أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريمة مكي - * ونّاسة الكنّاسة*














المزيد.....

* ونّاسة الكنّاسة*


كريمة مكي

الحوار المتمدن-العدد: 4582 - 2014 / 9 / 22 - 14:12
المحور: الادب والفن
    




كثيرا ما فاجأتني بجرعة صدقها الزائدة عن الحد الاجتماعي المتعارف عليه لذلك افتقدتها كثيرا منذ ذلك اليوم الذي دخلت فيه مكتبي كعادتها لتنظيفه لكنها بادرتني معتذرة :
- عذرا يا "مدام" لن أستطيع تنظيف المكتب اليوم، فأنا ذاهبة لجنازة زوج زميلتنا، آه يا "مدام"، لو تتصورين كم أنا بحاجة لجنازة هذه الأيام‼-;-
- بحاجة لجنازة؟!
- نعم جنازة، أيّ جنازة… المهم أن أفرغ قلبي من دموعه، فمنذ مدة و الهموم تنزل على رأسي بلا رحمة و ما وجدت لتصريفها سبيلا فلا الدمع يريد أن ينزل و لا النوم يريح جفوني...
- هموم عاطفية إذن مادامت تذهب بنومك؟
- إيه... همومي "على كل لون يا كريمة " .. عفوا يا "مدام" ‼-;-
ما كنت بحاجة لأسالها أكثر فهموم كل عاملات التنظيف بلا استثناء لا تخفى فهي الفئة الأكثر استغلالا، الأكثر احتقارا، الأكثر إذلالا و كان الأجدر أن تكون الأكثر احتراما مادامت تزيل أوساخنا و قذارتنا بعد أن صرنا نترفع عن رفعها بأيدينا و نتفاخر بأننا نكتري بأموالنا من يزيلها عنا بدلا منا..
ابتسمت لها ابتسامة الشكر على صدقها اللافت ذلك الذي لا تملك سواه و الذي لولاه لماتت غمّا كما يموت في سرهم و لا يجاهرون محترفي الكذب و تلميع الصور الزائفة.
ودّعتها متمنية لها جنازة رائقة ‼-;- وعدت أتساءل عن حقيقة البكاء الذي ننخرط فيه آليا في جنازة حتى لو كانت لبعيد و ربما حتى لعدو فالمعلوم أن أحزان الآخرين ما لم يكونوا من ذوي القربى المقربين تبقى في النهاية نصف أحزان إن لم تكن أقل فكيف يمكن لونّّاسة أن تبكي ملئ دموعها على زوج زميلتها التي تربطها بها علاقة جد سطحية كما فهمت بل و حتى هذا الميت نفسه فهي حين ذكرته في معرض حديثها عن جنازته قالت بأنه كان سكيرا عربيدا لا يتوانى عن ضرب زوجته و افتكاك الملاليم التي تجود بها عليها هذه المهنة المهينة إسما و أجرا قبل أن تستدرك في الأخير و تطلب له الرحمة.
إذن فالمسألة ليست مرتبطة بخصال الميت التي سنفتقدها بوفاته و لا بدرجة القرابة بأهله، المسألة أعمق من ذلك عمق دواخلنا التي مازلنا نجهل... هي أساسا في حبنا لهذه الدنيا التي لم تبادلنا حبا و إكراما و تدليلا كما تتمنى دوما أنانيتنا فإذا بالجنازة تحمل لنا الشرارة التي ستفجر نبع الدموع المتكلس بداخلنا وإذا بالحزن الساكن في دهاليز أعماقنا ينتفض نائحا مولولا على العمر الذي مضى تاركا جروحه فينا و على ما بقي منه و لا نعرف الوجه الذي به سيلاقينا.
إن تبكِ على ميّت-;- ليس منك فما بكاءك إلا عليك:
- على عرسك الذي لم يتم على من تحب...
- على نجاحك الذي رحل الأحبة من دون أن تفرح به في عيونهم...
- على فرص تألقك التي أهدروها أمام أنظار عجزك...
- على نكستك الصحية التي تركوك وحيدا في منازلتها متذرعين بأشغالهم والتي ما كانت لتشغلهم لحظة عن تملقك يوم كنت تشغل ذلك الكرسي...
- على أولئك الذين يترصدونك في كل خطوة و ما يثنيك عنهم غير حبك لهذه الدنيا و خوفك على رأسك...
- على هذه الحياة التي ما انتهيت بعد من منازلتها و لا أركعتها كما تتمنى، هي التي في كل جولة تكيل لك الصفعة تلو الصفعة حتى ما عدت تدري إلى أين تتجه برأسك...
- على هذا الموت الذي قد يداهمك في كل حين و ما حققت بعد أحلامك التي قد تبقى كذلك إلى أن تطأ أرض قبرك...
على كل هذا و ربما على ما هو أكثر أو أقل ستبكي "ونّاسة" في الجنازة و إن هي اعترفت بغايتها الأولى فالآخرون لا يعترفون بل تجدهم يُعدّلون هيئتهم أمامك على هيئة الورع و التقوى و مساعدة المحتاجين و هم إن يذهبوا لمواكب الموت فلمعاينة أحوال أهل الميت و أثاث بيت الميت و التعرف على معارف الميت و طبعا لتذوق أكل الميت‼-;- أما "ونّاسة" الفقيرة فهي من أولئك البسطاء الذين لا يملكون ما يخشون فقدانه و لا عندهم سعي لتلميع صورهم الباهتة دوما لافتقارها لبريق المال الوهاج فان هي ذهبت للجنازة فأساسا لأنها لا تملك ثمن استشارة نفسية لدى طبيب أو عرّاف لذلك أوجدت لنفسها علاجا على طريقتها... و كذلك يخترع المحتاج دواءه.
بقي أني صرت جد مشتاقة لصدق "ونّاسة" في زحمة الأكاذيب التي تلطّخ سمعي في كل حين فمنذ سنتين أو أكثر أي منذ ذلك اليوم، ما عادت "وناسة" و لا حكت لي حكاياتها القريبة من القلب و لا حتى قصّت عليّ كيف قضت تلك الجنازة أنا التي أتهرب دوما من حضور الجنائز و أكتفي عنها بالسماع‼-;- فأين تكون يا ترى "ونّاسة" الآن؟ لقد سألت عنها مُعوضتها فقالت بأنها انقطعت عن العمل من دون أن تعطيني أي توضيح آخر. ربما يكون رئيسها في العمل و هو من أصحاب شركات المناولة المستكرشين قرر إيقافها عن العمل و بالتالي إفراغ جيبها عندما تغيبت لنصف يوم حتى تفرغ قلبها فهؤلاء لا يعترفون أبدا بأحزان الآخرين إذا كانوا من الفقراء المعدمين...
فيا حزن قلبي على ونّاسة اليوم، لا بد وأن قلبها امتلأ بهمّ جديد بعدما قطعوا رزقها و لا بد أنها تمر الآن على الديار تسأل عن ميّت جديد و تُلح في السؤال عن موعد الجنازة‼-;-



