رجب الطيب
(Rajab Ata Altayeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4587 - 2014 / 9 / 28 - 23:26
المحور:
الادب والفن
فلتغفري : مدونة القلق الحداثي روائيا !
رجب الطيب
تواصل الكاتبة السعودية أثير عبد الله النشمي , في نصها الروائي الثالث " فلتغفري " تجربة الكتابة الروائية في آخر فصولها العربية الحديثة , نقصد , فصل الرواية النسوية إن صح التعبير , وفق التقنيات والأجواء الروائية في زمن ثورة الأتصالات والأنفتاح العربي على العالم , بأفكاره ومثله وقيمه , وايضا بتقنيات السرد التي نشهدها منتشرة في كل مكان وتملأ عالم الأنترنت , في المواقع والمنتديات العديدة والمختلفة .
التنازع بين عالمين : في هذا النص وعلى غير عادة العديد من الروائيات العربيات , تكتب النشمي نصا متسندا الى الحرفة الروائية , أي أنه لا ينطلق من أعتباره , سيرة ذاتية , او يوميات خاصة , رغم انه مكتوب على شاكلة تقنيات السيرة الذاتية واليوميات , فرغم ان الكاتبة سيدة , إلا ان النص المكتوب على شكل مونولوج داخلي لراو أسمه عبد العزيز , أي أنه استند لراو رجل أي مذكر , حيث استطاعت الكاتبة ان " تتقمص " عبر شخصية الراوي , ذات الرجل / المذكر في المجتمع الشرقي , بكل ما فيها من نرجسية , بل وعنجهية , تجعل من المرأة مجرد ظل لها , ومتلق لأفعالها , ثم منفذا لقراراتها , هكذا أراد عبد العزيز حبيبته جمانة , صورة عن ياسمين , المرأة التي تقدم له كل ما يريد دون أي ألتزام او استحقاق يترتب على علاقته الكاملة بها .
ولأن جمانة هي غير ياسمين , أي أنها أمرأة شرقية , لا تقبل بأقامة علاقة عاطفية / جنسية مع الرجل , حتى لو كانت تحبه , لم تنجح علاقة الحب بينهما , رغم مرور اربع سنوات عليها , لا في أن تتوج بالزواج , رغم الذهاب على هذا الطريق الى حد الخطبة الرسمية بين عائلتي الحبيبين , ولا بالفض أو الأنفصال , كما لاح الأمر في نهاية النص , أي ظلت العلاقة " قلقة " ومعلقة , كما هو حال أهواء وقرارات بطل النص " عبد العزيز " الذي يتوق للأنعتاق من القيود الأجتماعية التي تكبله في وطنه , والذي كان قد قرر أن لا يعود إليه , والذي أعتبر في نهاية الأمر ان حبه لجمانة , كما حبه لوطنه , قدر , لا يقوى على الفكاك منه , رغم أنه لا يطيق قيوده , ولا ألتزاماته !
هكذا لازم السرد حالة القلق والتوتر , داخل شخصية الراوي , منذ ان تعرف على جمانة , التي منحته حبا بريئا وطاهرا , على عكس من عرف قبلها من النساء , إن كان " بالسر " في بلاده , أو في بلاد الغربة .
عتبة النص / عنوانه
أول ما يلفت الأنتباه العنوان , وهو عتبة النص , واحد سماته الأولى التي تدل عليه , فهو فعل , أي انه يوحي براهنية الأمر , وان " القصة " لم تجد لها حلا ولا خاتمة بعد , ثم لم يكن فعل أمر عادي , فلم تقل الكاتبه " أغفري " , بل جاء كفعل أمر مشدد , طبعا وهو _ كما حال النص , اي متنه , مخاطب بلغة المذكر , الراوي / الرجل , بل فيه طلب أو رجاء , وحيث أن المغفرة , تطلب ممن لديهم مكانة او سطوة على من يطلبها , فحين يطلب " العبد " المغفرة من الرب , فذلك حتى ينال رضاه , بعد ان يغفر له ذنوبه , وحين تطلب من البشر , فأنما أرتباطا بارتكاب جريمة أو معصية , او كبيرة من الكبائر , التي تستوجب عقابا قاسيا , مثل القتل أو النفي أو الهجران !
