أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سامي الاخرس - الربيع العربي وظاهرة الفوضى















المزيد.....


الربيع العربي وظاهرة الفوضى


سامي الاخرس

الحوار المتمدن-العدد: 4586 - 2014 / 9 / 26 - 08:30
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


الربيع العربي وظاهرة الفوضى
مقدمة:
تحرك الشارع العربي بعد عدة عقود من الخضوع والاستسلام لأنظمة متعددة الأشكال والأيدولوجيا، والخلفيات، منها أنظمة عسكرية قادتها جملة من الانقلابات العسكرية، ومنها ما هو مدعي شكلًا وليس أداءً، ومنها ما هو قومي، ومنها ما هو ديني، إضافة للأنظمة الأميرية والملكية التي يزدحم بها الخليج العربي، وهي ذات أشكال متعددة، احتكمت لقوتين القوة العشائرية من جهة، والقوة الأمنية العسكرية من جهة أخرى، حيث لم تذكر أيّ حالة ارتكزت إلى الدستور والقانون والشرعية الشعبية في سيطرتها على الحكم، ولم يحدث أيّ انسجام بين هذه الأنظمة رغم التكتلات الوحدوية التي كانت تجمعها في أطر موحدة كجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون الذي ضم(مصر، الأردن، العراق)، بل كانت أكثر عداء لبعضها البعض، وتتسع فجوة التناقض والتنافر بينها، ولم يجمعها سوى المصالح المشتركة التي سرعان ما كانت تتفكك، وتتهشم أمام أيّ خلاف وأن كان بسيط جدًا، كما حدث في انفراط عقد التحالف بين"مصر والأردن والعراق" والتحول من الشراكة إلى العداء بل ومشاركة مصر في العدوان الثلاثيني ضد العراق، واتخاذ الأردن موقف الحياد، مما يؤكد على حتمية حقيقية ووحيدة إن هذه الأنظمة اختلفت وتناقضت مع بعضها، ولم تنسجم إلا على قاعدة"الاستبداد" والقهر لشعوبها، حتى النموذج الدستوري الأوحد"لبنان" مثل حلقة ضعيفة جدًا، ولم تستطع الدولة السيطرة على جغرافيتها، أو بسط نفوذها السيادي والدستوري على مؤسسات وقطاعات الدولة عامة، وتعرضت للعديد من الأزمات والعثرات التي قزمت وفتت الوحدة السياسية اللبنانية رغم ذلك يمكن الاستناد إلى حقيقة أخرى لهذه الأنظمة إنها استطاعت أن تحافظ على وحدة الأقطار الجغرافية، وعلى مظاهر الاستقرار المجتمعي وليس الأمن المجتمعي نظير سياسات الحديد والنار التي اتبعتها أجهزتها الأمنية مع المواطن، وسياسة الرعب والترهيب التي كانت سائدة ولازالت في واقع الأقطار العربية، بل أن هذه الأنظمة سعت جهده وبمحاولات وان كانت على حياء التوحيد سياساتها وجغرافيتها، حيث الوحدة السورية-المصرية، والوحدة النميية-اليمنية رغم العمر القصير للتجربة الأولى التي انتهت بانفصال سوريا، والحروب التي خاضتها الحالة اليمنية لإعادة الانفصال، ولازالت تخوضها حتى أصبحت اقرب للانفصال في هذه المرحلة.
