أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - المشكلة في عقلي















المزيد.....

المشكلة في عقلي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4583 - 2014 / 9 / 23 - 20:34
المحور: كتابات ساخرة
    


المشكلة في عقلي أكثر مما هي في عقول الناس, فأنا منذ البداية لم أقبل بأن أكون من بين القطيع, رفضت أن أكون إنسانا عاديا مثل باقي أهلي وحارتي, تمردت على الموروث الديني والثقافي ورأيت الحياة برؤيا وبمنظار يختلف عن باقي أهلي وجيراني المسلمين الملتزمين بالدين وبالصلاة, رفضت أن أتاجر بالدين كما كانوا وما زالوا كل التجار يتاجرون به فيحصلون على أرباح كبيرة منه لم يحلم بمثلها كل تجار الممنوعات مثل المخدرات والحشيشة والسلاح, تجار الدين تفوق أرباحهم السنوية عشرات أضعاف تجار المخدرات والحشيشة وهذه التجارة منذ البداية لم تكن لتناسب طبيعة عقلي وتكويني الثقافي الذي هو أصلا خارج الموروث الديني, ولكن من الذي دفعني إلى الشذوذ عن القاعدة؟ إنه عقلي وطبيعة تكويني وأظن حتى اليوم أن المشكلة عندي في عقلي وثقافتي ومعرفتي.

منذ البداية كان من الممكن لي أن التزم بالوظيفة الحكومية التي حصلت عليها في جامعة اليرموك سنة1992م وأن أعيش في مستوى من المعيشة لا بأس به مع زوجة موظفة وأن ادخر من راتبي الشهري لشراء شقة وسيارة وأن أكون مواطنا عاديا أو مسلما عاديا يذهب كل وقت إلى الصلاة في المسجد وخصوصا الصلاة يوم الجمعة, ولكن أعتقد أن المشكلة كانت وما زالت في عقلي وطبيعة تفكيري فأنا بسبب حبي للقراءة تطورت من قراءة الشعر والأدب والمسرح إلى قراءة الأديان والفلسفات والتاريخ وعلم الاجتماع وبالتالي تكونت عندي مجموعة من المعارف والثقافات لم يؤتى مثلها أي رجل عادي, فتكونت عندي قناعات مخالفة لقناعات الناس العاديين وتحولت من مسلم عادي أو مثقف عادي يكتب الشعر والقصة إلى مفكر صغير بعمر 23 سنة فكتبت أول ما كتبت عن المدينة الفاضلة ومن ثم كتبت دراسة علمية حول كِتاب(عبقرية محمد )للعقاد,وذهبت إلى القول بأن محمدا لم يكن نبيا مرسلا من الله مما أد, فعمل الجميع على محاربتي سنة 1993م, فمنذ أن بلغت الثالثة والعشرين من عمري اتجهت اتجاها غير عادي فرفضت دخول المساجد ورفضت الصوم ورفضت كل الطقوس الإسلامية وأعلنت أمام كل من أعرفه بأنني ملحد مما أوغر وأغرى المسئولين في جامعة اليرموك-الأردن- بأن يتخذوا ضدي كل التدابير والاحتياطات لقمعي ومحاربتي فكريا وأمنيا وتطورت المسألة أكثر وأكثر حتى وصلت إلى دائرة المخابرات العامة وبالذات إلى الشعبة التاسعة في المخابرات الأردنية المسئولة عن الجامعات, فطلبوني عدة مرات ولكن أنا لم أستجب لكلامهم وبقيت مصرا على موقفي من المسلمين ومن الإسلام جملة وتفصيلا حتى بدأت الحملات ضدي والتشهير ضدي يأخذ بُعدا جديدا وآخر وانتقلت المعركة من الجامعة إلى الأسواق والحارات وتمت محاربتي بشتى الوسائل والطرق وبعد مضي خمسة أعوام على عملي في جامعة اليرموك تم طردي بتهم شتى منها عدم الالتزام….إلخ وكلها تهم باطلة ولكن ما جعلني أشعر بالرعب هو أن بعض النساء بدأن برفع شكاوى تحرش بهن إلى رئيس الجامعة مما جعلني أهرب منها وأن لا أعود مطلقا, ومن يومها سنة 1997م وأنا مطارد وملاحق أمنيا بشتى وسائل الملاحقات الأمنية, ومن يومها وأنا أشكو من الفقر والعازة وقلة العمل والشغل, وتراكمت المشاكل فوق رأسي شهرا بعد شهر وسنة بعد سنة وتراكمت الديون, وتزوجت وكونت عائلة وأسرة صغيرة مما زاد الطين بلة وها أنا أدفع ثمن المعرفة والثقافة التي التزمت بهما.

