؤتمر، حيثياته وتفاصيله وملابساته، يشير، من جهة، إلى أن الطريق على مسار الثورة الشعبية ما يزال طويلا من جراء الكثرة المتكاثرة للمتصارعين على السلطة. ويُفيد، من جهة ثانية، أن الطبقات الشعبية لا خيار أمامها سوى التقدم على مسار الثورة المستمرة.
النتيجة مؤداها أن المؤتمرات الدولية تتسع لوكر المؤامرات، ويُملأُ حيِّزها بحلول للأزمات بما يلبي مصالحها الطبقية والتوسعية، بورجوازية محلية، إقليمية ودولية. فوراء كل مؤتمر دولي مقايضات سياسية أو جغرافية، أو الإعداد للحرب، إلخ. فلنذكر من هذه المؤتمرات المؤامرات، والاجتماعات الدولية والإقليمية، على سبيل المثال، مؤتمر يالطا، أوسلو وكامب ديفيد. هذه المؤتمرات تستولي، لما كانت تصادر الأراضي وتشتري القادة السياسيين، تستولي على الفضاء السياسي الوطني. لذا، فإن الطبقات الشعبية في سورية، موضوع الأزمة الثورية، هدفها وأداتها، لا تجد لنفسها حيِّزا مهما يضيق هامشه مكانا فيه لها؛ في هكذا مؤتمرات دولية. فلنسجِّل أنها سَخِرَت منه، ومن المشاركين فيه، وصبت لعناتها على القوى الدولية التي تقف أمام الأزمة الثورية مكتوفة الأيدي، في ما هي، في واقع الحال، تتآمر وتنتظر سيطرة الفوضى على الأزمة الثورية، وتتطلع، مع مرور الوقت، إلى افتقاد المنظمات الوطنية، السياسية والعسكرية، لقواعدها الشعبية، وتُخَطِّط لبرنامجها الزمني العدواني ما يكفي من تسويف إلى أن تَفقد التشكيلات السياسة الثورية كل ما يميِّزُها عن غيرها من هيئات ومنظمات، كالجيش الحر على سبيل المثال، وذلك قبل أن تتدخَّل عسكريا، مقابل تنازل الائتلاف الوطني وغيره، أو ما يتبقى من قوى تمثِّل الطبقات الشعبية والتي انقرضت على امتداد عشر سنوات أو أكثر، مقابل تنازلات تمس بالصميم السيادة الوطنية، والمصالح القومية، والحقوق الشعبية. بئس الذين من اليساريين تفاءلوا بمؤتمر جنيف الثاني. بئس هؤلاء الذين عوَّلوا الآمال على جنيف الثاني، في ما يتعلق بما يتمخَّض عنه من انفتاح سياسي يَمنح اليسار الثوري – على حد قولهم - حيِّزا للتنفس، ويعود بالأزمة الثورية إلى السياسة بعدما اُغرقت حيَّةً من جراء العمليات العسكرية. الأمر الذي يُملي، بعدما خاب أمل اليساريين المتفائلين، على اليسار الثوري أن يُنَظِّم الأزمة الثورية، سياسيا، عسكريا وتنظيميا، ويمهد أمامها الطريق نحو صيرورة ثورية، عوضا عن غوصه، بلا جدوى، شرحاً وتعليقاً وتحليلاً، في التفاصيل الإخبارية لما يُنشَر ويُبَثُّ ويوزَّع، هنا وهناك، عن المؤتمرات. فليتذكَر أيضا، أن سنوات الأزمة الثورية، قد يتساوى مع الزمان الأفغاني، العراقي، والصومالي. فليستعد، إذن، على حرب الطبقات طويلة الأمد، ويعزِّز علاقاته بصلابة لا تلين مع الطبقات الشعبية، بحيث لا يتسلَّل إليها اليأس، بما يستجيب لمخطط إمبريالي يعوِّل الآمال على القطيعة ما بين اليسار الثوري والطبقات الشعبية، بانتظار أن يأتي اليوم الذي يؤَرِّخ لمفاوضات مع الصعاليك من السوريين.
6-) سقوط النظام: إن المؤتمرات تطرد الشعب من السياسة وتطارده في الشوارع والساحات العامة. تتآمر، وتُحيك المؤامرات على الشعب لإبعاده عن السياسة، ولاحتكار الأزمة الثورية من أجل الانفراد ب/"تمثيل" الشعب، وذلك في ما تَحظر السلطة على المعارضة الائتلافية وهيئة التنسيق، المثول أمام الإعلام المرئي والمسموع والمؤتمرات الصحفية. أضف إلى ذلك أن أمثال هكذا مؤتمرات تآمريه، إذ هي تجلس مع السلطة التي تبيد الشعب، حول طاولة مفاوضات واحدة، فإنها تستغني عن إسقاط النظام، مقابل التفاوض معه لاستبعاد السلطة في أحسن الحالات، وبنوايا طيبة، عن المشاركة في المرحلة الانتقالية. إن هذه المعادلة الشيطانية التي تساوي بين التآمر وبين الحوار مع السلطة، بحضور السياسة الدولية أو غيابها، ظنا منها أن إسقاط النظام ممكن عبر مفاوضات المرحلة الانتقالية والمؤتمرات الدولية، إنما هي تَعرف جيدا أن تكتيكاتها إياها لن تصل إلى إسقاط النظام. بل وإنها تُدرك، عن يقين أو طيب خاطر، أن هذه السلطة المجرمة أقصى ما يمكن أن تصل إليه مع المعارضة، هو وضع هذه الأخيرة تحت عباءتها، وفرض شروطها، من موقع القوة، على مشاركة المعارضة في المرحلة الانتقالية، وذلك من حيث أن السلطة هي "الدولة" ذات السيادة. هذا عن السياسة اليمينية التي تتلخَّص بمقولة واحدة، ألا وهي التآمر أيا كان الشريك في المؤامرة، واستبعادها للطبقات الشعبية خوفاً من ثورتها وعدائها لأهل السياسة المحترفين.
هدف الأزمة الثورية، تهدف في ما تهدف إليه، إلى إسقاط النظام وتشييد دولة الحقوق والقانون، دولة الديمقراطية السياسية والاجتماعية بأفق اشتراكي، ودولة التحرر من العدو الصهيوني. المؤتمرات/المؤامرات، ومنها جنيف واحد واثنين، تنحرف في اتجاه مخالف للهدف المنشود من وراء الأزمة الثورية. فالمعارضة ذات الرأسين اثنين، وَضعت كل ما بين يديها من بيض فاسد في سلِّة واحدة. سلَّةٌ السياسة الدولية. لذا، فإن كل تعويل تائه في مؤامراته، شأنه شأن التنبؤات المخضرمة والمتفائلة التي كان بعض اليساريين يعربون عنها، ما قبل المؤتمر وما بعده، ليس فقط ملهاة للطبقات الشعبية عن مهمتها الرئيسة، مهمة الانتقال من العفوية إلى العمل الواعي المنظَّم، إنما هو، مهما بلغت التنبؤات والمراهنات من أفق ضيق، فإنه ليس فقط ملهاة عن الهدف الثوري، لكنه، على النقيض من ذلك، انحياز صريح للثورة المضادة.
الحل، إذن، سياسيٌ، عسكريٌ إذا ما كان يُنَفِّذُ برنامجا سياسيا لليسار الجذري، العسكري منه امتداد للسياسة بلغة العنف الثوري، ووفق استراتيجية ثورية. الحل السياسي مُلْكٌ للطبقات الشعبية التي تُرضَت من جنيف نزولا عند السياسة البورجوازية والإمبريالية. الحلُّ سياسيٌ، بمعنى أن موازين القوى، ما لم تَرْجَح فيها كفة الطبقات الشعبية، فإن مؤتمر جنيف وأمثاله في الماضي والمستقبل، تندرج في سياق الثورة المضادة التي تتكوَّن للتآمر مع العسكر، سوريين كانوا أم جيوشا إمبريالية، للسيطرة على السلطة. فإذا كان إسقاط السلطة ينفي نفيا قاطعا التفاوض معها لترتيب المرحلة الانتقالية، وكان هدفا استراتيجيا من أهداف الأزمة الثورية، فإن الطبقات الشعبية وحدها المؤهَلَة، إذا ما توفرت لديها الشروط والظروف الموضوعية، لإسقاط النظام. هذه الشروط والظروف الموضوعية قوامها، أولاً، الاتحاد بين الطبقات الشعبية، الطبقات الشعبية بكامل أفرادها، والجيش الشعبي الثوري المنبثق عنها، والمؤتَمِر الوطني ببرنامجها واستراتيجيتها الثورية الجذرية. ثانيهما، مؤدَّاه الانتقال من العفوية الشعبية إلى العمل المنظَّم تحت قيادة سياسية ثورية اشتراكية، تقود بدورها إلى صيرورة ثورية تنقل الأزمة الثورية إلى ثورة تنتصر على السلطة البورجوازية، في ما تسيطر الطبقات الشعبية وحزبها (أحزابها، جبهتها) على سلطات الدولة. فلنلاحظ، أن إسقاط مثل هذا النظام السياسي السائد منذ نحو أربعين سنة، مُرْتَكِب المجازر في بيروت وحماة وتدمر، والذي تَرَكَ الثورة الفلسطينية فوق المَسْلَخ في أربد عشية انقلابه العسكري في العام 1970، والذي يشن منذ نحو أربع سنوات حربا عسكرية ضد مواطنيه، لن ولن يسقط ما لم تأخذ الطبقات الشعبية حيِّزا واسعا في الاستراتيجية الثورية، بحيث تمارس هذه الطبقات دورا حيويا في العمل السياسي والعسكري والنقابي. لن يسقط ما لم يُناط بالطبقات الشعبية، مجتمعة، بكل فرد منها، مهمة سياسية وعسكرية ونقابية. هذا النظام لن يسقط مالم تندمج الطبقات الشعبية بكل أفرادها في العمل الثوري. العسكري منه، من حيث هو امتداد للعمل السياسي نحو العنف الثوري، وقد أُنيط بأفرادها وجماعاتها مهمة لوجستيكية بأقل تقدير. كنقل الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، حمل الإمدادات من الذخائر والأعتدة الحربية إلى الجيش الشعبي المقاتِل، ناهيكم والإمدادات الغذائية والطبية. باختصار شديد، فإن هذا النظام الوحشي، نظام اللُّصوص والمجرمين، قاتل الفلسطينيين واللبنانيين الديمقراطيين الأحرار، المتآمر مع الإمبريالية ضد التحرر الوطني، بصورة سرية تارة، وعلانية تارة أخرى، لن يسقط ما ليضمُّ الجيش الشعبي الملايين والملايين من الطبقات الشعبية.
