|
بحثٌ في أسباب الهزيمة: المرأة العربيّة
زيد عيد الرواضية
الحوار المتمدن-العدد: 4577 - 2014 / 9 / 17 - 01:00
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
بحثٌ في أسباب الهزيمة: المرأة العربيّة لقد تعددت صورةُ المرأة في الحضارات القديمة، فنجدها عند البعضِ آلهةً للحب والخصب والعطاء، كما نجدُها لدى حضارات أخرى مخلوقاً شريراً يسفكُ دماءَ الرجال، ويفتكُ بالأطفال، ويزرعُ الموتَ والهلاكَ في الأرض. لقد كانَ الرجلُ الذي عبدَ المرأة ورأى فيها مصدرَ البعثِ والحياة في المجتمعات الأنثويّة هو نفسه الذي انقلبَ عليها وحوّلها إلى أفعى شريرة في المجتمعات الذكوريَّة. وفي مصر الفرعونيّة تمتّعت المرأة بمكانة تفوقُ المكانة التي تحظى بها المرأة المصريّة اليوم، وربما بمكانة تفوقُ تلك التي نالتها المرأة الأوروبية بعد سنيّ النضال. وفي فترة لاحقة فقدتِ المرأة مكانتها لعهود طويلة من الزمان، واستغلت المجتمعات الأبويّة السلطةَ الدينيّة لتهميشِ المرأةِ وسلبها حقوقها، واختلقت نصوصاً وتفسيرات تضفي شرعيَّةً على ممارساتها. وناضلت المرأة طويلاً من أجل الحصولِ على حقوقها، وقدمت المجتمعات الأوروبية شهيدات ضحينَ بأنفسهنّ من أجل الحرية والعدالة والمساوة. لكنَّ ما يشغلني هنا هو المرأة العربيّة لأنها، في اعتقادي المتواضع، ضحيّة مسلوبة الإرادة في كثير من مناحي الحياة الاجتماعيّة والسياسية، ولأنها في الوقتِ نفسه تساهمُ في نشوء أجيال ذكوريّة مُستَعبِدة وأخرى أنثويّة مُستَعدِّة للعبوديّة. تحظى المرأة بمكانة متفاوتة في البلادِ العربيّة، ففي حينِ أنها قد نالت نصيباً من احترامِ الدولةِ لها وحظيت ببعضِ أشكال المساوة مع الرجل في الممارسة السياسية وحقوق المواطنة في بلاد مثل تونس ولبنان والأردن، نجدها لا تزالُ تناضلُ من أجلِ الحصولِ على حقها البريء في قيادة سيارتها الخاصة في بعضِ البلاد الأخرى. سأطرحُ الأردنّ نموذجاً، وهو، في ظنّي، بلدٌ متقدمٌ بمئات السنين الضوئية مقارنةً ببعض الدول العربيّة الشقيقة المجاورة، لكنه، في الوقتِ نفسه، متأخر مئات السنين الضوئية تضافُ إلى مئاتِ أشقائه العرب إذا ما قورنَ بالعالم الأول وبعضِ الدول النامية مثل تركيّا. ففي هذا البلد الصغير تحاولُ الدولة انصاف المرأة ومساواتها مع الرجل، وتصرفُ جهداً محموداً لتمكينها من الوصول إلى مواقع المسؤولية وصنع القرار، غيرَ أنها لا تلتفتُ إلى القاعدة وإلى أساس المشكلة، فالوعيّ الجمعيّ للأردنيين ليسَ مُستعداً بعدُ للاقتناعِ بأنَّ المرأة يمكنها أن تنجز وتبدعَ تماماً مثل الرجل، فهي كائنٌ غير مستقل بقراره وأفكاره وتصرفاته، وحتَّى نتغلبَ على هذه المعضلة لا بدّ أن تكونَ البداية من الطفل ومن المدرسة التي يقضي فيها وقتاً أكثر من الذي يقضيه لدى أبويه. بدايةً علينا أن نعترفَ بالمشكلة، فنحنُ مجتمعٌ يقتلُ براءةَ الأطفال ويحولهم إلى عناصر مطيعة بسلطان القوة لا بسلطان العقل، فعالم الطفل عالم بريء يكتشفُ فيه الأشياءَ ويقبلُ فيه على الحياة بحبّ شديد، وحتّى نضمنَ سلامةَ تكوين الطفل يجبُ أن نتركَ له مساحةَ الاكتشاف وفسحةَ التجربة، ولا يكونُ ذلك إلا إذا نشأ في بيئة سليمة توفرُ له اللقاء والنمو من الجنس الآخر. فالفصلُ بين الذكور والإناث في التعليم المدرسي يخلقُ أجيالاً مصابة برهاب اجتماعي، وانفصام شديد، وضعف في الشخصية، وسوء إدارة للوقت وتبذير للطاقة الذهنية والعاطفية. فحينَ يدخلُ الطالب إلى الجامعة بعد سنيّ "القحط والجفاف" يبدأ مرحلة الطفولة والمراهقة المتأخرة معاً، فيقضي سنوات الدراسة بحثاً عن فتاة تعيشُ بدورها مرحلة الطفولة والمراهقة معاً، ويكتشفان هذا العالم وكأنهما يخرجان من الغابة للتو، كلاهما خائف متوجّس، كلاهما يريدُ شيئاً ويعبرُ عن شيء آخر، كلاهما يكذبُ ويسرفُ في الكذب، وكلاهما يستنزفُ وقتَ ومشاعرِ الآخر. بالطبعِ سيتهمنا "حرّاس الشرف" والذائدون عن حمى الأخلاقِ العربيّة بالدعوة إلى الاختلاط وبالتالي إلى الانحلال والفجور والانحطاط، وهذه في الواقع صفاتٌ متوفرة بكثرة في أشدّ المجتمعات محافظةً، ذلك أنّ ثقافةَ التحريم والكبت لا تسهمُ سوى في خلقِ مجتمعٍ منافق يمارسُ كلّ المحرمات بشهوة جنونيّة مريضة. فالواقع يثبتُ أنَّ البيئة الحرة كفيلة بخلق مجتمع سليم قادر على الإبداع والتفكير، في حينِ أن ثقافة المنع والكبتِ تخلق أجيالاً عنيفة تضيفُ هزائماً فوق هزائمنا. إنَّ المجتمعات العربيّة مجتمعات مصابة بشلل نصفي، فثمَةَ عقلٌ واحد يعمل هو عقل الرجل، وإن كنَّا نعتقدُ بأن المرأة ضحيّة، فإنّ هذا لا يبررُ لها الخنوعَ وانتظارِ الغدِ المشرق دونَ عمل، بل عليها أن تتطوّر، وإن عجزتْ عن الثورة، فلتغرس بذورها في أبنائها ليكونوا هم شمسُ الغد.
#زيد_عيد_الرواضية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متاهة الأعراب في مواجهة الإرهاب
المزيد.....
-
مصادر سورية:مقتل 14 امرأة ورجل واصابة 15 امرأة بانفجار سيارة
...
-
جميعهم من النساء.. قتلى وجرحى بتفجير سيارة في منبج شرقي حلب
...
-
الولايات المتحدة.. النساء نصف المجتمع -سكانيا فقط-
-
دعوة للكتابة في العدد الثالث والعشرين من مجلة طيبة حول النسا
...
-
” راتب من الدار ” منحة المرأة الماكثة في البيت بالجزائر 2025
...
-
مقررة أممية: اعتداءات إسرائيل على النساء الفلسطينيات جزء من
...
-
بين القابلة والطبيبة النسائية.. قيود اجتماعية تعيق وصول النس
...
-
مقتل سيدة على يد شريكها.. إسبانيا تسجل أول ضحية للعنف ضد الن
...
-
من تعدد الزوجات الى التطاول الجنسي على الأطفال
-
“رابط متاح” التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت 2025 بال
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|