أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - عند منعطف النسيان














المزيد.....

عند منعطف النسيان


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4587 - 2014 / 9 / 28 - 11:15
المحور: الادب والفن
    


عند منعطف النسيان
-------------------
في لحظة لها رائحة الدهشة ينساق الليل إلى حلكته ، بينما العيون المحاصرة تعتصرها رعشة الحنين ، رعشة ترتجف بالألم والوجع والعجب ، ترقب تباشير الفجر بلهفة بعدما نفد كلّ شيء، الماء والعتاد والأمل ، حتى الهواء غاب ولم يعد منعشاً كما من قبل ، ضاقتِ الحناجر بأنفاس لهيب العزلة ، تلاشت الصرخات في فضاءٍ من أسى من فرط النسيان ، كان المدى مقفلاً برائحة البارود تلفه غيمة من دخان كثيف والجهات تحتفي بحصارهم ، أوصدتْ أبوابها بلهفة عيون الذئاب المتعطشة لدمائهم . هي ليلة لاغيرها: - ما عسانا أن نفعل ؟ قال الجندي ذو اللحية الكثة . - ننتظر الفجر، ما هي إلّا سويعات فنعانق حور العين . - لا وقت للمزاح والموت يحدّق بنا من كل مكان . - ومن قال لك أنّي أمزح ، ألم نأتِ من أجل ذلك ؟ . كانت الجراح تنزف أهات في ظلّ حيرة من الأمر ، لِمَ لم يسمع أحدٌ النداء ؟ وهذا الصراخ والألم الذي يشقّ عنان السماء أيذهب جفاءً ؟ تساؤلات كثيرة كانت تتحطم عند أعتاب الكثبان الرملية المحيطة بهم . إتكأ كلّ منهم على جراح الآخر والعيون تصوّب أبصارها بخشوع نحو السماء . كانت السماء صافية والنجوم كثيفة ، باسمة بضياء القرب ، باكية من هول المشهد ، لكن الليل كان موحشاً ينذر بقيامة الروح عند منعطف الغياب. حدقّ أحدهم بوجه طفلته بلهفة شديدة ، هزّه الشوق إليها ، دسّ صورتها بين بزته العسكرية وبين قلبه وانطلق بما تبّقى من رصاصات نحو تلك الذئاب الكريهة ، لكنّه سقط عند منعطف الشوق . كان المكان مقبرة مضرّجة بالوحشة ، بينها وبينهم لسعة أدمع تترقب خطواتهم عن بعد، وللزمن نكهة الفراق والذكريات..ذكريات حاضرة بكلّ تفاصيلها في مكان يلفّه صمت كثيف . كانت معادلة صعبة أن تقارن بين الذكرى وبين الآتي ، تنفس أحدهم المكان فكان عطر زوجته ، بينما اللآخر كان ينصت بلهفة لكركرات طفلٍ مازال يحبو ، الجندي الذي أسند جسده المتهالك الى دكة من تراب كان يحدّق في وجوه الآخرين ، وجوه مرهقة أضناها العطش والدهشة لم ير غير مقل يتماوج فيها القلق والضجر ، يتستر وراءها وجه أبيه المثخن بالحزن وهو يترقب عودته ، كان بصره شاخصاً نحوه يخشى أن يمضي كما أخويه من قبل : - كيف سيكون حاله إنْ لم أعد إليه ؟ . كان الوجع وحلاً يتمرغ فيه ما تبقى من رائحة أرواح ظامئة للعناق ، والليل يشير إلى أحلامٍ وأمنيات بعثرها الخذلان ، بينما الجميع كان يبحث عن موت مشرّف في تمام السحر أو عند مطلع الفجر : - لنا مهمة واحدة لا غير ، أن نموت جميعنا ، حذارِ أن يقع أحدنا في الأسر . وفي آخر الليل وحين احتدم السكون كانت القلوب ناظرة الى المدن البعيدة ، والذاكرة تنهش بقايا ظلال مختنقة برفيف أشياء مفقودة إلّا واحداً من الجند غطّ في نوم عميق يعلوه شخير يغشى صدى الموت.. ضحك الجميع وهم في لجة الردى لمشهده : - كيف استطاع أن يتسلق المخاوف ؟ - دعوه ربما يحلم بوجه أمه . وحين لاح لواء الصباح ، لم يكن مثل صباحات الأمس ، كان الموت يهطل بخجل ، بينما الجميع يلوذ بموته ، ويحتمي بظل رصاصة أو قذيفة مدفع ، حفروا بأناملهم ثقباً في الأرض ، رسموا تجاعيد الظمأ في فضاءاتٍ ضاعت عندها خيوط الشمس . وفي تعاقب الفصول شيعت جراحهم عند دكة الغياب ، وبعد حين من الموت وجدوهم شهقة طينٍ حري تهمي بسرها الدفين عند منابر القصب والبردي .



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لمّا أوغلَ فيَّ الفراغ
- في مُقام التجلي
- بيادق محنّطة بالغياب
- للهذيان قامة
- حين أعياهُ العدّ
- ماذا بعد انتخابات 2014
- ترنيمة انتظار
- ( محجر رقم 1 ) - قصة قصيرة -
- اللمسة الأخيرة - قصة قصيرة -
- قلبُ أمّي لم تخنْهُ النظرة - قصة قصيرة-
- خطوة على الطريق - قصة قصيرة-
- فلنرجم كلّ الفاسدين بإصواتنا
- إنّهُ يرتّلُ أنفاسي - قصة قصيرة -
- ليلة احتضار النور - قصة قصيرة-
- ذاكرة معلّقة بصلعة الجحيم _ قصة قصيرة _
- كان الصوتُ ساخراً -قصيدة -
- ثقوب الذاكرة - قصة قصيرة -
- بقايا خطى عابرة - قصيدة -
- ( غرب الخوف ) - قصة قصيرة -
- ( حتّى متى ) - قصيدة -


المزيد.....




- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - عند منعطف النسيان