حتى بعد طردي من جامعة اليرموك كان من الممكن لي أن أغير اتجاهي وأن أتاجر بالدين كما يتاجر به معظم الناس والأصحاب والأصدقاء لأكسب منه أكثر مما يكسبه تجار الحشيشة والمخدرات , ولكن مشكلتي في عقلي وهي أنني كنت أقرأ في كل يوم كتابا جديدا واليوم تقريبا أقرأ كل شهر كتابا أو كتابين , وعقلي ناشط جدا لا يكف عن التفكير فيما أقرأه والمشكلة ما زالت إلى اليوم قائمة لأنني فقدت التوازن الطبيعي بيني وبين من أعيش معهم ضمن المجتمع المحلي المحيط بي, فهؤلاء كلهم مسلمون متشددون ومن النادر جدا جدا جدا أن نجد مسلما مثقفا وأنا أعيش في مدينة تعدادها أكثر من ربع مليون نسمة ومع ذلك لا أجد فيهم أو من بينهم صديقا واحدا مثقفا أزوره ويزورني وبالتالي أنا إنسان وحيد ومعزول عن المجتمع ليس لي فيه لا صاحب ولا صاحبة ولا صديق ولا صديقة حتى زوجتي وأولادي الصغار يقفون ضد كل أفكاري ومعتقداتي وبالتالي أنا إنسان كئيب وحزين والمشكلة في عقلي, منهم من يقول عني بأنني فاسق ومنهم من يقول بأنني ملحد ومنهم من يقول بأنني مسلم مرتد عن دينه والغالبية يقولون عني بأنني مجنون ولست رجلا طبيعيا فلو كنتُ طبيعيا لتاجرتُ بالدين وبيع الآيات القرآنية والجلوس في المسجد فجرا وعصرا وظهرا عقب كل صلاة وأصلي على النبي المختار مائة ألف مرة عقب كل صلاة, الناس هنا من أهلي وجيراني يحمدون سلوكي وأخلاقي واحترامي للناس ولكن معظمهم يقولون عني بأنني مجنون ولا يمكن أن يقام عليّ أي حدٍ من حدود الله, واستمروا ردحا طويلا من الزمن وهم يتهموني بالجنون وأنا أرفض تلك الاتهامات, وازدادت العقوبات ضدي بعزلي عن المجتمع والناس حتى صرت أعاني من الاكتئاب والقلق والخوف وصرت أتناول الحبوب النفسية والمهدءات العصبية حتى تحققت توقعات كل الناس فأنا الآن مجنون رسمي وبشهادة من أطباء نفسيين متخصصين, وسبب كل ذلك هو عقلي وطبيعة تفكيري وقدرتي على فهم الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع, أنا الآن آن أعاني من عدة مشاكل وأهمها المشاكل المادية ومهدد بالسجن بأي لحظة إذا لم أقم بتسديد كل ديوني, أنا أقول بأن المشكلة في عقلي, فرقيي الحضاري والثقافي جعلاني أبتعد عن الواقع الذي أعيش ضمن حدوده وأصبحت لي أفكار ومعتقدات تختلف عن معتقدات وأفكار الناس لذلك أصبحت بين أهلي وناسي رجلا غريبا يعيش معهم, فإما أن أكون واحدا من هؤلاء المعاتيه وإما أن أعيش منزويا وحدي والكل يتهمني بالجنون, وأظنُ بأن المشكلة في عقلي , المشكلة أنني ثقفت نفسي زيادة عن الحد الطبيعي المسموح به, أصبحتُ بعيدا عن أرض الواقع ولا أكترث بما يقوله الناس عني حتى صرت وحيدا لا يؤنسني في وحدتي أحد, كان من الممكن أن أكون مثقفا طبيعيا عاديا أبعد مكان أصلُ إليه هو المعلقات الشعرية العشر ة وكتاب الحيوان والبيان والتبيين للجاحظ, ولكن عقلي أخذني بعيدا إلى الفلسفة وعلم الأساطير والتاريخ والأديان, فصرت إنسانا مختلفا عن كل المحيطين بي, كان من الممكن لي أن أتوقف عند كتابة الشعر والقصة القصيرة كما بدأت في بداية حياتي, كانت اللعبة أولا فقط لا غير من أجل المتعة والتسلية, كنتُ أحب القراءة من أجل إمتاع نفسي بالشعر وبالمسرح ولم أكن أدري بأنني سأصل يوما إلى درجة التحول من الهواية إلى الاحتراف ومن ثم إلى الجنون بعينه.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التلفزيون الأردني قبل 35عام.
- نحن محتاجون للعطف
- مشغول ومُتعب جدا
- كلمة كافر يجب أن تموت
- الإله الأكثري أو إله الحد الأقصى
- أقتل أباك وستنهض
- الأنبياء ليسوا فوق النقد أو القانون
- إبريق الوضوء
- مشغول في حب نادين البدير
- دين الآباء والأجداد
- من أسباب تخلفنا 2
- السلطة والدولة في الأردن
- المسيحيون فتحوا المدارس والمستشفيات في بلداننا والعرب المسلم ...
- الوطن العربي بيئة غير صديقة للإنسانية
- هزيمة حماس في الجرف الصامد
- إما التعددية وإما الكارثة
- حملة إعلامية لتذكير المسلمين بفضل المسيحيين عليهم
- أخشى أن أتحول إلى مسلم متعصب
- اشتقتُ إلى نادين البدير
- لماذا أرسل الله يسوع الفادي؟


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - المشكلة في عقلي