#كريمة_مكي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- و في جوره لا تُجاريه
- ..و لا أنت في الموت
- في صحة المحتل !
- لو كان حقا رآني...
- أفي الحبِّ..تُكابرْ؟!
- لن أبيع لحمي-الأخيرة-
- لن أبيع لحمي-17-
- لن أبيع لحمي-16-
- آمال كربول...أنتِ رجلُ المرحلة‼-;-
- لن أبيع لحمي-15-
- لن أبيع لحمي-14-
- لن أبيع لحمي-13-
- لن أبيع لحمي -12-
- لن أبيع لحمي-11-
- لن أبيع لحمي -10-
- و لن أجيبك
- و لكنّه الغدر...
- بلعيد هو أنا
- و الرصاص و ما جنى
- لن أبيع لحمي -9-


المزيد.....




- فنانون روس يتصدرون قائمة الأكثر رواجا في أوكرانيا (فيديو)
- بلاغ ضد الفنان محمد رمضان بدعوى -الإساءة البالغة للدولة المص ...
- ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام
- جامعة الموصل تحتفل بعيد تأسيسها الـ58 والفرقة الوطنية للفنون ...
- لقطات توثق لحظة وصول الفنان دريد لحام إلى مطار دمشق وسط جدل ...
- -حرب إسرائيل على المعالم الأثرية- محاولة لإبادة هوية غزة الث ...
- سحب فيلم بطلته مجندة إسرائيلية من دور السينما الكويتية
- نجوم مصريون يوجهون رسائل للمستشار تركي آل الشيخ بعد إحصائية ...
- الوراقة المغربية وصناعة المخطوط.. من أسرار النساخ إلى تقنيات ...
- لبنان يحظر عرض «سنو وايت» في دور السينما بسبب مشاركة ممثلة إ ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريمة مكي - * ونّاسة الكنّاسة*