|
حكاية مخيم اسمه جنين
باسم الهيجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 1292 - 2005 / 8 / 20 - 10:54
المحور:
الادب والفن
وردٌ لقافلة الشهيدِ ، نشيدنا انفجرَت ملامحه وبانتْ ، للحصار قصائد الفقراءِ تشهدُ ، للدمار حدائق الفقراء تشهدُ ، للمدينة زمزمٌ تحت الحجارةِ ، أول الكلمات كانت ، وردةً لدم الشهيدِ ، وما بكَت فوق المخيم غيرُ أنثى ، لم تودِّع آخرَ الثوارِ للمنفى ، وزَفَّت روحَها وطناً تهيَّأَ ، في حدائق من تحبُ ، لنا الكتابةُ ، والخطابةُ ، والبدايةُ ، والنهايةُ ، أيُّ صبر يمنحُ الشهداءَ شهوتَهم ، لتأطيرِ الكتابةِ ، وافتتاحِ العشقِ في الزمنِ المحرّمِ ، أيُّ حلمٍ يحتفي بفضاءِ هذا الليلكِ الدامي ، ويعبرُ تحت أعمدةَ الدخانِ ، ويُختَزَنْ في قلب عاشقةٍ تزفُّ وحيدَها وتصيحُ : ـ فليحيا للوطنْ * وردٌ لقافلة الشهيدِ ، وما تأخرَ ، كان موعدَه المخيمُ هاتفاً : الله أكبرُ ، واحتَسَبْ ما سوف يلقى في سبيل اللهِ ، لملم ما تشتت ، من عبير الوقتِ ، كَبَّرَ ، واقتربْ ورمى الزهور على الرمالِ ، ففاضت الرؤيا وبانتْ ، سرَّج الفقراءُ من قاماتهم لغةَ العبورِ ، ففارق النسيان فيها ، واغتَرَبْ وعيونهم للغرب تقرأُ ، ما تيسَّرَ ، من حنينٍ مُرتَقَبْ واستنشقوا عبق المكانِ ، ندى المبادئِ ، ردَّدوا : الله أكبرُ ، حين يقترب السياج من الحديقةِ ، سوف يسقطُ في لهيب الأخضر المسجون فيها ، سوف تصعدُ أغنياتٌ ، زغردَت فوق المخيم ( أم مروانَ ) ، ـ انتصرنا ، يا فلسطينُ انتصرنا ، واحتفتْ بدمٍ تورَّدَ عن كثَبْ رسم النوافذ في الجدارْ فتفتحت في كل دارْ أزهارُ حلمٍ مُغتصَبْ ترثي جيوش ( أبي رغالٍ ) ، حين ساومَ ، وانقَلَبْ * ورد لقافلة الشهيدِ ، شهيدُنا رمز النشيدِ ، نشيدُنا عرق الصمودِ ، صمودُنا ماءٌ تفجرَ ، يوقظُ الأزهارَ دفلى للتحررِ ، ألفُ زمزمَ تحتفي بدم الشهيد ولا تغادرُ صولجانَ المعركةْ وطريقها وطنٌ يُلملمُ ما تشتت ، في عصور الأمركةْ صَعدَ المخيمُ فوق أسطحهِ ، وعانق ألفَ ( محمودٍ ) تقدمَ ، حافلاً بدم الشهيدِ ، يزفُّ قامتَه سراجاً للذين توافدوا من كل حَدْبْ حتى يمرَّ الطيبون إلى المنازلِ ، يشهدُ الشهداءُ أن جذورَهمْ زُرِعَت هناك مع الحنين المغتصَبْ مُذْ جاء يحلم من أحبَّ بما أحبَّ ، ويبحثُ الأطفالُ عن آبائِهمْ سُرِقوا وعادوا للنقبْ وبدايةٌ عادت تفتشُ عن بداية ما أضاعتْ ، كيف يبرأُ قاتلي من لحم أوردتي ، ويمضي ، كيف يبرأُ دمع عيني من حنيني ، حين سرَّجه الغضبْ * هيَ وردةٌ لدم الشهيدِ ، شهيدُنا وطنٌ يراجعُ ما أباح الآخرونَ ، على طريقتهم ، وقافلةُ الشهادةِ في الطريقِ ، ولا تسيرُ إلى المضاجعِ ، كي يرى المستثمرون حنينَهم ليلاً بلا قمرٍ يطلُ على المنازلِ ، وهي تنأى ، حين ينكسر المكانْ وتزفُّ حاديها شهيداً ، لانبلاج الضوءِ ، يصرخُ ، ثم يصرخُ ، ثم يصرخُ ، أين ما ملكَتْ يديَّ لكي أغادرُ ما اعتراني ، من لهاث