|
الطاهر بن جلون..الصحوة المتأخرة
عبد الاله صحافي
الحوار المتمدن-العدد: 1290 - 2005 / 8 / 18 - 08:10
المحور:
الادب والفن
" يمكن اعتبار خطاب الإبداع في الأسر على أنه خطاب "أصيلي" لأنه وبحكم ظروفه وشروطه يرى الأشياء في عذريتها ونقائها الأصلي و يتشكل كلغة لانبجاسها من ثنايا اللامنطوق و اللامرئي" عبد اللطيف اللعبي.
من الواضح أن الكتابات الأدبية المهتمة بتجربة الأسر والمنفي شكلت و تشكل جزءا مهما من الموروث الثقافي العربي..و كثيرة هي الأعمال المتميزة والجادة في الساحة الإبداعية العربية..مثل "الأقدام العارية"للراحل طاهر عبد الحكيم، "الشبكة" لشريف حتاتة و"شرق المتوسط" للراحل عبد الرحمان منيف.... والحقل الثقافي المغربي في هذا اللون من الكتابة عرف إبداعات متميزة لكتاب مغاربة كبارمثل الشاعر عبد اللطيف اللعبي عاشق الأحلام العنيدة..والروائي عبد القادر الشاوي المدرك بجوهر روحه الناقدة سر ومكنون "كان وأخواتها"، والشاعر عبد الله زريقة ذو الحساسية الصوفية التي لم يستطع حازوق الجلاد تدميرها..والثلاثة عانوا كثيرا داخل زنزاناتهم حيث تهجوا أولى حروف أبجدية لغة السياط ..دون أن ننسى الشاعر محمد خيرالدين احد عمالقة الأدب العالمي والكبير باعتراف الكبار أمثال سارتر، بروتون، بيكيت و سيريس..و الذي كتب و نظم أروع إبداعاته في منفاه.. بالإضافة إلى أسماء مغربية أخرى لامعة في حقل الكتابة و الإبداع و الخلق..فظهرت أعمال إبداعية رفيعة في أجناس أدبية مختلفة..و هؤلاء المبدعون يعتز الوطن المغربي بإنجابهم وتفتخر الساحة الثقافية المغربية والتجربة الإنسانية بكتاباتهم..و يعتز الإنسان المغربي التواق للديمقراطية بتجاربهم..وكيفما اتفقنا أو اختلفنا معهم في مواقفهم الإبداعية أو السياسية تظل تجاربهم جزءا مهما من الموروث الثقافي المغربي ورصيدا نضاليا خصبا للشعب المغربي. هذه الصفوة من المثقفين المبدعين..إما من ذاقوا مرارة الاعتقال التعسفي و انتشى الجلاد بتعذيبهم.. فعملوا على سبك تجاربهم من خلال تخيلاتهم و تصورهم الفني للجنس الأدبي الذي اشتهاهم للتعبير عن جراحاتهم..و إما من تعاطفوا في تلك المرحلة مع المعتقل السياسي وأرخوا إبداعيا لتجربة ثقافية-اجتماعية- سياسية صعبة ومريرة. و في الوقت الذي بدا الحديث و النظر رسميا في ملف الاعتقال التعسفي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و أقدمت السلطات المغربية على اتخاذ خطوات لطي ملف صفحاته مثخنة بالجراحات نجد بعض الكتاب الذين يعرفون حق المعرفة من أين"تنهش" الكتف وعلى رأسهم طاهر بن جلون و الذين تفننوا أيضا في إبداع كل أساليب التهريج و الانحدار بفعل الكتابة المقدسة إلى حد الفلكلور لنيل الشهرة ورغد العيش..نجد هؤلاء قد جند وا أقلامهم وأطلقوا العنان لمخيلاتهم للكتابة عن المنسي أو ما كان منسيا في زمن غير بعيد..ألا نرى أن طاهر بن جلون الذي أتحف لسنوات عديدة القارئ الغربي بصور رخيصة جدا عنا نحن المغاربة البسطاء مغاربة "الحمام البلدي" لم يتجرأ في وقت غير بعيد لكتابة ولو مقالة قصيرة جدا عن دار المقري أو الكوربيس أو درب مولاي الشريف... حمامات زمانها? ألا نتساءل كيف سمح لخياله بتصوير شباب مغاربة في صور كاريكاتورية..و تناسى شبابا جديرا بإسماع صوته للعالم عانى البؤس والحرمان و الاضطهاد و مرارة العنصرية و قساوتها? هذه الطاقات الشابة التي يقول فيها اللعبي:
"من أين ستأتي.. رعشة ما قبل الكلام? ثمة مياه المضيق هذه الجارفة للطيور المطرودة من إفريقيا.. ثمة تاج المقابر".
ألا نرى أن هذا الابن جلون في كتاباته الرخيصة عن المرأة المغربية البسيطة التفكير صاحبة " الحايك و النقاب" خيانة عظمى للمرأة المغربية الجديرة بالكتابة و التي ناضلت لنصرة الديمقراطية و تنقلت عبر مختلف السجون في ظروف جد صعبة بحثا عن الزوج والأخ و الابن المعتقل و اعتقلت بل و سقطت شهيدة في زنزانتها/ زنزانتنا عاشقة وعروسا للوطن .. و نشير إلى الشاعرة الشهيدة سعيدة لمنبهي وأمنا الوطنية الشاعرة ثريا السقاط، زوجة شاعر المعتقل محمد الوديع الاسفي وأم "العريس" صلاح الوديع... وما أجمل اعتراف عبد اللطيف اللعبي بسيدة الحلم المغربي سعيدة لمنبهي حين يقول: "فلتستقيظ أيها القصيد يا ابن الألم الأقصى لقد زوجنا هذا الصباح أجمل امرأة للموت الربيعي..."