وحقا هذا ما كان هنا , فالراوي أو بطل النص عبد العزيز أرتكب بحق حبيبته , جمانة جرما أو كبيرة , حين تزوج دونها وهو على علاقة حب معها , من ياسمين , فغفرت له , حين قام بالأنفصال , فعليا وليس رسميا , عن تلك المرأة , لبنانية الجنسية التي تعيش في مونتريال بكندا , على الطريقة الغربية , أي أن عبد العزيز , كان " البوي فرند " بالنسبة لها , وكانت هي كذلك " الجيرل فرند " بالنسبة له, ورغم أنه عرض عليها الزواج في لحظة جنون , كما قال في النص , أو في لحظة أراد فيها ان ينتقم من جمانة , التي " تكبله " بحب " طاهر , لا يحتمله , ولا يقوى على الفكاك منه في الوقت ذاته , إلا أنه كان يفكر في الحصول على الجنسية من هذا الزواج , أي ان جمانة وياسمين , رغم التشابه في الحروف اللاتينية بين أسميهما كانتا طرفي المعادلة التي تتجاذب اطرافها البطل , وتسبب له نوبات الهلع , والشرخ الداخلي , نقصد واحدة تشده لوطنه وأهله واخرى تذهب به الى الغرب .
تدوير النص
الجملة التي أنتهى بها النص كانت فاتحته , فالفقرة التي بدأ بها النص هي ذاتها التي أقفل بها , في إستخدام واضح لتقنية ( تدوير النص ) ,, استرخيت في مقعدك وامسكت بالدبلة المصنوعة من الذهب البيض , والتي تتدلى على نحرك الرقيق كنجمة مضيئة ... أخذت تعبثين بها بشرود , وكأنك في أرض بعيدة , أرض أضعت طريقها , أرض يخيفني أن لا أستدل دروبها بعد اليوم . غارقة انت في خيبتك , وغارق أنا في معصيتي , لكنني أحبك يا جمانة , فأغفري ! وذلك لتحقيق أمرين _ برأينا _ الأول تقني , تسعى فيه الكاتبه الى أغلاق نصها على محاولة التعامل معه كنص مفتوح , يمكن لأحد ما أن يضيف إليه نهاية " هندية " سعيدة مثلا , كأن ينتهي الأمر برضوخ عبد العزيز , وزواجه من جمانة , او نهاية مأساوية / تراجيدية , تكون عكس الأولى , وتتمثل في انفصال الحبيبين فعليا , بخطبة او زواج او حتى أعلان جمانة عن حبها لزياد . والثاني جمالي , فتدوير النص يمنحه تشويقا وكأن القصة ما أن تنتهي حتى تعود , وتظل ماثلة أمامنا , كما أنها تذكر في نفس الوقت , على أنها قصة , قد تكون متخيلة , او على الأقل ليست هي الواقع , بكل ما في الخيال من سحر وإثارة . ( تقنية تناسب الفلاش باك , أو الباك فيد ) اي ان القصة كتبت أو سجلت بعد أنتهاء الأحداث الواقعية !