على هذا المسار من التعبئة والتنظيم نجحت الثورتين الصينية والفيتنامية، بقيادة ماوتسي تونغ، والجنرال جِبُّ الذي لم يضع قدما له في الكلية العسكرية أو أية مدرسة حربية. نعم، ما لم تندمج الطبقات الشعبية كلها، جماعات وأفراداً، منهم من يحمل السلاح، ومنهم من يحمل صندوقا للمؤن، فإن النظام لن يسقط على يد المعارضة الائتلافية والتنسيقية و"الجيش الحر"، وداعش وأمثالها من الإسلاميين العسكريين. لذا، فإن إسقاط النظام يتوقف، من الناحية الاستراتيجية، على اجتثاث "الجيش الحر" المزعوم، واستبداله رويدا رويدا، على مدى الخمس عشرة سنة القادمة من حياة نظام السفاح بن السفاح، لاستبداله بالجيش الشعبي الذي يُوَحِّد في استراتيجيته السياسية الثورية بين النضال المسلَّح والدور اللوجستيقي، بأقل تقدير، للطبقات الشعبية.
7-) الإرهاب إمبرياليٌ والعنفُ ثوريٌ: الحالة السورية، بالمحصِّلة، حسب ما وصلت إليه في منتصف عامها الرابع، تركيبٌ بين أطرافها المتناقضة المتصارعة، صيرورة تنحو متحوِّلةً ومتطورةً نحو هدفين متناقضين. الائتلافيون الذين يعوِّلون على الإمبريالية مقابل تنازلات لا نهاية لها (التطبيع مع إسرائيل)، شأنهم شأن التنسيقيين الذين يعوِّلون بدورهم على معسكر إمبريالي، روسي، صيني، وإيراني ذات مطامع إقليمية، وتوسعية. الائتلافيُّون، سرقوا حركة الطبقة الشعبية، زيَّفوها، ومسخوها. لكنهم لم ينالوا حتى غاية اليوم من النواة الثورية في الأزمة الثورية، ولن يسحقوها مهما رَجَحَت موازين القوى إلى جانبهم، بعدما زجَّ الحلفاء الأربعون/الخمسون طائراتهم المقاتلة في المعركة ضد داعش. لن ينالوا من المعطيات الثورية الكامنة والظاهر منها علانيَّة في التكوين الاقتصادي الاجتماعي، ما بقيت نواة الثورة التي تكوَّنت مع الأزمة الثورية للخامس عشر من آذار، كامنة في التكوين الاقتصادي الاجتماعي، ونمط الإنتاج الرأسمالي (البيروقراطي). لن ينالوا منها، ما بقيت الطبقات الشعبية تنادي بإسقاط السلطة، وتشييد دولة الحقوق والقانون، دولة الديمقراطية السياسية والاجتماعية بأفق اشتراكي. وكانت الأزمةُ الثورية طوال أشهرها الستة الأولى سياسيةً. لكن الثورة المضادة حوَّلتها إلى فوضى من القوى المُبعثرة ما أن تشكَّل ما يسمَّى ب/"جيش سورية الحر". فلنحذر من إلصاق صفة الإرهاب كيفما كان.
العمليات العسكرية لجيش السلطة وشبيحتها إرهاب ٌ، مادامت لا تُميِّز بين المدنيين والمسلَّحين، وتقتل مئات الألوف من المواطنين، وتُرغم الملايين منهم على الهجرة، من أجل الحفاظ على ملياراتها من الدولار واليورو، ولاحتكارها لنفسها بالسلطة، من حيث هي مصدر للثروات والجاه والمُلك. هذا مثال واضح على الممارسات الإرهابية للرأسمالية (البيروقراطية). يأتي بعد ذلك الجيش الحر. إنه منقسم على نفسه كما تنقسم العصابات بين بعضها البعض حيال توازع سوق المخدَّرات. إن تنظيماته المبعثرة تَعمَل كلٌّ منها بالاستقلال عن غيرها. هذا، ولما كان يَفتقد إلى استراتيجية ثورية، ويَتسوَّل كالائتلافيين والتنسيقيين من الإمبريالية التدخل عسكريا في سورية لإسقاط السلطة، فإن افتقاده لمثل هذه الاستراتيجية الخاوية من أي هدف استراتيجي ثوري، ما عدا إسقاط النظام، فإنه، بدوره إرهابي. فإذا كانت الثورات الاشتراكية والشعبية الكبرى ليس لها مكان في المحافل الدولية التي تُعنى بالنزاعات الدولية والإقليمية، وكانت، أيضا، الحالة السورية مزيج من جيوش خليط مزيج معدومة من الهوية الموّحَدة والمُوَحِّدَة، وتحظى، علاوة على ذلك، بتأييدٍ من المعارضة (المجلس الوطني يمتدح، على سبيل المثال، جبهة النصرة)، فإن الائتلاف وشركاءه يمنحون، هؤلاء وأولئك، مبررا لدورهم العسكري والسياسي. المشكلة المعضلة في التمييز ما بين الإرهاب والعنف يَنْصَبُّ على داعش ومثيلاتها من تنظيمات إسلامية مسلَّحة. فلننظر إلى ممارساتها واستراتيجيتها. إن مكوِّناتها مجتمعة ومتفرِّقة تنتمي إلى الإرهاب. بناء دولة دينية مُسْتبِدَّة. تفسيرها للشريعة على هواها. قتل كل من يخالفها أو حتى من كان لا يؤيدِّها والتشنيع بهم. إطلاق النار بلا تمييز، يمنة ويسارة، على المصلِّين لدى خروجهم من الجامع بعد أدائهم لصلاة الجمعة. فهل يعفو ما تخوضه من حروب ضد الإمبريالية والرجعية، ما تمارسه من أشكال للعنف يفتقد إلى أي مبرر استراتيجي ثوري، كي تُرفَع عنها صفة الإرهاب !
الجواب يتغلَّب على حروبها ضد الإمبريالية، ما دام العنف الثوري استراتيجيٌ، مبرمج، ذا توقيت وجداول، منظَّمٌ، هدفه نجاح الثورة الاشتراكية لتجريد البورجوازية من سلطات الدولة. بتعبير آخر، فإن الإرهاب والعنف الثوري نقيضان متصارعان. فلنلاحظ، أيضا، أن الطبقات الشعبية تنفض يدها من هكذا مؤتمرات مليئة بالمؤامرات، تُعقد تحت وصاية الإرهاب الإمبريالي. فضلا عن ذلك، فإن زج الحلف الجديد بأسطوله الحربي من الطائرات المقاتلة في كل من سورية والعراق، فإن الإرهاب لا يلتصق بهذا الحلف فقط، وإنما يشمل من يَقبَل به أو يسكت عنه. هو ليس عنفا، وإنما إرهابٌ لأنه يشن حربا في أجواء بلدين اثنين مستقلَّين، ولم ينل، فوق هذا وذاك، من مجلس الأمن الدولي أية موافقة. أيا كان شأن هذه وتلك من الذرائع والمبرِّرات، فإن الإمبريالية إرهابية، لأن وصف داعش بالإرهاب أو غيره من مصطلحات العولمة النيوليبرالية، وإن كانت هذه الأخيرة هي التي تُديرُه حسب مصالحها، إنما تنحصر مسؤولية تصنيفها كإرهابية أم ثورية ، بالسوريين والعراقيين، ما دامت داعش جزء من مكوِّناتهم السياسية. للشعب السوري وحده أن يؤيِّدها أو يَمسحها من الوجود. لكن العلاقات الخفية والسرية، ما بين دمشق وواشنطن، اتصالات خائنة بأنظار الطبقات الشعبية التي تنتظر، بوجه الافتراض، من السلطة أن تُسًلِّحها كي تقاتل الجماعات الإسلامية المسلَّحة إلى أن تهزمها. لاسيما وأن الحلفاء لن يلقوا في العراق وسورية سوى الفشل في إبادة داعش. يشهد على ذلك، ما مُنيت به الإمبريالية من فشل زريع في كل من أفغانستان وباكستان والعراق واليمن والصومال. إن القادم أعظم شأنا.
فلنذكر أن دول الحلف الأطلسي تمارس أبشع أنماط العنف الرأسمالي، وأنها هي مصدر الإرهاب. فإذا كانت الجماعات الإسلامية المسلحة ذات الأصول الأفغانية الباكستانية العراقية والسورية، وحماس، سواء بسواء، لا يملكون ما لدى الإمبريالية من أسلحة متفوِّقَة تقنيا ومعلوماتيا، بحيث يتاح لهم، ولو فرصة ضئيلة، للانتصار على جيوش الإمبريالية والرجعية العربية، فإنهم لا يملكون بالمقابل – على حد قول الشيوعي الفرنسي جورج لابيكا - من الأسلحة المتطورة، كي ما ينتصروا، سوى أجسادهم للتضحية بها على أرض المعركة. أجسادهم هي نفسها أسلحتهم. إن الإمبريالية تستطيع – على حد قوله – التفاوض مع الدين ورجاله، إلا أنها عاجزة عن التفاوض مع المقاومة*. ثالثا: الأزمة الثورية ما بين استباقها واللحاق بها
لن يَسقط النظام العسكري المهيمِن على يد ما يسمَّى ظلما وبهتانا ب/"الجيش الحر"، طالما يبقى هذا الأخير، جيشا محترفاً، يضمُّ بين صفوفه الشرفاء، الوطنيين، أمراء الحرب والمرتزقة، في آن واحد. ويتقاضى أفراده رواتب عالية من آل سعود، وآل خليفة، وآل نهيان. لذا، فإن قطيعة استراتيجية، معرفية سياسية، تفصل الطبقات الشعبية عن هذين الجيشين المتناحرين، جيش السلطة، و"الجيش الحر"، بافتراض أن هذا الأخير ما يزال موجودا فوق أرض المعركة. هذه القطيعة مصدرها متأتٍ من أن هذين الجيشين يتناحران للسيطرة على السلطة، مصدر المال والجاه والمُلْكُ في المشرق، ولتوظيف سورية للمصالح الاقتصادية للرأسمالية البيروقراطية، والأباراتشيك (مصطلح روسي المصدر يُقصَد به طبقة كبار موظفي دولة الاتحاد السوفياتي من أصحاب الامتيازات).