الوقتِ ، من أممٍ تشيِّعُ ما تبقى ، من بلادٍ ، أورق النسيان فيها ، ألف كانْ والنارُ تصعدُ من يديَّ ، بلا مواقدَ ، والذين تشجَّروا صعدوا كأعمدة الدخانْ يتأرجحون على ضفاف الريحِ ، في فوضى المكانْ وأنا لغاتٌ للحنين وما نضبْ واستلَّني من نهرِ أوردتي ، وعبأَني نشيداً ، قلتُ : أنهضُ في الصباح البِكْرِ ، أرسمُ صورتين على جدارْ وأُلوِّن الأخرى بصوتٍ ، جاء يهتف للنهارْ فإذا دمي في صحوة الشوق المضرَّجِ ، صار ناراً والتهبْ فرأيتُ صدري نام في تفاحةٍ شُطرتْ ، وشارعها احتطبْ بدمي الذي سرَّجتُهُ خمسين عاماً كي يضيء شوارع المدن العريقة بالبكاءْ وعلى يديه يشق قديس طريق الأبرياءْ وتظل وحدك يارفيقي ، يا سجين الحب تنمو في المرايا المغلقةْ حَملَت شوارعُك الحكايةُ ، حين جئت مرددا : ـ فليسقط المحتلُّ ، يسقطُ ، يصعد الشهداء نوراً للعروبةِ ، للعناوين الكثيرة في بلاد الخوفِ ، للزمن المشرَّدِ ، للحقائبِ وهي تركضُ في المطارات البعيدةِ ، للمنافي في عيون البردِ ، يسقطُ ، يسقطُ المحتلُّ ، يسقطُ ، في اضطرام المحرقةْ وتظل وحدك هاتفا في الصوت أن يبقى ، لتكتظَّ الحناجرُ في انبلاج الشرنقة اصعد اليَّ ، وسرج الزمن القديم ، غداة تعلو المشنقة نوراً يضجُّ ، بأمنياتٍ باسقةْ إصعد إليَّ ، ورتب الياقوت في شَعر البلادِ ، وما أباح القلب من عشب الحقولِ ، وزقزقات الروحِ ، حين تلملم الورد الخرافيّ المعلق ، في بلاد غارقة بدم تناثر أو شجنْ أو بالنشيد المختزنْ يلقي السلام على الجسدْ أو شرفةٍ للاجئين وما استراحوا في بلدْ إصعد إليَّ ، لعل صوتك حين يصعدُ عاشقا يعطي حزيران القتيل ، حقول أيار المشجَّر بالأماني العالقةْ * هي وردة لدم الشهيدِ ، وقاصرات الطرف تعبرُ ، قل هو الجرح المفتّق لالتقاء الأوردةْ ومنازل ظلت تفتش في الشوارعِ ، عن بقايا أفئدةْ بين العواصم ، عندما سقط الجدار على الجدارِ ، وأيقَنَتْ أنَّ البنفسج لم يغادر ، والأصابع لا تصافح غيرها ودمي على مر المراحل زفَّني وشربت أصناف المواسمِ ، وانكسارات العواصمِ ، في عيون لا تفتش عن نظرْ حين اتكأت على سفرْ يرمي دمي بين العواصمِ ، قيل لي كانوا هنا أو قيل مروا من هنا قمراً يسافر نحو رأس ما انحنى عند الخطرْ كيف انتظرتُ جيوشهم حتى تجيء ، وإخوتي سرقوا قميصي واستباحوا من دمي كلٌّ تسوِّل نفسهُ ، وله طريقته الحلال ، وسرت وحدي في العراءِ ، ولا قميص تسترد به العروبة نور عينيها ، لتُرجع ما استبيح من البصرْ أو تبصر القتلى حفاة في حقول الشوكِ ، ينزف جرحهم ويكررون المشهد الدمويّ دوماً ، والذين تسلموا كرسي الخلافة لم يعيدوا طائرا ليفاتح الأغصان عن وجع التشردِ ، أو خيام تنتظرْ لا يرجع الفقراء نحو بيوتهم لا تورق الأزهار نحلاً حين داستها العساكرُ ، لا فضاء يستحم بلا قمرْ أو دون أغنية تضيء به ظلام المرحلة هي قافلة هي قافلة راحت تفتش عن سفرْ كي لا تعود بلا يدين ، بلا أصابع تشتهي وجه الغزاة إذا