بن جبار محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4578 - 2014 / 9 / 18 - 07:42
المحور:
الادب والفن
خديجـة تزوجت زواجا تعيسا من زوج أكلته الرمال ، و هـو اليـوم بين فكي فتاة عشرينيـة لـم يتمكن من الإستقـرار بهـا ، نظرا للعـروض القـويـة المقدمـة من رجال آخـرين ، فالجنس في الجنوب يخضع لسوق العـرض ، سلعـة مثل كل السلع ، قانون المزادات ، من يدفـع أكثر ، وغالبا هؤلاء العمال من يتخذ زوجة في الشمال بمنأى عن المنـاطق البترولية و الصنـاعيـة لأجل إنجاب أبنـاء ، يكبرون في رعـاية أمهم و لا يعـرفـون آبائهـم إلا في فترات مستقطعــة ، صـورته و ملامحه تبقى ضبابيـة ، أحيانا رماديـة أو غير واضحـة تماما ، فالأبناء يعـاملون أبائهـم كأشخاص غرباء أو مجرد أزواج أمهــاتهم ، فالأب عندما يأتي من الجنـوب يتعـمد في الإحتفـاء بأبنائـه ، يشتري لهـم كل شيء ، يأخذهـم في رحـلات إستجمـاميـة للتعـويض عن النقص الفادح في الأبـوة ، يظهـر عــواطفـه الجياشـة ، تكاد تكون كاسحـة ، ما يلبث أن ينسى كل شيء و الأبناء ينسون أبائهم و قد آلفوا أغلب فترات حياتهم بدون أب ، تمـاما مثل قنــوات المياه عندنـا التي تسقي البساتين ، تأتي دفعـة واحدة ، تسقي البساتين العطشى في عدة أيام ثم تنقطــع لموسم كامل ، لكن البساتين تبقى دائما بحــاجـة إلى تواجد المياه بإستمرار ، كانت خديجـة تقص قصـة زوجهـا و قصـة عمال الجنوب و هـي لـم تره منـذ فتـرة طويلـة ، أتذكــر أنهــا كانت تتنهـد و قـد تملكهـا الحزن ، نبرة صوتها حفرت في عميقا ، يأتي زوجهـا لأيام معدودة ثم ينصـرف كضيف أدى واجب الضيافـة بإمتياز ، قالت لي خديجـة أنهــا تعـود إلى معــانقـة الفراغ ،تستهـلك بقايا ليال موحشـة بالندم و نصيبها الحياتي الذي لـم يكتمل في إحدى وجوهه ، يرحل زوجهـا فنتطفيء تلك الشمعـة التي أضاءت أيام المعدودة المحسوبـة على توقيت محدد ، يخيم السكون في روحهـا ، سكون بإيقاع حزين رتيب طـويل ، تتفـادى ان تعــود إلى سريرهـا الموحش الذي يثير ذكريات إلى حد البكاء و النحيب ، أبواب بيتهـا تحمل أغــراضهــا و تذهب لتقيم عند والدتهــا طويلا .
#بن_جبار_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