1-)إسقاط النظام والتحاور معه خطان متوازيان لا يلتقيان مهما امتدا: الثورة المضادة إذ هي توافق عن رضا أو رغما عنها على المشاركة في مؤتمر دولي، أيا كان، وأينما كان، فإنها، من جهة تُلغي الشعب، وتحرمه، من جهة ثانية، من أن تحمل الملايين من الجماهير الشعبية السلاح لإلحاق الهزيمة بجيش النظام، والجماعات الإسلامية المسلَّحة، وتترك، من جهة ثالثة الحل العسكري والسياسي للأزمة الثورية بين أيدي السياسة الدولية الإمبريالية، وتوافق، من جهة رابعة، على التحاور مع النظام المهيمن، وتُسقط، بالتالي، أو تؤجِّل، من جهة خامسة، إسقاط النظام بحجة أن المرحلة الانتقالية هي العقدة الرئيسة للمؤتمرات، ما دامت المرحلةٌ الانتقالية عمليةُ استلام وتسليم للسلطة، تأتي المرحلة الانتقالية التي كانت وُضِعَت موضع التأجيل. هذه الحجة الخامسة تتضمن ما يكفي من الوقاحة من حيث استغناء الائتلافيين عن استراتيجية إسقاط النظام، أو تأجيلها إلى ما بعد التقدُّم بالمفاوضات الانتقالية. فلنمعن النظر بما تخفيه هكذا مناورات سياسية سورية، سورية دولية (المعارضة). إن الائتلاف، شأنه شأن هيئة التنسيق، إذا ما هو وافق على المؤتمرات الدولية، فإنه يضع ، على هذا النحو، المرحلة الانتقالية المنشودة فوق إسقاط النظام، وقبل أن يسقط بالفعل، إذا ما لم يُلغي إسقاطه نهائيا من جدول أعماله، بحيث لا يبقى له أي حيِّز في الجدول الزماني لسياسته. هذا، على افتراض أن لديه برنامج سياسي، وأن هذا البرنامج لم يُقفَل عليه في خزائن السياسة الدولية. غير أن المعارضة ذات الرأسين انصاعت، كما كانت تنصاع دوما للسياسة الدولية الإمبريالية، التي ترفض إسقاط النظام، وتنادي بالحل السياسي. هذا، إن لم تكن على تردُّدها المستمر، منذ نحو أربع سنوات، ما بين الإبقاء عليه أم تنحيته. الجواب الحاسم بين أيدي نتنياهو والآلة العسكرية الإسرائيلية، في كل ما يتعلق بسورية وإيران وحزب الله وحماس والمقاومة الشعبية في بلدان الجوار.
2-) حاجز من الرواسب التاريخية يسد الطريق أمام الشيوعيين والأزمة الثورية: الرواسب الإيديولوجية لنمط إنتاج الاستبداد الشرقي، ما تزال راسخة في تركيب السلطة وتكوينها، من حيث أن السلطة تُلغي المجتمع، وتُتْبِعه لها، وتُخضع الفرد والجماعات للسلطات الاستثنائية الممنوحة للسلطان، وتصادر الأملاك حتى لو كانت المصادرة غير قانونية، وتضع كل السلطات بيد السلطان الذي لا يُمس مهما فعل، وتمنحه سلطة ما فوق القانون. الاستبداد الشرقي راسخٌ، أيضا وبصورة مماثلة، في الشخصية السياسية للمواطن السوري، بما في ذلك المعارضات والسلطات. هذه الرواسب، بالرغم من أن نمط الإنتاج الاقتصادي للاستبداد الشرقي لم يبقَ له أثر، بعدما انتشرت العلاقات الرأسمالية في الريف والبادية، وبعدما كانت الرأسمالوية موَّزَعة في المدن بدرجات متفاوتة ما قبل نشوء الإسلام، فإن هذه الرواسب الاستبدادية في حالة من الاستفحال في هذه المرحلة من تاريخنا، بما في ذلك في صفوف اليسار الثوري. تشرذم الأصدقاء والمعارف إلى جماعات صغيرة متناحرة، العصبية الموروثة عن البداوة والحضر في المناطق النائية، الثقافة الدينية مهما قلَّ شأنها، تفوُّق العلاقات ضمن الأسرة الواحدة على التنظيمات النقابية والسياسية، الذكورية، اضطهاد المرأة، الأولاد في مشاغل الحرف اليدوية المحرومين من عقد العمل، اضطهاد العسكر والشرطة للمواطن "العادي". أضف إلى ذلك، أن ما يَعترض انتقال الأزمة الثورية إلى العمل الثوري المنظَّم، مردُّه إلى تَكَوُّن اليسار من البورجوازية الصغيرة، والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، والمثقفين الذين أخذوا بالماركسية المدرسية، وفاتهم ما للاستراتيجية الثورية للشيوعيين من أهمية قصوى في الممارسة والوعي.
هذه الماركسية المدرسية انحرفت بالمادية التاريخية، فجعلت منها فلسفة مادية، منطق جدلي، منهج علمي، ومذهب منفصل عن الشيوعية والشيوعيين، بينما هي إعمال سياسي استراتيجي ثوري حزبي وشيوعي. فضلا عن ذلك، فإن البورجوازية الصغيرة تريد دوما أن تُنجز الثورة الاشتراكية بأفكار وبرامج ليبرالية، على حد قول لينين. لذا، فإننا نرى أن أغلبية هذا اليسار لا يكتفي بالسير وراء مؤتمر جنيف، بل وإنه وقع في فخ الليبرالية، وديمقراطيتها السياسية المكوَّنة من عدد الأصوات في صناديق الاقتراع، كل خمس سنوات مرة. الأخطر، من هذا وذاك، أن المرتدين عن الشيوعية، يروِّجون للمقولة الليبرالية للائتلاف والمجلس الوطني وإعلان دمشق. مقولةٌ مؤداها أن المرحلة الراهنة أبعد ما تكون عن الاشتراكية. حتى أن كثرة من اليساريين يعُودون اليوم إلى مُنْحَرِفي الأممية الثانية، من أمثال كاوتسكي وبرنشتاين، لينشروا، على غرار هذين الأخيرين، مقولة قوامها أن المرحلة القادمة الصناعية تتكوَّن خلالها الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي، بما يُمهد الطريق أمام تشييد الدولة الاشتراكية. عن طريق الانتخابات الديمقراطية. بيد أن مجهولاً ما يردُّ على هؤلاء، فيستعير المثل الشعبي المعروف: "عش يا كديش حتى ينبُت الحشيش". إن ما يجهله قدامى الشيوعيين الذين أضحوا ليبراليين، أن الثورة المستمرة من حيث هي نواة كامنة أو ظاهرة عبر الأزمة الثورية، تَستَمد زمانها السياسي التاريخي مرتكزة على صراع الطبقات، والحزب الشيوعي، وغيرها من مكوِّنات المادية التاريخية من حيث هي إعمال سياسي استراتيجي ثوري. تَستمد تاريخية زمانها من التكوين الاقتصادي الاجتماعي الذي يحمل في صيرورته الظروف الموضوعية للثورة على طريق الانتقال الاشتراكي. لاسيما وأن الظروف الموضوعية للأزمة الثورية لن تتغيَّر بما يستجيب لمطالب الطبقات الشعبية والتنمية والتحرير، ما لم يتكوَّن اليسار الثوري الجذري، فيقود الأزمة الثورية من العفوية إلى العمل الواعي المنظَّم.
إن يسارنا، الشيوعي منه بوجه خاص، نشأ في العشرينات من القرن الماضي ، عن المصدر الثقافي الذي كان وما يزال يتغلَّب على مصدر الممارسة من حيث هي، مهما تدنَّ مستواها الثقافي، فإنها، بالرغم من ذلك، ممارسة ذكية، ناطقة بلغتها الوطنية، وتفكِّر. المصدر الثقافي لشيوعينا "ماركسيٌ"، منقول عن الكتب، ولبس شيوعيا، وإن كانت الأممية الثالثة هي التي أخذت على عاتقها نشر الشيوعية في الشرق. هذا المصدر الثقافي متفوِّق بمسافة واسعة على المصدر السياسي، ومنه نضال صغار الفلاحين، والعمال، وأصحاب الدخل المحدود. السياسي منه متأت من النضال ضد الأحلاف، وملتقيات أنصار السلام، والنضال من أجل الديمقراطية عندما كان مسلسل الانقلابات العسكرية يرسم السياسة السورية، ومناهضة الإمبريالية. قلما ظهر عن الشيوعيين ما كان لينين يدعو إليه، الا وهو العمليات الاستراتيجية، من حيث هي من المكوِّنات الرئيسة للمادية التاريخية. هذه الصلة من الصيرورة ما بين الممارسة التلقائية والممارسة المنظَّمة الواعية، أو الاستراتيجية، لم يظهر لها أي أثر لدى الرفيق خالد بكداش. ولم تتفتَّح إلا مع "قضايا الخلاف" في الحزب الشيوعي السوري، في نهاية الستينات من القرن الماضي. فلنستنتج أن الصيرورة من العمل العفوي إلى العمل الواعي، ما تزال تفصل حتى اليوم الماركسي عن الشيوعي. لا سيما وأن المتمسكين بتعصب ثقافي بالماركسية، يرفضون انتماءهم للشيوعية. هذا التغلب للماركسية النظرية، المدرسية، الجامعية والأكاديمية، على الشيوعية واستراتيجية الإعمال السياسي المادي، ينتصب كالحاجز المرتفع نحو السماء، أمام وحدة الشيوعيين واليساريين الجذريين. (ماركس رفض حتى وفاته مصطلح "الماركسية". إنجلز تبنَّاها، ما بعد وفاة ماركس، تحت ضغط الاشتراكيين الديمقراطيين الألمان الذين يؤثرون، كونهم تحريفيين ليبراليين، الماركسية على الشيوعية، وهم الذين أقنعوا إنجلز بتبني الطريق الديمقراطي (البرلماني) إلى الاشتراكية، وهم الذين اغتالوا قائدة الثورة الاشتراكية الألمانية روزا لوكسمبورغ).
