ماذا تبقّى من عراقة الموصل ؟

جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 21:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

تردنا الانباء من الموصل الحدباء ان العشرات من الجوامع والمراقد المقدسة والأضرحة والمزارات الدينية الكثيرة التي تحتضنها ام الربيعين قد تعرضت للهدم والإزالة بطرائق اقل مايقال عنها انها تهدف الى محو الإرث الموصلي العريق بشكلٍ متعمّد ومقصود ومعدّ سلفا وفق طريقة جهنمية مرسومة لأخلاء ارض آشور الموغلة في التاريخ وطمس اية آثار تنبئ ان المجد الانساني بدأ من هنا حيث لم تسلم حتى التماثيل الراقية والمعالم العريقة من النسف بالمتفجرات والهدم بآليات لم تُبقِ لها أثَرا سوى الانقاض والأتربة وأكوام الحجارة
والغريب ان منظمة اليونسكو التابعة للامم المتحدة والمعنيين بالحفاظ على التراث لاتستطيع عمل ايّ شيء قد يوقف هذا التخريب المتعمد سوى نداءات خافتة الصوت واقامة المؤتمرات في العواصم المجاورة واعلاء صوت المناشدات التي لم تلقَ أذانا صاغية امام عتاة التخريب الذين يرون في هذه المعالم العريقة كفرا ويعتقدون بالنصب والتماثيل اصناما يجب ازالتها فماذا تفعل الاصوات الخافتة امام هدير التخلّف والهمجية الصاخبة ؟؟
ومن خلال متابعتي لأوضاع الدمار لهذه الاماكن الاثرية التي لم تعد خالدة الاّ في ذاكرتنا كان لزاما ان اذكر بعضا من هذه الآثار التي عملت داعش على محو معالمها بشكلٍ مؤكد منذ دخولها في العاشر من حزيران الماضي رغم التعتيم والتمويه الذي مارسه البعض خوفا من زمر الهمجية ، فما أذكره ادناه موقنٌ بصحته بسبب تواصلي الدائم مع اصدقائي في نينوى وهم من زوّدني بتلك المعلومات عن عمليات التخريب والهدم بواسطة الشفلات او النسف بالعبوات الناسفة والمتفجرات
-- تدمير جامع النبي يونس/ع والمشيد على تلة آشورية والذي يعود تاريخه الى القرن الرابع عشر الميلادي اذ من المعروف ان هذا الاثر الخالد يعتبر مهوى الموصليين على اختلاف عقائدهم والذين تعلّقوا بهذا النبيّ المعذّب ذي النون حتى كثرت التسميات الذكورية لأهالي الموصل الكرام وصار شائعا جدا من يسمي ابنه يونس أو ذو النون / لافرق تبرّكا واستحبابا وتعلّقاً
-- تدمير جامع النبي جرجيس الذي بني في العام 1400 م وكذا جامع النبي شيت الذي بني عام 1647 م وهما من المساجد المعروفة الخالدة في نفوس الاشقّاء الموصليين ومقصدهم الدائم لاقامة شعائر صلاة الجمعة واقامة الولائم الرمضانية العامرة في وقتي السحور والإفطار للغرباء والمعوزين
-- تدمير جامع الشيخ فتحي المشيد عام /1050 م وجامع ومرقد الشيخ قضيب البان المبنيّ منذ عام/1150 اضافة الى مرقد الامام الباهر الذي يعود تاريخه الى العام / 1240 وهذه الجوامع تعدّ من اهم المزارات التي يقصدها الموصليون في المناسبات الدينية وهي من الاضرحة الاقدم في ارض الربيعين
-- هدم جامع الشيخ الامام يحيى ابي القاسم وضريح الامام عون الدين المقام منذ سنة / 1248
-- تفجير قبر المؤرخ الكبير ابن الاثير الجزري والإطاحة بتمثالي الشاعر ابي تمام وتمثال الموسيقي الالمعي البارع الملا عثمان الموصلي المتوفى سنة /1923 م وهؤلاء من كبار المفكرين التي تعتزّ الموصل بهم أيّما اعتزاز
-- اما المراقد التي اصبحت ركاما فهي مرقد الامام ابراهيم المبني في القرن الثالث عشر الميلادي ومرقد الامام عبد الرحمن والإمام عبد الله بن عاصم الذي يعود نسبه الى عمر بن الخطاب ويعدّه الموصليون حفيدا للفاروق
-- نسف مرقد الشيخ الجليل احمد الرفاعي وإزالة ايّ اثر له تماما وتسويته بالأرض
وللإيضاح اذكر ان تلك المعلومات المؤكدة قد استقيتها من اصدقائي الموصليين بعد ان تضاربت الانباء في شأن هذه المعالم الحضارية العريقة حول زوالها او بقائها وأيقنت تماما بان ما سطرته بهذه الفقرات صحيح مئة بالمئة
ويجدر ان اشير الى ان متحف الآثار في الموصل الان قد تم السيطرة عليه من قبل رجال داعش ولايخفى كمية المخزون الهائل من القطع الاثرية التي تعدّ بالآلاف وكلها من النفائس التي لاتقدر بثمن وغالبيتها تعود الى العصر الاشوري في ارض نينوى الاسيرة بيد داعش حيث تردنا الانباء عن تهريب بعض المخطوطات النفيسة الى تركيا للمتاجرة بها ومنها نسخ نادرة جدا من القرآن الكريم تعود الى اربعمئة عام مضت او يزيد
مثل هذه الممارسات المخزية وازالة المعالم الدينية والتاريخية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالذاكرة الموصلية سواء كانت جمعية او فردية فعلت فعلها في خلق صدمة ليس للموصليين فحسب بل وللعراق كلّه اذ يصعب جدا ان ينسلخ الانسان من تراثهِ ويرى المكان المقدس العالق في ذاكرتهِ يصير خرابا وأكواما من الانقاض والحجر
قد يُقفر الاثر ويُمحى ويزول ولكن أنّى له ان يختفي من الذاكرة الجمعية والفردية

#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات