أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - تراجيديا عراقيّة – قراءة في رواية -فرانكشتاين في بغداد- للكاتب أحمد سعداوي















المزيد.....

تراجيديا عراقيّة – قراءة في رواية -فرانكشتاين في بغداد- للكاتب أحمد سعداوي


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4583 - 2014 / 9 / 23 - 23:46
المحور: الادب والفن
    


هي تراجيديا حقّة تصور بعمق سوداويّة الحياة في بغداد وسط حفلات الموت اليومي والمجّاني والتي يجد ضحاياها فيها أنفسهم ضيوفا مدعوّين من دون سابق إنذار أو رغبة. إنّها رواية مؤلمة حدّ الموت، تجبرك على أن تبكي في مواضع عدّة، وواقعيّة رغم إطارها العام الذي يبدو مغرقا في الخيال، وعميقة أكثر ممّا نتصوّر.

شخصيّة "الشِسمه" أو فرانكشتاين في بغداد والذي كوّنه هادي العتّاك من بقايا أشلاء متفرّقة لضحايا التفجيرات في بغداد رمز للضحيّة والمجرم في الوقت ذاته، رمز لهذا القتل اليومي الذي يأخذ شكل الإنتقام والعدالة والجريمة في الوقت نفسه، إنّها محاكاة فلسفيّة عميقة لمدى هشاشة الحد الفاصل بين الجريمة وتطبيق العدالة، وكيف يمكن أن تتحوّل المهمّة النبيلة إلى جريمة بمرور الوقت، وكيف أنّ القتل كالمرض ما أن يبدأ حتّى يغدو من المستحيل إيقافه، لأنّ دماء أوّل ضحيّة تلوّث الروح وعندها يغدو الشخص مجرما قاتلا. يصرّ الكاتب على تذكيرنا وعلى لسان العديد من الشخصيّات في الرواية بأنّ الجميع ساهم في خلق هذا الشِسمه ولكأنّها محاولة لإلقاء اللوم على المجتمع بأسره، أو على الدولة التي لم تأخذ حقّ الضحايا ممّا أدّى إلى سلسلة من الإنتقامات التي لا نهاية لها، فهو يركّز على أنّ المجرم قد يكون ضحيّة هو الآخر، والضحيّة ربّما كان مجرما قبل عشر سنوات مثلا، هو يهدم نظريّة الشر والخير المطلقين ويؤيّد النسبيّة في الحكم على هذه الأمور الشائكة.

الشِسمه أيضا تعبير عن حلم تكوين الأمّة العراقيّة، فهو مكوّن من أشلاء عراقيّين من شتّى الألوان والطوائف، وحلّت فيه روح حسيب – الحارس من مدينة الصدر والذي قتل في تفجير إنتحاري نفّذه إنتحاري سوداني إستهدف فندق السدير نوفوتيل – وتقمّص شخصيّة دانيال إبن إيليشوا – العجوز التي تقيم لوحدها في البتاوين وترفض الهجرة مع إبنتيها لأّنها تصر على إنتظار عودة إبنها دانيال الذي فقد في الحرب مع إيران قبل أكثر من عشرين عاما – فالشِسمه يعتبر نفسه تعبيرا عن المواطن العراقي الذي لم يفلحوا في تكوينه منذ العهد الملكي وحتّى يومنا هذا وفق وجهة نظر الكاتب، ولهذا إعتبر نفسه المواطن العراقي الأوّل، ونرى في الرواية إشارات أخرى إلى مسألة الهويّة الوطنيّة، فمحمود الصحفي من مدينة العمارة يكتشف بأنّه ليس عربيا ولا مسلما في الأصل وبأنّ جدّه الثالث كان صابئيّا مندائيّا أعلن إسلامه بسبب قصّة حب، وإتّخذ لقبا عشائريّا جديدا من أجل إخفاء ذلك. وأعتقد أنّ الإشارة الأخرى عن الهويّة العراقيّة تتمثّل في بيت العتّاك نفسه فبعد أن سقطت سورة "آية الكرسي" من على الحائط برز تمثال السيّدة العذراء وبعد أن حطّم رجال الأمن التمثال ظهرت على الحائطة أيقونة خشبيّة يهوديّة محفور عليها شمعدان "مينوراه"، فهي تعبير عن ماضي هذا البلد العريق وكيف أنّ جذوره ضاربة في القدم وكيف أنّه موطن كل هذه الأديان ويمكن أن تتعايش معا كما يتعايش الجميع في حيّ البتاويّين وسط بغداد.

