|
سيرَة حارَة 24
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 4579 - 2014 / 9 / 19 - 17:54
المحور:
الادب والفن
1 في منتصف زقاقنا، ينتصب عمودُ الكهرباء وقد ثبتت لوحة معدنية في أعلاه، كتبَ عليها بحروف بارزة " زقاق الميقري "....! في نهاية الثمانينات، بدأت الأبنية الحديثة تحلّ بمكان تلك القديمة، فكان عمود الكهرباء من أولى ضحايا التخطيط العمراني الجديد. ولكن، ما أثار حفيظة " قربينه " هو اختفاء تلك اللوحة المعدنية، التي تثبت أنّ الزقاق " ميقريّ " النسَب....! عند ذلك، بادر الرجل إلى الاستنجاد بأحد أقاربه الشبان لكي يعينه في البحث عن النسَب الضائع. وإذاً، إثر بعض الجهد في تقليب أنقاض ومخلفات منزل آل " حوطيش " الأثري ( حيث كان ينتصب عمود الكهرباء القديم )، اهتدى القريبان إلى اللوحة المطلوبة. بعد ذلك جلبَ قربينه سلّماً خشبياً ثمّ ارتقى إلى منتصف جدار العمارة الحديثة، كي يثبّت اللوحة المعدنية هناك، فيما كان قريبه الشاب يسند قاعدة السلّم. ما أن نزل قربينه أخيراً، وإذا به يفاجأ باختفاء فردتيّ حذائه، كما أنّ قريبه ذاك لم يكن له أثر. هذا الأخير، ما لبث أن ظهر بعد ساعة على الشارع العام ( جادة أسد الدين ) وهو يحمل فردتيّ حذاء قربينه الهائلتين، المعوجتين من بوزهما. ثمّ أخذ الشاب يصيح بأهل الحارة المتواجدين: " يا عالم، يا هو! هذا هو حذاء قربينه! فهل رأيتم في حياتكم حذاءً نمرته 50؟ "........!
2 " الخرابة "؛ هي المكان غير المأهول، كما نعلم، ومن الممكن أن تكون أيضاً خالية من الأشجار. لقد اشتهرت في حارتنا عدة خرابات، منها ما عُرف بإسم امرأة: " رَزّي آني "، " أم ديبه حسني "، " ستّي سارة ". الخرابة الأخيرة، الواقعة في مكان التقاء زقاقنا مع زقاق الكيكية، عُرفت باسم امرأة مسنّة كانت تمارس مهنة كتابة الحجاب وفك السّحر؛ أي أنّ لقبها، " ستّي "، لا علاقة له بآل البيت....! " خرابة علي كَوشتو "، كانت تقوم في أعلى حارة الكيكية، وقد أخذت اسمَ رجل عجوز، اشتهر بكرشه العظيمة ( كَوشتو: المُلحِم السّمين ) وكان طيّب القلب وطريف الطبع. هذا الرجل، المُزيّن الوجه بشاربين كبيرين ومعقوفين، كان لديه ابن وحيد في مقابل نصف دزينة من البنات. وأكثر أصهاره كانوا من الصوالحة، وربما بسبب أنّ زوجته ( نايفه ) هيَ أيضاً من ذلك الحيّ المجاور. حينما كنا صغاراً، اعتدنا على حضور حفلات منزلهم الكبير، من أعراس وأضرابها، خصوصاً وأنّ صاحبه كان الأخ غير الشقيق لقريبنا " نيّو ". في تلك الحفلات، كانت نساء الدار ينشدن على وقع الدربكة: " يا نايفه يا نايفه، يا مدلله عالطايفه "....! " خرابة علي مشكو "؛ كانت هي أيضاً مركونة في أعلى حارة الكيكية، ولكن من الجهة المؤدية إلى تربة مولانا النقشبندي. هذه الخرابة، انتحلت اسمَ أحد جيراننا السابقين، الذي انتقل مُبكراً إلى تلك المنطقة النائية وعمّر منزله فيها. وقد عُرّف الرجل بدَوره بلقب طريف ( مشكو: الفأر )؛ نظراً لصغر وجهه ودمامته. ومثل صاحبنا ذاك، صاحب الكرش الكبيرة، فإنّ علي مشكو كان لديه ابن وحيد وعدة بنات. الابن، مات شاباً وقبل أن يفرح به والده. أما البنات، فإنهن تزوجن وخلّفن الأبناء فأفرحن قلب أبيهن بالأحفاد. الغريب، أنّ أجمل فتاتين في الحارة كانتا من أحفاد علي مشكو؛ هو المعرّف بالدمامة. وكذلك زوجته، التي كانت عديلة عمّتي الكبرى........!
