أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - سعود قبيلات - شيءٌ مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»














المزيد.....

شيءٌ مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»


سعود قبيلات

الحوار المتمدن-العدد: 4581 - 2014 / 9 / 21 - 20:02
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    



(هذا شيءٌ مِنْ كتابٍ مخطوط منذ خمسة وثلاثين عاماً، وقد جعلته بعنوان «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»؛ ومنذ ذاك، ما زلتُ أفكِّر في إعداده للنشر.)
الجمعة 7/9/1979
ها أنا قد نزلتُ إلى السجن أخيراً.. وهذا – في عرف السجناء – نصف إفراج.. فأن تنتقل مِنْ زنزانة ضيِّقة، وهي في الغالب انفرادية موحشة، ليس لك مِنْ تسلية فيها سوى الحديث مع نفسك ونبش أصغر ذكرياتك، وانتظار أنْ يطلبك المحقِّق – رغم كلّ الآلام المرتبطة بهذه الدعوة – لمجرّد أنْ ترى أحداً (حتَّى لو كان خصماً وكارهاً) وتتأكَّد مِنْ حقيقة وجود العالم مِنْ حولك.. أنْ تنتقل مِنْ هذا إلى مكان يجمعك برفاقك وبغيرهم، ويتيح لك قراءة الجرائد والمجلاّت، بل والكتب أيضاً، والتمشِّي في ساحاتٍ «واسعة» إذا ما قيست بمساحة الزنزانة. هذا عدا عن الجلوس في «المقاهي» العديدة المنتشرة هنا في ساحات السجن، لشرب الشاي أو اليانسون أو الميرميَّة أو الحليب.. على الأخص صباحاً. وتستطيع أنْ تستمتع، فوق هذا، بالتحرش الكلاميّ بالآخرين.. مثل ما يحدث كثيراً هذه الأيَّام بيني وبين حسن*؛ لا أعرف لماذا؟
أعتقد أنَّ لديَّ طاقة فائضة من المشاعر المتضاربة المكبوتة، أنفِّسها بهذه الطريقة. لذلك، لا غرابة في أنَّني أشعر براحةٍ كبيرة إثر كلِّ جولة مشاحنة مع حسن. لكنَّني، على أيَّة حال، أنوي أنْ أخفِّف مِنْ حِدَّة هذا العراك الرفاقيّ.. ثمَّ أوقفه تماماً فيما بعد..
هنا كلُّ معتقل أو سجين سياسيّ «وطنيّ» يُخاطَب بـ«يا رفيق»، بغضِّ النظر عن اختلاف التنظيمات الَّتي ينتمون إليها وتباين وجهات النظر التي يتبنَّونها وتعدد أنماط شخصيَّاتهم وظروف اعتقالهم وآجالها وكم قضى السجين منها وكم بقي ممَّا هو في سبيل قضائه. وتجدر الإشارة، هنا، إلى أنَّ الآجال مسمَّاة إذا كان السجين محكوماً، وغير مسمَّاة إذا كان لا يزال موقوفاً قيد المحاكمة أو معتقلاً بموجب قانون الأحكام العرفيَّة ولم توجَّه له قانونيّاً أيَّة تهمة.
وأمامي، مباشرة، مِنْ خلال القضبان الَّتي أغلقت قبل ثلث ساعة (الساعة الآن السادسة مساءً) شجرة سرو كبيرة.. أراها وأنا جالس على «بُرشي» أكتب هذه اليوميَّات. وهو مشهد جميل يحسدني عليه سكّان الغرفة «14 و15» (التي أقيم فيها).. فموقع برشي الاستراتيجيّ، المواجه مباشرة للباب، يتيح لي أنْ أرى، أيضاً، في البعيد، حيَّ الزغاتيت في الجبل المقابل بما عليه مِنْ بنايات وسكّان يروحون ويجيئون، ونساء ينشرن غسيلهن أو يتشمَّسن أمام الدور أو بجانبها. ولو قمت الآن، فوقفتُ عند الباب ونظرتُ إلى الشمال الشرقيّ، لرأيت حتـماً تلك الياسمينة الرائعة المترعرعة خلف جامع السجن. ووجودها هنا هو أكثر ما أفرحني وأدهشني منذ جئتُ إلى «المحطَّة»، قبل شهر تقريباً.
تحت الياسمينة، مباشـرة، يقع «مقهى الطفايلة» (نسبة إلى بلدة السجين الَّذي يملكه ويعمل فيه بنفسه). وهو يقدِّم أفضل شاي في السجن.
وغرباً؛ على مسافة لا تزيد عن خمسة عشر متراً، تقع الغرفة رقم (19) وهي أبشع الأماكن هنا على الإطلاق.. لأنَّها، ببساطة، غرفة الإعدام، أو «المشنقة» كما هو اسمها الدارج هنا. أمامها، مباشرة، يقع «مقهى أبو رومل»، وصاحبه (الذي يعمل فيه ويساعده عامل أجير من السجناء المدنيين) هو «أبو رومل»، وهو أحد سجناء حرب أيلول 1970. مِنْ هذا المقهى، الأقرب إلى غرفتي، أطلب الحليب باليانسون كلَّ صباح.
بقي أنْ أقول إنَّ السجن مكوَّن مِنْ خمسة أقسام كبيرة، كلٌّ منها يسمَّى «شبك».. ونحن المعتقلين (والسجناء) السياسيِّين نسكن الشبك رقم (1). أمَّا السجناء الآخرون، ونسمِّيهم المدنيِّين (وهي تسمية تطلق على كلِّ سجين غير سياسيّ وغير عسكريّ)، فقد خُصِّصتْ لهم وللسجناء العسكريين بقيَّة الأشباك. وبالنسبة لغرفتنا، فهي مقسومة من الداخل إلى نصفين، مع أنَّ لها باباً واحداً، وقد أعطيت الرقمين (14،15). ونحن نحافظ دائماً على نظافتها وترتيبها وانضباط الحياة فيها وانتظامها. وتقوم حياتنا على الروح الجماعيَّة والتعاون والملكيَّة العامَّة للمواد الغذائيَّة والأواني والكتب والتلفزيون الَّذي لا يزال سكّان الغرفة يقسِّطون ثمنه. ورغم النظام الصارم، الذي نُلزِمُ أنفسنا به، يسود الغرفةَ جوٌّ من الودّ والعلاقات الرفاقيَّة بين جميع سكّانها، في معظم الأحيان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أسماء الأشخاص ليست حقيقيَّة.
http://saudqubilat.blogspot.com/2014/09/blog-post_21.html