لا أرغب حقيقة في مناقشة أحداث الرواية بقدر ما أبحث عن مناقشة الرموز الموجودة فيها وهي كثيرة، فالأحداث مسليّة ومؤلمة ولا تشعرك بالملل أبدا، أمّا الرموز فقد تغيب عن البعض. الشِسمه كما قلنا رمز للعدالة البشعة والتي تتحوّل إلى جرائم، هو ضحيّة وقاتل في الآن ذاته، وتكوينه لمجموعات تمجدّه وترى فيه المخلّص وإختلافها على تفسير طاعتها له فيما بعد له دلالات كبيرة، فهو ينقد فكرة الإيمان العمياء والتي تقارب الجنون ويتجلّى ذلك في تقديم أحد أتباعه نفسه ليموت قربانا للمخلّص ليأخذ منه أعضاءه كقطع تعويض لما يتفسّخ من جسد فرانكشتاين بغداد، هي تعبير عن كيفيّة إنقسام المجانين المؤمنين بذات الفكرة على تفسيرها ودخولهم في حرب أهليّة فيما بينهم، رغم إشتراكهم في الجذور، هي قد تكون تعبيرا عن الأديان الساميّة المنشقة من جذر واحد وإحترابها فيما بينها، أو تعبيرا عن المكونات الثلاث الأكبر في العراق. إنّ إعتبار قادة كل هذه المجموعات الثلاثة مجنونا وصف معبّر جدا في نظري لأنّ الطاعة العمياء ومثلها الإيمان الأعمى ضرب من الجنون بلا شك.

من الرموز الأخرى التي تصف تحوّل المزاج الفكري للمنطقة منذ الحرب على العراق ومرورا بأحداث ما يسمّى "بالربيع العربي" نجده مشفّرا في فكرة إضطرار أبو أنمار بيع فندق "العروبة" الذي يملكه بعد تغيّر أحواله الماليّة، ورغبة المالك الجديد فرج الدلال – والذي يمثّل طبقة ثريّة ناشئة إستغلت ظروف الآخرين للصعود – لتحويل إسم الفندق من "العروبة" إلى "الرسول الأعظم"، فهذه التسمية دلالة على صعود الإسلام السياسي وموت فكرة القوميّة، ولكنّ الأحداث الأخيرة وتعرقل تحديث الفندق وعدم تغيّير اللافتة دليل على أنّ التحوّل بقى متعثّرا وقد لا يتمّ تماما كما يتخيّل البعض، وقد تكون هذه إشارة إلى مدى تشظّي الحاضر وصعوبة تحديد شكل المرحلة الجديدة، فبقيت المنطقة خرابة كالفندق تماما ليستوطنه الشِسمه أو الموت في نهاية الرواية.

إنّ الكلام عن العجوز إيليشوا ورفضها ترك العراق تعبير عن جانب آخر من واقع المجتمع العراقي، فهي مثال للأم التي تحب إبنها وتعيش على ذكراه وأملا في أن يعود، وهي تعبير عن عدم قدرة الإنسان على مسامحة من يتسبّب في فقدان أحبّاءه – أبو زيدون البعثي الذي ساق إبنها للحرب في هذه الحالة – فهي ورغم إيمانها العميق، لم تكن قادرة لتغفر له، وكانت تنذر أن تحتفي بموته كما تفعل جاراتها المسلمات رغم تحذير الأب يوشيّا لها من القيام بمثل هذه الأفعال. وهي تعبير عن الجيل القديم من كبار السن والذي لا يرغب في ترك أرضه ويرفض كل محاولات أبناءه لإقناعه بذلك، قبل أن تتمكّن إبنتيها في النهاية وبطريقة غاية في الغرابة من إقناعها بأنّ إبنها دانيال قد عاد، لتصدّق المرأة العجوز ذلك – لأنّها تريد أن تصدّق – بأنّ حفيدها دانيال هو إبنها دانيال، متجاهلة واقع الفارق العمري بينهما، كما صدّقت في باديء الأمر كون الشِسمه هو إبنها ذاته، فهي أم تعيش على امل عودة إبنها. فراق إيليشوا لوطنها وحيّها من الأمور المؤلمة جدّا، وقصّها لصورة مار كوركيس الشهيد وإحتفاظها بوجهه فقط غاية في الألم وتعبير عن حبّها لوجهه الملائكي الباسم الذي كان يصبّرها طوال سنين على الوحدة، وكذلك تركها لأثاث بيتها وبيتها الذي تعتز به وقطّها نابو، تعبير عن مأساة الكثير من العراقيّين.

