أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شيرين يوسف - سيلويت














المزيد.....

سيلويت


شيرين يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1290 - 2005 / 8 / 18 - 08:09
المحور: الادب والفن
    


صباح آخر في مدينتنا ، و رصيف محطة القطار مزدحم بالغرباء ، أبصرته و معطفه الأسود الثقيل يخفي نصف وجهه و حذائه الشتوي ذو الرقبة المرتفعة كنهار معطل و حقيبته ترتجف تحت قفازه الأسود ، بالفعل الطقس بارد و خامل فلا ريح تهز الغيمات فتمطر و لا هبة ساخنة من رياح الخريف تخمد هذا الصقيع ، أبصرته يعدو متجاوزاً كل الوقوف ، انفتحت حقيبته فجأة و انفرطت أسراره على الأرض !!

عشرات من الصور و اللوحات الصغيرة ، و صوت تكسر زجاج ، إنه برواز بلون الفضة المؤكسدة تفر من بين أنيابه صورة مرسومة بطريقة السيلويت ،لا أدري ما الذي دفعني للاقتراب منه و محاولة التقاط تلك الصورة بالذات على الرغم من أن جميع الواقفين لم يفكروا حتى في متابعته و هو يلملم أشياءه ، ناولته الصورة و تمكنت من رؤية وجهه على نحو صريح و دخان سيجارته يصطدم بوجهي ، سعلت على نحو منخفض ، فأنا أكره رائحة التبغ ، رأيت عينيه العسليتين من تحت منظاره الطبي الأنيق و شاربه و لحيته الدقيقة التي يغازلها الشيب ،لا أدري لماذا أدركت أنه ربما عازف بيانو أو رسام أو ربما روائي يعشق الكلاسيكيات فهيئته تشي بذلك ، " أسف آنستي .. لم أقصد مضايقتك بسيجارتي أشكرك على لملمة الصورة و أعتذر لما سببه لك البرواز من جرح " انتبهت إلى خيط الدم النازف من إبهامي و هم يحاول إيقاف النزف بمنديله الأزرق و شعرت باحمرار وجنتي الذي ربما تجاوز حمرة قطرات الدم التي غمرت المنديل ، و سارعت بالقول " لا عليك .. فقط أعجبتني الصورة و لم أتخيلها تطير مع هبة ريح خريفية ربما تأتي " ضحك بدهشة و قد تجمد الدم تقريبا في عروقي من فرط الخجل " الحمد لله .. توقف النزف الآن ، يمكنك الاحتفاظ بالصورة إن رغبت و لكن بعد تنفيذ الشرط " دهشت " أية شرط؟! " ، قال " أن يحوي البرواز صورة أخرى أكثر جمالا ً.. هل تسمحي لي برسم وجهك على طريقة السيلويت ؟! "

كانت الصورة التي يحويها البرواز لمقطع جانبي لوجه امرأة حسناء فباغتته بسؤالي " كيف أوافق على شرط لا أمتلك تنفيذه ؟! " ابتسم و تلاشت عيونه مع ارتفاع وجنتيه النحيلتين " فقط اجلسي لبعض الوقت دون حركة " امتثلت و بدأ برسم اللوحة و سيجارته على جانب فمه و غطت يقظتي في شرود يا ترى من صاحبة الصورة ؟! وكز شرودي بسؤاله :" يا ترى ماذا سنسمي الصورة !؟" أجبت دون تفكير :" دخان " . تعجب و رفع حاجبيه و خلع منظاره الطبي و توقف عن إتمام الصورة و كرر " دخان !!!" قلت :"نعم كتلك اللحظة ... كل اللحظات الحلوة أخالها دخان يتطاير بعد ثوان ٍ " تابع الرسم قائلا ً :" جميل جداً أن تتبخر تلك اللحظات فإنها إن تكررت لن تبقى في الذاكرة لحظة حلوة .. ستموت بالاعتياد .. انظري مثلا ً لتلك اللوحة التي بين يديك رسمتها منذ نحو عامين و أنا في مدينة أوروبية و بيني و بين أرضي ساعات من الغربة و الوجع كنت يومها في المشفى أتعافى ، و باغتتني تلك المرأة بزيارتها فأنا لا أعرفها و لم أرها من قبل ، و تركت باقة من الزهور إلى جواري دون أن تنبث ببنت شفة ، تكرر هذا المشهد ثلاثة مرات ، أستيقظ عند الصباح و أجد باقة الورد حتى انتظرتها ذات مرة و جاءت و سألتها و هربت و لم تأت ِ انتظرتها طويلا ً ثم سألت عنها الممرضة فأخبرتني أن تلك المرأة مات زوجها على ذات الفراش و قد اعتادت زيارة كل مريض يأتي إلى هنا و تهديه الزهور ، صدقيني تمنيت وقتها أن تعود و لكنها و حتى غادرت المشفى لم تأت ِ ، و حين تماثلت للشفاء و عدت إلى بلدي رسمتها دون أن تكن جالسة أمامي ، أخيرا ً هاهي لوحتك قد اكتملت .." نظرت إلى اللوحة إنها بالفعل صورة طبق الأصل لملامحي على طريقة السيلويت طلبت منه أن أحتفظ بها إلا أنه ذكرني بالشرط ، و في تلك الأثناء انطلق صفير القطار و غادر الرصيف و فاتتني الرحلة و هو ظل يبتعد و يغيب كالدخان ...

______________________
السيلويت: نوع من الفنون يعتمد على استعمال اللون الأسود على خلفية بيضاء لإظهار عظام الوجه و تقاسيم الجسد و يطلق عليه أحيانا التصوير التضادي



#شيرين_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرقص على قدم واحدة
- الدمعة العاشرة في عيون سربرينتشا
- قبل أن تظلمنا بريطانيا
- سأرتاح قليلا ً
- القدس ترقد فى البكاء المريمي
- نافذة على الأدب الإسرائيلي
- الرواية كان إسمها زينب


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شيرين يوسف - سيلويت