3 في زمن شباب أمهاتنا، كانت هناك عادات متشددة تلائم الجوّ المحافظ في مجتمع الشام، الاسلامي. إحدى تلك العادات، أنه كان على المرأة ألا تقلّد الرجال في مشيتهم، بل توجّب عليها أن تسير وهيَ مصالبة يديها تحت الملاءة السوداء، التي ترتديها لدى الخروج من المنزل. وبطبيعة الحال، فإنّ الأمر لم يكن يتعلّق بالحرص على انوثة النساء....! ذات ليلة، كانت الأمّ عائدة مع الوالد من منطقة " جسر النحّاس "، وكان برفقتهما العمّ الكبير مع امرأته. هذه الأخيرة، وهي من تلك المنطقة، كانت تسير جنباً لجنب مع أمنا. فما لبثت أن شعرت بالتعب في يديها، فأنزلتهما: " الدنيا عتمة ولا أحد في الشارع "، همست هيَ للأم داعية اياها أن تفعل مثلها. بعد قليل، حانت من العم التفاتة إلى الوراء فرأى المرأتين مستغرقتين في الحديث بصوت منخفض. عند ذلك، خاطب العمّ العتيّ شقيقه بلهجة ساخطة وهو يهز رأسه: " ما شاء الله! صارت النسوة كالرجال في هذا الزمن "....! امرأة عمنا، كانت شقيقة " طراد آغا زركلي "؛ زعيم حارة جسر النحاس. وزواج هذه المرأة بالعم، كان من تدبير شقيقته الأكبر منه سناً. فبما أنّ ذلك الرجل الوجيه، طراد آغا، كان صديقاً حميماً لشقيقها، فقد اقترحت عمّتنا أن تخطب له أخته. وقد راقت الفكرة للعمّ، خصوصاً وأنه كان قد ترمل مذ بعض الوقت. امرأته الراحلة، وكانت معروفة بحُسنها ورقتها، كانت عليلة الصحة فلم يقّدر لها أن تنجب ذريّة. وإذاً، أنجزت عمّتنا المهمّة، وعادت إلى شقيقها لتخبره بأنها رأت عروس المستقبل وأنها رشيقة القوام كحيلة العينين الخ. بعد فترة، جرى حفل صاخبٌ في الحارة من أجل عريس الزين. في صبيحة اليوم التالي، كانت العمّة مشغولة بشأن ما في أرض الديار، حينما أطلّ شقيقها العريس من نافذة غرفته العلوية، لكي يخاطبها بصوت عال: " الله لا يوفقه للغشاش "........!