الرواية / المدونة
جاء النص مكتوبا دفعة واحدة دون فواصل , حيث تتابع السرد وفق الأحداث , ووفق سرد داخلي / ذاتي للراوي عبد العزيز , اي لم يكن الرواي , الإطار الذي يجمع الشخوص الروائية او عين الكامرا , او لسان الحدث , بل أن النص نفسه جاء كمرافعة من قبل البطل للدفاع , مع الأعتراف بالأخطاء , لطلب العفو والمغفرة , على قاعدة , تقديم وكشف الذات بكل عيوبها وتنازعاتها المختلفة , لكن أيضا بكل ما فيها من أنانية ونرجسية وذاتيه , حيث رغم أن القصة تدور حول علاقة حب ومآلها , ورغم ان الكاتب سيدة , أي امرأة أو انثى , إلا ان موضوعها لم يكن يدور حول حقوق المرأة الشرقية , وان كان النص قد كشف نذالة الرجل بحق المرأة / الملاك , إلا أن " مقولة النص " أو رسالته كانت في اتجاه آخر , كشفته الصفحات الأخيرة , حين قال الراوي : ؟ ولد حبنا وولد وطننا في التاريخ ذاته , , انت وهو مقدران لي وعلي , ستبقيان قدري مهما حاولت أن اتنصل منكما ص 234 .
لم يكن هناك حضور مستقل للشخصيات الأخرى , لم يتحدث احد في النص سوى الراوي , البطل , وكأننا أزاء مدونة سرد ذاتي , حتى جمانة نفسها , لم تتحدث بلسانها , ولم تحضر كذات منفردة , بل كل ما كانت تقوله كان للراوي , يعيد قوله , كما لم نقرأ أي شيء يتعلق بعلاقات الشخصيات الأخرى فيما بينها .
عبد العزيز كان محور ومركز النص وبطله الأوحد , فكان من الطبيعي أن يقدم لنا حتى جمانة وفق منظوره هو , فلا تظهر إلا من خلاله وكظل له .
ولأن هذا الشكل يبدو انه بات الشكل الحديث , نظرا لأنتشار المدونات , والكتابات التفاعلية , فأن السرد ارتبط بالحدث المتتابع والمتواصل , دون الأهتمام بأنتقاء الأهم من الأحداث , أي تلك التي تغير من طبيعة الشخصية , وتؤثر في تطورها , ويكاد يكون خط السرد , داخلي , أي داخل ذات الراوي , أكثر منه حدثا مرتبطا بأحداث تدور حوله أو خارج حدود شخصيته , لذا فلم نر المكان في النص , رغم انه كان بمعظمه , في مربع الجامعة , بيته وبيتها , والمقهى , في تورينتو بكندا أو في مونتريال ( مع ياسمين ) بكندا ايضا أو حتى في الرياض بالسعودية , كذلك لم تتحدد معالم الشخصيات الأخرى , إلا بشكل عابر , بل ان حضورها ظل مجرد أسماء . حتى سنحت لها فرصة الحضور في مشهد التحضير لخطبته منها , نقصد : أمه واباه , أخواته , اباها واخوتها وامها , لذا فأن الكاتبة لم تجد سببا لإثقال النص بحضور شخصيات لمجرد انها ترتبط بعلاقة القرابة مع بطل النص أو حبيبته , لم يظهر أخوه وليد ولا أختاه مها ومشاعل .
في الحقيقة , فأن مخاطبة قراء المنتديات والمواقع , ونصوص أثير عبد الله مقروءة ومنتشرة , وخاصة هذا النص إلكترونيا , قد فرض أستخدام لغة خاصة , أقرب للدارجة , ولا نقول اللهجة العامية السعودية , رغم حضور مفرداتها , كأحد مكونات وهوية وثقافة البطلين السعوديين , لكن لأن الجمهور عربي , وقد كان واضحا ان ذلك يسمح بكثير من الأخطاء النحوية وحتى الأملائية , لكن والحق يقال أن اللغة كانت في بداية النص , فيها ركاكة وأخطاء إملائية ونحوية , لكنها في الثلث الأخير من النص أصبحت رشيقة وجميلة , اي حين أصبح المونولوج يخرج عن نفس ملتاعة , بعد ظهور خطر انقطاع العلاقة بين عبد العزيز وجمانة , بعد ان تزوج من ياسمين !