3)- المســارات الـزمـانية لـلثــورة: ثورة الخامس عشر من آذار للعام 2011 تَكشٌفُ ، منذ شهرها السادس وحتى غاية اليوم، وهي تقترب نحو نهاية السنة الرابعة من تاريخها، متعثرةَ بين الأشجار في غابة عذراء متعدِّدَةَ المسارات إلى ما لانهاية، تكشفُ عن ظواهر تاريخية جديدة، مستحدثة لا مثيل لها في الماضي، ذات خصوصية مجتمعية، اقتصادية سياسية ملازمة للتكوين الاقتصادي المجتمعي في تطوره وتحوُّلاته. فلقد فَتَحَت أو فجَّرِت الأزمة الثورية مسارات كانت مخفية عن عيون المجتمع السياسي، يمينه ويساره على حد سواء. بيد أنها كانت مرئية بأنظار قلة نادرة من اليسار الجذري، ممن كان يرفض تكتيك المجتمع السياسي الذي أخذَ، وما يزال يفعل، من خطاب العرش ("خطاب القسم" لبشار أسد أمام مجلس النواب بمناسبة توليه رئاسة البلاد) سندا جامداً للسياسة التكتيكية لدى المجتمع السياسي، ألا وهو ما عُرِف عن هذا المجتمع من شعار ذات صيت، إن كان واسع الانتشار، غير أنه سيء السمعة. شعار "الإصلاح التدريجي والسلمي"، بالرغم من أن الظروف الموضوعية لسورية كانت ثورية. إن لم تكن على هذا النحو برأي الأكثرية، فإنها كذلك منذ الأشهر الأخيرة من حياة الجنرال حافظ أسد. هذا الأخير لم يفت عن "حسه السياسي"، هو المُستَبِد الظالم معدوم المشاعر، ما يطرأ في المجتمع من تغيير بسبب تدهور الأحوال المعيشية للطبقات الشعبية، فسارع إلى الانفتاح نحو الليبرالية. كما أنه أَطلق، قبيل مغادرته البلاد إلى فرنسا في زيارة دولة، سراح عدد من المعتقلين السياسيين، من بينهم رياض الترك الذي يتبنى منذ مغادرته السجن، حينذاك، سياسة ليبرالية منفتحة نحو العولمة، بعدما تخلى عن محاربة الإمبريالية. أعطى الجنرال أيضا وعودا لفرنسا والاتحاد الأوربي بمناسبة زيارته لباريس قبل عام واحد على فطسه، بمزيد من الانفتاح نحو الليبرالية والديمقراطية، وأعرب للرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك عن اعتزامه التوقيع على عقد الشراكة السورية الأوروبية.
هذا المجرم الذي كان يفتك بحركة التحرر الوطني الفلسطينية واللبنانية، تراه، حينذاك، بفتح الأبواب أمام الرأسمالية البيروقراطية، ويكرس التحالف بين هذه الأخيرة والبورجوازية التجارية التقليدية، كي يُرجِّح موازين القوى في المجتمع لصالح البورجوازية الطفيلية، والانتهازية، ناهيكم وتعميم الفساد. فإذا كان هذا التوقيت التاريخي (1999-2000) الذي يُسجِّل لتكوُّن الظروف الموضوعية للثورة ضد النظام، يَلقى لدى ما كان يسمَّى ب"التجمع الوطني الديمقراطي"، شأنه شأن "تجمع اليسار الماركسي" (تيم) نفيا دغمائيا، قاطعا وحاسما، فإن الظروف الموضوعية للحالة الثورية كانت متوفَّرَة - في أسوء تقدير -، منذ كَشَّ "الحرس القديم" في مطلع عهد خليفة أبيه، بشار أسد، ما كان "المثقفون" والمجتمع السياسي يتراءى لهما بأنه "الربيع السوري"، في ما هم كانوا ساهين عن الثورة، يلهثون وراء ما خيِّل إليهم أنه "الربيع السوري"، في ما غاب عن وعيِّهم أنهم يَجْرون وراء أوهامهم وأحلامهم ورغباتهم، وفاتهم أن يدركوا أن شعار "الإصلاح التدريجي السلمي" يُصيب أعينهم بالعمى القاتل.
إن ما تفجره الثورة من مسارات زمانية تاريخية مجبولة بمعجون واحد لا يميِّزُ بين الممارسة والنظرية، وإن كان التمييز ببنهما ينشأ عن التباين الزماني بين المسار الزماني للممارسة، العفوي التلقائي، والذي يَسْبق ويتقدَّم على المسار النظري الذي لا يتوضَّح تركيبه ما لم تنتقل الممارسة العفوية التلقائية، عبر الصراع المجتمعي السياسي وما يخفيه من صراع طبقي، محلي وعالمي، إلى ممارسة مادية، واعية مُنَظَّمَة . إذ إن ما يميِّز الممارسة عن النظرية ينشأ عن اختلاف الوتيرة الزمانية ما بينهما، طالما تبقى الممارسة سريعة في تطورها وتحوَّلاتها، صراعاتها، معاركها السياسية، في ما تتأخر النظرية عن الصياغة السياسية الواضحة بانتظار ما يطرأ على الممارسة من تحول من العفوية التلقائية، إلى الممارسة الواعية المنظَّمة، أي إلى النظرية.
4-) النواة الثورية كامنة في صميم التكوين الاقتصادي الاجتماعي لسورية، وصراع الطبقات ساكن لا يتحرَّك ما لم يمدُّه الإعمال السياسي الاستراتيجي الثوري بالحركة الحيَّة: في جميع الأحوال، فإن الأزمة الثورية، من حيث هي من خصائص الطبيعة المادية، والمجتمع، فإن النواة الثورية الكامنة في الأزمة، والصراع الطبقي في حالته الساكنة الجامدة في المجتمع المتأزم والثائر، لا ينتقلان إلى ساحة المعركة الطبقية ما لم تُحَوِّل السياسة المادية التاريخية الأزمة الثورية وصراع الطبقات إلى إعمال استراتيجي سياسي ثوري. فالأزمة الثورية، بسبب من غياب الحزب الشيوعي، واعتماد تكتيكات منفصلة عن الاستراتيجية، وليست امتداد يوميا لها، بدأت هذه الأزمة كيفما انتهت إليه اليوم. هذا في الظاهر الذي يُخفي ما وراءه من تحولات وصيرورة في التكوين الاقتصادي الاجتماعي، ونمط الإنتاج الرأسمالي. ذلك أن الأزمة الثورية التي تَحمل منذ يومها الأول نواة ثورية، يَشهد على ذلك المظاهرات الجماهيرية الشعبية التي كانت تستمر ليلا ونهارا، طوال الأشهر الستة الأولي من الأزمة الثورية، بالرغم من أن الجيش الخائن تصدَّى لها منذ يومها الأول بالرصاص الحي والدبابات، فإن هذه النواة الثورية وليدة الأزمة الثورية للخامس عشر من آذار، باقية ما بقيت الأزمة الثورية مستمرة حتى غاية العقد الرابع من القرن الواحد والعشرين. بيد أنها تواجه، في هذه الأثناء، خمسة أعداء، إذا ما تغلَّبت عليهم هذه النواة الثورية، فإن مسار الثورة المستمرة سينتقل إلى مرحلة التمهيد للانتقال الاشتراكي بعد استيلائه على السلطات. هؤلاء الأعداء هم المجموعات الإسلامية المسلَّحة، الجيش الحر، استجداء أي دور دبلوماسي وعسكري من السياسة الدولية الإمبريالية، السلطة الطاغية المهيمنة. بالمقابل ، فإن لدي النواة السورية عبر الأزمة الثورية أربعة حلفاء. الطبقات الشعبية من حيث هي صاحبة الأزمة الثورية. اليسار الثوري الجذري في طور الولادة والنمو في المرحلة الراهنة. الثورة المستمرة نحو التحرر من الإمبريالية والصهيونية، وتشييد أوسع أنماط الديمقراطية السياسية الاجتماعية، الشعبية والمجالسية، بأفق اشتراكي. ثم، يأتي، منذ بدء المهام الثورية، إنجاز اختراق للتنسيقيات الشعبية التي تُعْتَبَر إحدى خصائص الأزمة الثورية في سورية، وتُشَكِّل حيِّزا سياسيا، اجتماعيا، لنشوء وانتشار المجالس الشعبية. بتعبير آخر، فإن استراتيجية الثورة المستمرة التي تستمد صيرورتها من هذه النواة الكامنة في الأزمة الثورية منذ اندلاعها في الخامس عشر من آذار، تُشَكِّل الحلقة الصلبة في مسلسل طويل من النضالات، مختلفة في ما بينها من حيث مساراتها الزمانية والميدانية، فضلا عن التباين بين أنماطها التكتيكية. فانسحاب اليسار الثوري من حرب الخنادق التي لم يعد يُعَرف لها البداية من النهاية، واختلطت هوياتها لكثرة الخنادق وعساكرها او المقاتِلين المتحصِّنين فيها، وبات الجيش الحر كائنا غريبا لا يُعرَف رأسه من قدميه، فإن الضرورة الموضوعية الناشئة عن هذه المعطيات المادية، يُملي على اليسار الجذري والشيوعيين أن يلتفتوا نحو النضالات السياسية لتوفير الظروف أمام الانتقال إلى العمل الثوري المنظَّم تمهيدا لتجديد الثورة المستمرة، على أن يَمنحوا، علاوة على ذلك، أهمية للتدريب على حمل السلاح تمهيدا لتأسيس الجيش الشعبي الثوري، أو الإعلان عنه، عندما تنضج الظروف الملائمة للانتقال إلى العمل الثوري المسلَّح.
5-) تكتيك الجيش الشعبي الثوري: أزمة الخامس عشر من آذار الثورية، تخطَّت أنماطاً من الجماعات المسلحة أو شبه العسكرية، وإن هي تهادنَ، من الناحية التكتيكية، حزب الله الذي يبقى الموقف منه معلقا، في ما يتعلق بعلاقة اليسار به، معلقٌ ما بين قوسين، وذلك بانتظار ما يستجد في الساحة اللبنانية التي تتأهب للمشاركة العسكرية في أزمتنا الثورية، وبانتظار ما يطرأ على امتداد الجماعات الإسلامية المسلَّحة إلى الحدود اللبنانية والإسرائيلية والجولان المحتل، فضلا عما تخفيه الإمبريالية من تكتيك في ما يتعلق بحربها ضد الإسلام المسلَّح في الأجواء العراقية والسورية. أضف إلى ذلك أن أردوغان أفندي يتأهب بدوره للزج بقواته في سورية، لمحاربة الجماعات الإسلامية المسلحة، أم للفتك بالأكراد ، أم لدعم الإسلاميين الذين دخلوا إلى سورية بناءَ علي توصيات منه. فإذا كانت أزمتنا الثورية تواجه أعداداً متنوعة ومتناقضة في ما بينها، عسكرية، شبه عسكرية، إسلامية، انتهازية، مأجورة ووطنية شريفة، فإن الاستراتيجية العسكرية لليسار الجذري والشيوعي، تستدعي، بالرغم من أنها مختلفة عن الحرب محض العسكرية، تستدعي تكتيكا ذات طبيعة مختلفة جوهريا عن الحرب الكلاسيكية التي تنتشر اليوم في سورية. فإذا كان من الضروري أن تَعرِف الجماهير الشعبية أن حرب الخنادق، وحرب المواقع، وحرب الجبهة ضد الجبهة المعادية، واحتلال المدن، والبلدات، والقرى، والأحياء، كلَّفت الجماهير الشعبية مائتي ألف شهيد، وملايين المهجرين المشرَّدين، والخراب، والدمار، فضلا عن أن "الجيوش المعارضة" تُخلي في الصباح، ما كانت احتلته في المساء. ها هنا يمكثُ البلاء الأعظم. فالأحياء والمدن والبلدات والقرى تُدَمَّر مرتين اثنتين. عندما تحتلها جيوش المعارضة، وعندما تخليها تحت قصف جيش النظام. هذا النمط من الحرب في مواجهة جيش النظام الذي يشن حربا كلاسيكية ضد الشعب، لم تُسجِّل أي نجاح، كما لم تؤسس لأي منطقة متحرِّرة جاهزة لاستقبال المقاتلين الثوار القادمين إليها لأسباب تتعلق بالمعركة العسكرية ضد الجيش النظامي الذي يضم إليه مئات الألوف من حراس الثورة الإيرانيين، وتتدفق لنجدته دفعات مستمرة من الأسلحة الروسية. النتيجة الفاجعة مرئية للعيان. داعش تحتل شمال سورية، والأكراد يُرْغَمون على اللجوء إلى عدوهم العثماني. أي أن استراتيجية ماوتسي تونغ التي كانت تُحرِّر الصين منطقة وراء منطقة، وتقيم فيها تدريجيا الدولة الشيوعية، أعطت في سورية عكس ما هو مطلوب منها. إن النقيض الممكن أمام اليسار، مقابل النتائج المأساوية لحرب الجيش الحر، وسواه كثرٌ، يتلخص باعتماد جيش شعبي ثوري موزَّعٌ إلى خلايا سرِّيّة لا يتجاوز عددها أصابع اليدين الاثنتين، مرتبطة بقيادة منطقية وأخرى مركزية، تُنفِّذ عملياتها بالأسلوب السري، بالعمليات السريعة والمفاجئة، ومن ثم التخفي بصورة سريعة.