4 العم الكبير، كان يُشكّل ثلاثياً مرحاً مع صديقيه الحميمين؛ أبو رياح ريسور والشيخ عيد. هذا الأخير، كان مؤذن مسجد الحارة، إلا أنّ ذلك لم يكن يمنعه من مشاركة صديقيه بمجالس الراح والمجون. في ذلك الوقت ( أواسط الخمسينيات )، كانت الشام تتهيأ لانتخابات برلمانية حاسمة. على ذلك، فكّر نوري بك الايبش ( وهوَ شقيق الملّاك المعروف حسين الايبش ) أن يستعين بأصوات أبناء جلدته من كرد الحيّ. ولكن، لسوء حظه، فإنه اعتمد في حملته الانتخابية على ذلك الثلاثي المرح....! العمّ وصديقاه، هُرعوا إلى الكباريه حال تسلّمهم دفعة جيّدة من مال نوري بك، المخصصة لحملته الانتخابية، ولسان حال كلّ منهم يقول: " إي لو، الرجل معتاد كل مرة على دخول البرلمان! ". نهاراً، حينما كانوا يلتقون المرشح العتيد، فإنهم كانوا يؤكّدون له بأن المبلغ كذا دُفع بالأمس على عزيمة لأهل الزقاق كذا من أجل كسب أصواتهم المطلوبة. ثمّ لا يلبث الثلاثي أن يطلب من البك مزيداً من المال. هكذا جرت الانتخابات أخيراً، وكان نوري بك الايبش من أشهر الخاسرين فيها. غير أنّ متعهدي حملته، الذين علمنا حالهم، كانوا غارقين يومئذٍ في النوم إثر سهرةٍ بالكباريه. ثمّ مضت بضعة أيام، وقرر العمّ وصديقاه زيارة نوري بك في مزرعته لكي يقدموا مباركتهم في فوزه بالانتخابات ـ كما توهموا....! كان البك ولا غرو في مزاج سيء، حينما جاء وصيف الدار ليخبره بأنّ آغوات من حارة الأكراد قد قدموا لتهنئته بالفوز. ولما علم البك بأسماء الضيوف، فإن عروقه أخذت تغلي بالغضب وقد اعتقد أنّ هؤلاء المحتالين ( الذين سبق أن وثق بهم ) أتوا الآن للسخرية والشماتة. بعد دقائق، فتح الوصيف باب المزرعة الرئيسي للعم وصديقيه داعياً اياهم للدخول. فما أن صار هؤلاء في منتصف الطريق إلى باب الفيلا الداخلي، وإذا بهم يباغتون بثلاثة كلاب كبيرة تجري باتجاههم وهيَ تنبح في شراسة، فأطلقوا ساقهم للفرار وهم يصرخون طالبين النجدة.,!
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرَة حارَة 23
-
سيرَة حارَة 22
-
سيرَة حارَة 21
-
سيرَة حارَة 20
-
الرواية: الفصل الرابع / 2
-
الرواية: مستهل الفصل الرابع
-
سيرَة حارَة 19
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 7
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 6
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 5
-
سيرَة حارَة 17
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 4
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 3
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثالث / 2
-
تاجرُ موغادور: مستهل الفصل الثالث
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 6
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 5
-
تاجرُ موغادور: الفصل الثاني / 4
-
تاجرُ موغادور: بقية الفصل الثاني
-
تاجرُ موغادور: تتمة الفصل الثاني
المزيد.....
-
تركي آل الشيخ يشوق متابعيه بالمزيد من كواليس فيلم -Seven Dog
...
-
وفاة فنانة سورية شابة بعد تعرضها لأزمة صحية (صورة)
-
وفاة فنانة سورية.. أدركت موتها قبل أيام بمنشور على فيسبوك
-
هآرتس: مدينة -تل أبيب- التوراتية لم توجد قط
-
تمتلك أسرار ثروة ضخمة.. الممثلة السعودية ريم الحبيب بمسلسل -
...
-
طهران.. مهرجان فجر السينمائي منصة فنية مهمة في المنطقة
-
سقوط -شمس الأغنية- على المسرح وحملها علم الثورة السوري يثير
...
-
أزياء وفنون شعبية وثقافة في درب الساعي
-
رحيل أسامة منزلجي.. رحلة حياة في ترجمة الأدب العالمي
-
مصر.. مفاجأة في قضية طلاق الفنان الراحل محمود عبد العزيز وبو
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|