|
وش سجون
اوليفيا سيد
الحوار المتمدن-العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 20:54
المحور:
الادب والفن
قادنى حظى العاثر فى محاولة للتنقل بين محطات التلفاز وشاهدت برومو فيلم "وش سجون" المزمع عرضه فى عيد الأضحى، الفيلم إنتاج مجموعة قنوات تايم سينما وتأليف مصطفي السبكي. برومو الفيلم عبارة عن "أغنية شعبية راقصة"، أو كما يطلقون عليها وفقا لمصطلحات ومتغيرات الوقت الحالى "مهرجان"، يغنى فيه أشخاص يدعون عمرو الجزار، زيزو الجنتل، غاندى.. هذا إسم الأول وليست مهنته ، وهكذا ألحق الثانى بنفسه صفة الجنتل ،أما الأخير فلا يمت بصلة بالزعيم غاندى بالطبع، يرقص بملابس السجن داخل الزنزانة كل من باسم سمرة ، أحمد وفيق، ويتعارك أحمد عزمى مع مسجون آخر، والمشهد لا يخلو من كومبارس فى دور سجين يستعرض قدرته على لعق سلاح أبيض وتمريره فوق لسانه، ومشهد يرقص فيه باسم سمرة بكلاشينكوف فوق مسرح فى فرح شعبى ، الأمر لا يخلو بالطبع من العنصر التشويقى بالفيلم وخلطة نجاح أفلام الموسم وبهاراته "العنصر النسائى الراقص"، وكأن عنصرى نجاح أى فيلم يتلخص فى بلطجى وراقصة، تشجيع لأعمال البلطجة ومباركتها والمفاخرة بها والتقليد وتشجيع للتحرش من ناحية أخرى، مشهد آخر يطلق فيه البطل الرصاص بالشارع للترهيب، وفى خلفية المشهد تتعالى الموسيقى ، وهنا أريدك أن تنسى تماما الموسيقى التصويرية لمودى الإمام فى فيلم الهروب، وأن تنسى الموسيقى التصويرية لفؤاد الظاهرى فى فيلم صراع فى الوادى، فأنت أمام واقع ان لم يكن مظلما فعلى أقل تقدير واقع باهت ، كلمات أغنية الفيلم تقول ... (احنا الحبسجية رجالة ومية مية وملوك الدنيا ديا ) فى حالة تفاخر واشادة بأنفسهم كأصحاب سوابق ، ليأتى الكوبليه الذى يليه (السجن للجدعان هاخرج وأعمل قلبان) .. أتذكر أننى فى مراحل دراستى كنت عاشقة للغة العربية وكنت أهتم بقواعد النحو والنصوص، كنا فى حصة النصوص نأخذ بيت شعر من القصيدة ونستخرج منه المعانى الجمالية ، استعارة مكنية، تشبيه بليغ.. الخ لذا سأقتبس تلك الطريقة فى استخراج المعانى ولكن ليس المعانى الجمالية ، انما المعانى الضحلة ، ففى الكوبليه (السجن للجدعان) اسلوب تفاخر بالخروج عن القانون ، (هاخرج وأعمل قلبان) اسلوب وعيد بنية اشاعة الفوضى فى المجتمع وليس للتوبة عما سلف، ثم يسهب صاحب الأغنية أو المهرجان (السجن ده سجننا ، تعرف تعمل زينا؟) دعوة للتقليد ، (الدنيا دى دوارة تتلف كده فى سيجارة) تشبيه بليغ حيث شبه الدنيا بسيجارة الحشيش ، رحم الله يوسف بك وهبى الذى وصفها بالمسرح الكبير! وتبقى الاشكالية التى طرحت كثيرا من قبل ، هل الفن بأعماله التى يقدمها يوجه المجتمع نحو سلوكيات معينة؟ أم أن المجتمع هو الذى يصدر صورته ليقدمها الفن؟ المدافعون من الجمهور أو صانعى الأفلام يبررون أن الممثل لابد أن يقوم بكل الأدوار فنحن لسنا فى المدينة الفاضلة ولا نحيا فى عالم مثالى .. وأقول لهم إن دور السجين تم تناوله قديما بشكل أكثر رقيا عن ذلك سواء فى اطار ميلودرامى أو فى نطاق كوميدى ساخر. فاذا ما تناولنا دور السجين فى الميلودراما حتما سيتألق الرائع الراحل فريد شوقى وسيقفز إلى مخيلتنا فيلم "جعلونى مجرما" انتاج 1954 إخراج عاطف سالم ،هذا الفيلم الذى برع فيه كل مقدمى العمل، أذكر أن فريد شوقى هو من كتب القصة بنفسه اقتباسا من قصة حقيقية، ولم يكن الفيلم عملا فنيا رائعا فحسب بل لعب دورا فعالا فى تعديل القانون الجنائى آنذاك ، حيث صدر قانونا مصريا عقب عرض الفيلم ينص على الإعفاء من السابقة الأولى فى الصفحة الجنائية للمقضى عقوبته بالحبس حتى لا يوصم للأبد وليتمكن من بدء حياة جديدة دون