التراكمات التي راكمتها طبيعة الأنظمة السائدة في المنظومة العربية ساهمت في تمرير كل المؤامرات على المنطقة، حيث وجدت القوى المتآمرة بيئة خصبة لإعادة إنتاج هيمنتها وسيطرتها بين مرحلة وأخرى، مستغلة وظيفية هذه الأنظمة وتبعيتها من جهة، وإحباط ويأس المواطن العربي من جهة أخرى، بل ذهبت بعيدًا عندما استعملت بعض الأنظمة العربية أو ذات العقائدية الدينية في خوض حروب بالوكالة والإنابة عنها، كما فعلت في أفغانستان، حيث تكفلت السعودية كدولة دينية في حشد ودعم الشباب العربي دينيًا وماليًا باسم الجهاد، للحرب لصالح الولايات المتحدة الأمريكية بالوكالة، ودفعت الشباب العربي نحو تبني مفاهيم عقائدية أكثر تطرف وأكثر كراهية، فكان غرس خصب البذور التطرف ذو الشكل الديني، وهو ما استقطب مئات بل آلاف الشباب الحاقد على أوضاعه وأحواله المجتمعية والإنسانية، فلجأ للعنف المغلف بالدين والجهاد كوسيلة لتبرير اندفاعه المتطرف، وجني ثمار التعبئة الدينية المتطرفة من حركات وقوى عقائدية أشبه واقرب للقوى الانعزالية الرجعية. وعليه بدأت بواكير الفوضى في الواقع العربي مع انتهاء "الجهاد" في أفغانستان وعودة الشباب الذي قاتل هناك إلى أوطانه، وبدء ملاحقة الأنظمة لهؤلاء العائدين، وأفكارهم المتطرفة عقائديًا، وكذلك ملاحقة الغرب لهم، واتهامهم بالإرهاب، وإحاطتهم بهالة إعلامية حولتهم لوحوش في نظر المجتمعات، وهو ما كان له بالغ الأثر في ردة الفعل، حيث بدأت مظاهر الفوضى تنتشر، وبدأت تستعير نيران هذه الفوضى في السعودية من خلال عمليات القتل والتفجير...إلخ كذلك في مصر، وفي الجزائر، وفي تونس وفي ليبيا، وفي المغرب، وفي السودان، واستعرت وتيرة هذه الأعمال، واتخذت مظاهر التكفير والترهيب شكل أكثر منظم مع تأسيس تنظيم القاعدة من قبل المليونير السعودي"أسامة بن لادن" وأصبح هذا التنظيم يضرب بعنف في البلدان العربية والغربية معًا، نتيجة لردة فعل على السياسات التي أتبعتها الأنظمة العربية ودول الغرب ضد ما تم إطلاق عليهم الأفغان العرب الذين عادوا لتتم ملاحقتهم والتنكيل فيهم، ومحاولة تأليب المجتمعات ضدهم، ونبذهم، حتى بلغت ذروة رد فعلهم في تفجير أبراج نيويورك، ومبنى البنتاجون في سبتمبر 2001، وهو ما غير وجه المنطقة، ومجرى أحداثها، فانعكست الصورة كليًا، وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية والأنظمة العربية بعقد تحالف امني-عسكري، بدء بضرب أفغانستان واحتلالها ونشر الفوضى فيها، والقضاء على حكم"طالبان المدعوم من"أسامة بن لادن" ومحاصرة السودان والعراق، وفرض العقوبات عليها، ومن ثم ضرب واحتلال لعراق، والقضاء على حكم "صدام حسين" والبعث، ونشر الفوضى في العراق، وتنامي هذه المواجهات أيضًا في الصومال، وبوتيرة أقل في بعض البلدان العربية.
إذن فحالة الفوضى التي بدأت تتسرب للمنطقة هي حالة تم صياغتها وصناعتها في حرب الوكالة التي خاضتها وحرضت لها الأنظمة لعربية في أفغانستان، والبوسنة والهرسك، ثم الشيشان، ثم الانتقال إلى قلب المنطقة العربية"العراق،مصر، الجزائر، المغرب، الصومال، تونس، ليبيا، سوريا، الأردن، السودان، لسعودية، وإن أخذت أشكال متعددة ومتنوعة تتوافق وكل مرحلة من مراحل التطور المنهجية غربيًا وامريكيًا، والتلويح الدائم بتهديد أيّ نظام عربي يخرب عن الطاعة الأمريكية- الغربية.
