ميساء البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4583 - 2014 / 9 / 23 - 20:43
المحور:
الادب والفن
لقاء الخريف
(2)
تلعثمت , ولم أدرِ بمَ أجبه ؟
هل أقول له أن قومي لا يحبُّون الخريف .. بل ويشعرون أنه كارثة ثلاثية الأبعاد !
هل أقول له أن النساء في قبيلتي تختفي من وجه الخريف كما تختفي من وجه الشيطان , متشائمة من حضوره الذي ينذرها وربما يهددها بكهولة مبكرة !
وأن أسياد القوم لا يحبذون مخالطة الخريف كثيراً , والخوض معه في أحاديثٍ لا تروق لهم على بال , لأنهم يستشعرون أن الخريف يقصف أجل أحلامهم , ويبدد الكثير من آمالهم مع عواصفه التي تهبُّ دونما سابق إنذار أو ميعاد .
هل أخبره أن قومي جميعهم من الكبير إلى الصغير صرَّحوا لي , وشددوا , على أن ألتقي الخريف على مائدة بعيدة عن حدائقهم , لا يريدون أن يعكروا صفاء أعينهم بأوراق الأشجار الأيلة للتساقط وهي تهبط صفراء , مهترئة , ساكنة , مستسلمة ليد الغدر ..
يد الخريف .
قاطعني فجأة .. أخرجني من صمتي وذهولي : أما زال قومك من أنصار الربيع .. أما يزالون يرفعون رايات الربيع , ويهللون لقدومه .. أما يزالون يثقون أن الربيع يهديَّهم الورود الحمراء , وقصائد الغزل ؟
الربيع يا صديقتي غدر بهم , وهم ما يزالون على العهد والولاء له , ويتنكرون لي , ويصفونني بأنني أنا ذلك السفاح , مصاص الدماء , " الدراكولا " ! وأنا الذي شاهدت بأمِّ عيني أنهار الدماء تسيل من ربيع إلى آخر , حتى أن الشمس اشتكتهم إليَّ في آخر لقاء .. الشمس اشتكت بطش الربيع وتجبره .. وقالت بالحرف الواحد : الربيع تطاول جداً على بني البشر , قصف أعمار أزهارهم قبل أن تتفتح في حدائق العين , و كان شحيحاً في كل شيء .. إلا في آبار الدمار , فلقد حفر بئراً في حديقة كل بيت .
سكتُّ .. لم أعرف بماذا أجبه .. فاجئني بكل ما يعرفه , وأكاد أن أخفيه , وغير مجرى الحديث الذي كنت قد أعددته له .
#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