6-) الأهداف السياسية والإيديولوجية للجيش الشعبي الثوري: على نقيض من الجماعات المسلحة واسعة الانتشار اليوم في سورية، والتي تفتقد إلى أية استراتيجية سياسية باستثناء إسقاط النظام، فإن الأزمة الثورية بلوَرَت لدى اليسار الثوري تكتيكات للعمل المسلَّح لم تنتقل بعد إلى حيِّز التنفيذ، وإن كانت تحتل حيِّزا فاعلا في وعيهم. فالأزمة الثورية تتجاوز، بعدما شهدت البلاد أبشع أنواع الحروب، أشكال المقاومة الدينية، وكل ما هو مشتقُ عسكريٌ من الدين، ما دامت التنظيمات اشبه ما تكون إلى العسكرية الدينية، تقصي الآخر، وتغزو بالأسلحة الفتاكة القوى الوطنية الديمقراطية واليسارية، لتنغلق على الفرقة الدينية. الأمر الذي يجعل من الجيش الشعبي الثوري، على مدى العشر سنوات القادمة أو أكثر من ذلك، من الثورة المستمرة والأزمة الثورية في سورية، بديلا لحزب الله وحماس وما شابه هذه وتلك من منظمات شبه عسكرية تتخذ من الدين إيديولوجية لها. فأزمة الخامس عشر من آذار الثورية، تؤسِّس، على نقيض مما هو ظاهر مع انتشار التنظيمات العسكرية الدينية، لأُسُسٍ سياسية مسلَّحة غير دينية، وطنية، قومية، تحررية وطبقية. هذا النمط من المقاومة الشعبية، كرديف للنضال الثوري المسلَّح، يندرج في كل برنامج يساري ثوري يَعقد صلة وثيقة لا تنقسم، بين المقاومة والتحرر. بين المقاومة من حيث هي نضال منبثق عن التكوين الاقتصادي الاجتماعي، ونمط الإنتاج الرأسمالي، يتجاوز ترسبات الاستبداد الشرقي. حزب الله، من وجهة نظر تطور التكوين الاقتصادي الاجتماعي، وصيرورة الثورة المستمرة، وإن كان يقاوم الصهيونية بأحدث أنواع الأسلحة، إلا أنه، بالمقابل، يقاتل لترسيخ ترسبات الاستبداد الشرقي، والطائفية مُكوِّن من هذا النمط من الاستبداد. إنه يقف عند هذا الحد أمام خيارين. فإما يكسر أسوار الاستبداد الشرقي الذي يَحمي نفسه بها، وإما ترغمه الثورة المستمرة، وصيرورة الأحداث القريبة القادمة، على تغيير هياكله التنظيمية والإيديولوجية.
7-) ثورةٌ مؤَهَلَةٌ للاستمرار ما بقيت الأزمة الثورية مُتبَدِّلَةٌ: الأزمة الثورية فجَّرَت أمام الشعب وطبقاته الشعبية بوجه خاص، مسارات تاريخية جارفة، عميقة، تقتلع في طريقها كل ما كانت المقولات المنطقية، بما في ذلك الجدلية المثالية، والمناهج التجريبية والبراغماتية والمثالية الأخلاقية السياسية والوضعية. مسارات تاريخية، زمانية، اقتصادية مجتمعية، أي سياسية، (أكرر القول إن المكونات المجتمعية لا توجد في ذاتها، وإنما تتحول عبر الممارسة العفوية، ومن ثم الممارسة الواعية المُنَظَّمَة، أي السياسية المادية، إلى نظرية. عندما تنته العفوية، ليتقدَّم العمل الواعي المنظَّم، فإن التنظيم السياسي والطبقات الشعبية ينتقلان إلى مرحلة جديدة، ألا وهي الاستعداد للثورة الشعبية. أي إن النظرية ليست فكرا خالصا، وإنما هي عمل واع منظَّم. فلنقل إن النظرية عملٌ، عملٌ سياسيٌ، برنامج سياسي مادي، واستراتيجية سياسية ثورية. المادية التاريخية إعمالُ استراتيجي ثوري. ما فجَّرَته الأزمة الثورية من مسارات، فتحت الطريق أمامنا نحو هذا النمط من العمل السياسي الواعي المنظَّم. ها هي الجماهير الشعبية تجتاح القلاع المُحَصَّنة لليبرالية، وقادة حزب البعث الحاكم، وقادة الأحزاب الشيوعية الرسمية، و الإخوان المسلمين، واليمين الليبرالي اللاهث وراء جزمة الإمبريالية يتسوَّل منها التدخل عسكريا ودبلوماسيا لإسقاط النظام. الطبقات الشعبية، في النصف الثاني من السنوات الأربع الماضية، الحاضرة، تُهدِّد اليوم، أو من المفترض أن تنفخ في ناقوس الخطر، كل من يتفيأ تحت سقف الإمبريالية والرجعية العربية والسلطة الرأسمالية البيروقراطية، من الائتلاف الوطني، والمجلس الوطني، وإعلان دمشق، بما في ذلك أيضا هيئة التنسيق، التي لم تبحث لنفسها عن مكان، بعدما وافقت على المشاركة في مؤتمر جنيف الثاني إذا ما وافق المؤتمر على استقلالها عن الائتلاف، تبحث لنفسها عن مكان تحت هذا السقف الذي يفيء بظلاله البدو والعشائر، عسكر الإمبريالية والرجعية العربية، ومخلَّفات نمط إنتاج الاستبداد الشرقي، من قبائل، وعشائر، بدوٍ تصف متحضِّرين، عصبيات دموية أُسرية، طائفية ودينية. فتَرى هيئة التنسيق وقد وَجَدَت لنفسها مكانا على هامش السقف، فتفيَّأت تحت ظلال روسيا والصين وطهران. إنها تراقب ساحة المعركة عن كثب وبحذر. هيئة التنسيق لجهة ارتباطها بالسياسة الدولية عبر روسيا والصين وإيران، وتأييدها للمؤتمر الدولي حيثما يُعْقد، بعدما كانت ترفض العامل الدولي، وتنادي، بالمقابل، بمؤتمر وطني يَعْقُدُ أعماله في دمشق، بمشاركة السلطة التي تحتل ، على حد زعمه، مركزا رئيسا في مفاوضات وطنية من أجل إنهاء حالة الحرب، والاتفاق حول مخرج من الأزمة الثورية. في هذا السياق التاريخي للأزمة الثورية، فإن مؤتمر جنيف، من حيث هو يشكَّل أحد مسارات الثورة المضادة، ويلبي تكتيك السلطة التي تمارس على الطبقات الشعبية حرب الإبادة الجماعية، فإن الطبقات الشعبية، بالمقابل، كفيلة ، على مدى من الزمان متوسط أو بعيد، بتجريد الائتلاف والسلطة الطاغية، من أي مستقبل سياسي، إذا ما تقدَّمت الطبقات الشعبية والشيوعيين عبر كل المسارات الزمانية التاريخية، نحو عتبة العمل الثوري المنظَّم. هذاما يتضح بصورة صريحة على لسان الشعب وطبقاته الشعبية التي تؤكد عن ثقة ويقين "إن العودة إلى الخلف لم تعد ممكنة، بل وإنها أصبحت، بصورة مستحيلة، غير قابلة للإنجاز. ذلك أن الأزمة الثورية حفرت القطيعة مع الماضي بعمقٍ هوةٍ لا قاع لها. انظر إلى اللاجئين في بلدان الجوار. حتى العواجز من النسوة، والأطفال صغار السن، لم يُسْمَع عنهم أي تسول للرحمة من السلطان بشار. بل وإنهم يتوعدونه بالموت موتة المجرمين الأذِّلاء.
8-) إسقاط النظام والمرحلة الانتقالية لكلٍّ منهما زمانه واتجاهه المعاكس واحدهما للآخر: فالمسار الزماني للمرحلة الانتقالية، من حيث هي برنامج للتغيِّير يشمل سائر تشكيلات التكوين الاقتصادي الاجتماعي، يسبق، بخلاف الترتيب الزماني المتسلسل للأحداث، يَسبُقُ استراتيجيا وتكتيكيا، إسقاط النظام، أو يتقدَّم عليه. فإذا كانت السياسة البورجوازية تضع، وفق التسلسل الزماني للأحداث، إسقاط النظام في مرحلة متقدِّمة على برنامج المرحلة الانتقالية "الديمقراطية"، فإن البرنامج الانتقالي الثوري هو الذي يُسْقِط النظام لأنه يضع البرنامج الانتقالي الثوري ما قبل إسقاط النظام، ويرفض التفاوض معه ما لم ترجح كفة الثورية الشعبية على كفة الثورة المضادة، وبٌرغم النظام على الذوبان بالثورة، والانصياع لبرنامجه الانتقالي. فلننظر، على سبيل المثال، للائتلاف وحلفائه. إن سياستهم للمرحلة الانتقالية، تَعلُكُ صباح مساء مصطلح الديمقراطية، وبس، تاركة البرنامج السياسي للمرحلة الانتقالية. لكن المسار الزماني للأحداث التاريخية يصير في اتجاه مغاير للاستراتيجية البورجوازية التي تهدف إلى الاستيلاء على الدولة، وتُسَوِّف برنامجها السياسي للمرحلة الانتقالية، إلى ما بعد سقوط النظام. إن البرنامج السياسي لليسار الثوري، على نقيض من الآخر البورجوازي، هو الذي يُسقط النظام، طالما يسير على خطاً من استراتيجية اشتراكية وبرنامج سياسي واضح وتفصيلي. أي إن بناء البرنامج السياسي الثوري بناءً على الاستراتيجية الاشتراكية، يَسْيق إسقاط النظام ويتقدَّمه.