في غمار هذه الحالة المعقدة، ومتعددة الأوجه والمسببات، وفي خضم الأزمات المجتمعية والسياسية والاقتصادية التي كانت تعصف بالمنطقة، تفجر الرّبيع العربي انطلاقًا من تونس عام 2010 او أواخر العام عندما أقدم الشاب الفقير "بو عزيزي" على إضرام النيران بنفسه احتجاجًا على مصادرة عربته التي تعتبر مصدرحياته ورزقه، وهبت جماهير التونسية بشكل عفوي احتجاجًا، حتى تم إبعاد الرئيس التونسي"زين العابدين بن علي" إلي جدة، أبعادًا قسريًا، وهو ما اعتبر انتصار للثروة التونسية التي تلقفها الشباب العربي في مصر واليمن وليبيا وسوريا، في مشاهد وسيناريوهات مختلفة أسقطت نظام حسني مبارك، ونظام معمر القذافي ونظام علي عبدالله صالح، وأسقطت معهم استقرار هذه الدول إضافة إلى سوريا التي عمليًا سقطت وإن لم يسقط نظام بشار الأسد حتى اللحظة.
ثوّرات الرّبيع العربيّ خلفيات ومبادئ:
في أواخر عام 2010 أقدمت شرطية تونسية على الاعتداء بالضرب على شاب من الباعه المتجولين، وصادرت عربته التي تعتبر مصدر الرزق له، ومصدر حياته، فما كان من هذا الشاب"محمد البوعزيزي" الاّ أن أضرم النيران بنفسه احتجاجًا على إهانته والاعتداء عليه، واستطاعت وسائل الإعلام الغربية والعربية إلتقاط اللحظة، ومسايرة المشهد في سيناريوهات دراماتيكي أجج مشاعر الشعب التونسي الذي كسر حاجز الرعب والترهيب الأمني لنظام زين العابدين بن علي" والخروج إلى الشوارع في ظاهرة مثلت نوع من التفاؤل، والدعم من أغلب التيارات المعارضة العربيّة والثورية، التي وجدت بها فرصة سانحه لتحريك الشارع العربي الكامد منذ عقود، وهو ما تحقق فعلًا، حيث استمر الشارع التونسي في حرّاكه حتى صعد زين العابدين بن علي طائرته متجهًا إلى" جدة" تاركًا فراغ رئاسي وسياسي في المشهد التونسي، الذي فاز بها حزب النهضة الإسلامي والمرزوقي للرئاسة، الاً ان الفوضى لا زالت هي الأكثر سيطرة على المشهد التونسي والممثلة بعمليات الاغتيال ومهاجمة قوات الجيش، والفلتان المجتمعي في مجتمع كان يتميز بالوعي والتقدم والثقافة، الاّ أنه كان يعاني من الاضطهاد والفقر والحرمان، والاستبداد البوليسي، ومحاربة الحريات والمعتقدات الدينية، وهو ما فجر حالة الشحن والكبت لدى لشباب التونسي، كما فجر ردات الفعل نتيجة التعبئة الدينية التي انتهجتها الأحزاب والجماعات والقوى الدينية ضد النظام، مما خلق حالة انفلات وخروج عن سيطرتها رغم وصولها للحكم، الاّ أن الشباب المعبئ حقدًا تحت لواء الدين والغلو لم يستوعب بعد الانصهار السياسي أو المزج بين الدين والسياسة، فكان اللجوء للعنف هو التعبير الأوحد والوحيد، له لترجمة هذه التعبية، وهو ما يتمثل بالتكفير والترهيب، والقتل والتفجير...إلخ من مظاهر العنف والبلطجة المغلقة بالدين، والتي تقود تونس لتأخر في المستوى التنموي والديمقراطي على حد سواء، والتمزق والتفتت المجتمعي، والأمان المجتمعي، وأصبح بديل الأنظمة أو النظام البوليسي السابق هو الجماعات الأكثر تطرف والتي لا تؤمن بالمشاركة والشراكة السياسية فتلجأ للعنف والقتل، والفوضى.