أناخوا خيلهم أو تتقي مطر الغزاة إذا انهمرْ في ساعة الصحو المبكرِ ، والخنادق لم يجف بها الأنينُ ، ورحلة الصبار تبدأُ ، لا مفرْ * وحملت أغنيتي تجاه البحر ، لكن المسافة لم تفتش عن مدى ورمت قلائدها سدى والصوت سافرَ ، لم يفتش عن صدى لم يشهد الربان قافلتي لتعبر ، باتجاه البحر ، لم يشهد دمي يوماً نشيد الأوردة أو جنة متوردة وقد استراحت في بلدْ وأنا انتظار عالقٌ في رحم أهداب تفتش عن جسدْ والأرض تشرب أغنياتي ، والطريق إلى ديار الأهل تنأى ، كيف يلقاني دمي أو كيف أخرج من حنيني ، والمدى سرق النجومَ ، وأسقطت لغة الغبار براءة الرؤيا ، فجاءت ترتمي بيني وبيني والخيول ترجَّلت فرسانها من ساعة الهم المبكر لانكسار اللوزِ ، في حقل تمر به الثعالبُ ، لا ثمرْ يعطي الرحيق لنحلةٍ جاءت تفتش عن زَهَرْ كي لا تعود بلا يدينِ ، غداة داهمها الخطرْ لا يوقظ السمار نرجستي لأصعد في حديقة امنياتي ، فاحمليني يا صبايا ، في طريق اللوز نواراً فتيّاً ، لا يغادر جنة الفقراءِ ، كي تحيا ، وتمطر غابة النسيان ذكرى ، تستعيد الحقل ناراً ، في شتاء عابرٍ ، أعطى الحداء بلاده الأخرى ، وأشعل روحه وطناًُ ، ولم يتذكر القتلى نشيد البحرِ ، لم تنبت رمال الشاطئ المهجور زهرة ياسمينْ لدمي الذي شربته أقبية السجونِ ، وما تراجعَ ، حين أيقظه نشيد الأرضِ ، أشعله قصائدَ ، ظلَّت الكلمات في شفتيه ترسم ظلها كي تعبر الفجرَ المراكبُ في ابتهاج العائدينْ الأرض توقظه فيحيا ، كل عام في نشيد الفاتحين في صحوة الأطفالِ ، يلقون النعاسَ ، ويرسمون على الجدارْ ما تشتهي أحلامهم ويؤجلون لليلة أخرى الحقائب والعناوين الصغيرة : ـ لا ينام البحر في النسيان ، ـ لا تغفو البلاد عن الأحبة ، كي يعود البحر للشطآن ، والمدن التي لبست قلائدها ، تزغردُ في نشيد الفتحِ ، تعبر من ظلال القهرِ ، تعبرُ من ممرات التراجعِ ، نحو تلك الأمكنةْ وتعود جذلى ، في نشيد ممكنٍ ، أو أغنيات ممكنة
#باسم_الهيجاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين تبكي فاطمة
-
من مذكرات عاطل عن الفرح 1
-
عصفورة الجليل
المزيد.....
-
ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
-
أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز
...
-
الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس
...
-
تعرّف على ثقافة الصوم لدى بعض أديان الشرق الأوسط وحضاراته
-
فرنسا: جدل حول متطلبات اختبار اللغة في قانون الهجرة الجديد
-
جثث بالمتاحف.. دعوات لوقف عرض رفات أفارقة جُلب لبريطانيا خلا
...
-
المدينة العتيقة بتونس.. معلم تاريخي يتوهج في رمضان
-
عام على رحيل صانع الحلم العربي محمد الشارخ
-
للشعبة الأدبي والعلمي “جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 ال
...
-
من هو ضحية رامز في 13 رمضان؟ .. لاعب كرة قدم أو فنان مشهور “
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|