ملاحقة ماضيه. ولقد آثرتنا السينما المصرية أيضا بدور سجين من طراز آخر كما قدمته فى فيلم "كلمة شرف" سنة 1972 للمخرج حسام الدين مصطفى، وكانت مباراة فنية رائعة بين ثلاث عمالقة مثلوا ثلاثة أضلع فى مثلث نجاح الخط الدرامى للفيلم ، فريد شوقى كمسجون برىء، أحمد مظهر كضابط يغلب عليه الحس الانسانى أكثر من دور الجلاد ، ورشدى أباظة كمأمور للسجن والذى لم يتجاوز دوره مشهدين بنهاية الفيلم وبالرغم من ذلك فقد أضاف له بريقا خاصا. كلمة شرف يعطها رجل ويبر بوعده – حتى لو كان هذا الرجل سجين فى عداد الخارجين عن القانون. وفى مقارنة فاسدة بين آخر كلمة فى فيلم "كلمة شرف" وآخر جملة فى برومو فيلم "وش سجون"، نجد أن آخر كلمة فى الأول كانت "كلمة شرف" لتنزل كلمة النهاية على الشاشة معلنة نهاية الفيلم، ونجد آخر جملة فى برومو فيلم وش سجون "حبسة خرة سببها مره"!معلنة نهاية الإعلان. الفرق بين النهايتين هو الفرق بين زمنين، بين جمهور وجمهور، بين فكر وفكر، بين بيئة إجتماعية وأخرى، بين معانى ومتغيرات، بين كلمة شرف وإنعدام شرف. أما اذا تناولنا دور السجين من الناحية الكوميدية فلن نجد أظرف من فيلم 30 يوم فى السجن ، اخراج نيازى مصطفى 1970 ، قدم لنا الفيلم نموذج السجين خفيف الظل "جنجل أبو شفتورة" محمد رضا ، حرامى الغسيل وافيهاته البسيطة التى تضحك دون بذائة أو اسفاف، ويظل مشهد لقاؤه الأول بفريد شوقى بالزنزانة من أجمل مشاهد الفيلم حيث تبادل كلاهما أجمل العبارات الكوميدية بالفيلم . لم نشعر بإجرام الضيف أحمد أو جورج وسمير، ونسينا فى سياق أحداث الفيلم أنهم خريجى سجون، وفى لمحة أخرى سريعة لا ننسى الفنان الجميل إبراهيم سعفان فى أحد أدواره الكوميدية فى فيلم "انت اللى قتلت بابايا"، ذلك السجين الهاوى للعبة الشطرنج، لعبة المفكرين، وفيلم "احنا التلامذة" انتاج 1959 والذى حول قصة ثلاث متهمين إلى قضية إجتماعية شائكة وإعادة النظر حول طريقة تربية الأبناء، كما كان للفنان عبد الوارث عسر دور لا يمحى فى تاريخ السينما المصرية خاصة مشاهده خلف القضبان بفيلم صراع فى الوادى. وبعيدا عن ظلال الأبيض واسود ، ففى فيلم "حب فى الزنزانة" انتاج 1983 للمخرج محمد فاضل شاهدنا قصة حب ولدت من رحم المعاناة بين كل من صلاح وفايزة ، ورغم أن الفنان الراحل "على الشريف" قدم بالفيلم دور قاتل مأجور الا أننا لم نشعر بمدى وحشيته واجرامه ، لم يحمل موسا فى فمه ولم يخرج قطعة حشيش من طيات ملابسه ، لم يتفوه بكلمة تخدش الحياء، وفى المشهد الذى يجمعه بعادل امام ويحى الفخرانى - زملائه بالزنزانة - حيث يحكى لهم أن امرأة كلفته بقتل رجل لكنه أشفق على المرأة ولم يأخذ منها ثمن فعلته مبررا ذلك بأنها "كان داخل عليها عيد"، وأردف قائلا"على الله القاضى بقى يقدر ظروفى" ليجيبه عادل امام "هى مش كان داخل عليها عيد؟ يبقى كل سنة وانت طيب"، لتتجه كاميرا محمد فاضل نحو وجه على الشريف وهو يبتسم فى براءة يحسد عليها. مر على هذا الفيلم واحد وثلاثون عاما لكننا نتذكره بمشاهد المنديل الأخضر الذى كانت تلوح به سعاد حسنى من بين القضبان ، مازلنا نتذكر الحوار الذى كتبه إبراهيم الموجى بين عادل امام وسعاد حسنى ، مازلنا نتذكرموسيقاه التصويرية لعمار الشريعى. كذلك مر على فيلم 30 يوم فى السجن أربعة وأربعون عاما ومازلنا نضحك ملء قلوبنا لافيهاته ونتداولها "أصل أنا بقص الكلا.. الكلام يعنى". الجمال والفن باق .. والقبح إلى زوال.
#اوليفيا_سيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر اليوم فى عيد
-
كم من يهوذا على هذه الأرض
-
الرجل فتنة وعورة!
المزيد.....
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|