الحالة الثورية التي شهدتها تونس مثلث النيران في الهشيم بالنسبة للشباب العربي الذي وجد فيه فرصه للانقضاض على سياسة الحديد والنار، فانتفض الشباب المصري ضد نظام محمد حسني مبارك، واعتصم في ميدان التحرير تحت شعار"ارحل" والشعب يريد إنهاء النظام، فما كان سوى استجابة الرئيس المصري محمد حسني مبارك لإرادة المعتصمين وإعلان تنحيه عن الحكم، وتسليم زمام الأمور لمجلس عسكري بقيادة وزير لدفاع المشير طنطاوي، الذي لم ينجح في كبح جماح الفوضى والفلتان الذي شهدهما الشارع المصري، وانتشار الفوضى بكل مظاهرها وأشكالها، واستنهاض القوى الأكثر تطرف، وإعادة تنظيم نفسها، وسيادة قانون القوة، والعربدة، ولم تنجح كذلك الانتخابات المصرية التي فاز بها حزب العدالة والحرية التابع لجماعة الإخوان المسلمين في إنهاء حالة الفوضى، بل زادت وتيرتها وعمت مظاهر الفلتان كل مظاهر الحياة المصرية، وكذلك استقوت القوى المتطرفة ضد الجيش المصري، وانتشار الفوضى بكل مظاهرها في سيناء، وهو ما مهد لانقلاب عسكري، شعبي قادة وزير الدفاع"عبد الفتاح السيسي" ضد نظام محمد مرسي، وتنظيم انتخابات رئاسية، تولى خلالها وزير الدفاع"السيسي" الرئاسة، إلاّ أن مظاهر الفوضى لا زالت سائدة، وبوتيرة متصاعدة في الشارع المصري، وفي الحياة السياسية المصرية.
نفس المشهد لا زال في اليمن، والذي شهد تنحي الرئيس علي عبدالله صالح ضمن صفقة سياسية، إلا أن الحالة اليمنية ازدادت تعقيدًا وانقسامًا، وبدأت اليمن تتجه نحو التفكك والتفتت بشكل أكثر فوضوية من الحالتين التونسية والمصرية، حيث بدأ الجنوب اليمني يراوده فكرة الاستقلال والانفصال من جديد، وكذلك بدأ الحوثيين يطالبون بدولة ضمن حدود سيطرتهم، وبدأت القاعدة تسن هجومات دامية ضد الجيش اليمني، وتعالت مظاهر الصراع السياسي بين أطياف الخريطة السياسية اليمنية، المميزة عن التجربتين السابقتين بعشائرية الصراع، تطور الأمر حتى استطاع الحوثيين السيطرة على صنعاء، وبدء المكمل الحقيقي لإعلان دولة اليمن الجنوبية، ولم يتبق من الدولة اليمنية من مظاهر سوى القصر الجمهوري الذي يقيم فيه الرئيس اليمني هادي منصور الذي لا يملك أي سلطة تنفيذية فعلية على الأرض اليمنية.
أما الحالة الليبية فقد بدأت فوضى، ولكنها فوضى منظمة مُعد لها جيدًا وبأساليب تدخليه سريعة من الغرب والولايات المتحدة وبعض العرب أشبه بالحالة الصربية، حيث أشعلت نيران الفوضى في أكثر البلدان العربية استقرار سياسيًا واقتصاديًا، وتحولت كل مدينة ليبية لدولة بحد ذاتها، وكل عشيرة ليبية لجيش قائم بذاته أو ميليشيا مع الاختلاف الوحيد في الفهم الفوضي لثورات تونس ومصر إن الإخوان المسلمين لم يفوزوا في الانتخابات التشريعية، بل سعى الإخوان المسلمين للسيطرة على مفاصل الدولة من خلال السلاح والفلتان، وهو ما تحقق لهم من السيطرة على طرابلس ومطاردها.
