|
الهجرة والعودة للوطن الأم
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4587 - 2014 / 9 / 28 - 11:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعتبر علماء علم المصريات أنّ قصة (سنوحى) المواطن المصرى الذى قرّر أنْ يخوض تجربة (الغربة) وذلك عندما هاجر من مصر دون أنْ يكون قد حدّد لنفسه الهدف من الهجرة أو البلد الذى يقصده ، وبذلك كانت قصته الواردة فى أكثر من بردية ، والمحفوظة فى معظم متاحف العالم ، هى أول تجربة إنسانية عن (الغربة والاغتراب) ليس ذلك فقط ، وإنما هى ((أول تجربة فى كتابة السيرة الذاتية)) عن مغادرته مصر ثم إصراره على العودة إلى وطنه الأصلى (مصر) ليدفن فيه. بدأتْ قصة سنوحى فى أعقاب موت الملك (أمنمحات الأول) فى الأسرة 12، الذى ورد اسمه فى البرديات على أنه (ابن الإنسان) (برستد – فجر الضمير- ترجمة سليم حسن – أكثر من طبعة- ص 218) ونظرًا لأهمية تلك التجربة التى قام بها سنوحى ، فقد انتقلتْ إلى معظم الأدب العالمى ، ضمن العديد من الأدب المصرى القديم وكتب برستد ((ويُلاحظ أنّ مصر هى البلد الوحيد الذى حافظ على أقدم الأدبيات ، ومما يدل على ذلك شدة عناية المصريين بهذا الأدب ، اهتمامهم بقصة سنوحى الذى فرّ إلى سوريا بعد وفاة إمنمحات الأول ، ورجع كهلا إلى مصر، بعد أنْ عاش فى آسيا. وقد تأثر المصريون كثيرًا بهذه القصة فتجاذبوها فى أحاديثهم وكتبوها على قطع الأحجار وعلى شواهد القبور الحجرية تسلية للميت فى الحياة الآخرة)) (برستد – تاريخ مصر منذ أقدم العصور إلى العصر الفارسى – ترجمة حسن كمال – مكتبة الأسرة – عام 99- ص 199) حط سنوحى رحاله فى مدينة (رتنو) التى يعتبرها البعض ضمن حدود فلسطين والبعض الآخر ضمن حدود سوريا ، قابله الملك بكل الود والاحترام ، وعينه قائدًا للجيش ، وزوجه من ابنته. وعاش عيشة هنية. دافع سنوحى عن (رتنو) وقاتل الأعداء المتربصين بها من القبائل المجاورة ، مما أكسبه ثقة الملك وعطفه. ونظرًا لأنّ الملك لم يُنجب أولادًا من الذكور، فقد انتقل الحكم إلى سنوحى بعد وفاة الملك. رغم كل ذلك فإنّ سنوحى ، كانت تلح عليه مشاعر الحنين للعودة إلى وطنه الأصلى مصر، لذلك أرسل عدة خطابات إلى ملك مصر فى ذاك الوقت (سنوسرت) طلب فيها السماح له بالعودة إلى مصر. استجاب الملك سنوسرت لطلب سنوحى ورحّب بعودته إلى مصر. وأكثر من ذلك أنه أرسل إليه سفينة لتحمله إلى مصر. كما كافأه على اخلاصه مدة طويلة أثناء خدمته لأبيه (امنمحات الأول) ووعده الملك أنه (فى حالة وفاته) سوف يتم تنظيم جنازة فخمة تليق بمكانته. وتقلد سنوحى منصب المشرف على بلاط الملك. وقبل وفاته كتب سيرته الذاتية وتجربة الغربة عن مصر ثم العدودة إليها من جديد. ونظرًا لأهمية تلك التجربة ، فقد تقرّر تدريسها لطلاب المدارس لمدة 800 سنة على الأقل ، وبصفة خاصة فى طيبه. وكان التلاميذ ينقلون فقرات كاملة منها للتدريب على الكتابة. وكتب العالم كيبلنج عن قصة سنوحى أنها ((تـُعد بحق من روائع الأدب العالمى.. إنها تاريخ حياة أحد رجال حاشية أمنمحات الأول ، وعندما غادر مصر اتجه ناحية السويس ، ثم وجد نفسه فى الصحراء وكاد أنْ يموت من العطش والجوع . وبعد أنْ استقرّ به المقام فى البلد