قد يكون إعتقال العتّاك الذي تشوّه في نهاية الرواية وإعتباره المجرم الذي لا إسم له والذي يطارده الجميع تعبيرا عن هشاشة الوضع في العراق، وإغلاق ملفّات الجرائم بإعتقال أشخاص آخرين غير المجرم الحقيقي من أجل إنهاء الملف ليس إلاّ. كما إنّ "دائرة المتابعة والتعقيب" الخياليّة والمعتمدة على عمل المنجّمين ربّما يكون تعبيرا عن إحباط المواطن من تصريحات المسؤولين بأنّهم إمتلكوا معلومات عن التفجير قبل وقوعه ولكنّهم لم يتمكّنوا من منع حدوثه، كل هذه رموز عن السوداويّة الكوميديّة التي يعيشها المواطن العراقي يوميّا. ولا يغفل الكاتب في أن يجعل للموت اليومي في العراق تعبيرا عن خوف يكاد يكون وهميّا رغم معايشتنا له يوميّا، هو خوف من الموت يجعل الآخرين يقتلون من أجل البقاء، وهكذا يستمر الخوف في حصد المزيد من الضحايا، وتولّد الرغبة في البقاء أمواتا جدد. فالكاتب يصر في مواضع عديدة على رفضه للعنف وحمل السلاح ويرى أنّ الجميع مجرم بنسبة ما، وأنّ هذا الموت هو ذاته من يقتل كلّ الطوائف، وأراه مصيبا جدا في هذا، فما يقتلنا اليوم هو إنعدام الثقة بين أبناء الشعب وخوفهم من بعضهم البعض، ولهذا قام الشِسمه بقتل أعضاء في القاعدة وأعضاء في ميليشيات مسلّحة، فما هو إلاّ ترميز عن السبب الحقيقي الذي يقف وراء الموت في العراق، شكل بشع من أشكال الإنتقام يبرّر عمله من أجل البقاء وبإسم العدالة التي تتحوّل إلى جريمة.

ختاما، الرواية رائعة فعلا وتستحق القراءة والدراسة، فهي تصوير عن العراق الحقيقي بتنوّعه الثقافي الجميل والذي تهدّده هذه الظروف البشعة من خلال القتل والتهجير، هي تصوير لحياة السياسيّين والصحفيّين والطبقات الفقيرة، تصوير للمتديّنين والمتحرّرين، تصوير لشعب يصر على الإبتسام وسط الظلام، على أن يحب وسط الإنفجارات، على أن يستثمر أمواله رغم الخراب، على تمسّك مؤلم بالحياة رغم بشاعتها. لكنّ بقاء الشِسمه حيّا دليل على انّ توقّف الموت في وطننا لن يتحقّق إلاّ إذا أوقفنا مدّ الموت بمزيد من الضحايا لأنّه يحافظ على جسده وخلوده مستخدما أشلاء الضحايا، هي دعوة لوقف جنون الإنتقام واللجوء للعقل وإن بدا الأمل ضعيفا لأنّ كل أجزاء الشِسمه أصبحت مجرمة ومن ضحاياه هو نفسه.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألف ليلة وليلة الفرنسية – قراءة في رواية زديج لفولتير
- قبول الآخر – قراءة في رسالة الفيلسوف جون لوك عن التسامح
- إطلالة قصيرة على كافكا
- تناقضات النفس البشريّة – قراءة في رواية -الإنسان الصرصار- لل ...
- لا يزال ثبت الملوك السومري يحيّر المؤرّخين بعد مرور اكثر من ...
- أنشودة في عشق الطبيعة – قراءة في رواية بيتر كامينتسند للكاتب ...
- إعادة قراءة التاريخ - قراءة في كتاب -الفتوحات العربية في روا ...
- إكتشاف أنفاق سريّة تحت الأرض تعود لعقيدة نهرينيّة قديمة تحت ...
- علماء يستعدّون لحل لغز الحمض النووي السومري - موضوع مترجم
- ملحمة وطن – قراءة في رواية -الحريّة أو الموت- للكاتب نيكوس ك ...
- أحيانا - قصيدة
- الإنسانيّة هي كل ما نحتاج إليه
- أن تناقش حقّ الحياة والحريّة في القرن الحادي والعشرين
- كان هنالك شرق - قصيدة
- مجتمع المظاهر وسقوط المثاليّة - قراءة في مسرحيّة الزوج المثا ...
- إغفر يا قلب لهم - قصيدة
- جنازة السلام - قصّة قصيرة
- سِفر الأحزان - قصيدة
- النقاشات البيزنطيّة تعود بحلّة إسلاميّة
- عندما أضعنا البوصلة - قصيدة


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - تراجيديا عراقيّة – قراءة في رواية -فرانكشتاين في بغداد- للكاتب أحمد سعداوي