تبقى من نماذج الثورات العربية الثورة السورية التي لم تستمر بشكلها السلمي سوى شهر فقط ثم تحولت لثورة مسلحة على رأسها الإخوان المسلمين عبر"جبهة النصرة" والقاعدة عبر ذراعها المنشق الدولة الإسلامية داعش، وانتشار الفوضى المسلحة العارمة في مدن وقرى سوريا، وهناك ميزة أخرى للحالة السورية أن نظام بشار لم يسقط وذلك بفضل التدخل الإيراني وحزب الله بجانب النظام، وتراجع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عن التدخل العسكري في سوريا لإدراك إن أيّ تدخل سيوسع من رقعة الحرب وربما تشتعل في المنطقة كلها في حال ضرب الكيان الصهيوني من سوريا وإيران وإشعال جبهة الجنوب اللبناني من قبل حزب الله وهو ما يعرض كل مصالح ومخططات الولايات المتحدة للخطر، وتأليب الشعوب لعربية ضدها، واصطفافها التلقائي ضد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ودعمها لأي قوة تقوم بضرب هذا الكيان،كذلك اشتعال الحرب في غزة في كلّ أرجاء المنطقة المأزومة والمتوترة، والتي تعمها الفوضى، ناهيك عن إدراك الولايات المتحدة الأمريكية أن المواجهة ستكون خطيرة وكبيرة خاصة إنها ستواجه ثلاث قوى رئيسية وقوية في المنطقة"إيران-سوريا-حزب الله" وهي تستطيع المواجهة والتصدي وفتح جبهات عديدة لما تمتلكه من ترسانة أسلحة متطورة وقوية، وهنك عامل هام ومهم وهو استفاقة الدب الروسي من حالة الصمت التي اتبعها في العراق وليبيا، ووقوفه ضد الولايات المتحدة في المحافل الدولية وخاصة مجلس الأمن، بل ذهبت روسيا بعيدًا عندما حركت بوارجها الحربية البحرية صوب لشواطئ السورية في رسالة واضحة وصريحة للغرب والولايات المتحدة، وهو ما أعاد روسيا بقوة إلى المنطقة بعدما غابت عنها منذ انتهاء وانهيار الاتحاد لسوفيتي "السابق".
أما الثوّرة البحرينية فهي ثورة لم تخط باهتمام ودعم أي قوى دولية أو عربية سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي لأنّها اتخذت طابع الطائفية، وأن الثورة البحرينية يقف على رأسها شيعة البحرين فقط، وهو ما تصدت له السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، بل ودفعت بقوات درع الصحراء صوب البحرين لقمع الثوّرة هناك، وهو استدراك لحالة الفوضى التي يمكن لها أن تمتد إلى دول الخليج وخاصة السعودية، أن تمدّدت الحالة المتمردة لدى الشيعة في السعودية، وهم متربصين وعلى أوجه الاستعداد للانقضاض على النظام السعودي إن توفرت لهم العوامل المساعدة على ذلك.
من خلال الاستعراض المبسط لنماذج ثورات الرّبيع العربي في البلدان التي شهدت ما يطلق عليه ثوّرات"تونس،مصر، اليمن، ليبيا، سوريا، البحرين" نلتمس عدة حقائق ومكونات لهذه الثوّرات تتجلى بالتالي:
أولًا/ إن ثورات الربيع العربي تفتقر لخلفيات أيديولوجية وفكرية أو طليعية يمكن لها أن تنظر ونؤطر هذه الثورات في قوالب أيديولوجية ناظمة، بل هي ثوّرات شعبية عفوية ساهمت إلى حدّ كبير في انهيار مؤسسات الدولة وتفتيتها، وإضعافها وهي أحد أهم أخطر مظاهر هذه الثوّرات .