فلنؤكد، مرة وراء مرة، أن البرنامج السياسي الاستراتيجي والتكتيكي هو الذي يُسقط النظام، وليس اسقاط النظام هو الذي يبنى المرحلة الانتقالية. فإذا كان الزمان الاستراتيجي الثوري يتقدَّم على إسقاط النظام، من منظور الإعمال الاستراتيجي الثوري، توضيحه وشرحه وتوزيعه على الطبقات الشعبية، بما يعبئ ملايين الجماهير سياسيا وعسكريا، فإن إسقاط النظام من منظور التسلسل الزماني للأحداث بصورة يومية وشهرية، يَسبُق، بلا شك، ويتقدَّم على البرنامج الاستراتيجي الثوري. هذان الزمانان متناقضان في الظاهر، يسير كلُ منهما في الاتجاه المعاكس للآخر، حسب المذاهب المنطقية، تجريبية صورية، عقلانية، بما في ذلك كل منطق جدلي يُرَكِّب ويتركَّب حسب قواعده، وليس بموجب المادية التاريخية غير المنفصلة عن المنطق الجدلي للتاريخ المادي الواقعي الملموس، ما دام هذا الأخير يُشكِّل أحد تكوينات المادية التاريخية. لكن هذين الزمانين متَّحدان من منظور الإعمال الثوري الاستراتيجي والتكتيكي، أو قُل من منظور العملياتية الاستراتيجية السياسية. بهذا المعنى، فإن الإعمال الاستراتيجي السياسي المادي ما أن يفعل فعله في المجتمع ومع الطبقات الشعبية، حتى يأخذَ سقوط النظام الاستغلالي الخائن لمواطنيه طريقه نحو الانهيار، بحيث يأتي سقوطه استمرارا للإعمال الاستراتيجي السياسي الثوري. فلنلاحظ أن المؤتمرات الدولية في جنيف، أو في أي وكر آخر للتآمر على الطبقات الشعبية، وإن كانت تهدف إلى إسقاط النظام بالتآمر وتسوُّل التدخل العسكري من الإمبريالية ومجلسها للأمن الدولي في منظمة الأمم المتحدة، فإن النظام الاستغلالي الظالم والقاهر للجماهير الشعبية لن يسقط كالتفاحة التي تسقط من أعلى الشجرة من تلقاء نفسها، حتى لو أنها تتحالف مع النظام السائد في سورية، فإن الغُراب المختبئ بين الأغصان لن يسقط من الشجرة بالصاروخ مهما عظم شأنه وحجمه وعدد ضحاياه. إنه لن يسقط ما لم يُصَوِّب الصياد السوري بندقيته إلى هذا الهدف. فلنلاحظ أيضا، أن إسقاط النظام بصورة مُسْبَقَة على برنامج المرحلة الانتقالية، يقود، كما هي الحالة السورية في المرحلة الراهنة، إلى الفوضى، والثورة المضادة، والخلط بين اللص المجرم الذي يُنكِّل بالمواطنين، ويرغمهم على هجر ديارهم، وبين المناضل الثوري الوطني الشريف الذي لم يجد كلاشنيكوف يحارب به أعداء الثورة الشعبية، فامتطى بندقية صيد. فلنذكِّر، أيضا ومن جديد، أن هذين الزمانين لبنة واحدة من الطين الواحد الذي يجبُلُ عبر الزمان التاريخي للإعمال الاستراتيجي السياسي المادي، فيَجْبُل ما بين هذين الزمانين في التكوين الاقتصادي الاجتماعي، بعدما يتحول هذا التكوين المادي عبر صيرورته التاريخية إلى استراتيجية سياسية مادية وثورية.
رابعاً: خاتمة، أو اليسار الثوري يواجِه وحدهُ الثورة المضادة
أ-) اليسار الثوري الجذري، شيوعي ويسار قومي، أُممي وعربي، يخوض معركة الأزمة الثورية للخامس عشر من آذار للعام 2011، وحده ضد الجميع، من أجل بناء جبهة شعبية يسارية، تستعد، منذ الآن، لتوفير الظروف الذاتية والتنظيمية للحفاظ على الثورة المستمرة، من جهة، وللسيطرة، من جهة ثانية، على السلطة. يخوض المعركة لاقتلاع الدولة من الأيدي العابثة بها، في ظروف العولمة النيوليبرالية التي ذوَّبت البورجوازية الوطنية في جميع أنحاء العالم، لاقتلاع الدولة من العابثين بالمجتمع السوري. كلُّهمُ بلا استثناء سوى واحد فقط، ألا وهو اليسار الثوري. خَلْع السلطة من أيدي البورجوازية في سورية، والتي لا تجد أمامها فرصة للحياة، ما لم يطغى عليها الجيش أو تستعين به. خلع السلطة لإيداعها، بموجب انتخابات نزيهة للمجالس، التشريعية، والمجالسية، والتنسيقياَّت السياسية والبلدية، ين أيدي الطبقات الشعبية. إن نضال اليسار الثوري من أجل تشييد ديمقراطية بأوسع ممارساتها ومعانيها، السياسية والاجتماعية والشعبية، هدف من أهداف الثورة، وحيِّزٌ للصراع مع البورجوازية والعسكريتاريا والمعارضة اللاهثة وراء ديمقراطية مزيَّفة من النمط الفرنسي أو البريطاني يُراد لصقها بسورية السياسية، بالرغم من أن التكوين الاقتصادي الاجتماعي في سورية يتَّسع لأنماط من الديمقراطية الثورية الواسعة، والتي لا تجد حتى اليوم طريقاً لها في كبريات الدول الرأسمالية.
ب-) هذا، وفي ما تسيطر اليوم فوضى عارمة في المجالين السياسي والعسكري بتدبير الائتلاف والهيئة والسلطة والإسلام العسكري، والإمبريالية، فإن أوباما يَعترف على الملأ (الأول من أكتوبر2014) أنه لم يعط في السابق للمجموعات الإسلامية المسلَّحة في سورية والعراق حقها من الأهمية. إنه يعتزم، أيضا، تدريب ألفين مواطن سوري من "المعارضة المعتدلة"، لدى آل سعود ليحاربوا النظام المهيمن. فلنضف هذين الألفين إلى الخمسة آلاف الذين كانوا تلقوا التدريب العسكري لدى آل هاشم، حتى لو أن عددهم يبلغ عشرات الألوف، بافتراض ذلك، فإن القائد الإمبريالي أوباما، سيرمي بهؤلاء، حتى لو بلغ عددهم الألاف المؤلَّفة، إلى الموت تحت قصف القنابل من جميع الاتجاهات، من جيش السلطة، من عشرات الألوف من حراس الثورة الإيرانيين، مرورا بحزب الله. ناهيكم والأسلحة المتدفقة على السلطة من موسكو وطهران وغيرهما. انظر إلى الجيش الحر، وداعش، وجبهة النصرة، والجبهة الإسلامية، إنهم سجناء تكتيك الكر والفر، ولم يُنجزوا ما بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من المعارك الضارية أي انتصار على الجيش النظامي. بل وإنهم لعاجزون عن الاحتفاظ لمدة طويلة بمنطقة مدنية أو بموقع عسكري احتلوه قبل فترة. إن هؤلاء وأولئك، خلَّفوا من جراء الحرب الكلاسيكية التي تتحكم بهؤلاء وأولئك من أشباه العسكر، مائتي ألف قتيل، وسبعة ملايين مهاجر، لا لشيْ إلا لأنهم، لسببين اثنين، عاجزون، من جهة، حتى لو تلقوا الحماية الجوية من الإمبريالية، عاجزون عن زحزحة الجيش النظامي. ثم لأنهم ثانيا، مهما لقوا من نجاح في تعبئة السوريين تحت سدرة الائتلاف إياه والحلف الإمبريالي، فإنهم، على نقيض من يسار الطبقات الشعبية، فإن نجاحهم لن يتجاوز في أحسن الحالات حشد مائة ألف مقاتل. بخلاف اليسار الثوري المؤهل لتعبئة الملايين لتوزيعهم على المهام العسكرية، والمهام اللوجستيقية، والمهام السياسية. فلنتساءل ما إذا كانت الشرائح المليونيرة، من حيث تعدادها، والتي كانت تتصدر وتقود المظاهرات والحشود الجماهيرية ، وتمارس دورا رئيسا في الأزمة الثورية، وكان مقدَّرٌ لها أن تقود الجماهير الشعبية إلى موقع متقدِّم من ديمقراطية واسعة السلطات، قد صدَّها "الجيش الحر"، وألزمها بالقبوع في منازلها كي تقع أسقفها فوق رؤوسهم، أو كي تُرغمهم على الهجرة بالملايين، إلى الحدائق العامة، أو معسكرات الاعتقال في البلدان المجاورة، أليست هي الاحتياطي الهائل من الطاقة الشعبية للثورة. فلنتساءل، أيضا وأيضا، ما إذا كانت هذه الشرائح من الطبقات الشعبية المُضْطَهَدَة، المظلومة، المستغلَّة، والمحرومة من الأمن، ما إذا كانت تُشَكِّل، نعم أم لا، ثروة سياسية بشرية في ما يتعلق بنشوء اليسار الجديد، الوليد من رحم الثورة، إذا ما انتظمت في صفوف الثورة الاشتراكية، فإنها كفيلة، بتوحد اليسار الثوري، وكش اليسار القومي والشيوعي المشارك في جبهة السلطة، أو المرتمي منهم على أقدام الائتلاف يستجدي منه قبول انتسابه إليه.