ثم أن النص كان بمثابة عرض لفكرة ( لم يعرض تطورات علاقة مستمرة منذ 4 سنوات ) ولا حاجة البطلين النفسية لهذة العلاقة , من نمط ان تكون مثلا تعويضا نفسيا واجتماعيا للغربة , لها على الأقل , فجأة تحدث النص عن الأشهر الأخيرة من تلك العلاقة , ثم لم يحدد لم تم أختيار السنة قبل الأخيرة من وجود جمانة في كندا للتقدم بخطبتها , ربما ان النهاية الموفقة قد عللت هذا , اي ان العودة فتحت الباب مجددا للعلاقة دون تحديد المآل , لا بالإنفصال ولا بالزواج . مع ذلك ومع ان السرد سار أفقيا , رغم " الأكشنات " التي كانت كلها تصب في خانة احتمال هجرها له , بناء على ما يقوم به من افعال شائنة ( خاصة زواجه من ياسمين , ومن ثم عدم إتمامه لإجراءات الخطوبة ) , فان النص ظل شيقا وجميلا برومانسيته ورشاقته السردية , كذلك بما تضمن من تضمينات دلت على ثقافة واسعة للكاتبة , ومن أستخدام لتقنيات الكتابة الحديثة , بما فيها من مصطلحات لاتينية , ومن استخدام لجمل ورسائل المحمول والأنترنت , لكن يبقى هناك سؤال حول كل هذا التهميش لشخصية البطلة , المرأة , التي ظلت هنا مجرد ظل لرجل عابث , حتى لو كان مشروخا وضحية انفتاح مجتمعه المنغلق على العصر , ونحن نظن , أن جمانة ليست امرأة واقعية أو أنها باتت نموذجا غير واقعي , ولا بأي حال , فهي أولا فتاة شابة , في مقتبل العمر ( 24 سنة ) مع نهاية النص , أي 20 سنة حين بدأت حبها لعبد العزيز , متفوقة , فهي مبتعثة , من اسرة ميسورة , لم يفتها قطار الزواج بعد , حتى تقبل بكل اهانات عبد العزيز لها , ولا تقوى على هجره , بل هي حتى بعد أن وجّه لها الصفعة الثانية بعدم أتمام الخطبة , نجدها في نهاية النص ترسل لزياد , الشخصية التي تشبه شخصيتها والأقرب لأن ترتبط بها , تقول فيها : أشتقت إليه , تقصد عبد العزيز , والذي كل ما فعله حتى تعود اليه , هو ان يقول بانها هي من رفضته ليحفظ لها كرامتها , وان يهديها قطة بعيد ميلادها , اي انه بمجرد إرسال رمز رومانسي لها , سرعان ما وجدها تلبي دعوته للعشاء وقضاء ثلاث ساعات معه , دون ان يشعرا بالملل .
هل يعني هذا أن الحب الرومانسي , بات امرا من الماضي , ينتمي لعالم شرقي آخذ في التآكل والتلاشي , مع اننا نتوق إليه ونحّن إليه , ام أنه أصبح فعلا غير واقعي تماما , وان الزواج الشرعي , الشرقي , وما يترتب عليه من بناء مؤسسة أجتماعية , ربما كانت اللبنة الأولى أو الصورة المصغرة للنظام الأجتماعي الشرقي بأسره , أي الأسرة , بات في مهب الريح , وانه مهدد بفعل التطورات الكونية , والأنفتاح الأجباري للمجتمع العربي / الشرقي على العالم الحديث , في طريقه لأن يصبح شيئا من الماضي , وان الشباب العربي , شيئا فشيئا يسير على دروب التعايش والمساكنة بين الجنسين , كبديل عن الحب الرومانسي والزواج الشرعي ؟ !
أسئلة عديدة تثيرها قراءة هذا النص الجميل , ولعل أجمل , بل وأفضل النصوص , هي تلك التي تثير الأسئلة , خاصة أسئلة الواقع واللحظة , أسئلة الشباب والحياة المتغيرة أبدا , وبأستمرار .
[email protected]
#رجب_الطيب (هاشتاغ)
Rajab_Ata_Altayeb#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