ثانيًا/ عدم وجود أيّ رأس قيادي أو هيئات قيادية لهذه الثورات، بل ساهمت في انسلاخ العديد من رموز النظم السابقة في اعتلاء صهوة هذه الثوّرات، وطرح نفسها كبدائل ثورية، في الوقت الذي كانت تمثل فيه جزء هام وحيوي من النظم القائمة، كما حدث في مصر عبر وزير الدفاع، وعبرّ رئيس أركان الجيش المصري، وعبرّ وزير الداخلية الليبي، ورئيس المجلس الوطني الليبي مصطفى عبد الخليل.
ثالثًا/ إن الثورات العربية أو كما أطلق عليها ثوّرات الرّبيع العربي لم تغير أي نظام سابق بل غيرت رؤساء فقط، واستمرت الأنظمة على رأس الدول من خلال هيكلها ورجالاتها، وعليه فهي ثورات غيرت الشكل فقط وأبقت على المضمون لذلك لم تمثل معنى رسمي ثوّرة حقيقي.
رابعًا/ إن الثوّرات العربيّة ساهمت في إسناد ودعم القوى الأكثر تطرف وخاصة السلفيين"السلطة الجهادية"، وتنظيم القاعدة حيث قويت شوكته في ليبيا- مصر- سوريا- اليمن- وتعزيز وجوده في دول أخرى مثل العراق- لبنان، وإضعافه في السعودية ودول الخليج، أي نجاح الثوّرات العربية في استو راد عناصر هذا التنظيم واستقطابها.
الفوضى عمدية أم عفوية(تلقائية)
من المؤكد أن ثورات الرّبيع العربي من أهم نتائجها وتجلياتها المباشرة هي العمل على هدم المؤسسات الأساسية والرئيسية للدولة وهو ما يدلل على أن هذا الفعل مشترك لكل الثوّرات العربية، وخاصة مؤسسات الأمن والشرطة والجيش، عصب أي دولة وقوتها، وعصب الأمن المجتمعي لأيّ مجتمع مهما كانت درجة وعيه، فإنها هذه المؤسسات تنهار الدولة وتعم الفوضى والجريمة، ويغيب الشعور بالأمن والطمأنينة، وهو ما حدث من الثوّرات العربية مجتمعة حيث ضربت بعمق المؤسسات الشرطية والأمنية، والجيش، أيّ بما يعني ضرب هيبة الدولة الداخلية والخارجية، وعليه انتهاء الصفة الشخصية للدولة، والإبقاء على صفتها الاعتبارية فقط، وهو لا يمكن أن يكون عامل صدفة أو مصادفة، بل أنه تعبير عن حالة ممنهجة ومدروسة مسبقًا، ومخطط لها بدقة وعناية فائقة، حيث تم ضرب المؤسسة الشرطية والأمنية والعسكرية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وكذلك في"العراق ولبنان" وعليه فإن هذه الدول شبه منهارة، إن لم تكن منهارة فعلًا.
هذه القراءة المتعمقة في نوع الفوضى وسبلها وإحداثها يؤكد على أن حالة الفوضى حالة عمديه منظمة تستهدف قوام وهياكل الدول، وأضعاف سلطة الدولة التنفيذية بعدما يتم بالتوازي القضاء على السلطة التشريعية والقضائية، أيّ ضرب الثلاث سلطات معًا، وعليه انتهاء قوة الإجبار، أو قوة الدولة وهيبتها بغض النظر عن إسقاط النظام أو هرم النظام وربما ما يفسر هذا السقوط السريع لهذه المؤسسات في أنها كانت تبنى وتقوم، وتقوى لخدمة النظام ورئيسه فقط، وليس كمؤسسات وطنية تدافع عن الوطن والمواطن، وعليه مجرد سقوط الرئيس تتهاوى هذه المؤسسات تلقائيًا بما أنها ترتبط بشخصه، وسلطته الفردية التي كانت تعتمد في البناء على شراء الذمم، والطاعة لشخص الرئيس فقط أو له ولأسرته، وهذا يتضح من أن معظم مسئولي هذه الأجهزة هم من أسرة الحاكم أو المقربين له جدًا، أو من هم ضمن الدائرة المغلقة للرئيس.