شيء جميل أن يصحو ضمير طاهر بن جلون بعد سبات طويل ولو أن صحوته متأخرة ليكتب عن ألام و جراحات طالما غظ الطرف عنها و كان ينفر من الخوض فيها لكنها صحوة في حاجة ماسة إلى مكون أساسي مكون الصدق الفني على حد تعبير الشاعر عبد الله زريقة:
" و وحيد و ليس لك إلا أن تكتب مغمض العينين حتى يمتص الحبر الذي فيك كل هذه الظلمة"
هذه الخطوة النشاز تدفع كل من يعرف طاهر بن جلون إلى التساؤل هل هدفه من الكتابة عن معتقل الأمس و جراحاته هو إخراج تجربة الأسر إلى النور كي لا تتكرر?أم هي كتابة جاءت تحت الطلب كما هو معروف عليه? أم هي كتابة للمتاجرة بآلام المعتقل الذي تجاهله منذ 1973 تاريخ صدور أولى كتاباته? أليس غريبا بعد هذا الصمت الطويل و الرهيب أن يكتب بن جلون عن الأسئلة الكبرى و العميقة" الرشوة- الاستبداد- الأسر-العنصرية.." وهو من لعب و يلعب دور الدركي الأول بامتياز على حد قول الروائي الجزائري رشيد بوجدرة، و يحارب الأعمال المغاربية الجادة في كواليس الجوائز الأدبية و كواليس جريدة لوموند? غير مثير للدهشة قطعا... هذا النوع من التطفل من رجل حسم أمره منذ زمن عند المثقفين المغاربة، وهو من اجتهد بشكل قل نظيره في تقمص الأدوار فمن " حجه الغائب" إلى دويلة الكيان الصهيوني طمعا في بعض الشيكلات و حالما بضغوطات الصهاينة و تأثيراتهم في لجان "عصابات" الجوائز الكبرى.. إلى الطواف بمدارس أطفال صهيونية ليشرح العنصرية لحفدة قتلة الأطفال( من مايير إلى شارون) كما شرحها لابنته...فهل استعمال أساليب الشعوذة والانحدار بقيمة المثقف المغربي و الأدب المغربي إلى حد الاسفاف والسفالة( بالتملق للصهاينة) هي السبيل الأنجع لكسب الاعتراف???? وهل الالتزام بعزة النفس و كبرياء المبدع المغربي الحقيقي لا يجني سوى قلة الشهرة والبؤس و قلة المنح???? ليس غريبا أن يتقمص طاهر بن جلون قناعا جديدا صوت الصقر ويختلس لحظات ليستلقي قليلا تحت ظلال شجرة الحديد التي أزهرت أو ليسرق وردة من غابة أزهار عبد الله زريقة "زهور حجرية" ليكتب... وما جدوى كتابته بعد هذا الصمت الرهيب?? ألا يحق أن نتساءل مع الشاعر الكبير محمد خير الدين: "ما عدت أريد ألوانا ميتة و لا جملا تزحف في القلوب المرتاعة لقد وقعتم فيما بيني وبين دمي الأسود جناة أقدموا على جرائم قتل دبرتها الخيانة في مرحلة غامضة"
فليس غريبا أن يجند طاهر بن جلون قلمه و أوراقه للكتابة عن جرح الأمس فضوء الارتزاق ربما أطل في هذه المرحلة من ثقب الزنزانة...رائع ورفيع أن تتحول تجربة الاعتقال السياسي إلى عمل إبداعي جاد و هادف( روائي..سينمائي..) شرط حضور أهم المكونات الفنية مكون الصدق الفني و استبعاد النزعة التجارية لأن الكاتب التاجر سيسيء لتجربة الاعتقال أكثر مما سيفيدها ولأن كلمة مبدع كما تقول الشاعرة سعيدة لمنبهي: "كلمة شاعر كلمة كالشفرة التي تسلخ قامة مصاص الدماء.."
وعموما.. تبقى تجربة الاعتقال كبيرة على ذوي النزعة التجارية لأنها في الحقيقة رواية لا متناهية " لو اجتمع الإنس و الجن و الملائكة " ما استطاعوا أن يكتبوها..
#عبد_الاله_صحافي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كازاخستان.. الحكومة تأمر بإجراء تحقيق وتشدد الرقابة على الحا
...
-
مركز -بريماكوف- يشدد على ضرورة توسيع علاقات روسيا الثقافية م
...
-
“نزلها حالا بدون تشويش” تحديث تردد قناة ماجد للأطفال 2025 Ma
...
-
مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
فنانة مصرية تصدم الجمهور بعد عمليات تجميل غيرت ملامحها
-
شاهد.. جولة في منزل شارلي شابلن في ذكرى وفاة عبقري السينما ا
...
-
منعها الاحتلال من السفر لليبيا.. فلسطينية تتوّج بجائزة صحفية
...
-
ليلة رأس السنة.. التلفزيون الروسي يعرض نسخة مرممة للفيلم الك
...
-
حكاية امرأة عصفت بها الحياة
-
زكريا تامر.. حداد سوري صهر الكلمات بنار الثورة
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|