الغريب وتزوج وعاش عيشة رضية ، تملكه الحنين للعودة إلى وطنه الأصلى مصر)) وأكد عالم المصريات الكبير (جاردنر) الذى ترجم هذه القصة من الهيروغليفى على أهميتها وعلى أنها من روائع الأدب العالمى. وشاركه فى ذلك عالم المصريات الألمانى الكبير (أدولف إرمان) فى كتابه (الأدب المصرى القديم) ومن المقاطع المهمة – كما وردتْ على لسان سنوحى – أنه قال ((أيها الإله – أيًا كنتَ – يا من أمرتَ بهذا الهروب ، كنْ رحيمًا وأعدنى إلى وطنى ، لربما أذنتَ لى أنْ أشاهد من جديد المكان الذى ما زال عقلى وقلبى يمضيان فيه أيامهما . أيوجد شىء أهم من أن يُسجى جسدى فى أرض البلد الذى وُلدتُ فيه. فليمنحنى الإله رحمته ويعمل بالأسلوب المناسب ويضع نهاية طيبة لمن أثقلته بالأسى ، ويعتصر الألم قلبه كل من فارق وطنه. لقد بلغتُ من العمر عتيًا ويُلاحقنى الوهن ، عيناى متثاقلتان ، وساعداى بلا قوة ، وساقاى ترفضان السير، وعقلى متعب. إنى أقترب من لحظة الرحيل ، لحظة أنْ يصطحبنى فيه القوم إلى المساكن الأبدية (مقابر الموتى ولقاء الإله أوزير) ولقاء حورس ((الذى تؤمن ولادته الجديدة الحياة)) ابن (رع – آمن – إم – حات) ليحيا فى الزمن اللانهائى.. الزمن الأبدى. وجاء فى المرسوم الملكى الموجه إلى سنوحى ((انظر : لقد تمّ ابلاغك بمرسوم الملك ، لكى تحاط علمًا بما يلى : لقد تنقلتَ هنا وهناك فى البلاد الأجنبية ، وسلمك بلد لبلد آخر، بدافع من قلبك وعقلك فحسب ، ترى ماذا فعلت إذن لتخشى أى إجراء ضدك ؟ لم تكن قد جدفت لتستوجب كلماتك عقابًا ، هذه السماء هى سماؤك. عُدْ إلى مصر، فتشهد المقر الملكى من جديد الذى نشأتَ فيه. فاليوم بدأ بالنسبة لك زمن الشيخوخة. فكر فى يوم الدفن.. يوم الانتقال إلى الوضع المبجل، عندئذ يكون الظلام من نصيبك ، والزيوت اللازمة للتحنيط . وسوف يُنظم من أجلك موكب جنائزى ويُعد لك تابوت من الذهب ورأسه من اللازورد وتوضع سماء من فوقك فى التابوت ، وتسحبك العجول (المقدسة) ويتقدمك الموسيقيون . ومن أجلك أيضًا سوف تؤدى رقصة ال (موو) عند مدخل المقبرة (رقصة الموو، رقصة جنائزية تقليدية) عليك ألاّ تقضى نحبك فى بلد أجنبى . لن يدفنك الآسيويون . لقد فات زمن الترحال ، فكر فى المرض وعُدْ إلى مصر. وعندما وصلته تلك الرسالة كتب سنوحى ((وصلنى هذا المرسوم الملكى.. وبعد قراءته انبطحتُ أرضًا على بطنى ولامستُ تراب الأرض ونثرته على شعرى ، وصحتُ : كيف ساقنى قلبى على هذا النحو إلى البلاد الأجنبية والهمجية؟)) ثم كتب سنوحى خطابًا موجهًا لملك مصر قال فيه ((السلام لك.. وإلى الإله الكامل الذى يحبه (رع) ويثنى عليه الإله (مونتو) سيد طيبة. ليتَ آمون و(سوبك رع ) وحورس وحتحور و(آتوم) وتاسوعه الإلهى و(حورس الشرق) وسيدة (بوتو) التى تضم رأسك . وجميع آلهة البلد المحبوب والجزر شديدة الاخضرار، تهب أنفك الحياة والقوة ، ولتتحد بك ومعها مواهبها ، لتمنحك الأمن الأبدى بلا نهاية والزمن اللانهائى بلا حدود )) وعندما عاد سنوحى إلى مصر استقبله الملك وقال لرجال القصر ((سنوحى لن يُفزع أبدًا.. لن يخاف أبدًا.. وهو من الآن (صديق) وسط رجال البلاط .. اذهبوا إذن إلى (بيت الصباح – قاعة التطهر والاغتسال) ثم كتب سنوحى ((أزالوا من جسدى آثار السنين.. ومُـنحتُ مسكنـًا وحديقة. وصُنع لى تمثال من الذهب ، وكان الملك هو الذى أمر بذلك ، وهكذا نلتُ رعايته إلى أنْ جاء يوم الرُسو)) أى يوم الذهاب إلى العالم الآخر. وكتبتْ عالمة المصريات (كلير لالويت) التى ترجمتْ قصة سنوحى ((إنّ قصة سنوحى هى قصة مغامرات طويلة وعلى قدر كبير من الغرابة. ولا ندرى بوضوح الأسباب التى دفعته إلى تلك المغامرات. وبوسعنا أنْ نطرح عددًا من الأسئلة : من هو سنوحى؟ فى بداية النص يُعلن أنه يعمل مع الملكة والأميرات ، ونشأ فى القصر الملكى.. ولذلك نفهم مدى السعادة التى أظهرها الملك ومن معه بعودته)) ثم تتساءل (كلير لالويت) هل سنوحى شخصية حقيقية أم شخصية روائية من وحى الخيال؟ وتساءلتْ أيضًا حول أسباب الهروب من مصر والإقامة الطويلة فى البلاد الأجنبية ، أهو خوف مفاجىء؟ الخوف من سماع معلومات عن مؤامرة ، فقد يُعرضه افشاء هذا السر إلى العقاب؟ ولكن بعد أنْ تسلم الأمير سنوسرت الحكم اختفتْ أسباب هذا الخوف ، ومع ذلك يتكرر الشعور بالخوف عبر النص ، فيبدو الأمر على قدر من الغرابة ، حتى أننا نميل إلى الاعتقاد أنه كان مجرد مُبرّر للتأكيد على عصر ازدهرت فيه العلاقات الدولية. فى تلك الفترة كانت مصر قد تلقتْ تحذيرًا من الغزوات الأجنبية بدءًا من الأسرة السادسة حتى نهاية الأسرة العاشرة ، فهل كان سنوحى مبعوثــًا سريًا ، وتمّ تكليفه بتدعيم الروابط مع شيوخ الصحراء والمدن الفينيقية والتعرف على مواقفهم السياسية؟ إنّ وضعه كهارب أو كلاجىء سياسى (بالمفهوم العصرى) كان يسمح له أنْ يفهم بمزيد من السهولة حقيقة موقفهم السياسى. وبالفعل فإنه يًوضح للملك فى خطابه أنّ منهم الأمراء المخلصون الذين يمكن الاعتماد عليهم . لذلك ربما كانت القصة مجرد أحداث حيكتْ حول إطار سياسى ظلّ سريًا. ومن المُرجّح أنّ المصريين أحبوا تلك القصة على نحو خاص ، إذْ نسخوها مرارًا وتكرارًا ، لأنهم كانوا يفهمون على ما يُظن مغزاها الحقيقى ، وأنها كانت تعود بذاكرتهم إلى وقائع كانت حقيقية ، وإنْ كنا نحن نجهلها ، ومع ذلك فهى رواية مقنعة. كما أنّ نص قصة سنوحى يُقدم معلومات مفيدة حول موقف المصريين إزاء الملك ، بعد أنْ تأسّس النظام الملكى الجديد : إنها ارهاصات لأيديولوجية التحامسة والرعامسة التى تمّ الإعداد لها منذ وقت بعيد . إنّ التصور الذى كان قد تكوّن عن الملك ، أخذ يتنوع ويصطبغ بصيغة إنسانية. إنّ الملك المصرى يُجسّد السيادة والقوة ، ولكنه أيضًا الملك الخيّر للحكمة والمعرفة ، ويعرف كيف يًظهر الرقة والرحمة. وأضافتْ العالمة (كلير لالويت) أنّ نص قصة سنوحى مكتوب ((بلغة كلاسيكسة آية فى الجمال ، كما أنه انعكاس لمختلف التقاليد الأدبية ، سواء القديم منها أو الجديدة . إنّ التضاد الإيقاعى بين الفاقة التى كان يعيش فيها سنوحى فى السابق ، ثم حالة الثراء بعد ذلك ، تـُذكرنا بمرثيات الحكيم المصرى (إيبور) كما تظهر الأناشيد إلى الملك فى قوالب شعرية ، وهو النوع الأدبى الذى نشأ آنذاك ثم تطور فى وقت لاحق . كما نتعرف فى هذه القصة على مواضيع أكثر عمومية ، مثل تفوق الإنسان الفطن الماهر، ولا يغتر بقوته ، وهو موضوع ظلّ يًراود وعى الإنسان منذ أقدم العصور، ولذلك ((تـُعتبر قصة سنوحى فصلا مهمًا من تاريخ الأدب المصرى)) (نصوص مقدسة ونصوص دنيوية من مصر القديمة- ترجمة ماهر جويجاتى- دار فكر للدراسات – المجلد الثانى – عام 96- من ص 313- 327) وكتب د. مرفت عبد الناصر أنّ قصة سنوحى عبارة عن ((قصيدة كتبتْ بلغة الحلم ، بل إنها خليط من بقايا الحلم وأنصاف حقائق : أحداثها مشكوك فيها ولا يمكن التحقق منها أو محاولة استعادتها وسطورها تجرفنا معها فى سيل من التساؤلات : لماذ هرب سنوحى من مصر؟ وما علاقة موت الملك به؟ وإذا كان قد وجد الأمان والعيش الكريم فى مكان آخر، فلماذا يحيا بحلم العودة؟ وما معنى العودة؟ وما تلك العلاقة الغريبة بين الإنسان والمكان؟ وما الخصوصية التى تربط بين مكانية الميلاد ومكانية الوفاة؟ كل تلك التساؤلات تعرّضتْ لها كتب التاريخ وكثرتْ التساؤلات حول أسباب هروب سنوحى : هل لسنوحى حقيقة علاقة بموت الملك؟ هل هو مجرد متهم هارب من جريمة ارتكبها وشارك فيها؟ وكيف يكون مجرمًا طريدًا وهو الذى يؤكد فى شعره أنّ خروجه من مصر كان فعلا اختياريا من منطق إرادته؟ أم أنّ هذا الخوف هو خوف من نوع آخر؟ خوف الطفل المتمرد على أمه الذى يعيش صراع الرغبة فى أمان وحضن الأم ، والرغبة فى اكتشاف الغامض الذى يكمن وراء حدود هذا الحضن؟ أى أنّ سنوحى بهروبه من وطنه قد هرب من جغرافية ذاته من أجل أنْ يكتشفها بالفعل ، ومن هنا تبدو رحلة سنوحى ((رحلة حياة ومشوار وجود)) أى أنها رحلة الذات فى بحثها الدائم من أجل تحقيق الذات.. وبهذا التفسير يُصبح مأزق سنوحى مأزقــًا وجوديًا يشبه الحالة الإنسانية عند ((غياب أو موت الرب)) مما يجعل المنفى هنا هو هذا المكان الآخر الذى حاول سنوحى (الإنسان) أنْ يُحقق من خلاله نوعًا من الهارمونية التى يفرضها العقل على الفوضوية الأرضية الناشئة عن غياب سلطة عليا أملا فى أنْ يُعيد الإنسان أو يستعيد بنفسه نظامية الوجود مرة أخرى . خاصة وأنّ القصيدة تبدأ من القبر وسنوحى فى حالة (موت متخيل) يؤكد بها علاقة الموت بالبداية ، فالموت مدفون فى البداية أو بمعنى آخر الموت هنا هو ((شهادة الميلاد)) وقد تأكد ذلك من أنّ سنوحى يتحدث كما لو كانت روحه فى حالة انتظار ميلاد أفضل ، وكأنّ القبر هو رحم العفو والصفح ، فلقد أدخل روحه – عمدًا – عالم القبور من أجل أنْ يجد المعنى الحقيقى لحياته السابقة. فالهبوط إلى القبر هو تجوال فى دنيا الأخروية ، وكأنّ سنوحى يأخذنا فى رحلة تشبه رحلة دانتى فى الكوميديا الإلهية ، حين تتألم الروح فى البداية وتحترق برغباتها وطموحاتها وصراعاتها الدنيوية وهو ما يحدث فى طبقة النيران السفلية (الأنفيرنو- المحرق) ثم تمر بطبقة أكثر سموًا تحاول الروح فيها التطهر.. لتصل فى النهاية إلى مرحلة الاكتمال فى (فردوس) الأرواح النقية (الباراديسو- الجنة) ومن الطريف أنّ اسم سنوحى يعنى (ابن الجميز) فيقول ((يا شجرة الجميز الغالية.. أناديكِ.. لتعطينى الماء والهواء.. هذا الذى يسبح فى جسدك القدسى)) وفى تلك القصيدة تتكرركلمة (الآسيوية) كثيرًا لتكون كناية عن الخطر وعن الغربة بكل ما يعشش فيها من مشاعر لا سيما الشعور بالعداونية واضطهاد (الآخر) لذلك فإنّ صراع سنوحى هنا (صراع هوية) يحاول فيه بكل الطرق تأكيد (مصريته) من خلال اعتزازه بمصر وبكل ما فيها. يستخدم سنوحى تعبير (أرض الفرح) كناية عن مصر. ويحاول تمصير الغربة فى خياله وأحلامه. ويرى نفسه ثورًا طريدًا ، هذا الصراع الذى عبّر عنه سنوحى ، صراع بين الخضرة والصحراء ، بين استيطان المدينة والقبيلة.. استيطان الوطن (الثابت المستقر والمُحدّد بجغرافية واضحة) والصحراء الشاسعة ذات الرمال المتحركة. لذلك كتب ((هل أنا ثور هائم؟ بين قطيع خراف؟ هل يمكن أنْ يُحبونى ؟ وأنا رجل من الدلتا ؟ هل سيسمحون لى ، أنْ أكبر.. أنْ أسمو؟ وأنا الغريب المحكوم عليه أنْ يكون دائمًا الأقل شأنـًا)) ورغم أنه شغل منصبًا رفيعًا فى بلد الغربة فإنه كتب فى موضع آخر من القصيدة ((طريد أنا.. هارب من الألفة.. يعطى الخبز لجيرانه.. وهو الجوعان.. عاريًا.. بعد أنْ ترك أرض الكتان الأبيض.. يسكن قصرًا عظيمًا.. تسكنه أيضًا ذكريات أعظم.. يزداد حنينه إلى تلك السيدة النبيلة.. يريد أنْ يعرف حال أطفالها.. ويسمع صيحاتهم من جديد.. لتعود – مرة أخرى – إليه الحياة.. إلى عوالم أخروية.. هو ذاهب. خطواته تتبع سيدة العالم.. علــّـها ترضى عنه يومًا ما.. وتخلع عليه قليلا من أبديتها)) وتنتهى القصيدة بميلاد جديد ، ميلاد رمزى لسنوحى أطلق عليه اسمًا جديدًا هو (ابن رياح الشمال) دلالة على غربته ، مع تأكيد فى نفس الوقت لمصريته ولاسمه القديم ، فحتحور سيدة الجميز وهى نفسها سيدة رياح الشمال. وكتبت د. مرفت عبد الناصر أنّ موضوع (المنفى) فى قصة سنوحى ما زال حتى يومنا هذا مثار جدل : هل كان المنفى حقيقيًا أم استعاريًا؟ وهل الخروج من الوطن كان خرجًا حقيقيًا أم أنها فقط هجرة نفسية وعقلية؟ ومن منطلق هذا الجدل جاءتْ معالجات أدبية كثيرة لنص سنوحى من الأوستراكا المحفوظة فى متحف (الأشموليان) فى بريطانيا ، ومن هذه المعالجات الأدبية (عودة سنوحى) لنجيب محفوظ ، ولكن أكثر هذه المعالجات شهرة هى قصة (المصرى) للأديب الفلنلندى (ميكا والتارى) الذى كتبها عام 1945 عن حياة سنوحى وتم ترجمتها (تقريبًا) إلى كل لغات العالم ، وصنعتْ هوليود من تلك القصة فيلمًا فاشلا ، لأنه لم يكن فى مستوى الرواية (د. مرفت عبد الناصر- لماذا فقد حورس عينه؟ قراءة جديدة فى الفكر المصرى – دار شرقيات – عام 2005- من ص 47 – 58) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوحدة العربية والوحدة الأوروبية : مفارقات
-
الجوائز الدولية والأغراض السياسية
-
اعتذار وتوضيح
-
الوسطية الدينية : وهم أم حقيقة
-
المعامل الأمريكية لتفريخ الإرهابيين
-
أينشتاين عضو فخرى بنقابة السباكين
-
عندما يكون الصحافى مجرد بوق للنظام
-
الناصرية ومتوالية الكوارث
-
لماذا كان الصراع بين (حور) و(ست) ؟
-
العروبيون ورفض الاعتراف بالشعر المصرى
-
الشعر فلسفيًا والفلسفة شعرًا
-
السنة المصرية وجذور التقويم العالمى
-
الحمساويون دمّروا غزة
-
العلاقة بين الكلمة والفنبلة
-
بيرم التونسى والشعر المصرى
-
عندما تكون الرواية (وليمة للذئاب)
-
الأدب والقمع الدينى والسياسى
-
مصر بين العدوان الإسرائيلى والإرهاب الحمساوى
-
الترجمة من المصرى للعربى
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (9)
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|