ج-) لقد بَسَطَت الثورة المضادة يدها بنجاح على الأزمة الثورية. لكنه نجاح، وإن كان باهراً، لاعتمادها على إعلام عربي دولي موالٍ لها من جراء انتماء المعارضة الائتلافية لليبرالية والعولمة، ولانتسابها، أيضا ، لنادي الحلفاء الإمبريالي، غير أن هذا النجاح عارض، مؤقت وبائد. بيد أن هذا النجاح السطحي الذي لم يجد مَنْفَذاً له إلى الجماهير الشعبية، فإن هذا النجاح، يتيح أمام الثورة المضادة، بالرغم من أن نجاحها ركيك، فرصةً للاستيلاء على سورية، والتصرف بها حسب مصالحها الطبقية مع بلدان الخليج والإمبريالية، والعولمة النيوليبرالية. إلا أن هكذا معارضة معدومة السلطة حتى على رهط صغير من الجنود بقيادة عرِّيف، فإنها هشة، سريعة العطب، ركيكة، منقسمة على نفسها. الأمر الذي يَحمل في طياته نقيضين سياسيين. فإما أن تقضي الثورة المضادة بقيادة الائتلافيين وحلفائهم من السوريين على نفسها من جراء فشلها الذريع في ما يتعلق بسلطة لن تسقط على يد هكذا معارضة زجاجية وخفيفة. وإما أن ركاكتها وافتقادها لأية سلطة سياسية وعسكرية منبثقة عن الجماهير الشعبية، أو مفروضة عليهم عن رضى وقناعة، ينتهي بالإمبريالية والرجعية العربية إلى فرض انتداب عربي دولي من جراء تهميش هكذا معارضة، ولخلو سورية من معارضة سياسية مؤهلة لحكم البلاد. الأمر الذي ينتهي بالسياسة الدولية الإمبريالية إلى العهدة بسورية إلى آل سعود، وآل نهيان، وآل خليفة، وآل هاشم، وجلس الأمن الدولي، ولم لا إسرائيل من وراء الرجعية اللبنانية. نعم، إن المعارضة الهشة التي تَفتقد إلى وجود جماهيري وشعبي، يفسح المجال أمام الإمبريالية وحلفائها، بما في ذلك إسرائيل، أن تفرض سورية جديدة سياسيا، اقتصاديا، وإداريا، إن لم يكن، فوق كل هذا الفراغ والعدم السياسي، فإنها تفرضها على سورية جغرافيا. فلندرِّب منذ الآن الطبقات الشعبية في المهجر وفي المناطق السكينة للطبقات الشعبية وصغار الفلاحين، على الانتقال بالأزمة الثورية ، خلال الخمس عشرة سنة القادمة من التاريخ المضطرب لسورية، على الانتقال بالأزمة الثورية إلى استراتيجية سياسية ثورية، وتأهيلها لخوض النضال الثوري المسلَّح، ما أن تنضج الثورة قيد الإعداد سياسيا وشعبيا.
د-) أمام الأزمة الثورية في أيامنا هذه مسارات جديدة، بعدما انقض الحلفاء الأربعين/الخمسين على العراق وسورية لإبادة داعش وغيرها من مجموعات إسلامية "إرهابية" مسلَّحة. الأمر الذي يُسَجِّل دخول الحلفاء بقيادة أوباما، إلى صميم الثورة المضادة لقيادتها بالسلاح والعنف الرأسمالي. إنه يَفتح، أيضا، أمام الأزمة الثورية مسارات جديدة. ها هنا تقف السياسة في سورية أمام غابة عذراء كثيفة الأشجار، متعددة المسارات بصورة لا متناهية. الثورة المضادة، سلطة ومعارضة ائتلافية، هي التي تضل الطريق نحو المخرج من الغابة، ظنا منها أن كل الطرق – حسب المنطق الأخلاقي النفعي (البراغماتي) - تؤدِّي إلى روما. أما اليسار، فإن من المفترض أن لا يضيع بين المسارات اللامتناهية العدد، ما دام هو نفسه الحطَّاب الذي يقطع الأشجار ليشق أمام الأزمة الثورية طريقا نحو الثورة المستمرة المنظَّمة والواعية، والذي يؤدِّي، في نهاية المطاف، إلى الثورة الديمقراطية الواسعة متعدِّدَة السلطات بأفق اشتراكي. ذلك، بخلاف الثورة المضادة التي تضلُّ طريقها بين المسارات الطبيعية للغابة، فإنها تعود دوما، ما بعد لأيٍّ، إلى حيث بدأت. شأنها شأن من ضل طريقه في غابة كلها مسارات متشابكة، لا أول لها ولا آخر، فأخذ يدور ويلف ظنا منه أنه في طريقه نحو المخرج من الغابة، يتقدَّم إلى الأمام، فإذا به يعود دوما أدراجه إلى الوراء، من حيث بدأ. (استعارة "طريق الغابة "مقتبسة عن مؤَلَّف للفيلسوف الوجودي مارتن هيدجر). الحطَّاب وحده يقطع الأشجار على امتداد مسار يؤدي إلى الطرف الآخر من الغابة، حيث يوجد المَخرَج منها. غير أن الحطاب يقطع هذه الأشجار لينصبها عراقيل أمام الثورة المضادة التائهة ما بين هذا الممر وذاك. في مثل هذه الحالة، فإن الكلاب التائهة تَنهَش بعضها بعضاً.
ه- ) ضمن هذه الكثرة من التناقضات والفوضى المستفحلة، فإن الأزمة الثورية لن تجد طريقها ما لم ينشأ على وجه السرعة تكوينٌ يساري اشتراكي، يكافح من أجل انتقال ديمقراطي بأفق اشتراكي، متعدِّد السلطات التشريعية من جهة، الشعبية من جهة ثانية، والتنسيقية من جهة ثالثة. يساري ثوري من رحم الخامس عشر من آذار، مؤهَّل هو وحده، لتقليص المسافات ما بين اليساريين أبناء الأزمة الثورية، ويُقلِّص التناقضات ما بينهم، ويَفرض على هذا اليسار الوليد الاتفاق في ما بينهم حول استراتيجية ثورية وبرنامج يساري، ديمقراطي بأفق اشتراكي. فالتناقضات ما بين التنظيمات اليسارية الناشئة لن تجد حلا تركيبيا لنفسها، من تلقاء ذاتها. كما وأن التوحيد ما بينها على مسرح تقبيل الشوارب غير كاف طالما يقوم على مناقشات مدرسية، جامعية، أكاديمية، تأخذ من لغة الخطابات والمزايدات والمناقصات أقصر طريق يؤدِّي في ختام المحاضرات إلى التوحيد ما بينها. هذا هو بعينه المنوال الذي لم يَنسج خلال ما يزيد عن ثلاث سنوات من الاجتماعات منديلاً واحدا كي يكفكف الشيوعيون دموعهم بعدما انتهى العرس الشيوعي إلى مأتم. إذ إن نشوء تنظيم قوي بفضل استراتيجيته الاشتراكية، وبرنامجه السياسي الثوري، يناضل من أجل الانتقال إلى ديمقراطية واسعة السلطات بأفق اشتراكي، ما لم ينشأ هذا التنظيم الذي يَستمد تكتيكه اليومي من استراتيجيته الاشتراكية، فإن اليسار لن يعدو كونه نوادٍ سياسية أشبه ما تكون ب/"تجمع اليسار الماركسي" (تيم) الذي يقترح في وثيقته التأسيسية طريقا نحو التغيير الجذري في سورية بجميع المجالات، لكنه يعكف عن الكفاح من أجل انتقال السلطة من البورجوازية إلى الطبقات الشعبية بقيادته !!
و- ) إذا كان الحل التركيبي لتناقضات الأزمة الثورية وثيق الصلة بالتكوين الاقتصادي الاجتماعي الذي يَحمل في طيَّاته النواة الثورية لأزمة الخامس عشر من آذار الثورية، ما دامت هذه النواة هي الشغل الشاغل للمادية التاريخية منذ ظهرت النواة على الملأ وهي في حالة من النضج غير المكتمِل، وما دامت هذه النواة موضعا للصراع بين تناقضات الأزمة، وإذا كانت الصيرورة التاريخية للظروف والمعطيات الموضوعية، لن تتطور على المدى المرئي نحو الحل الثوري، أي الحل الذي يأتي وجب التكوين الاقتصادي الاجتماعي، الذي يَفرض على التناقضات والصراعات حلا ديمقراطيا بأفق اشتراكي، وكان الحزب الثوري، علاوة على ذلك، عاجز حتى غاية اليوم عن ممارسة دوره الرئيس في تقليص المسافات ما بين التناقضات، أو التطور، بها/معها، نحو الحل الثوري، وكان، في المقام الأول، اليسار القومي والشيوعي يفتقد إلى حزب يساري ناشئ يفرض، بما يحمله من مكوِّنات الحزب الاشتراكي الثوري، نفسه على غيره من اليساريين، ويشجعهم على الذوبان في تنظيمه الحزبي، إلا أن الظروف الموضوعية، في ضوء الحالة السورية الراهنة، حيث يُشَكِّل اليسار التائه ثقبا صغيرا يبتلع جبل الشيخ والجولان المحتل، فإن زمان الإمبريالية والرجعية العربية والصهيونية، هي، من حيث المعطيات الموضوعية الراهنة، هي المؤَهَلَة لاستباق زمان الأزمة الثورية، والثورة المستمرة، التي لم تَجْمَع حتى غاية اليوم من قوة تنظيمية مليونيه ، بحيث تُنجز القفزة النوعية، للتغلُّب على العراقيل والمعوِّقات وموازين القوى التي تنتصب أمامها عاليا.
ز-) هذا هو التكتيك الوحيد الممكن. هذا هو ما تَمنحه الظروف الموضوعية من وسائل وأدوات، وحركة هجومية ودفاعية حسب الظروف، والالتصاق بالطبقات الشعبية، وهجرة وسائل الاتصال الاجتماعي، والتردُّد يوميا على أمكنة تجمُّع الطبقات الشعبية، وتوفير الظروف الذاتية والموضوعية أمام الثورة المستمرة. إنه تكتيك "اليسار وحده ضد الثورة المضادة". هذا التكتيك يُشكِّل امتدادا سياسيا إعماليا للاستراتيجية الثورية، منها يَصدر، وبموجبها يُعمل، وإليها يعود. تكتيك على أرض الواقع الملموس، ، يتعاطى يوميا مع المعطيات الموضوعية المباشرة بطريقة عارضة أحيانا، مؤقتة أو مستمرة في أحيان أخرى، ويتغيِّر تمشيا مع ما يطرأ على المعطيات من متغيِّرات عبر المعارك، السياسية (الطبقية)، الإيديولوجية والعسكرية. هذا التكتيك، ربما وربما وربما، هو وحده الذي يُمَثِّل الطبقات والجماهير الشعبية. هو وحده الذي يقودها نحو الأهداف الاستراتيجية، بالاعتماد على تكتيك يلبي الاستراتيجية بدقة وإعمال سياسي مادي، وذلك على الوتيرة الزمانية للمادية التاريخية، من حيث هي، أولا وأخيرا، إعمال استراتيجي ثوري، أو عملياتية شيوعية.