#سعود_قبيلات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في «مليح» صرتُ ماركسيّاً*
- شيوعيّ وتكفيريّ في زنزانةٍ واحدةٍ!
- الشركات النفطيَّة في الثكنات..
- كلمة افتتاح الاجتماع الثاني ل-المجلس المركزيّ لاتِّحاد الشيو ...
- سعود قبيلات -رئيس اتِّحاد الشيوعيين الأردنيين - في حوار مفتو ...
- كلمة افتتاح المؤتمر التأسيسيّ لاتِّحاد الشيوعيين الأردنيين
- استعادة الذات
- معاً مِنْ أجل «اتِّحاد الشيوعيين الأردنيين» على طريق الجبهة ...
- اتِّحادٌ مِنْ طرازٍ جديدٍ
- إلى اليسار دُرْ
- الوحدة.. الوحدة
- شيء عن تجربة اتّحاد الشيوعيين الأردنيين..
- الماغوط .. الشاعر الجميل الأكثر جنوناً
- تلك الغيمة في بنطال تيسير سبول وماياكوفسكي
- الرحلة الروسيَّة
- أفضل مِنْ أن أكون على حق
- مثل كتلة من الرخام العاري
- رسائل حبّ عاملة النحل
- نهايات -رغبويَّة- وبدايات موضوعيَّة
- مهدي عامل ونقد الفكر اليومي


المزيد.....




- الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
- -الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...
- مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا ...
- اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات ...
- اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
- ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف ...
- مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
- الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - سعود قبيلات - شيءٌ مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»