هذه الاطلاله السريعة، وتحليل وتفسير الحاله يؤكد عمدية الفوضى، وأنها منظمة وليست عشوائية، بل هي ضمن الأجندة الرئيسية وأهداف الثوّرات العربية.
الخلاصة:
لم تتضح بعد الصورة الحقيقية للثوّرات العربية، على الرغم من وضوح الشكل والهدف الرئيسي الذي أصبح جلي وواضح لدى المواطن العربي البسيط بأنها ثوّرات مصطنعة غير حقيقية، وأن عبرّت عن تمرد ضد أنظمة استبدادية، لكنها حملت ملامح أكثر استبدادًا وأكثر خطورة على الدول والمنطقة برمتها من خلال، تثوير النعرات الطائفية والمذهبية في الفسيفساء المجتعمية العربية، وغرس الحقد الطائفي والمذهبي والعقائدي في المجتمعات المحلية، وإحياء روح التمايز والانقسام بين شيعي- سني- مسيحي كردي...إلخ، وهي السمة الأساسية لهذه الثوّرات حتى راهن اللحظة، ثم سعيها على بث روح الفوضى العمدية، وتدمير كل مقومات الدولة من بنى تحتية وبشريه، وسياسية، واقتصادية، وثقافية، والاعتداء على كل رموز وحضارة المجتمع سواء الأدبية أو الثقافية أو الدينية وفق معتقدات الطرف الأقوى الذي يقفز على ظهر هذه الثوّرات ويوجهها مع خلق مبررات اقناعية للغرب والولايات المتحدة للتدخل المباشر وغير المباشر، بل وقناع الشعوب العربية على قبول فكرة "أللتدخل" أو الاحتلال تحت وقيعة تبرير التخلص من الأنظمة الديكتاتورية.
من هنا فإن الرّبيع العربي بثوراته قاد الحالة العربية من مرحلة التماسك والاستقرار الجيو سياسي إلى حالة التفتت والتشرذم الجيوسياسي وتهيئة الساحة الشعبية أو الوعي الشعبي العربي للموافقة والترحيب بمخطط لتفتيت والتقطيع الجيو سياسي، مثلما هي الحالة الأقرب حاليًا في ليبيا وسوريا واليمن وكذلك مصر.
د. سامي محمد الأخرس
السادس والعشرون من سبتمبر" أيلول" 2014
[email protected]



#سامي_الاخرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفاوضات واقع ومأمول
- الحروب الاستثنائية في الحالة الوطنية
- حرب المبادرات الإقليمية
- غزة حرب جديدة وليس تحريكية
- نكستنا لله يا محسنين
- النكبة في ذاكرة معطوبة
- - مصالحة- أم مصارحة للمطارحة؟
- أسرانا مقهورين أم قاهرين
- حكاية - مناضل- يسهر ولا زال .... من أجل أسرانا
- الرئيس: خطاب ثبات أم وداع
- محمود الغرباوي قصيدة وطن
- الأسرى وإطار كيري
- عبد الفتاح السيسي إما للرئاسة أو الاستقالة
- حماس بين الأخونة والفلسطنة
- نحتاج كرنفال انطلاقة الثورة أم اعادة صياغة الثورة؟
- أليكسا الفلسطيني أشد بردًا
- مستقبل الوطنية الفلسطينية
- المرأة السودانية وقهر الإعلام
- انقسامنا بشهادة سودانية
- المرأة الفلسطينية ودورها في مجابهة الانقسام الفلسطيني - الفل ...


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سامي الاخرس - الربيع العربي وظاهرة الفوضى