ح-) في ما يتعلق بانتشار الإسلام شبه العسكري، فإن الثورة المضادة، وعلى رأسها السلطة، والائتلاف الذي يؤيِّد "جبهة النصرة"، والإمبريالية، والرجعية العربية، هي، جماعةَ وفرادى، المسؤولة عن انتشارها وتوسُّعها. السلطة في المقام الأول، ليس، لأنها أطلقت سراحهم من سجونها في مطلع الأزمة الثورية، وإنما لأن السلطان يرفض تسليح الشعب للقضاء على الجماعات الإسلامية المسلَّحة، لخوفه من أبناء وطنه. فلنعلم علم اليقين، أن تحالفا من أربعين/خمسين، وحتى المائة دولة إمبريالية رجعية، حتى إذا ما نزلت من طائراتها المقاتلة لتركب الدبابات نحت حماية سلاحها الجوي، فإنها تبقى عاجزة عن اجتثاث الاسلام شبه العسكري. فليسألوا أفغانستان، حيث لم ينجحوا حتى في فرض الأمن في العاصمة كابول. فليستجوبوا قصر الكرملين عمن ألحق بهم الهزيمة في أفغانستان. فليشاهدوا، أيضا، حالة العراق بعدما حاربوا فيه كل من كان يقف في طريقهم، إلا أنهم انتهوا بعد مرور عقد من الزمان، وبالرغم من أن قيادة الأركان الأمريكية كانت تقود المعارك فوق الأرض العراقية، عبر المحطات الفضائية على الهواء مباشرة، انتهوا إلى تسليم مواقعهم العسكرية إلى منظمة القاعدة. الشعب السوري وحده، إذا ما سُلِّح تحت الراية الحمراء وغيرها، فإنه الأقدر على استئصال الجماعات الإسلامية المسلَّحة، طالما يعرف مصادرها، وتحركاتها، ومآلها، وعقائدها، وطقوسها الدينية، وجوامعها، وكل ما تجهله محطات الفضاء الأمريكية، والحروب الإلكترونية.
ط-) الأزمة الثورية، وبها/معها الثورة المستمرة، مستمرة،ٌ سواء انتصرت الثورة المضادة أم لا. إن الثورة العفوية المتأزمة مستمرة في جميع الأحوال، إلى أن تنجح الطبقات الشعبية في إنجاز الانتقال من الأزمة الثورية والممارسة العفوية، إلى حالة ثورية من العمل المنظَّم الاستراتيجي، وتكافح من أجل بناء الدولة واسعة السلطات الديمقراطية بأفق اشتراكي. هذا الانتقال يتجلَّى باستيلاء الطبقات الشعبية على السلطات، وتأسيس مجالس للتنسيقيات الثورية، والمجالسية الشعبية، وسلطة تشريعية لا تترك ثورة الطبقات الشعبية مجالا أمام البورجوازية للسيطرة عليها، وتعيد تنظيم نمط الإنتاج الاقتصادي، وتوجِّه الزراعة والاقتصاد نحو تلبية احتياجات الطبقات الشعبية والتنمية المستدامة، إلخ. وتَمنح للمرأة، في إطار الدولة العلمانية، حرياتها الشخصية، ومساواتها مع الرجل، وتمنحها حق الاختيار، في ما يتعلق بالحقوق المدنية، ما بين الشريعة والحقوق المدنية.
ق-) السياسة الدولية الإمبريالية قفزت، كعادتها عندما تقرِّر التدخل العسكري، ما فوق مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة، وقلَّصت من دبلوماسيتها مع كل من روسيا والصين والمعارضة الائتلافية، لسببن اثنين متساويين، من حيث ما قد يَنتج عن الأول والثاني من قيودٍ تَحُول دون الزج بسلاحها الجوي في سماء سورية والعراق. فلننظر إلى مؤتمر جنيف الثاني، والثالث الذي ما يزال قيد التأجيل والمراوغة، فإن السياسة الدولية الإمبريالية التي كانت الوصية على طرفي النزاع، السلطة والائتلاف، لم تمارس أية ضغوط "دولية" لتقريب وجهات النظر بين الطرفين. الأمر الذي يُعْتِبِر، بمعاييرها واستراتيجيتها المخبأة في البيت الأبيض والكرملين، خطوة تستجيب لمصالحها الإمبريالية. أي أن خطوط التواصل مع القصر الجمهوري والاستخبارات العسكرية السورية ما تزال تَعمَل، ولم يلحق بها أي عطب. أي إن باب التفاوض مع السفاح السوري ما يزال مفتوحا، ولن يُغلق أبدا في المستقبل المرئي. مؤتمر جنيف الثالث سوف يكون حيِّزا واسعا أمام الإمبريالية لفرض مطالبها الاستراتيجية على الطرفين معا، وضمان قبولهما لها عن عجز وتهاوٍ نحو الانهيار. فإذا كانت الإمبريالية لم تقطع اتصالاتها مع السلطة السورية من تحت الطاولة، على مستوى الاستخبارات السورية ذات الشبكة الواسعة من الوسطاء والأصدقاء مع كبريات الدول الرأسمالية، فلأن السفاح السوري لم يترك لأي جزار فرصة أمام الحياة كي يرثه. فلقد تخلَّص النظام الحاكم منذ البدء من آصف شوكت وأمثاله الذين كانوا مرشحين لوراثة الكنز السوري. السبب الثاني من وراء تقليصها للتشاور مع موسكو حول الملف السوري، هو أن التدخل العسكري جوا سيستمد قوته من التحاق أربعين أو خمسين أو مائة دولة حليفة للإمبريالية الأمريكية ، للحلف الجديد، مستغنيا، على هذا النحو، عن مجلس الأمن الدولي وأصحاب الفيتو. هذا التدخل للطيران الحربي يشكل استمراراً لمؤتمر جنيف الثاني، أو امتدادا له. ذلك أن واشنطن وقفت في المؤتمر الثاني مكتوفة الأيدي، مكتفية بتبادل نظرات الإغراء الذكوري ما بين الأستاذ المعلم والمستر كيري. إذ إن استراتيجيتها المخفية في خزائن ال/سي، أي، إي، ولدى جيش سافاك، تتَّبع تكتيك الانتظار والمراوغة على السفاح وأعدائه في المعارضة الائتلافية، سواء بسواء، لأن استراتيجية أمريكا وإسرائيل، تهدف إلى الغوص بسورية، سلطة ومجتمعا، إلى أعماق جهنم، بحيث يَمثُل أمامها في مؤتمر جنيف الثالث، إما أطفال السياسة السورية، أو مشوهي الحرب ذوي الكراسي المتحركة، إن لم يكن مقطوعي اللسان الذين يطالبون بالتلويح بمنديل أحمر اللون أوباما أو خليفته، إن لم يكن، على الأرجح، خليفة خليفته، بإنقاذ سورية من حريق يأتي على الأخضر واليابس فيها. إنقاذ سورية التي خَوَت مع مرور عقد من الموت والتشنيع والتعذيب والهجرة والمنفى، خَوَت من سلطاتها ومجتمعها. نعم، ثم نعم، إن المؤتمر الثالث سيفتح الأبواب السورية المحطَّمة امام دخول إسرائيل إليها بلا قيد أو شرط، ويُسَمِّي المؤتمر الثالث أو العاشر على رأس سورية أي جلاد لديه أكبر عدد من الدبابات والمصفحات، والمعروف لدى ال/سي.أي.إي بصداقته للولايات الأمريكية المتحدة. هذا، وإن "سورية الثورة" غنية بالعَلَّاوٍيْن (نسبة إلى العلاوي، العميل العراقي لواشنطن، والذي ترأس اول حكومة للغزو الأمريكي)، كما لا تعدم من قطاعي الطرق كما في شمالي العراق. فلنتذكر، أو فلنحفر في ذاكراتنا أن رؤساء وزراء الائتلاف إيَّاه جاءونا برؤساء للوزارة أمريكيين ورجال أعمال، لا أثر لهم، لا من قريب، ولا من بعيد، بالعمل السياسي في سورية، خلال الخمسين سنة المنصرمة. هذا هو النفاق بعينه. نقطة على السطر.
حسان خالد شاتيلا مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• جورج لابيكا، في العلم والتاريخ من أجل تغيير العالم، حوار مع جورج لابيكا، حاوره وقدَّم له حسان خالد شاتيلا، أربعمائة صفحة ( يصدر قريبا عبر صفحات مؤسسة الحوار المتمدن).
#حسان_خالد_شاتيلا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-برنامج الصراع الطبقي-، لسلامة كيلة
-
الطبيعة المادية في أعمال يوسف عبدلكي
-
ثورة الخامس عشر من آذار: مستقبل حزب الله: ضحية الاستبداد الش
...
-
ثورة الخامس عشر من آذار:هزيمة الثورة المضادة رهنٌ بوحدة اليس
...
-
ثورة الخامس عشر من آذار: التآمرُ سياسةُ الثورة المضادة، حاكم
...
-
ثورة الخامس عشر من آذار: المؤامرات، المتآمرون، والمتآمر عليه
...
-
اليسار في سورية: مهمة واحدة من أجل انتصار الثورة العفوية
-
ميدانية القاهرة (ثورة في ثورة)
-
ثورة الخامس عشر من آذار: الأزمة السياسية للثورة الشعبية مستم
...
-
-دور ومهام اليسار الثوري في سورية- (تتمة وتصويب).
-
حسان خالد شاتيلا - كاتب ومفكر يساري - في حوار مفتوح مع القار
...
-
ثورة الخامس عشر من آذار في سورية: الانتقال من عفوية الثورة إ
...
-
-واجب الكراهية- للطغيان والتسلط - في العنف والعنف الثوري*
-
التاريخ غير المرئي للثورة المستمرة
-
.../... ثورة الخامس عشر من آذار: تهافت السياسة الليبرالية وب
...
-
ثورة الخامس عشر من آذار: تهافت السياسة الليبرالية وبؤس اليسا
...
-
ثورة 15 آذار السورية: اليسار في سورية تائه في رقعة ألعاب الس
...
-
ثورة 15 آذار/مارس في سورية: الخطاب السياسي أولا وأخيرا
-
-ميدانية القاهرة- (مقدمة)
-
إيديولوجية تجمع اليسار الماركسي (تيم): مقاربة نقدية ومادية
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|